منتدى منارة دشنا
شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام GWGt0-n1M5_651305796
منتدى منارة دشنا
شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام GWGt0-n1M5_651305796
منتدى منارة دشنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
علي عبد الله
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
علي عبد الله


ذكر

العمر : 53
عدد الرسائل : 3082
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 2:34 pm



الكتاب : شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام
للشيخ عبدالرحمن السحيم
123-كتاب الصيام
شرح الحديث الـ 184
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه .
لفظه عند البخاري : لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم .
فيه مسائل :
1 = الصيام لغة : الإمساك
وفي الشرع : إمساك مخصوص من شخص مخصوص عن شيء مخصوص في زمن مخصوص بقصد التعبد لله .
2 = فُرض الصوم في السنة الثانية من الهجرة .
وهو الركن الرابع ، وعند بعض العلماء هو الخامس ، كما هو صنيع الإمام البخاري فإنه روى حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - بلفظ : بُني الإسلام على خمس : شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقامِ الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصومِ رمضان .
والمُلاحظ أن أمة الإسلام تهتم بالصيام وبشهر الصيام ولا غرابة في ذلك ، ولكن أن يكون الاهتمام بما فُرِض في السنة الثانية من الهجرة أولى بما فُرِض قبل الهجرة بل فُرِض على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فوق سبع سماوات لما عُرِج به هذا مثار الغرابة .
(1/396)
والحكمة من الصوم هي تحقيق التقوى ( كُتِبَ عَلَيْكُم الصِّيام ) الآية .
3 = أول ما فُرض الصيام كان صيام يوم عاشوراء .
قالت عائشة رضي الله عنها : كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فُرِض شهر رمضان قال : من شاء صامه ، ومن شاء تركه .
وفي رواية قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيامه قبل أن يُفرض رمضان فلما فرض رمضان كان من شاء صام يوم عاشوراء ، ومن شاء أفطر . رواه البخاري ومسلم .
وهذا من التدرّج في التشريع .
4 = على مَن يجب الصيام ؟
يجب على كلّ مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خالٍ من الموانع .
5 = لا تتقدّموا . أصلها لا تتقدّموا ، كما في قوله تعالى : ( وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ ) يعني لا تتيمموا الخبيث ولا تقصدوه .
6 = فيه رد على مَن كرِه أن يُقال " رمضان " دون تقييده بشهر .
والحديث الوارد في ذلك ضعيف جداً بل حكم جمع من العلماء بأنه موضوع
وهو : لا تقولوا رمضان ، فإن رمضان اسم من أسماء الله ، ولكن قولوا : شهر رمضان .
7 = النهي محمول على الكراهة .
قال عمار - رضي الله عنه - : من صام اليوم الذي يَشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم . روا أبو داود والترمذي والنسائي .
8 = حكمة النهي تتمثل في :
أ - تمييز العبادات بعضها عن بعض ، فتُميّز النوافل عن الفرائض
ب - النهي عن التكلّف والغلو . لقوله صلى الله عليه وسلم : إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين . رواه النسائي وابن ماجه .
وليس هذا من باب الاحتياط مما يدلّ على أن هذا الباب ليس على إطلاقه ، أعني ما يتعلق بالاحتياط ؛ لأنك لو أخذت بالأحوط في كل مسألة لأخذت بالأشدّ ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن الدِّين يُسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا . رواه البخاري .
(1/397)
أما تمييز العبادات بعها عن بعض ، فتُميّز النوافل عن الفرائض فليس هو في الصيام فحسب
روى مسلم في صحيحه عن عمر بن عطاء أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابنِ أختِ نَمِر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة فقال : نعم .صليت معه الجمعة في المقصورة ، فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصلّيت ، فلما دخل أرسل إلي فقال : لا تعد لما فعلت . إذا صليت الجمعة فلا تَصِلْها بصلاةٍ حتى تكلّم أو تخرج ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك . أن لا تُوصلَ صلاةٌ بصلاة حتى نتكلم أو نخرج رواه مسلم .
وروى أبو داود عن الأزرق بن قيس قال : صلى بنا إمام لنا يُكني أبا رمثة فقال : صليت هذه الصلاة أو مثل هذه الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم . قال وكان أبو بكر وعمر يقومان في الصف المقدم عن يمينه ، وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة فصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم سلم عن يمينه وعن يساره حتى رأينا بياض خديه ، ثم انفتل كانفتال أبي رمثة - يعني نفسه - فقام الرجل الذي أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفع ، فوثب إليه عمر فأخذ بمنكبه فهزه ثم قال : اجلس ! فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلواتهم فصل . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره فقال : أصاب الله بك يا ابن الخطاب . ورواه الإمام أحمد ( عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) ورواه الحاكم وصححه ورواه البيهقي .
ومثله النهي الوارد هنا ، فإن من فوائده أن لا تُوصل فريضة بنافلة .
فصيام رمضان لا يُتقدّم بصيام يوم ولا يومين ، ولا يوصل بصيام الست ، وإنما يُفصل بينه وبين صيام الست من شوال بيوم العيد .
9 = فيه الردّ على أهل البدع المتنطّعين الذين يتقدّمون صيام رمضان بيوم أو يومين ؛ إما مُخالفة لأهل السنة كالرافضة ، وإما احتياطاً ، وإما أنهم يقولون بالعدد دون اعتبار الرؤية .
10 = فيه فضيلة لمن كان يُحافظ على النوافل .
(1/398)
فالذي يُحافظ على النوافل يُشرع له قضاء النافلة إذا فاتته
ومثل الذي يُحافظ على صيام النوافل ، فإنه - عليه الصلاة والسلام - قال هنا :
إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه .
فلم يستثنِ إلا من كان له صيام يصومه ، كمن يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، ومثله من يصوم الاثنين والخميس ، فإذا وافق نهاية شعبان يوم خميس أو يوم اثنين وكان تعودّ صيام تلك الأيام فإنه يصوم ولا يشمله النهي .
والله تعالى أعلى وأعلم .
-------------------
124-رؤية الهلال
شرح الحديث الـ 185
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غُمّ عليكم فاقدروا له .
فيه مسائل :
1 = إذا رأيتموه . المقصود به الهلال ، ويُفهم من سياق الكلام . كما في قوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) فالضمير يعود على القرآن .
وقد جاء في رواية لمسلم : الشهر تسع وعشرون فإذا رأيتم الهلال فصوموا .
وفي راية للبخاري : لا تصوموا حتى تروا الهلال .
وفي رواية له من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا .
2 = قوله : فصوموا . يعني انووا الصيام ؛ لأن اللي ليس محلا للصيام .
وفيه دليل على وجوب تبييت نية الصيام من الليل .
3 = إذا رأيتموه .
الأولى لدخول هلال رمضان ، والثانية لدخول هلال شوال .
4 = فإن غُمّ عليكم .
أي حال بينكم وبينه غيم أو قتر .
وفي رواية البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه : فإن غُمّ عليكم فصوموا ثلاثين يوما .
وجاءت رواية لهذا اللفظ ( غُمّ ) بلفظ : غُبّي
فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم ، فأكملوا عِدة شعبان ثلاثين .
5 = فاقدروا له .
هذا فيما يتعلق بشهر شعبان وفيما يتعلق بشهر رمضان .
(1/399)
فالمعتبر شرعاً هو أحد أمرين :
لأجل الصيام :
إما رؤية هلال رمضان
وإما إكمال شعبان ثلاثين يوماً
وبالنسبة للإفطار :
رؤية هلال شهر شوال
أو إكمال رمضان ثلاثين يوماً
وبهذا جاءت الروايات :
فأكملوا عِدة شعبان ثلاثين . كما في رواية البخاري .
فإن غُمّ عليكم فصوموا ثلاثين يوما . كما في رواية البخاري أيضا .
6 = لا عِبرة بمعرفة منازل القمر ، أو الحساب الفلكي .
إذ المعتبر شرعاً ما كان مُعتبراً في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
والمعتبر كما في الأحاديث المتقدمة هو الرؤية أو إكمال العِدّة .
والله - عز وجل - لا يكلف العباد إلا ما يُطيقون .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - رسالة حول الحساب الفلكي .
7 = رؤية الثقة لدخول الهلال كافية للحكم بوجوب الصوم على أهل ذلك البلد ، إذ المسلمون يسعى بِذمّتهم أدناهم ، وهم كالجسد الواحد . كما قال - عليه الصلاة والسلام - .
8 = فيما لو لم يُعلم بدخول الشهر إلا بعد طلوع الفجر .
يجب عليهم الإمساك والقضاء بعد رمضان .
9 = لو نام الإنسان ليلة الثلاثين من شعبان - وهي ليلة يوم الشك - ثم قال : إن كان غداً من رمضان فأنا صائم . فهل يصح صومه ؟
-------------------
125-السحور
شرح الحديث الـ 186
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسحروا فإن في السَّحور بركة .
فيه مسائل :
1 = السّحور : بالضم الفعل . وبالفتح ما يُتسحّر به .
2 = السُّحور : مأخوذ من وقته ، وهو السّحر ، وبهذا يُعلم أن وقته آخر الليل .
3 = الأمر في : تسحروا . للاستحباب وليس للوجوب ، والصارف له عن الوجوب فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم : يا عائشة ثم هل عندكم شيء ؟ قالت : فقلت : يا رسول الله ما عندنا شيء . قال : فإني صائم . رواه مسلم .
(1/400)
قال ابن الملقن : أجمع العلماء على استحباب السَّحور ، وأنه ليس بواجب .
4 = إذا كان الأمر للاستحباب فهو يدلّ على سُنيّة السُّحور .
5 = البركة . هي النماء والزيادة ، وهي دنيوية وأخروية .
6 = البركة تكون في عِدّة أمور :
1 - اتباع السنة ، وموافقة السنة مطلوبة ومُتعبد بها .
2 - مخالفة أهل الكتاب ، وهي مقصودة لذاتها ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : فصل ما بين صيامنا وصيامِ أهل الكتاب ؛ أكلة السحر . رواه مسلم .
3 - التّقوّي به على طاعة الله . قال - عليه الصلاة والسلام - : تسحروا ولو بجرعة من ماء . رواه ابن حبان ، وهو حديث صحيح .
ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : نعم سَحور المؤمن التمر . رواه ابن حبان ، وهو حديث صحيح .
4 - الاستيقاظ في وقت السحر والاستغفار ، فيدخلون تحت قوله سبحانه : ( وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )
-------------------
126-وقت السحور
شرح الحديث الـ 187
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام إلى الصلاة . قال أنس : قلت لزيد : كم كان بين الأذان والسَّحور ؟ قال : قدرُ خمسين آية .
فيه مسائل :
1 = في هذا الحديث رواية صحابي عن صحابي
وهنا صرّح أنس - رضي الله عنه - بأنه يروي عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - ولو لم يُصرّح فإن جهالة الصحابي لا تضرّ .
2 = قدر خمسين آية . هذا تقدير ، والتقدير لا يكون دقيقاً بل هو نسبي وتقريبي .
تدلّ عليه رواية للبخاري : عن أنس أن زيد بن ثابت حدثه أنهم تسحروا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قاموا إلى الصلاة . قال أنس : قلت : كم بينهما ؟ قال : قدر خمسين أو ستين يعني آية .
3 = الوقت هل هو ما بين الأذان والإقامة أو ما بين الأذان والسحور ؟
الذي يظهر من الجمع بين الروايات أنه بين الأذان والسحور .
(1/401)
ففي رواية للبخاري : عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحّرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ، فصلى . قال قتادة : قلنا لأنس : كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة ؟ قال : قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية .
ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم . قال : ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويَرقى هذا . متفق عليه .
وفي رواية : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ، ثم قال : وكان رجلا أعمى لا يُنادي حتى يُقال له : أصبحت أصبحت .
ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده ، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه . رواه أحمد وأبو داود .
ويُحمل الأذان الوارد في حديث الباب في قوله : كم كان بين الأذان والسَّحور ؟
على الإقامة ؛ لأن الإقامة يُطلق عليها أذان ، كما في قوله - عليه الصلاة والسلام - : بين كل أذانين صلاة . متفق عليه .
والمقصود بين الأذان والإقامة .
3 = قدر خمسين آية . متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ، والقراءة لا سريعة ولا بطيئة .
والمسألة تقدير ، والتقدير أمر نسبي كما تقدّم .
قال ابن حجر : قال المهلب وغيره : فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن ، وكانت العرب تُقدر الأوقات بالأعمال ؛ كقولهم : قدر حلب شاة ، وقدر نحر جزور . فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة .
4 = قوله : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام إلى الصلاة .
قوله في الأول : تسحرنا
وفي الثاني : ثم قام
فالأول بلفظ الجمع ، والثاني بلفظ الإفراد ؛ فهم داخلون فيه بطريق الأولى وبالتبعيّة ؛ لأنه لا يُتصوّر أن يتخلّفوا عن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5 = فيه جواز مؤانسة الفاضل للمفضول بالمؤاكلة .
(1/402)
6 = أفضلية تأخير السُّحور ، خلافاً لمن يتسحّر ثم ينام .
7 = استحباب الاجتماع على السَّحور .
8 = فيه حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على العِلم ، فهذا أنس - رضي الله عنه - يسأل زيد بن ثابت عن هذه السنة التي خَفيت عليه .
9 = مقدار الوقت بين أذان الفجر والإقامة .
-------------------
127-إدراك الفجر وهو جنب
شرح الحديث الـ 188
عن عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُدركه الفجر ، وهو جُنب من أهله ، ثم يغتسل ويصوم .
فيه مسائل :
1 = في رواية مسلم : كان يُصبح جُنباً من غير حُلُم ثم يصوم .
وفي رواية له : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُصبح جنبا من جماعٍ غيرِ احتلام في رمضان ، ثم يصوم .
وفي رواية له عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدركه الفجر في رمضان وهو جُنب من غير حُلُم فيغتسل ويصوم .
وفي رواية له عن أم سلمة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصبح جُنُباً من جماعٍ لا مِن حُلُم ، ثم لا يُفطر ولا يقضي .
2 = العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
فليس ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فقد روى مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه ، وهي تسمع من وراء الباب ، فقال : يا رسول الله ! تُدركني الصلاة وأنا جنب . أفأصوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا تُدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم . فقال : لست مثلنا يا رسول الله ! قد غَفَر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر فقال : والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ، وأعلمكم بما أتّقي .
3 = يُدركه الفجر . يعني وقت الفجر ، فيلزمه الصوم وهو جُنُب .
لا أنها تُدركه الصلاة فيتأخر عنها .
4 = وهو جُنب من أهله .
تُفسّره الروايات الأخرى ، ومنها :
يُصبح جُنُباً من جماعٍ لا مِن حُلُم
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحتلم ؛ لأن الاحتلام من الشيطان .
(1/403)
5 = لا يعني ذلك أن الذي يُدركه الفجر من احتلام أنه لا يجوز له الصيام ، فليس الحُكم خاص بمن أصابته الجنابة من أهله .
وإنما أن ذلك كان باختياره ، فغيره الذي لا يقع باختياره كالمحتلم أولى بأن يُعذر .
6 = ثم يغتسل ويصوم
لا علاقة للصيام بالجنابة
فلو أن إنساناً لا يستطيع الاغتسال أو كان فاقداً للماء فإن صومه صحيح وعليه التيمم للصلاة لا للصيام .
من أدركه الفجر وهو جُنُب فإنه يصوم ولا يُفطر يومه ذلك ولا يجب عليه قضاء .
قالت أم سلمة - رضي الله عنها - : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصبح جُنُباً مِن جماعٍ لا مِن حُلُم ، ثم لا يُفطر ولا يقضي . رواه مسلم .
7 = لا فرق بين صوم النفل وصوم الفرض في ذلك .
8 = مثله الحائض فإنها إذا طهرت قبل الفجر فإنها تصوم ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر .
لكن إذا لم تطهر ولم ينقطع الدم إلا بعد طلوع الفجر ، فإنه لا يلزمها الإمساك وعليها القضاء .
9 = تيسير الإسلام ، ويُسر الدِّين .
وإنما يكون اليسر في الدِّين والتيسير على العباد فيما يسّر الله فيه .
-------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://deshna.ahlamontada.net
علي عبد الله
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
علي عبد الله


ذكر

العمر : 53
عدد الرسائل : 3082
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 2:35 pm

128-من أكل ناسيا
شرح الحديث الـ 189
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نسي - وهو صائم - فأكل أو شرب فليتمّ صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه .
فيه مسائل :
1 = في رواية للبخاري : من أكل ناسيا وهو صائم ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه
وفي رواية له : إذا نسي فأكل وشرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه .
2 = هذا من فضل الله ومِنّتِه وكرمِه أن عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان .
(1/404)
كما في قوله تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) قال : نعم ( رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ) قال : نعم ( رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) قال : نعم . ( وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) قال : نعم . وفي رواية قال الله تبارك وتعالى : قد فعلت . رواه مسلم .
وكما في قوله - عليه الصلاة والسلام - : إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ، ما لم يتكلموا ، أو يعملوا به . متفق عليه .
وقوله : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه . رواه ابن ماجه .
3 = لماذا خصّ الأكل والشرب دون غيرهما ؟ وهل تلحق به بقية المًفطِّرات ؟
لأن الغالب في المفطّرات هو الأكل والشرب ، بخلاف الجماع فإن الرجل إذا نسي ذكرته زوجته .
والحكم عام فيمن أتى مُفطِّراً ناسياً أو جاهلا أو مُخطئاً .
4 = هل يُنكر على مَن أكل أو شرب ناسياً ؟ وهل يُذكّر ؟
نعم يُنكر عليه ، ويُذكّر بأنه صائم ؛ لأن هذا من التعاون على البر والتقوى ، والصائم وإن كان معذوراً لنسيانه فالذي يراه ليس معذوراً ، فيُذكّره بأنه صائم .
5 = هل يقضي من أكل أو شرب ناسياً ؟
لقوله - عليه الصلاة والسلام - : من أفطر في رمضان فلا قضاء عليه ولا كفارة . رواه الحاكم .
6 = من وقع في شيء من المُفطّرات فلا بُد أن يكون عالما عامداً ذاكراً ، وسيأتي تفصيله لاحقا إن شاء الله .
7 = معنى أطعمه الله وسقاه .
أي أن الله تصدّق عليه فلما أكل وشرب ناسياً عفا الله عنه .
8 = هذا عام في صيام الفريضة من رمضان وفي صيام النافلة ولا فرق .
-------------------
129-في الجماع في رمضان وكفّارته
(1/405)
شرح الحديث الـ 190
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت ! قال : ما لك ؟ قال : وقعت على امرأتي ، وأنا صائم - وفي رواية : أصبتُ أهلي في رمضان - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تجد رقبة تعتقُها ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا . فقال : فهل تجد إطعامَ ستين مسكينا ؟ قال : لا . قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أُتيَ النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر - والعَرَق : المكتل - قال : أين السائل ؟ فقال : أنا . قال : خذ هذا ، فتصدّق به ، فقال الرجل : أعلى أفقرَ مِنِّي يا رسول الله ؟! فو الله ما بين لابتيها - يريد الحرّتين - أهلَ بيت أفقر من أهل بيتي ! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : أطعمه أهلك .
الحرّة : أرض تركبها حجارة سُود .
في الحديث مسائل :
1 = من روايات الحديث :
وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : أتى رجل النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المسجد ، قال : احترقت ! قال : ممّ ذاك ؟ قال : وقعت بامرأتي في رمضان . قال له : تصدق . قال : ما عندي شيء ، فجلس ، وأتاه إنسان يسوق حماراً ومعه طعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أين المحترق ؟ فقال : ها أنا ذا . قال : خذ هذا فتصدّق به . قال : على أحوج مني ؟ ما لأهلي طعام ! قال : فكلوه . رواه البخاري ومسلم .
* في بعض نُسخ العمدة : " فسَكَتَ النبي صلى الله عليه وسلم " بدل " فمكث " .
والمثبت هو ما في صحيح البخاري .
في رواية للبخاري : والعَرَق : الزبيل .
وفي رواية لمسلم : بعرق فيه تمر ، وهو الزنبيل .
وهذا من تفسير الرواة .
والزبيل والزنبيل والمكتل والعَرَق هو الوعاء الذي يُحمل فيه ، ويكون من الخوص أو من الجلد .
2 = قول الرجل : " هلكت "
(1/406)
وقوله أيضا : وقعت على امرأتي ، وأنا صائم - وفي رواية : أصبتُ أهلي في رمضان -
كل ذلك يدلّ على أنه كان يعرف الحُكم .
لأن المؤاخذة في ارتكاب المحظورات إنما تتمّ بـ :
1 - العِلم وضده الجهل
2 - الذِّكر وضدّه النسيان
3 - العمد وضده الخطأ
فلو كان عالِماً بالحُكم جاهلا بالحد أو العقوبة المترتبة على فعله لم يُعذر .
وعلى سبيل المثال : لو أسلم شخص ولم يعلم بحرمة الجماع في نهار رمضان ولا بالعقوبة المقدّرة شرعاً لم يؤاخذ لا في الدنيا ولا في الآخرة . بمعنى لا تلزمه الكفارة .
ولو فعل شيئا من المفطِّرات - أكل أو شرِب أو جامع - ناسياً لم يؤاخذ ، ولا تجب عليه كفارة .
ومثله لو أخطأ ، كأن يظن أنه لا زال في الليل ثم بان له أنه فعل ذلك بعد طلوع الفجر فلا شيء عليه .
وسبقت الإشارة إلى ذلك في شرح الحديث السابق .
ومثل ذلك يُقال في محظورات الإحرام .
لعموم قوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال الله : قد فعلت .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه . رواه ابن حبان والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين .
3 = السؤال عما أُبهم من قِبل السائل ، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام للرجل : ما لك ؟
وهذا من الاستفصال قبل السؤال .
4 = الرّفق بمن أتى تائبا نادماً ، خاصة إذا كان في حق الخالق سبحانه وتعالى ، بخلاف ما إذا كان ذلك في حق المخلوق .
فإن هذا الرجل قد أتى أعظم المُفطِّرات ، ومع ذلك لم يُعنّفه النبي صلى الله عليه وسلم .
ومثله قصة معاوية بن الحكم السّلمي رضي الله عنه ، وهي في صحيح مسلم .
وفيه قوله : فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، فو الله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني .
ولكنه لما ذكر ما صنعه بالجارية وأنه لطمها عظّم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
(1/407)
5 = حُرمة الزمان ، كحرمة المكان
فالله حرّم انهتاك بعض الأزمنة وبعض ألأمكنة .
فشهر رمضان من الأزمنة المحرّمة .
والصحيح أن هذه الحُرمة لا تسري إلى القضاء .
فلا كفارة على من أفطر في قضاء رمضان ، وإن كان يؤمر بإتمام صومه ، لكن لو أفطر من يصوم قضاء بعد رمضان فلا كفارة عليه عند جمهور العلماء .
6 = كفارة من جامع في نهار رمضان - عالما مُتعمّداً ذاكراً -
وهي هنا على الترتيب :
عتق رقبة مؤمنة - عند الجمهور -
صيام شهرين متتابعين
إطعام ستين مسكيناً
7 = هل الكفّارة على الترتيب أم هي على التخيير ؟
بمعنى هل له أن يُطعم ستين مسكيناً ولو استطاع أن يُعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين ؟
في المسألة خلاف قديم ولكن الصحيح أنها على الترتيب لسببين :
أ - أن النبي صلى الله عليه وسلم رتّبها ، فبدأ بالأشد ثم الذي يليه ، ولو كانت على التخيير لقال : هل تجد رقبة تُعتقها أو تصوم شهرين متتابعين أو تُطعم ستين مسكينا ؟
ب - أنه عليه الصلاة والسلام ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثماً . كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها . وهو هنا اختار الأشد ثم الذي يليه في المرتبة .
8 = اتفق العلماء على وجوب الكفارة على من جامَعَ في نهار رمضان عالما مُتعمّداً ذاكرا ، وكان ممن يلزمه الصيام ، واختلفوا في قضاء ذلك اليوم الذي أفطر فيه .
(1/408)
فأما تحريم الجماع على الصائم في نهار رمضان فثابت بالكتاب في قوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )
روى البخاري عن البراء رضي الله عنه قال :كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يُفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وإن قيس بن صِرْمَة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته ، فقال لها : أعندك طعام ؟ قالت : لا ، ولكن أنْطَلِقُ فأطْلُبُ لك ، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه ، فجاءته امرأته فلما رأته قالت : خيبة لك ! فلما انتصف النهار غُشِيَ عليه ، فَذُكِرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) ففرحوا بها فرحا شديدا ، ونزلت : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ )
وفي رواية له قال : لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله ، وكان رجال يخونون أنفسهم ، فأنزل الله : ( عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ )
9 = هل يجب قضاء اليوم الذي وقع فيه الجماع في نهار رمضان ؟
نقل البغوي في شرح السنة الإجماع على أن من جامَع في نهار رمضان مُتعمّداً فسد صومه ، وعليه القضاء .
والخلاف في قضاء ذلك اليوم الذي جامَع فيه قديم .
(1/409)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأما أمره للمجامِع بالقضاء فضعيف ضعّفه غير واحد من الحفاظ ، وقد ثبت هذا الحديث من غير وجه في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة ولم يذكر أحد أمره بالقضاء ، ولو كان أمَرَه بذلك لما أهمله هؤلاء كلهم ، وهو حكم شرعي يجب بيانه ، ولمّا لم يأمره به دل على أن القضاء لم يبق مقبولا منه ، وهذا يدل على أنه كان متعمدا للفطر ، لم يكن ناسيا ولا جاهلا . اهـ .
إذ كيف يؤمر بالكفارة مع القضاء ؟
أليس يُكلّف بصيام شهرين متتابعين إذا لم يجد عتق رقبة ؟ أفلا يُجزئه ذلك عن اليوم الذي أفسده ؟
وإنما كانت الكفّارة أصلا لحُرمة الشهر ، وكل يوم له حُرمته .
10 = من وقع منه الجماع في نهار رمضان ، هل يؤمر بالإمساك بقية يومه ؟
هذا الذي يظهر لأنه انتهك حُرمة الشهر .
بخلاف المسافر إذا قدِم لأنه لم يُخاطب بالصيام من أول النهار .
11 = فيه التلميح المغني عن التصريح في قول الرجل : هلكت .. وقعت على امرأتي .. أصبت أهلي .
12 = هل يجوز للفقير أن يصرف الكفّارة إلى عياله كما فعل هذا الرجل ؟
ما في هذا الحديث واقعة عين لا عموم لها .
13 = المرأة شقيقة الرجل فإذا وقع منها ذلك راضية عالمة ذاكِرة ، وكانت ممن يجب عليها الصوم فعليها الكفارة المغلظة أيضا ، وهو قول الجمهور .
14 = لم يرد ذِكر للمرأة هنا ولا سؤال عنها .
ومثله حديث ماعز رضي الله عنه لما جاء تائبا لم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي زنى بها .
والجواب عن هذا :
أن من سأل أُجيب بقدر مسألته .
ولعل المرأة كانت مُكرهة
أو ناسية
أو ممن يُباح لها الفِطر ، كأن تكون حاملاً أو مُرضعاً فأفطرت ، أو طهُرت من حيض فواقعها .
15 = لابتيها : جاء تفسيرها في الحديث : يريد الحرّتين
وفسّرها المصنّف بقوله : الحرّة : أرض تركبها حجارة سُود .
(1/410)
16 = تعجّب النبي صلى الله عليه وسلم من حال هذا الرجل ، حيث جاء خائفاً شاكيا هلاكه ، ولما رأى من هشاشة النبي صلى الله عليه وسلم له قال ما قال في آخر الحديث ، من أجل ذلك :
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه .
17 = صِفَة ضحكه عليه الصلاة والسلام ، حيث لم يكن يضحك قهقهة بل كان يبتسم ، وإذا ضحك بدت أنيابه ، كما في هذا الحديث
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://deshna.ahlamontada.net
علي عبد الله
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
علي عبد الله


ذكر

العمر : 53
عدد الرسائل : 3082
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 2:37 pm

130-في الصوم في السفر1
شرح الحديث الـ 191
عن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أأصوم في السفر ؟ - وكان كثير الصيام - فقال : إن شئت فصُم ، وإن شئت فأفطر .
في الحديث مسائل :
1 = من روايات الحديث :
في رواية لمسلم : إني رجل أسرد الصوم ، أفأصوم في السفر ؟ قال : صُم إن شئت ، وأفطر إن شئت
في رواية لمسلم عن أبي مُراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر ، فهل عليّ جناح . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه .
2 = فيه حرص الصحابة رضي الله عنهم على السُّنة .
3 = وفيه مسارعتهم ومسابقتهم إلى فعل الخيرات ولو مع وجود المشقّة .
4 = فيه منقبة لهذا الصحابي رضي الله عنه حيث ذُكِر عنه أنه كثير الصيام .
5 = تفاضل الناس بالأعمال حتى في الدنيا .
فربما يُفتح لرجل في العِلم ما لا يُفتح لغيره .
ويُفتح لآخر في قراءة القرآن حتى يُعرف بأنه من أهل القرآن .
ويُفتح لآخر في الجهاد في سبيل الله .
وهذا يؤكد ما أشرت إليه - غير مرّة - أن وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم إنما تفاوتت بحسب تفاوتهم وقُدراتهم وبحسب أحوالهم أيضا .
6 = هذا الصحابي رضي الله عنه يجد من نفسه القوّة على الصيام في السفر ، ولا يجد المشقّة .
وأما إذا وُجدت المشقة فسوف يأتي الكلام عليها بالتفصيل - إن شاء الله - .
(1/411)
7 = المتنفّل أمير نفسه ، إن شاء أمضى ، وإن شاء قطع ، إلا في حج أو عمرة لقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )
فإذا صام الإنسان ثم سافر فله أن يُفطر وإن لم توجد المشقّة .
يستوي في ذلك صيام الفرض والنّفل ( صيام رمضان وصيام التطوّع في غير رمضان ) .
8 = لو دُعي إلى طعام وكان صائما فليدعُ لمن دعاه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا دُعي أحدكم فليُجب ، فإن كان صائما فليُصلِّ ، وإن كان مفطراً فليطعم . رواه مسلم .
ولكن إذا عَلِم أن هذا سوف يؤدي للغضب أو القطيعة فليأكل إذا كان صيامه تطوّعاً .
شرح الحديث الـ 192
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كُنّا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يَعِب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم .
في الحديث مسائل :
1 = يستوي في هذا الصوم صيام الفريضة وصيام النافلة .
2 = عدم عيب المفطر على الصائم إذا كان الصائم يجد من نفسه قوّة ، ولم يكن فيه مشقّة .
أما إذا وُجدت المشقة البالغة فسوف يأتي فيها حديث جابر رضي الله عنه ، وهو الحديث الـ 194
3 = سعة الأفق في مسائل الخلاف عند السلف .
فالمفطر إذا رأى أن الفطر أفضل لعموم الأحاديث الواردة في الرخصة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله يحب أن تُؤتى رُخصه كما يكره أن تُؤتى معصيته . رواه الإمام أحمد .
لو رأى ذلك فإنه لا يعيب على المفطر
إذ أن المفطر معه دليله أيضا ، وهو الإذن بالصيام في السفر لمن وجد في نفسه قوة على الصيام .
وهذا فيما يُستساغ من الخلاف في المسائل الاجتهادية .
4 = جواز الصيام والإفطار في السفر ، وأنه لا يجب على الصائم أن يُفطر إلا حيث توجد المشقة والضرر .
-------------------
131-في صيام النبي صلى الله عليه وسلم في السفر
شرح الحديث الـ 193
(1/412)
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حرّ شديد حتى إنْ كان أحدُنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ ، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة
في الحديث مسائل :
1 = جواز الصيام في السفر لمن لم يشق عليه ، ولا توجد معه مضرّة ، أما يسير المشقة فهو موجود مع الصيام في السفر خاصة مع وجود الحرّ .
2 = لا تعارض بين هذا الحديث من فعله عليه الصلاة والسلام وبين ما سبق من قوله عليه الصلاة والسلام ، وما سيأتي في قوله : ليس من البرّ الصوم في السفر . وغيره من الأحاديث .
3 = اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة رغم أنه غُفِر له ما تقدّم مِن ذنبِه وما تأخّر .
4 = مَن صام في السفر أجزأه ولا يلزمه الإفطار إلا أن يشق عليه الصيام .
5 = فيه منقبة وفضيلة لعبد الله بن رواحة رضي الله عنه .
6 = لا يضرّ الصائم أن يعلم الناس بصومه من غير إظهار منه لذلك إلا عند الحاجة نحو قوله عليه الصلاة والسلام : فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم . رواه البخاري ومسلم .
-------------------
132-في الصوم في السفر مع المشقة
شرح الحديث الـ 194
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فرأى زحاما ورجلاً قد ظُلل عليه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : صائم . فقال : ليس من البرّ الصوم في السفر
ولمسلم : عليكم برخصة الله الذي رخّص لكم .
في الحديث مسائل :
1 = تنبيه :
أوهم كلام صاحب العمدة أن قوله صلى الله عليه وسلم : " عليكم برخصة الله التي رخّص لكم " مما أخرجه مسلم بشرطه ، وليس كذلك ، وإنما هي بقية في الحديث لم يُوصل إسنادها كما تقدم بيانه . نعم وقعت عند النسائي موصولة في حديث يحيى بن أبي كثير بسنده . اهـ . نبّه عليه الحافظ في الفتح .
وهذه الزيادة رواها مسلم بإسناده ، فقال :
(1/413)
وحدثناه أحمد بن عثمان النوفلي حدثنا أبو داود حدثنا شعبة بهذا الإسناد نحوه ، وزاد قال شعبة : وكان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الحديث وفي هذا الإسناد أنه قال : عليكم برخصة الله الذي رخّص لكم . قال : فلما سألته لم يحفظه .
وهذا كما نبّه عليه الحافظ ليست برواية موصولة ؛ لأن شعبة قال : وكان يَبلُغني .. فلما سأل شعبة شيخه محمد بن عبد الرحمن بن سعد عن هذه الزيادة لم يعرفها.
وهذه الزيادة ثابتة عند النسائي وغيره ، ومعناها ثابت في أحاديث أخرى في الحثّ على الأخذ بالرخصة .
2 = كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، يعني في حال السفر وأثناء الطريق .
3 = لا تعارض بين هذا الحديث وبين الأحاديث السابقة واللاحقة .
لأن الصيام في السفر يجوز في حالات ، ويُمنع في حالات .
4 = معنى البِرّ : التوسّع في الطاعة . وقيل معنى البِرّ : الطاعة .
5 = متى يكون الصيام في السفر ليس من البر ؟
إذا وُجدت المشقة أو غلب على الظن حصول الضرر .
إذا ظُن به الإعراض عن رخصة الله التي رخّص لعباده .
من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر .
إذا كان ذلك مدعاة للقعود عن العمل ، والتطلّع لخدمة الآخرين له .
[ أشار إليها الحافظ ابن حجر في الفتح ] .
أما مَن يسهل عليه الصيام ولا توجد معه مشقة ، كأن يكون سافر سفراً قصيراً ، أو بوسيلة مُريحة ، ولم يحتَجْ إلى خدمة الناس له ، ومَن يشقّ عليه القضاء بعد ذلك ، فالصيام في حقه أفضل .
لأنه أبرأ للذمّة أولاً .
وثانياً : لا توجد المشقة .
وثالثاً : لتخيير النبي صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي ، يدلّ على تساوي الطرفين في المسألة ، وأنه مُخيّر بين الصيام والإفطار في حال السفر في مثل هذه الحالات .
6 = تقييد قاعدة : العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
فقوله عليه الصلاة والسلام : ليس من البرّ الصوم في السفر .
(1/414)
لا عِبرة في عموم اللفظ ، وإنما العِبرة هنا بخصوص السبب .
7 = رواية : ليس من أم بر أم صيام في أم سفر . لا تصحّ ، وانظر لذلك الإرواء ( 4 / 58 ) .
-------------------
133-ذهب المفطرون بالأجر
شرح الحديث الـ 195
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فمِنّا الصائم ، ومِنّا المفطر . قال : فنزلنا منزلا في يوم حار ، وأكثرنا ظِلاًّ صاحب الكساء ، فمنا من يتقي الشمس بيده . قال : فسقط الصوّام ، وقام المفطرون ، فضربوا الأبنية ، وسقوا الرِّكاب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذهب المفطرون اليوم بالأجر .
في الحديث مسائل :
1 = قوله : " فمِنّا الصائم ، ومِنّا المفطر " هذا كما تقدّم في حديثه ( 192 ) : كُنّا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يَعِب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم .
فلا يُعاب على الصائم في السفر ، كما لا يُعاب على المفطر في السفر ، إذ الكلّ على خير .
2 = قوله : " وأكثرنا ظلا صاحب الكساء " يعني الذي يتّقي الشمس بكسائه من رداء ونحوه .
3 = قوله : " فسقط الصوّام " يعني أن الذين كانوا صاموا سقطوا من شدّة الإعياء ، وهذا لا شكّ يدلّ على جَهد ومشقّة .
4 = ألأبنية : جمع بناء ، والمقصود به البيوت التي تُنصب وتُنزع ، كالخباء والقبة ونحوها .
5 = الرِّكاب : الإبل ، وجمعها : ركائب .
6 = ذهب المفطرون اليوم بالأجر .
أجر العامل بقدر عمله ، وكلما كان نفع العمل متعدّياً كان أكثر في الأجر ، لارتباطه بمصالح الخلق
والمعنى هنا : ذهب المفطرون اليوم بأجر يزيد على أجر الصائمين .
وسبق موضوع : لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

7 = حث الإسلام على العمل وعدم الاتكالية ، بحيث يتطلّع الإنسان إلى خدمة الآخرين له ، أو كفايته دون بذل جهد .
(1/415)
8 = الإسلام دين الكمال والشمولية ، فالصحابة رضي الله عنهم لما بنوا الأبنية لأنفسهم لم ينسوا دوابّهم من سقي وإطعام .
9 = تقديم الإحسان إلى الآخرين دون التطلّع إلى مكافئة منهم .
10 = تقديم الأهم فالأهم .
فحقوق الناس مُقدّمة على حقوق الحيوان .
11 = الأخذ بالرخصة قد يكون أفضل من الأخذ بالعزيمة ، كما هنا .
فالصوم عزيمة ، والفطر رُخصة .


عدل سابقا من قبل علي عبد الله في 14/8/2009, 2:57 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://deshna.ahlamontada.net
علي عبد الله
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
علي عبد الله


ذكر

العمر : 53
عدد الرسائل : 3082
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 2:40 pm

134-في تأخير قضاء رمضان
شرح الحديث الـ 196
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان .
في الحديث مسائل :
1 = وجوب قضاء الصوم على المستطيع .
2 = أن الحائض تقضي الصوم دون الصلاة ، وقد تقدّمت الإشارة إلى هذه المسألة في شرح الحديث الـ 49
3 = القضاء يجب على التراخي ، فجوز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان ، إلا أنه لا يجوز تأخيره إلى أن يأتي رمضان الآخر .
4 = هل يُتصوّر أن عائشة رضي الله عنها لم تكن تصوم صيام تطوّع ؟
الجواب : نعم
وذلك لأمور :
الأول : انه لا يجوز للمرأة أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه .
لقوله عليه الصلاة والسلام : لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه . رواه البخاري ومسلم .
الثاني : أن القضاء واجب وهو مُقدّم على صيام التطوّع ، فلا يُتصوّر تقديم التطوّع والذمّة مشغولة بالواجب .
الثالث : تعليل عائشة رضي الله عنها لعدم صومها بأنه شغلها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت أحب أزواجه إليه ، ولذا جاء في تتمة حديث الباب : الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم .
لكن قد يَرِد إشكال ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له تسع نسوة ، أي أن عائشة رضي الله عنها تستطيع أن تصوم في غير يومها .
والجواب عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ، وله يومئذ تسع نسوة . رواه البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه .
(1/416)
وأطلت في هذه المسألة لأن من الناس من يستدل بمفهوم قول عائشة رضي الله عنها ولا يستدل بمنطوقه .
فيقول : لا يُتصوّر أن عائشة رضي الله عنها على فضلها لا تصوم تطوّعا .
وقد علمت الجواب عن هذا القول .
والحلاف المبني على ذلك :
هل تُصام الستة أيام من شوال قبل القضاء ؟
والجواب أن الحديث صريح في ذلك : من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر . رواه مسلم .
فإنه قال : مَن صام رمضان .
والذي عليه قضاء لم يَصُم رمضان بل صام بعضه .
5 = فضل عائشة رضي الله عنها ومكانتها عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد سأل عمرو بن العاص النبي عليه الصلاة والسلام : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال قلت : من الرجال ؟ قال : أبوها . قلت : ثم من ؟ قال : عمر ، فَعَدّ رجالا . رواه البخاري ومسلم .
6 = تؤجر المرأة إذا تركت بعض النوافل لرعاية بيتها وزوجها .
فإذا نوت صيام التطوّع ومنعها زوجها فإنها تؤجر على ذلك .
7 = عِظم حق الزوج ، إذ يُقدّم حق الزوج على نوافل الطاعات ، ومثله حق الأهل يُقدّم على نوافل الطاعات ؛ لأن الحقوق واجبة لازمة ، بخلاف النوافل .
-------------------
135-في من مات وعليه صيام
شرح الحديث الـ 197
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليّه .
وأخرجه أبو داود ، وقال : هذا في النذر خاصة ، وهو قول أحمد بن حنبل رحمه الله .
في الحديث مسائل :
1 = المصنف رحمه الله ليس من عادته سياق الأقوال ولا الإشارة إلى الخلاف ، وإنما أشار إليه ، لوجود الخلاف وقوّته .
2 = قوله عليه الصلاة والسلام " مَنْ مات وعليه صيام " نكرة في سياق الشرط فتعُمّ .
وهذا منشأ الخلاف وسببه .
في حين أن العبادات البدنية المحضة لا تدخلها النيابة .
(1/417)
قال ابن عبد البر رحمه الله : أما الصلاة فإجماع من العلماء أنه لا يُصلِّي أحد عن أحد فرضا عليه من الصلاة ، ولا سنة ، ولا تطوعا لا عن حي ولا عن ميت ، وكذلك الصيام عن الحي لا يجزئ صوم أحد في حياته عن أحد ، وهذا كله إجماع لا خلاف فيه .
وأما من مات وعليه صيام فهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا . اهـ . ثم ذكر الخلاف .
وقال ابن قدامة في المغني : من مات وعليه صيام من رمضان لم يَخْلُ من حالين :
أحدهما : أن يموت قبل إمكان الصيام ، إما لضيق الوقت ، أو لعذر من مرض أو سفر ، أو عجز عن الصوم ؛ فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم . وحُكي عن طاوس وقتادة أنهما قالا : يجب الإطعام عنه ؛ لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الإطعام عنه كالشيخ الهِمّ إذا ترك الصيام لعجزه عنه .
ولنا إنه حق لله تعالى وجب بالشرع مات من يجب عليه قبل إمكان فعله ، فسقط إلى غير بدل كالحج
الحال الثاني : أن يموت بعد إمكان القضاء ، فالواجب أن يُطعم عنه لكل يوم مسكين ، وهذا قول أكثر أهل العلم . رُوي ذلك عن عائشة وابن عباس ، وبه قال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي والخزرجي وابن علية وأبو عبيد في الصحيح عنهم . اهـ .
وبهذا أفتى غير واحد من الصحابة :
قال عمر بن الخطاب : إذا مات الرجل وعليه صيام رمضان آخر أُطعم عنه عن كل يوم نصف صاع من بُرّ . رواه عبد الرزاق .
وابن عباس رضي الله عنهما رُوي عنه أنه أفتى في قضاء رمضان ، فقال : يُطعم . وفي النذر : يُصام عنه . رواه عبد الرزاق .
وقال ابن عبد البر في الاستذكار : لولا الأثر المذكور لكان الأصل القياس على الأصل المجتمع عليه في الصلاة ، وهو عمل بدن لا يصوم أحد عن أحد ، كما لا يُصلي أحد عن أحد . اهـ .
يعني الأصل أن لا يُصام عنه لا في النذر ولا في غيره ، ولكن لورود الحديث عُدِل عن الأصل .
3 = ما المقصود بالوليّ هنا ؟
هو القريب عموماً .
(1/418)
ويجوز أن يصوم عنه غير القريب ؛ لأن الولي هنا خرج مخرج الغالب ، أو لأنه الأوْلى .
قال ابن قدامة : ولا يختص ذلك بالولي ، بل كل من صام عنه قضى ذلك عنه وأجزأ ؛ لأنه تبرع فأشبه قضاء الدين عنه . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وشبّه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالدَّين يكون على الميت ، والدَّين يصحّ قضاؤه من كل أحد ، فدل على أنه يجوز أن يفعل ذلك من كل أحد لا يختص ذلك بالولد . اهـ .
وسيأتي مزيد بيان وبسط في شرح الأحاديث التالية .
-------------------
136-في قضاء صيام النذر عن الميت
شرح الحديث الـ 198
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقضيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمِّك دَين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم . قال : فَدَيْن الله أحق أن يُقضى .
وفي رواية : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر ، أفأصوم عنها ؟ قال : أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه ، أكان يؤدّي ذلك عنها ؟ قالت : نعم . قال : فصومي عن أمك .
في الحديث مسائل :
1 = من روايات الحديث :
ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة الأنصاري استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه ، فتوفيت قبل أن تقضيه ، فأفتاه أن يقضيه عنها ، فكانت سنة بعد
وفي رواية للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ، فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : نعم ، حجي عنها . أرأيت لو كان على أمك دين ، أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء .
وبوّب عليه الإمام البخاري فقال : باب من شبّه أصلا معلوماً بأصل مُبيَّن وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما ليفهم السائل .
(1/419)
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال : بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة ، فقالت : إني تصدقت على أمي بجارية ، وإنها ماتت . قال : فقال : وجب أجرك وردّها عليك الميراث . قالت : يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر ، أفأصوم عنها ؟ قال : صومي عنها . قالت : إنها لم تحج قط ، أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها .
فالذي يظهر من مجموع الروايات أن السؤال كان عن صيام نذر .
والنذر يُباين الصوم ويُخالفه في كونه ليس بواجب أصلاً ، إنما أوجبه العبد على نفسه ، فصار كالدّين الذي ألزمه ذمّته .
وفي المسألة خلاف ، سبقت الإشارة إليه
والخلاف في قضاء رمضان لمن قدر عليه ولم يقضِ .
أما قضاء النذر فالحديث صريح فيه .
وأما من مات ولم يتمكن من القضاء فلا شيء عليه .
ومن مات وعليه إطعام بدل الصيام أُطعِم عنه .
2 = إثبات القياس ، حيث قاس النبي صلى الله عليه وسلم قضاء النذر بقضاء الدَّين .
فيجوز أن يُقاس ما يخفى على ما هو معلوم مُبيّن .
ولذا قال الإمام البخاري : باب مَنْ شبّه أصلا معلوماً بأصل مُبيَّن .
ولكن ينبغي التنبّه إلى أن أكثر ما يُخطئ فيه الناس : التأويل والقياس ، كما قال الإمام أحمد رحمه الله
فمن الخطأ القياس على ما ليس بمُبيّن ، كأن يقيس على مسألة خلافية
كقياس بعض الناس تدخين السجائر في رمضان على البخور .
فيقول بعضهم : هذا دخّان وهذا دخّان !
فيُقال له : هذا القياس باطل ، لعدّة أسباب ، منها :
أنه قياس مع الفارِق ، والقياس مع الفارق باطل .
فهو يقيس الخبيث على الطِّيب الطَّيِّب .
فالطِّيب مما حُبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
والتدخين ما يُجمع العقلاء على أنه خبيث كريه الرائحة ، ويُجمع الأطباء على ضرره .
ويقيس ما يضرّ على ما ينفع
ويقيس ما يُشرب على ما لا يُشرب
فالناس يقولون : فلان يشرب الدخّان !
ثم إنه يضع السيجارة بين شفتين ويمصّها ، بخلاف البخور .
(1/420)
إلى غير ذلك من الفُروق التي يُعلم معها بطلان مثل هذا القياس .
3 = مشروعية القضاء عن الميت ، وإبراء ذمّته .
سواء كان ذلك نذراً أو كان مما لزمه كالحج .
والوقوف مع النصوص هو جادة السلف الصالح .
فلا يجوز تعدّي النصوص وقياس ما لا يُقاس كإهداء ثواب العمل من صلاة أو قراءة للقرآن ونحو ذلك .
4 = لا يجب قضاء النذر وإنما هو تبرّع من قريب أو بعيد عن الميت .
كما لا يجب قضاء دينه ، إنما هو من باب التبرّع وإبراء الذمّة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://deshna.ahlamontada.net
علي عبد الله
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
علي عبد الله


ذكر

العمر : 53
عدد الرسائل : 3082
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 2:42 pm

137-في تعجيل الإفطار
شرح الحديث الـ 199
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر .
في الحديث مسائل :
1= ورد في بعض نسخ العُمدة زيادة : وأخّروا السّحور .
وهي ليست في الصحيحين بل ولا في الكُتب الستة ، وهي زيادة ضعيفة .
ويظهر أنها من زيادة بعض النُّسّاخ .
ويُغني عنها قوله عليه الصلاة والسلام : إنا معاشر الأنبياء أُمرنا بثلاث : بتعجيل الفطر ، وتأخير السحور ، ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة . رواه الحاكم وغيره ، وهو في صحيح الجامع
2= ما هي العلّة في تعجيل الإفطار ؟
مُخالفة اليهود ومن وافقهم ممن ينتسب إلى الإسلام !
قال صلى الله عليه وسلم : لا يزال الدِّين ظاهرا ما عجل الناس الفطر ، إن اليهود والنصارى يؤخرون . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان .
وفي رواية : لا يزال الناس بخير ما عَجَّلُوا الفطر . عَجِّلُوا الفطر ، فإن اليهود يؤخرون .
والتميّز مطلوب وإن اختلف القصد
ففي السحور قوله عليه الصلاة والسلام : فصل ما بين صيامِنا وصيامِ أهل الكتاب أكلة السحر . رواه مسلم .
3= استحباب تعجيل الإفطار ولو على ماء .
قال أنس : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط صلى صلاة المغرب حتى يُفطر ، ولو على شربة من ماء . رواه ابن حبان وغيره .
(1/421)
وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفطر على رطبات قبل أن يُصلي ، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات ، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال أمتي على سنتى ما لم تنتظر بِفطرها النجوم . رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
4= التّمسّك بالسنة سبب لحصول الخير .
5= مِن فقه الرجل المبادرة إلى الإفطار ولو بشيء يسير قبل صلاة المغرب ، وعدم تأخير الإفطار احتياطاً .
روى مسلم عن أبي عطية قال : دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا : يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة ، والآخر يؤخّر الإفطار ويؤخر الصلاة . قالت : أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة ؟ قال : قلنا : عبد الله يعني بن مسعود . قالت : كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي الصحيحين عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال لرجل : انزل فاجدح لنا . قال : يا رسول الله الشمس ! قال : انزل فاجدح لنا . قال : يا رسول الله الشمس ! قال : انزل فاجدح لنا ، فنزل فجدح له ، فشرب ، ثم رمى بيده ها هنا ثم قال : إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشز ، فإذا قال : قد غابت الشمس . أفطر . رواه الحاكم .
وهذا خلاف حال المتنطّعين الذين يطلبون الاحتياط خلافا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
-------------------
شرح عمدة الأحكام - شرح الحديث رقم 200 في وقت إفطار الصائم
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا . وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا : فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ .
فيه مسائل :
1= " أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا " يعني : مِن جهة المشرق .
2= " وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا " يعني : مِن جهة المغرب .
3= " أفطر الصائم " : هل هو حقيقة أو حُكْمًا ؟
هو حُكمًا ، أي : جاز له الإفطار ، وإطاره بِمباشرة الْمُفطِّرَات .
4= لو حُمِل على الحقيقة لم يكن للحثّ على تعجيل الإفطار معنى !
قال الصنعاني : الْمُرَادَ بِأَفْطَرَ دَخَلَ فِي وَقْتِ الإِفْطَارِ ، لا أَنَّهُ صَارَ مُفْطِرًا حَقِيقَةً ، كَمَا قِيلَ ؛ لأَنَّهُ لَوْ صَارَ مُفْطِرًا حَقِيقَةً لَمَا وَرَدَ الْحَثُّ عَلَى تَعْجِيلِ الإِفْطَارِ ، وَلا النَّهْيُ عَنْ الْوِصَالِ ، وَلا اسْتَقَامَ الإِذْنُ بِالْوِصَالِ إلَى السَّحَرِ . اهـ .
ولو حُمِل على الحقيقة ، لم يكن للوصال معنى .
قال ابن القيم : ليس المراد به أنه أفطر حُكْمًا ، وإن لم يُباشِر الْمُفَطِّرَات ، بِدَليل إذنه لأصحابه في الوصال إلى السَّحَر ، ولو أفطروا حُكْمًا لاستحال منهم الوصال . اهـ .
وحَمَله الخطابي على الإفطار حقيقة ، واستدلّ به على بُطلان الوصال !
ولو حُمِل على الحقيقة لكان " مَن اغتاب في صومه أو شَهِد بِزُور مُفْطِر حُكْمًا ، ولا فَرْق بينهما " كما قال القرطبي .
5= قال النووي : معناه : انقضى صومه وتَمّ ، ولا يُوصَف الآن بأنه صائم ، فإن بغروب الشمس خرج النهار ودخل الليل ، والليل ليس مَحَلاًّ للصوم . وقوله صلى الله عليه و سلم : " أقبل الليل ، وأدبر النهار ، وغَرَبت الشمس " قال العلماء : كل واحد مِن هذه الثلاثة يتضمن الآخَرين ويُلازمهما ، وإنما جَمَع بينها لأنه قد يكون في وادٍ ونحوه بحيث لا يُشَاهِد غُروب الشمس ، فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء. اهـ .
6 = انعقد الإجماع على أن وقت الإفطار هو وقت صلاة المغرب ، ووقت صلاة المغرب مِن مغيب الشمس . وفي حديث بريدة رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة ، فقال له : صلِّ معنا هذين - يعني اليومين - فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذّن ثم أمره فأقام الظهر ، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاءُ نقية ، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس .. الحديث . رواه مسلم .
قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أنه إذا حَلَّتْ صلاة المغرب فقد حَلّ الفطر للصائم فرضا وتطوعا ، وأجمعوا أن صلاة المغرب مِن صلاة الليل ، والله - عز وجل - يقول : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) . اهـ .
وقال الباجي : تَمَامُ الصَّوْمِ وَوَقْتِ الْفِطْرِ : هُوَ إِذَا انْقَضَى غُرُوبُ الشَّمْسِ وَكَمُلَ ذَهَابُ النَّهَارِ . اهـ .
7 = العبرة بِغروب قرص الشمس ، ولا عِبرة ببقاء الحمرة والصفرة .
وسبق ما يتعلق تعجيله صلى الله عليه وسلم للإفطار ، في شرح حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ، وهو الحديث السابق .
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ : هَلْ يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يُفْطِرَ بِمُجَرَّدِ غُرُوبِهَا ؟
فَأَجَابَ : إذَا غَابَ جَمِيعُ الْقُرْصِ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ، وَلا عِبْرَةَ بِالْحُمْرَةِ الشَّدِيدَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الأُفُقِ .
وَإِذَا غَابَ جَمِيعُ الْقُرْصِ ظَهَرَ السَّوَادُ مِنْ الْمَشْرِقِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ . اهـ .
8 = اسْتُدِلّ بهذا الحديث على إثبات الوصال ، واخْتُلِف في حُكم الوصال وبقائه . وسيأتي في حديث ابن عمر بعد هذا الحديث حُكم الوصال .
وبالله التوفيق .
شرح عمدة الأحكام - شرح الحديث رقم 201 في النهي عَن الْوِصَال
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوِصَالِ . قَالُوا : إنَّكَ تُوَاصِلُ . قَالَ : إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ , إنِّي أُطْعَمَ وَأُسْقَى .
وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ .
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه : فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ .
1= معنى الوصال :
قال القاضي عياض : هو متابعة الصوم دون الإفطار بالليل .
وقال ابن الأثير : هو أن لا يُفْطِرَ يَوْمَيْن أو أيَّاما .
2= الحكمة من النهي عن الوصال :
أ - رحمة بهم ، وإبقاء عليهم ، وفي التنزيل : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رَحمة لهم . رواه البخاري ومسلم .
ب - النهي عن التعمّق والتكلّف .
قال الإمام البخاري : باب الوصال . ومَن قال ليس في الليل صيام لقوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه رحمة لهم وإبقاء عليهم ، وما يُكْرَه مِن التَّعَمُّق .
وفي حديث أنس رضي الله عنه : قال : وَاصَل النبي صلى الله عليه وسلم آخر الشهر ، وواصَل أناس مِن الناس ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ . رواه البخاري ومسلم .
جـ - لِمَا فيه مِن ضعف القوة ، وإنهاك الأبدان . قاله القرطبي .
د - دَفْع الْملل ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! عَلَيْكُمْ مِنْ الَْعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ . رواه البخاري ومسلم .
ولَمَا نَهى عن الوصال صلى الله عليه وسلم قال : فَاكْلَفُوا مِنْ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ . رواه البخاري ومسلم مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
هـ - يُنهَى عن الوصال مِن أجل مُخالفة أهل الكتاب . ولذلك كانت أكلة السَّحَر مِما يُخالَف به أهل الكتاب .
و - لِمَا في الوصال مِن تضييع الحقوق والتقصير فيها ، وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يصوم النهار ويقوم الليل ، فلمّا زاره سلمان رضي الله عنه قال له سلمان : إن لربك عليك حقّا ، ولنفسك عليك حقّا ، ولأهلك عليك حقّا ، فأعطِ كل ذي حق حقّه ، فأتى أبو الدرداء النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق سلمان . رواه البخاري . وسيأتي في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .
3 = قول الصحابة رضي الله عنهم : " إنك تُواصِل " ليس فيه اعتراض ، وإنما هو سؤال واستفسار عن شأنه صلى الله عليه وسلم ، أنه يُواصِل وَيَنْهَى عن الوصال . لأنه صلى الله عليه وسلم كان قدوة لأصحابه ، وكان إذا أمرهم بأمر فَعَله ، وكان إذا أمرهم بأمر ابتدروا أمْرَه .
وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، ووصَال أناس منهم ، فإنه ليس معصية ولا على سبيل المنازعة له صلى الله عليه وسلم ، بل فهموا أن النهي ليس على سبيل المنع ، وإنما كان إبقاء عليهم .
قال القرطبي : واحتج مَن أجاز الوصال بأن قال : إنما كان النهي عن الوصال لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام ، فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلفوا الوصال وأعلى المقامات ، فيفتروا أو يَضعفوا عَمَّا كان أنفع منه مِن الجهاد والقوة على العدو ، ومع حاجتهم في ذلك الوقت .
وكان هو يلتزم في خاصة نفسه الوصال وأعلى مقامات الطاعات ، فلما سألوه عن وصالهم أبْدَى لهم فارِقًا بينه وبينهم ، وأعلمهم أن حالته في ذلك غير حالاتهم ، فقال : " لَسْتُ مثلكم إني أبيت يُطعمني ربي ويَسقيني " .
فلما كَمُل الإيمان في قلوبهم واستحكم في صدورهم ورَسَخ ، وكَثُر المسلمون وظهروا على عدوهم ، واصل أولياء الله وألزموا أنفسهم أعلى المقامات . اهـ .
وقال ابن كثير : يحتمل أنهم كانوا يَفهمون مِن النهي أنه إرْشَاد ، أي : مِن باب الشفقة ، كما جاء في حديث عائشة : "رحمة لهم" . اهـ .
4 = حرص الصحابة رضي الله عنهم على الخير ، وإن كان فيه مشقّة .
5 = الخلاف في الوصال :
اخْتُلِف في حُكم الوصال على ثلاثة أقوال :
القول الأول : جائز مع الكراهة ، وحكمه باقٍ .
والقول الثاني : منهي عنه ، وهو منسوخ . وحُجة أصحاب هذا القول أن الليل ليس محلاًّ للصوم .
والجواب عنه ما قاله أبو الوليد الباجي : إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوِصَالُ وَيَصِحُّ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُصَامُ زَمَنَ اللَّيْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لِلنَّهَارِ ، فَأَمَّا أَنْ يُفْرَدَ بِالصَّوْمِ فَلا يَجُوزُ . اهـ .
والقول الثالث : أنه خاص بِرسول الله صلى الله عليه وسلم .
6 = الراجح في حُكم الوصال :
قال القرطبي : وعلى كراهية الوصال - ولِمَا فيه مِن ضعف القوى وإنهاك الابدان - جمهور العلماء .
وقد حَرَّمَه بعضهم لِمَا فيه من مخالفة الظاهر والتشبه بأهل الكتاب . اهـ .
وسبب الكراهية : ترك الإفطار ، وقد جاء الحثّ على تعجيل الإفطار ، وترك أكلة السحور التي جاء الحثّ عليها أيضا ، وما فيها من البركة .
فإن أدّى الوصال إلى ضرر فإنه مُحرّم .
وكان ابن الزبير رضي الله عنهما يُواصِل سبعة أيام .
وكان أبو الجوزاء يُواصِل سبعا . ولو قَبَض على ذراع الرجل الشديد لَحَطمها !
7 = الوصال الجائز ، هو ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام : " فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ " .
قال القرطبي : قالوا : وهذا إباحة لتأخير الفطر إلى السَّحَر ، وهو الغاية في الوصال لمن أراده ، ومنع من اتصال يوم بيوم ، وبه قال أحمد وإسحاق . اهـ .
8 = يُؤجر الصائم على الوصال المشروع ، وإن كان الليل ليس محلاًّ للصوم ؛ لأن صيام الليل تَبَع لِصيام النهار .
9 = في حديث سهل بن سعد الحثّ على تعجيل الأفطار ، والوصال يُفوِّت ذلك . فكيف الجمع بينهما ؟
الجمع بينهما ، أن يُقال :
أ - حديث سهل هو الأصل ، وهو في حقّ أكثر الناس .
وحديث أبي سعيد في حالات مُستثناة ، وهو خلاف الأصل .
ب - حديث أبي سعيد لا يُعارِض ما في حديث سهل ؛ لأن من أراد الوصال لا يُخاطَب بتعجيل الإفطار .
جـ - تأخير الأفطار في حال الوصال لا يُراد منه الاحتياط والتنطّع ، وليس فيه شُبهة موافقة أهل الكتاب .
د - الوصال المشروع تأخير الإفطار إلى السحر ، بحيث يكون الإفطار والسحور في وقت واحد .
10 = جواز التعزير على مُخالفة أمر الإمام ورئيس القوم إذا كان الأمر لمصلحتهم .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم نَكّل بأصحابه - فواصل بهم - كالْمُنكِّل بهم .
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه : فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال ، واصَل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال ، فقال : لو تأخر لَزِدْتكم ، كالْمُنَكِّل بهم حين أبَوا . رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث أنس رضي الله عنه : قال : وَاصَل النبي صلى الله عليه وسلم آخر الشهر ، وواصَل أناس مِن الناس ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ . رواه البخاري ومسلم .
11 = " إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ " حُمِل على قوّة تحمّله عليه الصلاة والسلام . وما اختُصّ به عليه الصلاة والسلام .
12 = " إنِّي أُطْعَمَ وَأُسْقَى " ليس على حقيقته .
قال ابن كثير : الأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان معنويًّا لا حِسيًّا ، وإلا فلا يكون مُواصِلاً مع الحسي . اهـ .
وقال ابن حجر : وقال الجمهور : قوله : " يطعمني ويسقيني " مجاز عن لازِم الطعام والشراب ، وهو القوة ، فكأنه قال : يعطيني قوة الآكِل والشارِب ، ويُفيض عليّ ما يَسِدّ مَسَدّ الطعام والشراب ، ويَقْوَى على أنواع الطاعة من غير ضعف في القوة ولا كِلال في الإحساس . أو المعنى : إن الله يخلق فيه مِن الشبَع والرّيّ ما يغنيه عن الطعام والشراب ، فلا يحس بجوع ولا عطش . اهـ .
وحُمِل على اكتفائه صلى الله عليه وسلم بالذِّكر في حال الوصال .
قال ابن القيم عن الذِّكْر : قُوت القلب والروح ، فإذا فقده العبد صار بِمَنْزِلة الجسم إذا ِحيل بينه وبين قُوتِه ، وحَضَرْت شيخ الإسلام ابن تيمية مَرَّة صَلَّى الفجر ، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب مِن انتصاف النهار ، ثم التفتَ إليّ ، وقال : هذه غَدْوَتي ، ولو لم أتَغَدّ الغداء سقطت قوتي ، أو كلاما قريبا من هذا . اهـ .
13 = الأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله ، مُخرّجة في الصحيحين .
14 = قول المصنف : " وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " هذه الرواية ليست عند مسلم ، وقد رواها البخاري بلفظ : لا تُواصِلوا ، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://deshna.ahlamontada.net
علي عبد الله
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
علي عبد الله


ذكر

العمر : 53
عدد الرسائل : 3082
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 2:46 pm

الاقتصاد في الطاعة
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ : أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَقُولُ : وَاَللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ , وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ . فَقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أنت الذي تقول ذلك ؟ فَقُلْتُ لَهُ : قَدْ قُلْتُهُ , بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي . فَقَالَ : فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ . فَصُمْ وَأَفْطِرْ , وَقُمْ وَنَمْ . وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا . وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ . قُلْتُ : فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ . قُلْتُ : أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْما . فَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ دَاوُد عليه الصلاة والسلام . وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ . فَقُلْتُ : إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ .
وَفِي رِوَايَةٍ : لا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ أَخِي دَاوُد - شَطْرَ الدَّهْرِ - صُمْ يَوْما وَأَفْطِرْ يَوْما .
وعَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُد . وَأَحَبَّ الصَّلاةِ إلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُد . كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ , وَيَقُومُ ثُلُثَهُ . وَيَنَامُ سُدُسَهُ . وَكَانَ يَصُومُ يَوْما وَيُفْطِرُ يَوْما .
فيه مسائل :
1 = " : أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ " : فيه مسائل :
أ - جواز الإخبار باسم الشخص عند الاستفتاء .
ب - جواز شكاية مَن خالف السنة ، ورفع أمره إلى من بيده إصلاحه ، وليس هذا من النميمة ، ونقل الكلام المذموم .
جـ - في هذه الرواية " أُخْبِرَ " ، وفي روايات أن الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك هو عمرو بن العاص والد عبد الله .
د - سبب شكاية عمرو لابنه : أنه زوّجه امرأة مِن قريش ، فلم يكن يلتفت إليها لقوّته على العبادة !
قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أنكحني أبي امرأة ذات حسب ، فكان يتعاهد كَنَّتَهُ فيسألها عن بعلها ، فتقول : نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا ، ولم يَفْتش لنا كَنَفاً مذ أتيناه ! فلما طال ذلك عليه ذَكَر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : القني به . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية قال رضي الله عنه : زوّجني أبي امرأة من قريش ، فلما دخلت على جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة ، فجاء عمرو بن العاص إلى كَنَّتَه حتى دخل عليها ، فقال لها : كيف وَجَدْتِ بَعْلك ؟ قالت : خير الرجال - أوْ كَخَير البعولة - مِنْ رجل لم يَفْتِش لنا كَنَفًا ، ولم يَعْرف لنا فِرَاشا ، فأقبل عليّ فَعذلني وعضّني بِلِسَانِه ، فقال : أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فَعَضَلْتَها وفَعَلْتَ وفَعَلْتَ ، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني ، فأرسل إليّ النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته ... الحديث . رواه الإمام أحمد .
ومعنى ( عضّني ) أي شدّد علي القول .
2 = لا تعارُض بين هذه الروايات وبين رواية " بَلَغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أسرد الصوم وأصلي الليل ، فإما أرسل إليّ ، وإما لقيته ... " ؛ لأن بلوغ الخبر في سرد الصوم وصلاة الليل هو سبب شكايته !
ويُحتَمل أن يكون أن النبي صلى الله عليه وسلم أُخْبِر ، ثم جاء والده يشكوه .
3 = كراهية سرد الصوم لِمَا فيه مِن الملال ، ولِمَا يترتّب عليه من تفويت بعض الحقوق .
وهذا ما حدث لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بعدما كبُر .
قال عبد الله : فليتني قَبِلْتُ رُخْصَة رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري ومسلم .
وسبب قوله هذه أنه كَرِه أن يُغيِّر من أمْر الْتَزَمه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكراهية ترك ما لَزِمَه وداوم .
وليس معنى ذلك أنه أوْجَبه على نفسه .
4 = " وَاَللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ , وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ " هذا يمين ، وهو في معنى النذر ، ولم يُنْه عنه ؛ لأن المراد منه التبرُّر .
ولم يُذكر أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالكفارة ؛ فإما أن يكون ما خرج عن حدّ يمينه ؛ لأنه سيصوم صيام داود ، وهو في معنى صيام الدهر وأكثر ؛ لأن من صام ثلاثة أيام من كل شهر ، فكأنما صام الدهر .
وكذلك بالنسبة للقيام .
وإما أن يكون أُمِر بالكفارة ، ولم يُنقل لخصوص الأمر بِصاحبه .
5 = قوله عليه الصلاة والسلام : " أنت الذي قلتَ ذلك ؟ " فيه : التثبّت والسؤال عما يُنقَل قبل العِتاب .
6 = قوله عليه الصلاة والسلام : " "فإنك لا تستطيع ذلك " : محمول على الدوام وما يُفضي إليه إذا كبُر .
أو أنه محمول على أنه لا يستطيع ذلك مع أداء الحقوق الواجبة عليه .
ولذلك قال له عليه الصلاة والسلام : فإن لزوجك عليك حقا ، ولِزَوْرِك عليك حقا ، ولجسدك عليك حقا .
7 = " فَصُمْ وَأَفْطِرْ , وَقُمْ وَنَمْ " موازنة الإسلام بين حاجات الجسد وحاجات الروح ، والاعتدال في أداء الحقوق .
8 = فيه الأدب في مراجعة الْمربِّي والعالِم والكبير ، " فإني أُطِيق أكثر من ذلك " .
9 = " لا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ أَخِي دَاوُد " : فيه الاقتداء بالأبياء والصالحين ، كما قال تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) .
10 = بيان أفضل الصيام لِمن أطاقه ، وهو صوم نبي الله داود عليه الصلاة والسلام .
ولا تعارض بين هذا التفضيل مع تفضيل صيام شهر االله الْمُحرَّم .
قال المناوي : وتفضيل صوم داود باعتبار الطريقة وهذا [صيام شهر محرّم ] باعتبار الزمن . اهـ .
11 = " وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا . وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ " سيأتي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الوصية بِصيام ثلاثة أيام من كل شهر .
12 = الحديث في الأصل أطول من هذا ، وفيه : الأمر بقيام بعض الليل لا كلّه ، وفيه الأمر بقراءة القرآن كل سبعة أو كل ثلاثة أيام .
قال البخاري رحمه الله عن مسألة القراءة والْخَتْمة : وقال بعضهم في ثلاث ، وفي خمس ، وأكثرهم على سَبْع .
13 = مَن فُتِح عليه في عبادة أو في عِلْم أو في عمل خير ، فلا يُنكَر عليه ما لم يُخالِف السنة ، ولا يُصْرَف إلى غيره .
وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مثال على ذلك ، فقد فُتِح له في العبادة أكثر من غيرها ، مما جعله ينصرف عن العِلْم إلى العبادة أكثر .
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثًا عنه مِنِّي إلاَّ ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يَكتب ولا أَكْتُب . رواه البخاري .
وكَتَبَ عبد الله بن عبد العزيز العُمَريّ العابد إلى الإمام مالك يحضُّه إلى الانفراد والعمل ، ويَرْغَب به عن الاجتماع إليه في العِلْم ، فكتب إليه مالك : إن الله عز وجل قَسَم الأعمال كما قَسَم الأرزاق ، فَرُبّ رَجُلٍ فُتِح له في الصلاة ولم يُفتح له في الصوم ، وآخر فُتِح له في الصدقة ولم يُفتح له في الصيام ، وآخر فُتِح له في الجهاد ولم يُفتح له في الصلاة ، ونشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر ، وقد رضيت بما فُتِحَ الله لي فيه من ذلك ، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه ، وأرجو أن يكون كلانا على خير ، ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قُسِمَ له ، والسلام .
14 = فيه تفقّد الإمام رعيته , وتفقّد الرجل أصحابه .
15 = تفقّد الرجل لِحال ابنه ، والسؤال عن أحواله على سبيل الإصلاح ، لا على سبيل الفضول والإفساد ! وهو التدخّل في خصوصيات حياتهم .
ولهذا السؤال والتفقّد أصل في عَمَل الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع ابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، وخبره في صحيح البخاري .
16 = ترتيب الأولويات :
قال ابن حجر : الأولى في العبادة تقديم الواجبات على المندوبات ، وأن مَن تَكَلَّف الزيادة على ما طُبِع عليه يَقَع له الخلل في الغالب .
17 = الأمر بالاقتصاد في العبادة ، وكراهية التشديد على النفس .
قال عليه الصلاة والسلام : والقصد القصد تبلغوا . رواه البخاري .
18 = الإشارة إلى المداومة على العمل ، وإن قَلّ . وهذا كان هديه عليه الصلاة والسلام ، كما قالت عائشة رضي الله عنها ، وقد تقدّم هذا .
وأن قليل دائم خير من كثير مُنقطِع .
18 = العِبْرَة بِحُسن العمل وموافقته للسنة ، وليست العِبرة بِكثرة العمل .
قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال الفضيل بن عياض : هو أخلص العمل وأصوبه ، قالوا : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يُقْبَل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبَل ، حتى يكون خالصا وصوابا ، فالخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة .
19= " إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُد " فيه فوائد :
أ - إثبات صِفة الحبّ لله عزّ وجلّ .
ب - عِظَم أجْر مَن صام يوما وأفطر يوما ، وأن ذلك ليس من التشدّد .
جـ - فضْل هذه العبادات ، فيما يتعلّق بالطاعات اللازمة ، فيما بينها مِن تفاضُل .
د - تفاضل الأعمال .
20 = " صُم يوما وأفطر يوما " إذا وافَق يوم عيد فإنه يَحرُم صيامه ، ولا يحرم صيام يوم السبت ولا يوم الجمعة مُفْرَدًا ، وسيأتي مزيد بيان - إن شاء الله - في الأحاديث التالية عن الأيام التي نُهي عن صيامها .
في صيام ثلاثة أيام من كل شهر
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاثٍ : صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ , وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى , وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ .
فيه مسائل :
1 = تعريف الْخُلَّة :
قال ابن الأثير : الْخلَّة بالضَّم : الصَّدَاقة والمَحَبَّة التي تَخَلَّلَت القَلْب فصارت خِلاَلَه ، أي : في باطنه .
2 = لا تعارُض بين قول أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " خليلي " ، وبيْن نَفْي النبي صلى الله عليه وسلم الْخُلّة عن أحد ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : لو كنت مُتَّخِذًا مِن أهل الأرض خليلا لاتخذت ابن أبي قُحافة خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله . رواه البخاري ومسلم .
فإن أبا هريرة لم يُخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم اتَّخَه خليلا ، ولكنه هو يُخبر عن نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم خليله ، أي : أن الْخُلّة مِن جِهة أبي هريرة رضي الله عنه .
3 = هذا مِن أفضل الصيام ؛ لأن الحسنة بِعشرة أمثالها ، وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : إن بِحَسْبِك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام ، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها ، فإن ذلك صيام الدهر كله . رواه البخاري ومسلم .
وسبق أنه لا تعارُض بين تفضيل صيام داود عليه الصلاة والسلام وبين صيام شهر مُحَرَّم .
فصيام ثلاثة أيام من كل شهر يعدل صيام الشهر .
4 = اخْتُلِف في تعيين هذه الأيام على أقوال :
أ - فسّره جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بأيام البيض ( 13 ، 14 ، 15 ) .
ب - مِن أوّل الشهر .
جـ - مِن أيام الاثنين والخميس . واستدلّوا بقوله عليه الصلاة والسلام : تُعْرَض الأعمال يوم الاثنين والخميس ، فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم . رواه الترمذي .
ومَن فسّره بأيام البِيض ، استدلّ بـ :
حديث عائشة رضي الله عنها وقد سُئلت : أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ؟ قالت : نعم . قيل : من أيِّه كان يصوم ؟ قالت : كان لا يُبالي مِن أيِّه صام . رواه أبو داود والترمذي والنسائي .
وبِحَدِيث أبي ذر رضي الله عنه : أمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض : ثلاث عشر وأربع عشرة وخمس عشرة . رواه ابن حبان وغيره .
وبِحَدِيث جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : صيام ثلاثة أيام مِن كل شهر صيام الدهر ، أيام البيض : صبيحة ثلاثة عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة . رواه النسائي .
وبقوله عليه الصلاة والسلام : إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام ، فَصُم ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة . رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://deshna.ahlamontada.net
علي عبد الله
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
علي عبد الله


ذكر

العمر : 53
عدد الرسائل : 3082
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 2:48 pm

قال الإمام البخاري رحمه الله : باب صيام أيام البيض : ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة .
ثم روى بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث ...
فالذي يظهر أن البخاري يُرجِّح صيام أيام البيض ، لِمن كان يصوم ثالثة أيام من كل شهر .
ويظهر أنه يُقيِّد حديث أبي هريرة هذا بِأيام البيض .
وهذا أقوى الأقوال ؛ لأنه فِعْل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله .
5 = اْخْتُلِف في سُنّيَة صلاة الضحى .
والصحيح أن صلاة الضحى سُنة ، فقد صلاّها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفَتْح ، كما في حديث أم هانئ رضي الله عنها ، وهو مُخرّج في الصحيحين .
وصلاّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت رجل مِن الأنصار ، كما في حديث أنس ، وهو مُخَرَّج في الصحيحين .
وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الضّحى .
ومَن صَلى صلاة الضحى كانت له عِدْل ثلاثمائة وستّين حَسَنة .
ففي حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ؛ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى . رواه مسلم .
وأما ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت عن ركعتي الضحى : بِدعة . كما في صحيح البخاري .
وما رواه البخاري من طريق مورّق قال : قلت لابن عمر رضي الله عنهما : أتُصَلّي الضحى ؟ قال : لا . قلت : فَعُمَر ؟ قال : لا . قلت : فأبو بكر ؟ قال : لا . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا إخاله .
فهذا محمول منهما رضي الله عنهما على عدم العلْم بهذه السُّنَّة ، فإن ابن عمر رضي الله عنهما قال في الأخير : " لا إخاله " يعني : لا أظنه !
وكون المسألة تَخْفى على بعض الصحابة ، بل وعلى بعض كبارهم ؛ غير مُستبْعَد ، وهو أمْر وارِد .
فقد خَفْي على أبي بكر مسائل ، وخَفْي على عمر مسائل .
ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول في بعض المسائل : كتاب الله أحق أن يُتَّبَع أم عمر ؟!
هذا مِن جهة .
ومِن جهة ثانية فالقاعِدة أن الْمُثْبِت مُقدَّم على النَّافِي .
فأبو هريرة وأبو ذر وأنس وأم هانئ - وغيرهم - أثْبَتوا سُنيّة صلاة الضحى ، فَقَولُهم مُقَدَّم على قَول مَن نَفَاها ؛ لأنَّ مَن أثْبَتَها عنده زِيادة عِلْم .
مع أن من أثْبَت سُنيّة صلاة الضحى أكثر ممن نفاها .
ومِن جهة ثالثة فإن قول الصحابي إنما يكون حُجّة في غير موضع النص .
6 = اختلاف وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : مبني على عِلْمه صلى الله عليه وسلم بأحوال أصحابه ، وما يُناسب كل واحد منهم ، فالقوي يُناسبه الجهاد ، والعابد تُناسبه العبادة ، والعالِم يُناسبه العِلْم ، وهكذا .
وفي هذا إشارة إلى الْمُربِّين والقائمين على التربية والتعليم والتوجيه : أن يُوجِّهوا كل مُتعلِّم لِمَا يُناسبه .
7 = اْخْتُلِف في حُكم الوتر بين الوجوب وبين السنية المؤكَّدَة .
والصحيح أنه سُنة مُؤكَّدَة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حافظ عليها ، وأمَر به من غير إيجاب .
وبالله تعالى التوفيق .
شرح عمدة الأحكام - شرح الحديث رقم 204 في النهي عن صوم يوم الجمعة
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَزَادَ مُسْلِمٌ : وَرَبِّ الْكَعْبَةِ .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , إلاَّ أَنْ يَصُومَ يَوْما قَبْلَهُ , أَوْ يَوْما بَعْدَهُ .
فيه مسائل :
1 = سبب النهي : أن يوم الجمعة يوم عيد .
قال عليه الصلاة والسلام : إن هذا يومُ عيدٍ ، جعله الله للمسلمين ، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل ، وإن كان طِيبٌ فليَمَسَّ منه ، وعليكم بالسواك . رواه ابن ماجه ، وهو حديثٍ حسن .
2 = ولَمّا كان يوم الجمعة هو سيد الأيام وهو أفضلها جاء النهي عن إفراده ، لئلا يُتوهّم أن هذه الخصوصية لها خاصية .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تختصوا ليلة الجمعة بِقِيام مِن بَيْن الليالي ، ولا تَخُصُّوا يوم الجمعة بِصيام مِن بين الأيام إلاَّ أن يكون في صوم يصومه أحدكم . رواه مسلم .
3 = حُكم إفراد يوم الجمعة بالصيام :
مذهب الشافعي وأحمد : القول بالكراهة .
ومذهب أبي حنيفة ومالك : القول بِعدم الكراهة .
4 = تزول الكراهة إذا ضُمّ إليه يوم آخر .
ففي رواية للبخاري : زاد غير أبي عاصم : يعني : أن ينفرد بِصوم .
وفي حديث جويرية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال : أصُمْتِ أمس ؟ قالت : لا . قال : تريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا . قال : فأفطري . رواه البخاري .
قال ابن قدامة : وهذا الحديث يدل على أن المكروه إفراده ؛ لأن نَهْيه مُعَلَّل بِكُونها لم تَصُم أمْس ولا غَدًا . اهـ .
5 = ولا يدخل في النهي إذا وافق يوم صيام من غير قصد تخصيص يوم الجمعة .
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : ولا تَخُصُّوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلاَّ أن يكون في صوم يصومه أحدكم . رواه مسلم .
فإذا كان أحد يصوم يوما ويُفطِر يوما ، فوافق يوم الجمعة ، فلا كراهة ، ولا يُنهى عنه .
ومثله : لو وافق يوم عرفة يوم جُمعة .
قال ابن قدامة : ويُكْرَه إفراد يوم الجمعة بالصوم ، إلاَّ أن يُوافِق ذلك صومًا كان يصومه ، مثل من يصوم يوما ويُفْطِر يومًا فيوافق صومه يوم الجمعة ...
نص عليه أحمد ، في رواية الأثرم .
قال : قيل لأبي عبد الله : صيام يوم الجمعة ؟ فذكر حديث النهي أن يُفْرَد ، ثم قال : إلاَّ أن يكون في صيام كان يصومه ، وأما أن يُفْرَد فلا .
قال : قلت : رجل كان يصوم يوما ويفطر يوما ، فوقع فِطره يوم الخميس ، وصومه يوم الجمعة ، وفِطْره يوم السبت ، فصام الجمعة مُفْرَدًا ؟ فقال : هذا الآن لم يتعمّد صومه خاصة ، إنما كُرِه أن يتعمّد الجمعة . اهـ .
6 = الرواية التي أشار إليها المصنف : رواها مسلم من طريق محمد بن عباد بن جعفر قال : سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهو يطوف بالبيت أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة ؟ فقال : نعم ، ورب هذا البيت .
قال ابن حجر : وفي رواية النسائي : "ورب الكعبة " ، وعزاها صاحب "العمدة" لِمُسْلِم فَوَهِم .
7 = جواز الحلف من غير استحلاف ، إذا كان بقصد التأكيد من غير إكثار !
والقصد منه التأكيد .
ولا يُعتبر ذلك مِن خِصال المنافقين ؛ لأن المنافقين اتّخذوا أيمانهم جُنة ووقاية وحماية !
في النهي عن صيام أيام العيدين
عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ وَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ - قَالَ : شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ : هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِهِمَا : يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ , وَالْيَوْمُ الآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ .
فيه مسائل :
1 = هذه الرواية التي أوردها المصنف رحمه الله هي رواية البخاري ، ورواية مسلم بلفظ : قال : شَهِدْت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فجاء فَصَلَّى ، ثم انصرف فخطب الناس ، فقال : إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما ؛ يوم فطركم من صيامكم ، والآخر يوم تأكلون فيه مِن نُسُكِكم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين : يوم الأضحى ويوم الفطر . رواه مسلم .
وجاء النهي أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها ، ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وسيأتي .
2 = الذي يظهر أن خُطبة عمر رضي الله عنه كانت في يوم عيد فِطْر ؛ لقوله رضي الله عنه : وَالْيَوْمُ الآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ . فلو كان يوم عيد أضحى لَمَا قال اليوم الآخر .
3 = النهي هنا يقتضي التحريم .
قال ابن قدامة : أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه ، مُحَرَّم في التطوع ، والنذر المطلق ، والقضاء والكفارة .
4 = لو نَذَر نذرًا مُطْلَقا ، أو كان له صوم فوافق يوم العيد ، فلا يجوز له الصيام .
قال زياد بن جبير : جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما ، فقال : إني نذرت أن أصوم يوما فوافق يوم أضحى أو فِطْر ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما : أمَرَ الله تعالى بوفاء النذر ، ونَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري : قال : كنت مع ابن عمر ، فسأله رجل فقال : نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء أو أربعاء ما عِشْت ، فَوَافَقْتُ هذا اليوم يوم النحر ، فقال : أمَر الله بِوفاء النذر ، ونُهِينا أن نَصوم يوم النحر ، فأعاد عليه فقال : مِثْله ، لا يزيد عليه .
قال النووي : وقد اختلف العلماء فيمن نذر صوم العيد مُعَيَّنًا ، وأما هذا الذي نذر صوم يوم الاثنين مثلا فوافق يوم العيد ، فلا يجوز له صوم العيد بالإجماع . وهل يلزمه قضاؤه ؟ فيه خلاف للعلماء .
5 = " فيه تعليم الإمام في خطبته ما يتعلق بذلك العيد مِن أحكام الشرع ، مِن مأمور به ومَنهيّ عنه " قاله النووي .
6 = كراهية صيام أيام التشريق ؛ لأنها تابعة ليوم عيد الأضحى . قال عليه الصلاة والسلام : أيام التشريق أيام أكل وشرب . رواه مسلم .
وقيل : بِتحريم صيام أيام التشريق .
7 = الاحتياط في ترك الاحتياط ، فلا يجوز صيام يوم عيد الفِطر بدعوى الاحتياط للصيام .
8 = العبادات توقيفية ، فلا يصحّ التقرّب إلى الله إلاّ بِما وَرَد في الشرع ، ومِن المعلوم أن مدار قبول العمل على شرطين : الإخلاص والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم .
وليس كل عَمَل مشروع تُشرَع آحاده .
روى عبد الرزاق عن ابن المسيب أنه رأى رجلا يُكَرِّر الركوع بعد طلوع الفجر ، فنهاه ، فقال : يا أبا محمد ! أيعذبني الله على الصلاة ؟ قال : لا ، ولكن يعذبك على خِلاف السنة !
9 = السنة أن يأكل المسلم تمرات قبل خروجه إلى الْمُصلَّى يوم الفِطْر ، وأن يأكل من أضحيته يوم الأضحى - إن كان ممن يُضحّي - .
وقد تقدّمت مسائل العيدين .
وبالله تعالى التوفيق .
شرح عمدة الأحكام - شرح الحديث رقم 206 في تأكيد النهي عن صيام العيدين
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ : الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ . وَعَنْ الصَّمَّاءِ , وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثوْبِ وَاحِدِ , وَعَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِتَمَامِهِ . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ الصَّوْمَ فَقَطْ .
فيه مسائل :
1 = التأكيد على النهي عن صيام أيام العيدين ، وقد تقدّم القول فيه ، وأن صيامهما مُحرّم بالإجماع .
2 = قول المصنف رحمه الله : " وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ الصَّوْمَ فَقَطْ " ليس بِدقيق ، فقد أخرجه البخاري بِتمامه في " باب صوم يوم الفِطْر " .
وأخرجه مسلم مُختَصَرًا بلفظ : لا يَصلح الصيام في يومين : يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان .
وبقية مسائل الحديث لا علاقة لها بالصيام .
وبالله تعالى التوفيق .
شرح عمدة الأحكام - شرح الحديث رقم 207 في فضل مَن صام يومًا في سبيل الله
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا .
فيه مسائل :
1 = " في سبيل الله " : المراد به عند الأكثر : أنه الجهاد في سبيل الله ، والرِّبَاط تَبَع له .
قال المهلب : هذا الحديث يدل أن الصيام في سائر أعمال البر أفضل إلاّ أن يخشى الصائم ضعفًا عند اللقاء ؛ لأنه قد ثبت عن الرسول أنه قال لأصحابه في بعض المغازي حين قَرب مِن الملاقاة بأيام يسيرة : " تَقَوّوا لعدوكم" فأمرهم بالإفطار ؛ لأن نفس الصائم ضعيفة ، وقد جَبَل الله الأجسام على أنها لا قِوام لها إلاَّ بالغذاء . نقله ابن بطال .
وقال ابن الجوزي : إذا أطلق ذكر سبيل الله فالمراد به الجهاد . نقله ابن حجر .
وقال ابن دقيق العيد : قَوْلُهُ " فِي سَبِيلِ اللَّهِ " الْعُرْفُ الأَكْثَرُ فِيهِ : اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجِهَادِ ، فَإِذَا حُمِلَ عَلَيْهِ : كَانَتْ الْفَضِيلَةُ لاجْتِمَاعِ الْعِبَادَتَيْنِ - أَعْنِي عِبَادَةَ الصَّوْمِ وَالْجِهَادِ .
وقال النووي : فيه فضيلة الصيام في سبيل الله ، وهو محمول على مَن لا يتضرر به ، ولا يُفوِّت به حقا ، ولا يَخْتَلّ به قتاله ولا غيره مِن مُهمات غَزْوِه . اهـ .
واستدلّ ابن حجر بروايةٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه بِلفظ : "ما مِن مُرابط يرابط في سبيل الله فيصوم يوما في سبيل الله " على أنه في الجهاد في سبيل الله .
2 = قال النووي : معناه المباعدة عن النار والمعافاة منها . والخريف السنة ، والمراد سبعين سنة . اهـ .
ومُقتضى ذلك : الأمن مِن سَماع حسيسها ، والنجاة منها ومِن دُخولها .
3 = بَعّد :بمعنى " باعَد " ، و" باعَد " رواية مسلم .
4 = ورد في أحاديث أخرى خِلاف هذا .
ففي حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : مَن صَام يومًا في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خَنْدَقًا كما بين السماء والأرض . رواه الترمذي ، وقال الهيثمي : رواه الطبراني في الصغير والأوسط ، وإسناده حسن . وحسّنه الألباني .
ومعلوم أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام .
وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : مَن صَام يومًا في سبيل الله عزّ وَجَلّ بَاعَد الله منه جهنم مسيرة مائة عام . رواه النسائي ، وحسّنه الألباني .
والجواب عنه من وجوه :
الأول : أن لفظ السبعين يُراد به التكثير .
والثاني : بحسب الصيام ومشقته وشِدّته ، واختلاف الصيام بين الصيف والشتاء ، وبين البلاد الحارة والباردة .
والثالث : عِظَم الأجر بِإخفاء العَمَل .
الرابع : أن ذِكر السبعين لا يُنافي ذِكر المائة عام ، ولا خمسمائة عام ؛ لأن ذِكْر ما بين المساء والأرض (خمسمائة عام) هو أعظم ما يُباعَد ، والسبعين أقلّ ما يُباعَد .. وذِكْر السبعين والمائة لا يُنافي الخمسمائة ، بل هي داخلة فيه .
5 = التنصيص على الخريف دون غيره :
قال ابن حجر : تخصيص الخريف بالذِّكْر دون بقية الفصول - الصيف والشتاء والربيع - لأن الخريف أزكى الفصول لكونه يجني فيه الثمار . ونقل الفاكهاني أن الخريف يجتمع فيه الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة دون غيره . ورد بأن الربيع كذلك . اهـ .
6 = فيه فضل الصيام في سبيل الله ، ما لم يتعارض مع غيره من المصالح العامة ، مِن قِتال وإعْداد وغير ذلك ، فإن تعارض قُدِّمت المصلحة العامة .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم الفتح : إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم . قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : فكانت رُخْصَة ، فَمِنَّا مَن صام ، ومِنَّا مَن أفطر ، ثم نَزَلْنَا مَنْزِلاً آخر ، فقال : إنكم مُصَبِّحُو عدوكم والفطر أقوى لكم ، فأفطروا ، وكانت عَزْمَة ، فأفطرنا . رواه مسلم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://deshna.ahlamontada.net
علي عبد الله
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
علي عبد الله


ذكر

العمر : 53
عدد الرسائل : 3082
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 2:49 pm

بابُ ليلةِ القَدرِ
تبويب المصنف .
فيه مسائل :
1 = أعْقَب أبواب الصيام بِباب ليلة القدر ؛ لأنها أخصّ ، ولأنها ليلة ضمن ليالي شهر الصيام .
2 = سُمِّيَتْ بذلك لِعِظَم قَدْرِها ، وهي الليلة المباركة .
3 = مِن عِظَم قَدْرها أنها خير مِن ألف شهر .
4 = وأنه أُنْزِل فيها القرآن مِن بيت العِزّة إلى سماء الدنيا جُملة واحدة .
فقوله تعالى : (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) وقوله : (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) الْمُراد به : نُزول القرآن من اللوح المحفوظ جُملة واحدة .
قال ابن عباس : أُنْزِل القرآن مِن اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى الكَتَبَة في سَماء الدنيا ، ثم نَزَل به جبريل عليه السلام نجوما - يعني الآية والآيتين - في أوقات مختلفة .
قال القرطبي : ولا خلاف أن القرآن أُنْزِل مِن اللوح المحفوظ ليلة القدر جُمْلة واحدة ، فَوُضِع في بَيْت العِزّة في سماء الدنيا ، ثم كان جبريل صلى الله عليه وسلم يَنْزِل به نَجْمًا نَجْمًا في الأوامر والنواهي والأسباب ، وذلك في عشرين سنة .
وقال ابن كثير : القرآن إنما نَزل جُمْْلًة وَاحِدة إلى بَيت العِزّة مِن السماء الدنيا ، وكان ذلك في شهر رمضان ، في ليلة القدر منه ، كما قال تعالى : (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) . وقال : (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) ، ثم نزل بَعْدُ مفرّقًا بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم . هكذا رُوي مِن غير وَجْه عن ابن عباس . اهـ .
5 = أنها أفضل ليالي العام .
6 = (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) : أي في ليلة القَدْر يُفصَل مِن اللوح المحفوظ .
قال ابن عباس في قوله تعالى : (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) : يُكتب مِن أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة مِن الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الْحُجَّاج ؛ يُقَال : يَحُجّ فُلان ويَحُجّ فلان .
قيل للحسين بن الفضل : أليس قد قَدَّر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض ؟ قال : بلى ، قيل : فما معنى ليلة القدر ؟ قال : سَوْق المقَادِير إلى الموَاقِيت ، وتَنفيذ القَضاء الْمُقَدَّر .
قال ابن كثير : وقوله : (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ، أي : في ليلة القدر يُفْصَل من اللوح المحفوظ إلى الكَتَبَة أمْر السَّنَة ، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق ، وما يكون فيها إلى آخرها . وهكذا روي عن ابن عمر ، وأبي مالك ، ومجاهد ، والضحاك ، وغير واحد من السلف . اهـ .
7 = ما يكون فيها البركة ، وكثرة الخير ، وكثرة نُزول الملائكة .
8 = ما يحصل فيها من المغفرة ، وفي الحديث : " مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " . رواه البخاري ومسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : إن هذا الشهر قد حَضَركم . وفيه ليلة خير من ألف شهر . مَن حُرِمَها فقد حُرِم الخير كله . ولا يُحْرَم خيرها إلاَّ محروم . رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني .
9 = مِن علامات ليلة القدر :
لا حارة ولا باردة :
قال عليه الصلاة والسلام : ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة ، تُصبِح الشمس يومها حمراء ضعيفة . رواه ابن خزيمة وصححه الألباني .
مُضيئة :
وقال عليه الصلاة والسلام : إني كنت أُريت ليلة القدر ثم نسيتها ، وهي في العشر الأواخر ، وهي طَلقة بَلْجة لا حارة ولا باردة ، كأن فيها قمرًا يَفضح كواكبها ، لا يخرج شيطانها حتى يخرج فَجْرَها . رواه ابن حبان .
كثرة الملائكة في الأرض :
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى . رواه ابن خزيمة ، وحَسّن إسناده الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم : وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها . رواه مسلم .
يعني تطلع في اليوم الذي يليها .
وتلك العلامة بشارة لمن قام تلك الليلة ؛ لأنها تكون بعد انقضاء ليلة القدر لا قبلها .
وليلة القَدْر تعويض لهذه الأمة مُقابِل قِصَر أعمار هذه الأمة .
وبالله تعالى التوفيق .
شرح عمدة الأحكام - شرح الحديث رقم 208 في رؤيا ليلة القدر
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ . فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ .
فيه مسائل :
1 = الاستئناس بالرؤى وعدم التعويل عليها ؛ لأنها مِن الْمُبَشِّرَات ، ولا يُجزَم معها بشيء ، ولا يُبنى عليها أحكام شرعية .
2 = إمكانية معرفة ليلة القدر عن طريق الرؤيا ، وعن طريق العلامات التي تُعرَف بها ليلة القدر . وقد سبقت في مسائل تبويب المصنف " باب ليلة القدر " .
قالت عائشة رضي الله عنها : قلت للنبي صلى الله عليه و سلم : أرأيت إن عَلِمْتُ ليلة القدر ، ما أقول ؟ قال قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني . رواه الإمام أحمد والنسائي في الكبرى وابن ماجه ، وهذا لفظ النسائي . وصححه الألباني والأرنؤوط .
3 = في هذا الحديث : " فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ " وفي رواية ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : وكانوا لا يزالون يَقُصّون على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا أنها في الليلة السابعة من العشر الأواخر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر ، فمن كان مُتَحَرِّيها فليتحَرّها من العشر الأواخر .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تَحَرّوا ليلة القدر في الوتر مِن العشر الأواخر من رمضان . رواه البخاري ومسلم . وهذا لفظ البخاري . - وسيأتي شرحه - .
4 = في حديث أبي سعيد رضي الله عنه ، قال : اعتكفنا مع النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط مِن رمضان ، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال : إني أريت ليلة القدر ثم أُنسيتها - أو نسيتها - ، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر ، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري : والْتَمِسُوها في كل وِتر ، فَمَطَرت السماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش ، فَوَكَف المسجد ، فَبَصُرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين مِن صُبح إحدى وعشرين . - وسيأتي شرح حديث أبي سعيد رضي الله عنه - .
فهذه الأحاديث تدُلّ على أن ليلة القدر تنتقل بين ليالي العشر ، وبين ليالي الوتر خاصة .
قال ابن عبد البر : فهذا يدل على أن ليلة القدر تنتقل . اهـ .
وما في حديث ابن عمر وغيره من تتابُع الرؤى على أنها ليلة سبع وعشرين ، محمول على تلك السنة التي رأوا فيها الرؤيا .
5 = تحريها والْتِماسها : طلبها ، وفيه دليل على إخفاء ليلة القدر ؛ لأن الشيء البيِّن لا يحتاج إلى الْتِماس وتَحَرٍّ .
وفي رواية : " تَحَيَّنُوا ليلة القَدر " أي : اطلبوا حِينها ، وهو زمانها . قاله النووي .
قال ابن عبد البر : قوله : " من كان مُتَحَرِّيها " يَدُلّ على أن قيام ليلة القدر نافلة غير واجب ، ولكنها فضل . ويَدُلّ هذا الحديث وما كان مثله على أن الأغلب فيها ليلة سبع وعشرين ، ويمكن أن تكون ليلة ثلاث وعشرين . اهـ .
6 = سبب إخفاء ليلة القدر ؟
في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يُخْبِر بِلَيْلَة القَدْر ، فتلاحى رَجُلان مِن المسلمين ، فقال : إني خرجت لأخبركم بِلَيلة القَدر ، وإنه تَلاحَى فلان وفلان ، فَرُفِعَتْ ، وعسى أن يكون خيرا لكم ، التمسوها في السبع والتسع والخمس . رواه البخاري .
قال ابن كثير : قوله: "فتلاحى فلان وفلان فرفعت" : فيه استئناس لِمَا يُقال : إن المماراة تقطع الفائدة والعِلْم النافع .
وقال أيضا : وقوله : "وعسى أن يكون خيرًا لكم" يعني : عدم تعيينها لكم ، فإنها إذا كانت مُبْهَمَة اجتهد طُلابها في ابتغائها في جميع مَحَالّ رَجائها ، فكان أكثر للعبادة ، بخلاف ما إذا عَلِمُوا عَينها فإنها كانت الهمم تَتَقَاصَر على قيامها فقط . وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها ، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر .
وقال : وقوله: "فَرُفِعت" أي : رُفِع عِلم تَعينها لكم ، لا أنها رُفِعت بالكلية مِن الوجود . اهـ .
وما في هذا الحديث محمول على أن الإخبار عن ليلة القدر فيما يتعلّق بِتلك السنة .
ومثله ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أُرِيت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها ، فالتمسوها في العشر الغوابر . رواه مسلم .
7 = ذَكَر ابن كثير أحد عشر قولاً في تعيين ليلة القدر . وقول للرافضة ! ويُضاف إليها قول ضعيف ، فتُصبح الأقوال اثنا عشر قولاً مع اطِّراح قول الرافضة ! إذ لا عبرة بأقوالهم .
وذَكَر الحافظ العراقي : ثلاثة وثلاثين قولاً في تعيين ليلة القدر .
8 = حَلَف أُبيّ بن كعب رضي الله عنه لا يَستثنى أنها ليلة سبع وعشرين . قال زِرّ بن حُبيش : فقلت : بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر ؟ قال : بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها . رواه مسلم .
فهذا محمول على أمرين :
الأول : أن هذا كان رأي أُبيّ رضي الله عنه .
والثاني : اختصاص ذلك بِسَنَةٍ رأى أُبيّ فيها تلك العلامة في صبيحة سبع وعشرين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://deshna.ahlamontada.net
علي عبد الله
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
علي عبد الله


ذكر

العمر : 53
عدد الرسائل : 3082
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 2:51 pm

في تحري ليلة القدر في ليالي الوتر


عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ .


فيه مسائل :


1 = " تَحَرَّوا " ـ اطلبوا والْتَمِسُوا
وفي رواية : " تَحَيَّنُوا ليلة القَدر " أي : اطْلُبُوا حِينَها ، وهو زمانها . قاله النووي .
وفيه دليل على إخفاء ليلة القدر ؛ لأن الشيء البيِّن لا يحتاج إلى الْتِماس وتَحَرٍّ .


2 = هذا التحرّي لا يُقطَع معه بشيء ؛ لأن الوتر عند قوم يكون شِفْعًا عند آخرين . مع كون ليلة القدر تنتقل بين ليالي الوتر .


3 = " في الوتر " ، أي : مِن ليالي الوِتر ، وهي ليلة ( 21 ، 23 ، 25 ، 27 ، 29 ) .
ويدلّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام : التمسوها في العشر الأواخر مِن رمضان ، ليلة القدر في تاسعة تَبْقَى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى . رواه البخاري .


4 = " مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ " ، أي : مِن رمضان ، وهذا يردّ قول مَن قال إنها تُرجى في ليالي رمضان ، وأضعف منه القول بأنها تُرجى في جميع العام ! ولعل قائل ذلك أراد الاجتهاد في القيام في جميع العام ، وفي رمضان خاصة .
ولذلك " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر مِن رمضان ، ويقول : تَحَرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان " ، كما قالت عائشة رضي الله عنها .
قال ابن عبد البر : وفي هذه الأحاديث الحض على التماس ليلة القدر وطلبها بِصلاة الليل والاجتهاد بالدعاء . اهـ .


ويدلّ عليه أيضا ما يأتي في حديث أبي سعيد رضي الله عنه ، وهو الحديث التالي ..


5 = لا يعني تحرّي ليلة القدر ترك البقية ؛ لأن هذا محمول على حال الضعف ، مع أن معرفة ليلة القدر لا يُمكن الجزم به .
ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : التمسوها في العشر الأواخر - يعني ليلة القدر - فإن ضَعُف أحدكم أو عَجِز فلا يُغْلَبَنّ على السبع البواقي . رواه مسلم . وأصله في الصحيحين .
قال ابن عبد البر عن هذا الحديث : والأغلب مِن قوله : " في السبع الأواخر " أنه في ذلك العام ، والله أعلم ، لئلا يَتَضَادّ مع قوله : " في العشر الأواخر " ، ويكون قوله وقد مضى من الشهر ما يُوجِب قول ذلك . اهـ .


وبالله تعالى التوفيق .


شرح عمدة الأحكام - شرح الحديث رقم 210 في تنقّل ليلة القدر بين ليالي الوتر


عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ . فَاعْتَكَفَ عَامًا , حَتَّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ - وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ - قَالَ : مَنْ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ فَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ . ثُمَّ أُنْسِيتُهَا , وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا . فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ . وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ .
فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ . وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ . فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ , فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إحْدَى وَعِشْرِينَ .


فيه مسائل :


1 = " كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ " ، لا يعني هذا أنه لم يعتكف ما قبل ذلك ؛ لأن ذِكْر ما قبل ذلك مَطويّ في هذه الرواية ، ففي رواية للبخاري :
قال : اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول مِن رمضان واعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك ! فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك ! فقام النبي صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا صبيحة عشرين مِن رمضان فقال : مَن كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع ، فإني أريت ليلة القدر ، وإني نسيتها ، وإنها في العشر الأواخر في وِتْر ، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء ، وكان سقف المسجد جريد النخل ، وما نَرَى في السماء شيئا ، فجاءت قَزَعَة فأُمْطِرنا ، فَصَلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته ، تصديق رؤياه .
ولذلك كان آخر الأمر منه عليه الصلاة والسلام أنه يعتكف العشر الأواخر مِن رمضان حتى توفّاه الله . كما في حديث عائشة رضي الله عنها .


2 = وفي رواية للبخاري : والْتَمِسُوها في كل وِتر ، فَمَطَرت السماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش ، فَوَكَف المسجد ، فَبَصُرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين مِن صُبح إحدى وعشرين .


3 = تأكيد إخفاء ليلة القدر ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف مِن كُلّ رَمضان الْتِمَاسًا لها .


4 = سبق بيان سبب إخفاء ليلة القدر في حديث ابن عمر السابق .


ونسيان تعيين ليلة القدر لا تأثير له على البلاغ ، بل هو لِحكمة ظاهرة ، فقد أخفاها الله كما أخفى ساعة الجمعة ، وقد ذَكَر ابن حجر أربعين قولا في تعيين ساعة الجمعة .
قال ابن حجر في مسألة أخرى : وفيه دليل على جواز وقوع السهو مِن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال . قال ابن دقيق العيد : وهو قول عامة العلماء والنظار . اهـ .


5 = تواضعه عليه الصلاة والسلام في سجوده على الماء والطين ، وليس فيه دليل على وُجوب مُباشرة الأرض ؛ لأنه خبر عن حال ، وليس أمرًا .
قال أبو عبد الله [البخاري] : كان الحميدي يحتج بهذا الحديث ، إلاَّ يمسح الجبهة في الصلاة ، بل يمسحها بعد الصلاة ، لأن النبي رُئي الماء في أرنبته وجبهته بعد ما صلى . ذَكَره ابن رجب رحمه الله .


6 = مِن صبيحتها : يعني : في صلاة الفجر ، وهذه علامة يُستأنس بها لِمن قام ليلة القدر ، وهي مثل طلوع الشمس من غير شعاع .


= " فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ " لا يتعارض مع حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه مرفوعا : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ؛ فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مُطِرْنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب . رواه البخاري ومسلم .
لأن هذا مِن نِسْبَة المطر إلى جهة نُزُوله ، وما في حديث زيد بن خالد مِن نِسْبَة الفِعل إلى الأنواء .


7 = " قوله : " وَكَف المسجد " ، أي : قَطَر سقفه بالماء ، وأوكف أيضا . قاله القاضي عياض .
وقال العيني في شرح أبي داود : قوله : " فوكَف المسجد " بفتح الكاف ، أي : قَطر ماء المطر مِن سقفه .


8 = بساطة بناء مسجده صلى الله عليه وسلم .
ومع ذلك كان مُنطلَقًا للدعوة والجهاد .


9 = فيه دليل على تنقّل ليلة القدر بين ليالي الوتر . وهو قول الجمهور .
قال الحافظ العراقي : وذهب جماعة من العلماء إلى أنها تنتقل ، فتكون سنة في ليلة ، وسنة في ليلة أخرى وهكذا ، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي قلابة ، وهو قول مالك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وغيرهم . اهـ .


10 = ذَكَر الحافظ العراقي في تعيين ليلة القدر ثلاثة وثلاثين قولا . وقد سبقت الإشارة إليه .


11 = كان السلف يجتهدون في العشر الأواخر ، ويتحرّون ليلة القدر ، ويستعدّون لها .


وبالله تعالى التوفيق .


شرح عمدة الأحكام - باب الاعتكاف


تبويب المصنف .


فيه مسائل :


1 = قال ابن عبد البر : الاعتكاف في كلام العرب : هو القيام على الشيء والمواظبة عليه والملازَمَة له .
وأما في الشريعة ؛ فمعناه الإقامة على الطاعة وعَمَل البِرّ على حَسَب مَا وَرَد مِن سُنن الاعتكاف .


وقال القاضي عياض : الاعتكاف معلوم في الشرع ، وهو ملازمة المسجد للصلاة وذِكْر الله .
وأصله في اللغة : اللزوم للشيء والإقبال عليه ، قال الله تعالى : (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) أي : الْمُقِيم بِه . يُقَال : عَكَف يَعْكُف ويَعْكِف - بِضَمّ الكاف وكسرها ، واعتكف أيضا ، وقوله : وهُم عُكوف . اهـ .


2 = نَقَل ابن عبد البر الإجماع على جواز الاعتكاف في جميع السنة عدا الأيام المنهي عن صيامها .
قال ابن عبد البر : فما أجمع العلماء عليه من ذلك أن الاعتكاف جائز الدهر كله إلاَّ الأيام التي نهى رسول الله عن صيامها ، فإنها موضع اختلاف ، لاختلافهم في جواز الاعتكاف بغير صوم .
وأجمعوا أن سُنَّة الاعتكاف المندوب إليها شهر رمضان كله أو بعضه ، وأنه جائز في السنة كلها إلاَّ ما ذكرنا . اهـ .


3 = أجمعوا على أن الاعتكاف لا يكون إلاّ في مسجد .
قال ابن عبد البر : وأجمعوا أن الاعتكاف لا يكون إلاَّ في مسجد ، لقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) . اهـ .
وقال القرطبي : أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلاَّ في المسجد . اهـ .


4 = قوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)
قال ابن عباس : هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان ، فَحَرَّم الله عليه أن ينكح النساء ليلا ونهارا حتى يقضي اعتكافه .
وذَكَر ابن كثير أن هذا " هو الأمر المتفق عليه عند العلماء : أن المعتكف يحرمُ عليه النساء ما دامَ مُعْتَكِفًا في مسجده ، ولو ذهب إلى مَنْزِله لحاجة لا بُدّ له منها فلا يَحِلّ له أن يتلبَّث فيه إلاَّ بمقدار ما يَفْرَغ مِن حاجته تلك ، من قضاء الغائط ، أو أكْل ، وليس له أن يُقَبِّل امرأته ، ولا يَضُمّها إليه ، ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه ، ولا يَعود المريض ، لكن يسأل عنه وهو مارّ في طريقه . اهـ .
وبَيَّن ابن كثير أيضا أن " المراد بالمباشرة : إنما هو الجماع ودواعيه مِن تَقْبِيل ومُعانقة ونحو ذلك ، فأما مُعاطاة الشيء ونحوه فلا بأس به" .


5= من جامَع أثناء الاعتكاف أفسد اعتكافه .
قال القرطبي : أجمع أهل العلم على أن مَن جامع امرأته وهو معتكف عامدًا لذلك في فَرْجِها أنه مُفْسِد لاعتكافه ، واختلفوا فيما عليه إذا فعل ذلك ...
فأما المباشرة من غير جماع فإن قَصد بها التلذذ فهي مكروهة ، وإن لم يقصد لم يُكْرَه ، لأن عائشة كانت تُرَجِّل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعْتَكِف ، وكانت لا مَحَالة تَمَسّ بَدَن رسول الله صلى الله عليه وسلم بِيدِها ، فَدَلّ بذلك على أن المباشرة بغير شهوة غير محظورة . اهـ .


6 = جمهور أهل العلم على أنه لا شيء على مَن أفْسَد اعتكافه .


7 = لو قطع اعتكافه ، فلا شيء عليه ؛ لأنه لا يجب المضي في فاسِده ، فليس مثل الحج . .


8 = نَقَل القرطبي على أن الاعتكاف سُنّة إلاّ أن يكون نَذْرًا . وسيأتي تفصيل ذلك في حديث عمر رضي الله عنه .


عدل سابقا من قبل علي عبد الله في 14/8/2009, 2:54 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://deshna.ahlamontada.net
علي عبد الله
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
علي عبد الله


ذكر

العمر : 53
عدد الرسائل : 3082
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 2:53 pm

في الاعتكاف في العشر الأواخر
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ , حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ بَعْدَهُ .
وَفِي لَفْظٍ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ .
فيه مسائل :
1 = في حديث أبي سعيد " كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ " .
وفي رواية : " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان " .
فهذا إخبار عما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم كان آخر الأمر منه أن اعتَكَف فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَان ، ويدلّ عليه ما في حديث عائشة رضي الله عنها : حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
2 = هل فيه دليل على وُجوب الصيام للاعتكاف ؟
الجواب : لا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى اعتكافه في شوال ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها .
وسيأتي في حديث عمر رضي الله عنه أنه نذر أن يعتكف ليلة ، ويأتي تفصيل المسألة هناك .
3 = اعتكافه صلى الله عليه وسلم كان في مسجده ، بحيث تُضرب له خيمة ، وهي المراد في الرواية الثانية : فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ .
وفي رواية للنسائي في الكبرى : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل في المكان الذي يريد أن يعتكف فيه ، فأراد أن يعتكف العشر الأواخر مِن رَمضان ، فأمَر فَضُرِب له خِباء .
4 = اسْتُدِلّ به مع حديث : " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة . رواه البيهقي " على أنه لا اعتكاف إلاّ في الحرمين والأقصى .
قال ابن عبد البر : فذهب قوم إلى أن الآية خَرَجت على نَوع مِن المساجد ، وإن كان لفظه العموم ، فقالوا : لا اعتكاف إلاَّ في مسجد نَبِيّ ، كَالْكَعْبَة ، أو مسجد الرسول ، أو بيت المقدس لا غير .
ورُوي هذا القول عن حذيفة بن اليمان وسعيد بن المسيب ...
وقال آخرون : الاعتكاف في كل مسجد جائز ...
وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والثوري ، وهو أحد قولي مالك ، وبِه يقول ابن عُلية وداود والطبري .
وحجتهم حَمْل الآية على عُمومها في كل مسجد . اهـ .
وقول جمهور أهل العِلْم على جواز الاعتكاف في كل مسجد .
وأجابوا عَمَّا في هذا الحديث : بأنه الأفضل والأكمل أن يكون في المساجد الثلاثة .
قَالَ الإمام مَالِك في الموطأ : الأمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لا اخْتِلافَ فِيهِ : أَنَّهُ لا يُكْرَهُ الاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُجَمَّعُ فِيهِ ، وَلا أُرَاهُ كُرِهَ الاعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لا يُجَمَّعُ فِيهَا إِلاَّ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ مَسْجِدِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ أَوْ يَدَعَهَا ، فَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا لا يُجَمَّعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَلا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ سِوَاهُ ، فَإِنِّي لا أَرَى بَأْسًا بِالاعْتِكَافِ فِيهِ ، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَال : (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ، فَعَمَّ اللَّهُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْهَا .
5 = لا يصح الاعتكاف في البيوت .
قال ابن عباس رضى الله عنهما : إن أبغض الأمور إلى الله البِدَع ، وإن مِن البِدَع الاعتكاف في المساجد التى في الدور . رواه البيهقي .
قال ابن رجب : ومساجد البيوت لا يثبت لها أحكام المساجد عندَ جمهور العلماء .
6 = " فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ " يعني : صلاة الفجر .
7 = جواز اعتكاف النساء في المساجد إذا أُمِنت الفتنة ، وأمِنّ مِن الانكشاف .
قال النووي : الاعتكاف لا يصح إلاَّ في المسجد ؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم وأزواجه وأصحابه إنما اعتكفوا في المسجد مع المشقة في مُلازمته ، فلو جاز في البيت لفعلوه ولو مَرّة ، لا سيما النساء ، لأن حاجتهن إليه في البيوت أكثر . وهذا الذي ذكرناه من اختصاصه بالمسجد وأنه لا يصح في غيره ، هو مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود ، والجمهور سواء الرجل والمرأة . اهـ .
وبالله تعالى التوفيق .
شرح عمدة الأحكام - شرح الحديث رقم 212 في خروج المعتكف أو خروج بعض جسده
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ , وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ . وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا : يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ .
وَفِي رِوَايَةٍ : وَكَانَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ .
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : إنْ كُنْتُ لأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ وَالْمَرِيضُ فِيهِ ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلاَّ وَأَنَا مَارَّة " .
فيه مسائل :
1 = تُرجِّل ، أي : تُسرِّح شَعْرَه .
2 = فيه خِدمة المرأة لزوجها بالمعروف ، وأنه ليس فيه ابتذال ولا امتهان للمرأة .
قال النووي : فيه جواز استخدام الزوجة في الغسل والطبخ والخبز وغيرها بِرِضَاها ، وعلى هذا تظاهرت دلائل السنة وعمل السلف وإجماع الأمة . اهـ .
وقال الحافظ العراقي : فيه أنه لا بأس باستخدام الزوجة في مثل ذلك ، وأنه ليس فيه نَقْص ، ولا هَتْك حُرْمَة ، ولا إضرار بها . اهـ .
3 = " يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ " قال النووي : فيه أن المعتكف إذا خَرَج بعضه مِن المسجد ، كَيَدِه ورِجْلِه ورَأسه لم يبطل اعتكافه ، وأنّ مَن حَلَف أن لا يَدْخُل دَارًا ، أو لا يخرج منها ، فأدْخَل أوْ أخْرَج بَعْضَه ، لا يحنث . اهـ .
4 = فيه دليل على طهارة بَدَن الحائض ، ومثله قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة : ناوليني الخمرة مِن المسجد . قالت : فقلت : إني حائض ، فقال : إن حيضتك ليست في يدك . رواه مسلم .
قال ابن عبد البر : فَدَلّ هذا على أن كل عضو منها ليس فيه نجاسة فهو طاهر . اهـ .
5 = قُرْب بيته صلى الله عليه وسلم من المسجد ، ولذا تمّ إدخال بيته صلى الله عليه وسلم إلى ناحية المسجد لَمّا توسّع المسجد ، وخُشِي على جسده الشريف صلى الله عليه وسلم .
ولا حُجّة لأهل البِدَع في إدخال بيته وفيه قبره إلى مسجده صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك ليس مِن عمله صلى الله عليه وسلم ، بل ولا مِن عمَل أصحابه رضي الله عنهم . ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم يُدفَن في المسجد أصلا ، بل دُفِن في بيته . ثم ضُمّ بيته إلى المسجد .
6 = قوله : وَفِي رِوَايَةٍ هذه والتي تليها عند مسلم .
7 = " لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ "
قال ابن عبد البر : في ذلك دليل على أن المعتكف لا يَشتغل بغير مُلازمة المسجد للصلوات وتلاوة القرآن وذِكْر الله ، أو السكوت ففيه سلامة ، ولا يَخْرُج مِن المسجد إلاّ لحاجة الإنسان ، كل ما لا غِنى بالإنسان عنه مِن منافعه ومصالحه ، وما لا يقضيه عنه غيره .
وقال : ولا يَخرج إلاَّ لضرورة ، كَالْمَرَض البَيِّن ، والحيض في النساء . وهذا في معنى خروجه لحاجة الإنسان ؛ لأنها ضرورة . اهـ .
وقال ابن دقيق العيد : كِنَايَةٌ عَمَّا يَضْطَرُّ إلَيْهِ مِنْ الْحَدَث . اهـ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ .
8 = فيه أن الْمُعْتَكِف غير ممنوع مِن التَّرفُّه ، إذ ليس هذا مما يُتعبَّد به في الاعتكاف . ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسرِّح شَعْرَه وهو في مُعتكَفه .
قال الإمام البخاري : باب المعتكف يُدْخِل رأسه البيت للغسل .
قال الإمام مالك : الْمُعْتَكِفُ وَالْمُعْتَكِفَةُ يَدَّهِنَانِ وَيَتَطَيَّبَانِ ، وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ شَعَرِهِ ، وَلا يَشْهَدَانِ الْجَنَائِزَ ، وَلا يُصَلِّيَانِ عَلَيْهَا ، وَلا يَعُودَانِ الْمَرِيضَ . اهـ .
9 = فيه أنّ مسّ المرأة غير مُؤثِّر في الاعتكاف ولا في الوضوء .
قال الحافظ العراقي : فيه أن مماسة المعتكف للنساء ومماستهن له إذا كان ذلك بغير شهوة لا يُنَافِي اعتكافه ، وهو كذلك بلا خلاف ، فإن كان بشهوة فهو حَرام ، وهل يَبْطُل به الاعتكاف ؟ يُنْظَر ، فإن اقترن به إنزال أبطل الاعتكاف ، وإلاَّ فلا ، هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم . اهـ .
10 = لا يُكرَه للمعتكِف عقد النكاح .
قَالَ الإمام مَالِك : لا بَأْسَ بِنِكَاحِ الْمُعْتَكِفِ نِكَاحَ الْمِلْكِ ، مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُعْتَكِفَةُ أَيْضًا تُنْكَحُ نِكَاحَ الْخِطْبَةِ ، مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ ... وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ وَلا لِلْمُعْتَكِفَةِ أَنْ يَنْكِحَا فِي اعْتِكَافِهِمَا ، مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ فَيُكْرَهُ ، وَلا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَنْكِحَ فِي صِيَامِهِ . اهـ .
11 = جواز عيادة المريض على وجه المرور .
قال ابن دقيق العيد : وَفِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ : جَوَازُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ عَلَى وَجْهِ الْمُرُورِ ، مِنْ غَيْرِ تَعْرِيجٍ . وَفِي لَفْظِهَا إشْعَارٌ بِعَدَمِ عِيَادَتِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ .
12 = يُكرَه للمعتكِف الاشتغال بالتجارة ؛ لأنها خلاف اعتكافه .
13 = اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة أن المعتكف لا يَخْرُج مِن موضع اعتكافه لشهود جنازة ، ولا لعيادة مريض ، ولا يفارق موضع اعتكافه إلاَّ لحاجة الإنسان . قاله ابن عبد البر . وسيأتي في حديث عمر ما يتعلّق بالاشتراط قبل الاعتكاف .
14 = هل يشتغل المعتَكِف بِطلب العِلْم ؟
قال مالك : لا يَشتمل المعتكف في مجالس أهل العِلم ، ولا يكتب العِلم .
وقال عطاء بن أبي رباح والأوزاعي وسعيد بن عبد الرحمن والليث بن سعد والشافعي : لا بأس أن يأتي المعتكف مجالس العلماء في المسجد الذي يعتكف فيه . ذَكره ابن عبد البر .
وإذا كان يشتغل بما هو دون ذلك مِن تسريح شعره ونحوه ، فالاشتغال بالعِلْم النافع مِن باب أوْلَى .
15 = جواز خروج المعتكف لِواجب أو طارئ .
ذَكَر ابن قدامة أن المعتكف إن خَرَج لإِنْقَاذِ غَرِيقٍ ، أَوْ إطْفَاءِ حَرِيقٍ ، أَوْ أَدَاءِ شَهَادَةٍ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ ؛ أنه لا يبطل اعتكافه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://deshna.ahlamontada.net
علي عبد الله
مؤسس المنتدى
مؤسس المنتدى
علي عبد الله


ذكر

العمر : 53
عدد الرسائل : 3082
تاريخ التسجيل : 19/08/2008

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 2:55 pm

في زيارة المعتكف
عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا . فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً . فَحَدَّثْتُهُ , ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ , فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي - وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - فَمَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : عَلَى رِسْلِكُمَا . إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ . فَقَالا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ : إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ . وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا - أَوْ قَالَ شَيْئًا .
وَفِي رِوَايَةٍ : أَنَّهَا جَاءَتْ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ . فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً . ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ . فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهَا يَقْلِبُهَا , حَتَّى إذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ . ثُمَّ ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ .
فيه مسائل :
1 = جواز زيارة المرأة لزوجها وهو في مُعتَكَفه ، ومثله زيارة مَن له حقّ ، كالأب ونحوه ، ولو لم يكن مُعتَكِفًا ، كأن يكون له عادة في مُلازمة المسجد ، وترغب امرأة مِن محارمه زيارته .
وترجم له البخاري : باب : زيارة المرأة زوجها في اعتكافه .
2 = جواز خروج المرأة مِن بيتها إذا لم يترتّب على ذلك مفسدة ، إذا عَلِمَتْ أن زوجها لا يُمانِع مِن خروجها .
أما إن عَلِمَتْ أنه لا يرضى خروجها فلا يجوز لها الخروج .
قال ابن قدامة : وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى مَا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ ، سَوَاءٌ أَرَادَتْ زِيَارَةَ وَالِدَيْهَا ، أَوْ عِيَادَتَهُمَا ، أَوْ حُضُورَ جِنَازَة أَحَدِهِمَا .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ مَرِيضَةٌ : طَاعَةُ زَوْجِهَا أَوْجَبَ عَلَيْهَا مِنْ أُمِّهَا ، إلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ كَانَ زَوْجُهَا أَمْلَكَ بِهَا مِنْ أَبَوَيْهَا ، وَطَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا أَوْجَب . اهـ .
3 = الخروج اليسير للمعتَكِف لا يُؤثِّر على اعتكافه ، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى باب المسجد .
قال البخاري : باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد .
قال ابن بطال : لا خلاف في جواز خروج المعتكف فيما لا غِنى به عنه . اهـ .
وقال ابن حجر : وروى عبد الرزاق من طريق مروان بن سعيد بن المعلَّى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مُعْتَكِفًا في المسجد ، فاجتمع إليه نساؤه ثم تفرقن ، فقال لصفية : أقلبك إلى بيتك ، فذهب معها حتى أدخلها بيتها .
4 = وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد" ، أي : الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد ؛ لأن أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة بحيث تسكن فيها صفية ، وكانت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حوالي أبواب المسجد . قاله ابن حجر .
5 = " ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ " ، أي : لأرجِع . والانقلاب : هو الرجوع ، ومنه قوله تعالى : (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) قال البغوي : إِذَا انْقَلَبُوا : انصرفوا .
ومِنه قوله تعالى : (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) قال ابن كثير : أي: إذا انقلب، أي: رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم . اهـ .
6 = مشروعية ذبّ المرء عن عِرضه ، ودفع التهمة عنه . فهذا أشرف الْخَلْق صلى الله عليه وسلم دَفَع عن نفسه ما قد يَقَع في النفس ، وأخبر عن المرأة التي معه أنها زوجته صفية رضي الله عنها .
وقال عمر رضي الله عنه : مَن عَرَّض نفسه للتهمة فلا يلومن مَن أساء به الظن .
ومَرّ بِرَجُل يُكَلِّم امرأة على ظَهر الطريق ، فَعَلاه بالدِّرَّة ، فقال : يا أمير المؤمنين إنها امرأتي ! فقال : هلاّ حيث لا يراك أحدٌ مِن الناس . ذَكَره الغزالي في " إحياء علوم الدِّين " .
7 = " عَلَى رِسْلِكُمَا " ، أي : تمهّلا .
8 = " إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ " ، يعني : أنها زوجته صلى الله عليه وسلم ، وليست امرأة غريبة .
9 = جواز مُحادثة الأجنبي ومع الرجل أهله .
10 = إثبات جريان الشيطان من ابن آدم مجرى الدم ، وأن تلبّس الشيطان أهون من ذلك ؛ لأن تلبّس الجن محسوس ، وهذا أمر غير محسوس ، ويجب الإيمان بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
11 = " فِي الْمَسْجِدِ " (ال ) هنا للعهد ، وهو مسجده صلى الله عليه وسلم .
12 = " ساعة " وقت ، ولا يُراد بها الساعة المعروفة ، والتي هي جُزء مِن اثني عشر جزء من اليوم .
وبالله تعالى التوفيق .
شرح عمدة الأحكام - شرح الحديث رقم 213 في نذر الاعتكاف
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً - وَفِي رِوَايَةٍ : يَوْماً - فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . قَالَ : فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ .
وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُ الرُّوَاةِ يَوْماً ولا لَيْلَةً .
فيه مسائل :
1 = قوله رضي الله عنه : " نذرت " :
النذر أنواع :
1 - نذر مُطلَق ، نحو : عليّ نَذْر . قال ابن قدامة : فهذا تجب به الكفارة في قول أكثر أهل العلم . اهـ .
2 - نذر اللجاج والغضب ، وهو الذي يُخْرِجه مَخْرَج اليمين للحث على فِعل شيء أو المنع منه غير قاصد به للنذر ولا القُرْبة ؛ فهذا حُكْمه حُكْم اليمين . قاله ابن قدامة أيضا .
3 - نذر مُباح . قال ابن قدامة : المباح كَلُبس الثوب ، وركوب الدابة ، وطلاق المرأة على وجه مباح ؛ فهذا يتخير الناذر فيه بين فِعْله ، فَيَبَرّ بذلك ... وإن شاء تركه وعليه كفارة يمين ، ويَتَخَرَّج أن لا كفارة ... وقال مالك و الشافعي : لا ينعقد نذره لقول النبي صلى الله عليه و سلم : " لا نذر إلاَّ فيما ابْتُغِيَ به وَجه الله " .
4 - نذر المعصية ، فلا يَحِلّ الوفاء به إجماعا ؛ ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : مَن نَذَر أن يعصي الله فلا يعصه . قاله ابن قدامة .
5 - نذر الواجب ، قال ابن قدامة : كالصلاة المكتوبة ، فقال أصحابنا : لا ينعقد نذره .
6 - نذر المستحيل ، كَصَوم أمس ، فهذا لا ينعقد ، ولا يُوجب شيئا ؛ لأنه لا يُتَصَوَّر انعقاده ولا الوفاء به ، ولو حلف على فعله لم تلزمه كفارة ، فالنذر أولى . قاله ابن قدامة
7 - نَذْرٌ مكروه .
8 - نذر تَبَرُّر ، وهو على نوعين :
ابتداء : مثل نذر عمر رضي الله عنه أن يعتكف .
في مُقابِل : مثل أن يَكون في مُقابل ، كأن يقول : لله عليّ نذر إن عوفي مريضي ، ونحو ذلك . فهذا مكروه ، ويجب الوفاء به إذا تحق ما نذر عليه .
وبعض أهل العلم أدخل بعض هذه الأنواع في بعض .
2 = مَن نذر في حال كُفره ، شُرِع له الوفاء به إذا أسْلَم .
قال ابن الْمُلقِّن : فيه صِحّة النذر من الكافر ، وهو وجْه في مذهب الشافعي . وذكَر أن مذهب الجمهور أنه لا يصحّ . قال : لأن النذر قُربَة ، والكافر ليس أهلاً لها . والحديث مُأوَّل على أنه أُمِر أن يأتي باعتكاف يوم شبيه بِما نذر لئلا يُخِلّ بِعبادة نوى فعلها ، فأطلَق عليه أنه منذور لِشِبْهه به وقيامه مقامه في فِعل ما نواه مِن الطاعة ...
وأجابوا أيضا : أنه يُحمَل الأمر على الاستحباب . اهـ .
والذي يظهر أنه يصحّ إذا أسْلَم ، ويُشْرَع له الوفاء به ؛ باعتبار ما آل إليه الأمر ، لقوله عليه الصلاة والسلام لِحَكيم بن حزام رضي الله عنه : أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ . رواه البخاري ومسلم .
3 = " أوفِ بنذرك " : محمول على الاستحباب .
قال ابن بطّال : محمول عند الفقهاء على الحض والندب لا على الوجوب ؛ بدلالة أن الإسلام يَهْدِم ما قبله . اهـ .
هذا إذا كان النذر في حال كُفْر .
4 = مَن نذر في الإسلام أن يعتكف وَجَب عليه الوفاء به .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الاعْتِكَافَ سُنَّةٌ لا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ فَرْضًا ، إلاّ أَنْ يُوجِبَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ الاعْتِكَافَ نَذْرًا ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ .
5 = " ليلة " عليها أكثر الرواة ، وهي روايات الصحيحين . ولذا قال البخاري : باب الاعتكاف ليلا .
وقال : باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف . ثم روى رواية " ليلة " . وروى أيضا : فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً .
وروى مسلم : " يومًا " وروى " ليلة " .
قال ابن حجر : ورِواية مَن رَوى " يومًا " شاذة ، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال الآتية بعد أبواب " فاعتكف ليلة " ، فَدَلّ على أنه لم يَزد على نذره شيئا ، وأن الاعتكاف لا صوم فيه وأنه لا يشترط له . اهـ .
6 = ضَعْف رواية : اعْتَكِف وصُم .
قال ابن حجر : وقد وَرَد الأمر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر صريحا ، لكن إسنادها ضعيف ، وقد زاد فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : اعتكف وَصُم . أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل ، وهو ضعيف . وَذَكَر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار . اهـ .
7 = يصحّ الاعتكاف من غير صيام . وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في شوال ، ولم يُذْكَر أنه صام لأجل الاعتكاف .
وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَر عمر رضي الله عنه بالوفاء بِنذره ، والاعتكاف ليلا .
وقال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم : ليس على المعتكِف صوم إلاّ أن يجعله على نفسه .
قال الترمذي : وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ : لا اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ . وقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمًا ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ . وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَقَ . اهـ .
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى اشتراط الصيام .
وقال الشافعي : لا يُشترط .
وعن أحمد : روايتان .
قال الخرقي : ويجوز بلا صوم .
قال ابن قدامة : الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الاعْتِكَافَ يَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالْحَسَنِ ، وَعَطَاءٍ ، وَطَاوُسٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي الاعْتِكَافِ ...
وَلَنَا ، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْفِ بِنَذْرِك . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا لَمَا صَحَّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ ، لأَنَّهُ لا صِيَامَ فِيهِ ، وَلأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَصِحُّ فِي اللَّيْلِ ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الصِّيَامُ كَالصَّلاةِ ، وَلأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَصِحُّ فِي اللَّيْلِ ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْعِبَادَات ، وَلأَنَّ إيجَابَ الصَّوْمِ حُكْمٌ لا يَثْبُتُ إلاَّ بِالشَّرْعِ ، وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَصٌّ ، وَلا إجْمَاعٌ .
قَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي سَهْلٍ ، قَالَ : كَانَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِي اعْتِكَافٌ ، فَسَأَلْت عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
فَقَالَ : لَيْسَ عَلَيْهَا صِيَامٌ ، إلاّ أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهَا .
فَقَالَ الزُّهْرِيُّ : لا اعْتِكَافَ إلا بِصَوْمٍ .
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لا .
قَالَ : فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَ : لا .
قَالَ : فَعَنْ عُمَرَ ؟ قَالَ : لا .
قَالَ : وَأَظُنُّهُ قَالَ : فَعَنْ عُثْمَانَ ؟ قَالَ : لا .
فَخَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ ، فَلَقِيت عَطَاءً وَطَاوُسًا ، فَسَأَلْتُهُمَا ، فَقَالَ طَاوُسٌ : كَانَ فُلانٌ لا يَرَى عَلَيْهَا صِيَامًا ، إلا أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهَا . اهـ .
8 = أقلّ الاعتكاف :
ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن أقلّ الاعتكاف يوم وليلة .
وذهب الشافعية إلى جواز الاعتكاف ساعة أو لحظة . وهو رواية عن أحمد .
قال النووي : أقل الاعتكاف فيه أربعة أوجه - ثم ذَكَر الوجه الأول - فقال :
أحدها : وهو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور : أنه يُشترط لُبث في المسجد ، وأنه يجوز الكثير منه والقليل حتى ساعة أو لحظة . اهـ .
والذي يظهر أنه يُرجَع في ذلك إلى تعريف الاعتكاف ، وأنه لُزوم المكان ، فلا يصح الاعتكاف لحظة !
9 = هل للمعتكِف أن يشترط شيئا في اعتكافه ؟
له أن يشترط ما لا يُخالف أصل الاعتكاف ، وليس له أن يشترط ما يُبطِل الاعتكاف .
قال الإمام الشافعي : ومن أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل فيه قبل الغروب ، فإذا هل شوال فقد أتم العشر . ولا بأس أن يشترط في الاعتكاف الذي أوجبه بأن يقول : إن عَرَض لي عارض خَرَجْتُ .
وقال ابن عبد البر : وممن أجاز الشرط للمعتكف : أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، إلاّ أن أحمد اخْتَلَف قوله فيه ، فَمَرَّة قال : أرجو أنه لا بأس به ، ومَرّة مَنَع منه .
وقال إسحاق : أما الاعتكاف الواجب فلا أرى أن يعود فيه مريضا ولا يشهد جنازة ، وأما التطوع فإنه يَشْرط فيه حين يبتدئ : شهود الجنازة وعيادة المرضى . اهـ .
وقال ابن قدامة : قَالَ الأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الْمُعْتَكِفِ يَشْتَرِطُ أَنْ يَأْكُلَ فِي أَهْلِهِ ؟ قَالَ : إذَا اشْتَرَطَ فَنَعَمْ .
قِيلَ لَهُ : وَتُجِيزُ الشَّرْطَ فِي الاعْتِكَافِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قُلْت لَهُ : فَيَبِيتُ فِي أَهْلِهِ ؟ فَقَالَ : إذَا كَانَ تَطَوُّعًا ، جَازَ . اهـ .
وقال : وَإِنْ شَرَطَ الْوَطْءَ فِي اعْتِكَافِهِ ، أَوْ الْفُرْجَةَ ، أَوْ النُّزْهَةَ ، أَوْ الْبَيْعَ لِلتِّجَارَةِ ، أَوْ التَّكَسُّبَ بِالصِّنَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ ، لَمْ يَجُزْ ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)
فَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ اشْتِرَاطٌ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالصِّنَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي غَيْرِ الاعْتِكَافِ ، فَفِي الاعْتِكَافِ أَوْلَى . اهـ .
ويرى شيخنا الشيخ العثيمين رحمه الله : جواز اشتراط ذلك في ابتداء الاعتكاف ، فإذا نوى الدخول في الاعتكاف ، قال : أستثني يا رب عيادة المريض أو شهود الجنازة.
ولكن هذا لا ينبغي، والمحافظة على الاعتكاف أولى ، إلا إذا كان المريض أو من يتوقع موته، له حق عليه، فهنا الاشتراط أولى، بأن كان المريض من أقاربه الذين يعتبر عدم عيادتهم قطيعة رَحِم ، فهنا يَسْتَثْنِي، وكذلك شهود الجنازة " . اهـ .
وبالله تعالى التوفيق .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://deshna.ahlamontada.net
عبدالرحيم كمال أسعد
عضو نشيط
عضو نشيط
avatar


ذكر

العمر : 48
عدد الرسائل : 113
تاريخ التسجيل : 26/05/2009

شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام   شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام I_icon_minitime14/8/2009, 10:26 pm

مشكور يا استاذ /على عبد الله
على هذه الوجبة الدسمة والمعلومات القيمة
بارك الله فيك وجعلها الله فى ميزان حسناتك
وكل عام وانتم بخير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى منارة دشنا :: القسم الإسلامي :: إسلاميات-
انتقل الى: