منتدى منارة دشنا
إبراهيم بن أدهم GWGt0-n1M5_651305796
منتدى منارة دشنا
إبراهيم بن أدهم GWGt0-n1M5_651305796
منتدى منارة دشنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 إبراهيم بن أدهم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابن السمطا
عضو جديد
عضو جديد
ابن السمطا


ذكر

العمر : 41
عدد الرسائل : 65
تاريخ التسجيل : 28/11/2015

إبراهيم بن أدهم Empty
مُساهمةموضوع: إبراهيم بن أدهم   إبراهيم بن أدهم I_icon_minitime8/2/2019, 10:31 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نوّر بحكمته قلوب التائين، وشرح برحمته صدور العارفين، وفقَّه بفضله أفهام العابدين، أحمده حمدًا  كثيرًا طيبًا يليق بمن وجب له الوجود  كما وجب له السجود، سبحانه  أحكم ما خلق وقدَّر، وعدل فيما قسمَ ودبَّر،وأنعم بما أمر وحظر، وأشكره علي تكريمه لأوليائه بالمنزلة الرفيعة فمكَّنهم من القلوب، ونزههم عن العيوب. والصلاة والسلام على أفضل خلق الله وأشرفهم  وأعلمهم به وأعرفهم  وأزكاهم عرفًا وأطهرهم، وأصفاهم خلقًا وأزهرهم،  وأسمحهم يدًا وأجودهم،  وأحسنهم سيرةً وأجملهم، سيدنا محمد رسول الله، وعلى آل بيته وأصحابه أجمعين ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد، فيقول العبد الفقير إلى ربه القدير ابنُ السمطا من آل بحرغفر الله له ولوالديه وذريته:  هذه لفتةٌ سريعه ومختصرة عن عَلَمٍ ظاهر من الأعيان وقطب شهير من الأقطاب العارفين بالله  وهو سيدنا إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه.
هو إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر التميمي العجلي، أبو إسحاق البلخي، وأصله من كورة بلخ من أبناء الملوك، وكان من أئمة تابعي التابعين، من أئمة الهدى وأعلام التقى ومصابيح الدجى، قال الفضل بن موسى: حج أدهم أبو إبراهيم ومعه أم إبراهيم، وكانت حبلى به، فولدت إبراهيم بمكة، فطاف به أبوه حول البيت ودار به على الحِلَق في المسجد وقال: ادعوا الله لولدي أن يجعله ولدًا صالحًا، وعاد به إلى بلخ، فنشأ به إلى حين ما ترك الدنيا، واختلفوا في سبب تركه الدنيا وإقباله على الآخرة.
روى أبو نعيم في الحلية عن إبراهيم بن بشار - وهو خادم إبراهيم بن أدهم- قال: قلت: " يا أبا إسحاق، كيف كان أوائل أمرك حتى صرت إلى ما صرت إليه ؟ قال: غير ذا أولى بك، فقلت له: هو كما تقول رحمك الله، ولكن أخبرني لعل الله أن ينفعنا به يومًا، فسألته الثانية فقال: ويحك اشتغل بالله، فسألته الثالثة فقلت: يا أبا إسحاق، إن رأيت، قال: كان أبي من أهل بلخ، وكان من ملوك خراسان، وكان من المياسر، وحُبِّب إلينا الصيد، فخرجت راكبًا فرسي وكلبي معي، فبينما أنا كذلك فثار أرنب أو ثعلب، فحرَّكت فرسي، فسمعت نداء من ورائي: ليس لِذَا خُلِقتَ، ولا بِذَا أُمِرتَ، فوقفتُ أنظر يمنةً ويسرةً فلم أرَ أحدًا، فقلت: لعن الله إبليس . ثم حرَّكت فرسي، فأسمع نداءً أجهر من ذلك: يا إبراهيم، ليس لذا خُلقتَ، ولا بذا أُمرتَ، فوقفت أنظر يمنةً ويسرةً فلا أرى أحدًا، فقلت: لعن الله إبليس . ثم حرَّكت فرسي، فأسمع نداء من قربوس سرجي: يا إبراهيم، ما لذا خُلقتَ، ولا بذا أُمِرتَ، فوقفت فقلت: أَنَبْتُ، أَنَبْتُ، جاءني نذير من ربِّ العالمين، واللهِ لا عصيتَ اللهَ بعد يومي هذا ما عصمني ربي، فرجعتُ إلى أهلي فخلَّيتُ عن فرسي، ثم جئت إلى رُعاة لأبي فأخذتُ منهم جبة وكساء وألقيتُ ثيابي إليه، ثم أقبلتُ إلى العراق أرضٌ ترفعني وأرضٌ تضعني، حتى وصلت إلى العراق، فعملت بها أيامًا، فلم يَصْفُ لي منها شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال فقالوا لي: إذا أردتَ الحلال فعليك ببلاد الشام، فصرت إلى بلاد الشام، فصرت إلى مدينة يقال لها المنصورة - وهي المصِّيصة - فعملتُ بها أيامًا فلم يَصْفُ لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ فقالوا لي: إن أردتَ الحلال الصافي فعليك بطرسوس، فإن فيها المباحات والعمل الكثير، فتوجهت إلى طرسوس، فعملت بها أيامًا أنظر البساتين وأحصد الحصاد، فبينا أنا قاعد على باب البحر إذ جاءني رجل فاكتراني أنظر له بستانه، فكنت في بساتين كثيرة، فإذا أنا بخادمٍ قد أقبل ومعه أصحابه، فقعد في مجلسه ثم صاح: يا ناظور، فقلت: هو ذا أنا، قال: اذهب فأتنا بأكبر رمان تقدر عليه وأطيبه، فذهبت فأتيته بأكبر رمان، فأخذ الخادم رمانةً فكسرها، فوجدها حامضة، فقال لي: يا ناظور أنت في بستاننا منذ كذا تأكل فاكهتنا وتأكل رماننا لا تعرف الحلو من الحامض؟ قال إبراهيم: قلت: والله ما أكلتُ من فاكهتكم شيئًا وما أعرف الحلو من الحامض، فأشار الخادم إلى أصحابه فقال: أما تسمعون كلام هذا؟ ثم قال: أتراك لو أنك إبراهيم بن أدهم ما زاد على هذا، فانصرف، فلما كان من الغد ذكر صفتي في المسجد، فعرفني بعض الناس، فجاء الخادم ومعه عنق من الناس، فلما رأيته قد أقبل مع أصحابه اختفيتُ خلف الشجر والناس داخلون، فاختلطت معهم وهم داخلون وأنا هارب، فهذا كان أوائل أمري وخروجي من طرسوس إلى بلاد الرمال.
وروى أبو نعيم عن أحمد بن أبي الحواري قال: مر بعض الجند بإبراهيم وهو ينظر كرمًا، فقال له: ناولني من هذا العنب، فقال: ما أذِنَ لي صاحبه فيه، فقلب السوط وجعل يقنع رأسه، وإبراهيم يطأطئ رأسه ويقول: اضرب رأسًا طالما عصى الله، فأعجز الرجل عنه ومضى.
وفي رواية: فرآه رجل يعرف إبراهيم، فقال للجندي: ويحك ما الذي صنعت، هذا إبراهيم بن أدهم، ترك ملك خراسان، فنزل الجندي عن فرسه وجاء فوقع على قدمي إبراهيم يقبلهما ويبكي ويعتذر إليه، فقال له إبراهيم بن أدهم: الرأس الذي يحتاج اعتذارك تركته ببلخ. ذكره سبط ابن الجوزي في كتابه مرآة الزمان في تواريخ الأعيان.
قال بشر بن الحارث، سمعت المعافى بن عمران، يقول: " كان عشرة فيمن مضى من أهل العلم ينظرون في الحلال النظر الشديد، لا يُدخلون بطونهم إلا ما يعرفون من الحلال وإلا استفُّوا التراب، ثم عدَّ بِشْر: إبراهيم بن أدهم، وسليمان الخواص، وعلي بن الفضيل بن عياض، وأبا معاوية الأسود، ويوسف بن أسباط، ووهيب بن الورد، وحذيفة شيخ من أهل حران، وداود الطائي. فعدَّ عشرةً كانوا لا يُدخلون بطونَهم إلا ما يعرفون من الحلال وإلا استفُّوا التراب.
 كان إبراهيم ينشد:
أرى أُناسًا بأدنى الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدونِ
فاستغنِ بالله عن دنيا الملوك كما اســ ... ــتغنى الملوك بدنياهم عن الدينِ
 كان إبراهيم بن أدهم يمشي في البصرة، فاجتمع إليه الناس فقالوا: ما بالُنا ندعو فلا يستجاب لنا، والله تعالى يقول: ((وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)) (سورة غافر الآية 60) فقال: «يا أهل البصرة قد ماتت قلوبكم بعشرة أشياء: عرفتم الله ولم تؤدُّوا حقه. قرأتم القرآن ولم تعملوا به. ادَّعيتم حبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم وتركتم سُنَّته. ادَّعيتم عداوة الشيطان وأطعتموه. ادَّعيتم دخول الجنة ولم تعملوا لها. ادَّعيتم النجاة من النار ورميتم فيها أنفسكم. قلتم الموت حق ولم تستعدُّوا له. اشتغلتم بعيوب الناس ولم تنشغلوا بعيوبكم. دفنتم الأموات ولم تعتبروا. أكلتم نعمة الله ولم تشكروه عليها.».
ويقول إبراهيم بن أدهم: «إذا كنت بالليل نائمًا، وبالنهار هائمًا، وفي المعاصي دائمًا، فكيف تُرضي من هو بأمورك قائمًا؟!».
وكان إبراهيم بن أدهم يصلي في مسجد من مساجد الكوفة صلاة العشاء ثم جلس بعد الصلاة يذكر الله، فجاءه حراس المسجد وطلبوا منه الخروج، فقال لهم: دعوني اذكر الله الى حين صلاة الفجر، فقالوا له: لا، اخرج، نخشى أن تَسرق فوانيس المسجد، ثم أخرجوه في ليلة مطيرة شديدة البرد، فجلس أمام المسجد لا يدري أين يذهب، فأبصره خباز القرية، فرق لحاله وادخله المخبز، فجلس إبراهيم طويلًا والخباز خلال هذه الفترة لا يتكلم إلا بسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، فقال له ابراهيم: ألا تعرف غير هذا؟ فقال الخباز: منذ عشرين سنة وأنا أقول ذلك، ولا اتكلم إلا اذا سُئلت، واذا لم أُسأَل انشغلت بذكر الله تعالى، وأزيدك أنني من فضل الله مستجاب الدعوة، فلا أذكر أنني دعوت الله إلا استجاب لي ربي إلا مرة واحدة دعوت الله تعالى ولم يستجب لي، فقال له إبراهيم: وما هي هذه الدعوة التي لم يستجب الله لك فيها؟ فقال الخباز: أن أرى إبراهيم بن أدهم. فبكى إبراهيم وقال للخباز: والله إنك أفضل من إبراهيم بن أدهم، فقد ساقه الله إليك رغمًا عن أنفه لتراه، واستجاب لك هذه الدعوة أيضًا. ففرح الخباز فرحًا شديدًا برؤيته.
 وكان إبراهيم بن أدهم كثيرًا ما يقول:
رأيتُ الذنوبَ تُميتُ القلوبَ ... ويُورِثها الذلَّ إِدمانُها
وتَرْكُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ ... وخيرٌ لنفسك عِصيانُها
وما أفسدَ الدينَ إلا ملوكٌ ... وأحبارُ سَوْءٍ ورُهبانُها
وباعوا النفوسَ فلمْ يَربحوا ... ولم يَغْلُ بالبيع أثمانها
ويُحكى عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: بتُّ ليلةً في المسجد الحرام، وكانت ليلةً مطيرةً مظلمة قد خلا الطواف، وطابت نفسي، فوقفت عند الملتزم وقلت: اللهمَّ اعصمني حتَّى لا أعصيك، فهتف بي هاتفٌ: يا إبراهيم، أنت تسألُني العصمةَ، وكلُّ عبادي يسألونها، فإذا عصمتكم، فعلى من أتفضَّل، ولمن أغفر؟ فبتُّ ليلتي أستغفرُ الله إلى الصباح حياءً من الله تعالى.
وكان إبراهيم ابن أدهم من المشتاقين، فقال يوماً: يارب، إن كنتَ أعطيتَ أحداً من المحبين لك ما يسكن به قلبه قبل لقائك فأعطني، فقد أضر بى القلق. قال: فرأيته عز وجل في النوم فقال: يا إبراهيم، أما استحييت منى؟! تسألني أن أعطيك ما يسكن به قلبك قبل لقائي، وهل يسكن قلب المشتاق قبل لقاء حبيبه؟ فقلت: يا رب: تهت في حبك فلم أدرِ ما أقول، فهذا الشوق يسكن في الآخرة.
قال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن يحيى بن أبي حاتم الأزدي، حدثنا خلف بن تميم، حدثني عبد الجبار بن كثير قال: قيل لإبراهيم بن أدهم: هذا السبع قد ظهر لنا قال: أرنيه، فلما رآه قال: يا قسورة، إن كنتَ أُمِرتَ فينا بشيء فامضِ لما أُمِرتَ به، وإلا فعَوْدك على بدئك. قال: فولَّى السبع ذاهبًا يضرب بذَنَبِه، قال: فتعجَّبتُ كيف فهم السبع كلام إبراهيم بن أدهم، فأقبل علينا إبراهيم فقال: قولوا: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنُفنا بركنك الذي لا يُرام، وارحمنا بقدرتك علينا ولا نهلك وأنت رجاؤنا. قال خلف: فما زلت أقولها منذ سمعتها فما عَرَض لي لصٌّ ولا غيره.
 وصعد مرة جبل أبا قبيس بمكة ومعه جماعة فقال لهم: لو أن وليا من أولياء الله قال للجبل زُلْ لَزالَ. فتحرك الجبل تحته فضربه برجله وقال: اسكن فإنما ضربتُ مثلًا لأصحابي.
وركب مرة سفينة فأخذهم الموج من كل مكان فلف إبراهيم رأسه بكسائه واضطجع وعج أصحاب السفينة بالضجيج والدعاء، وأيقظوه وقالوا: ألا ترى ما نحن فيه من الشدة؟ فقال: ليس هذه شدة، وإنما الشدة الحاجة إلى الناس.ثم قال: اللهم أريتَنا قدرتك فأرنا عفوك.فصارالبحر كأنه قدح زيت.
وعن إبراهيم بن بشار قال: أمسينا مع إبراهيم بن أدهم ذات ليلة وليس معنا شيء نفطر عليه ولا لنا حيلة، فرآني مغتمًّا حزينًا، قال: " يا إبراهيم بن بشار، ماذا أنعم الله على الفقراء والمساكين من النعم والراحة في الدنيا والآخرة؛ لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة، ولا حج، ولا صدقة، ولا عن صلة رحم، ولا عن مواساة، وإنما يسأل ويحاسب عن هذا هؤلاء المساكين أغنياء في الدنيا، فقراء في الآخرة، أعزة في الدنيا، أذلة يوم القيامة، لا تغتمّ ولا تحزن فرزق الله مضمون سيأتيك، نحن - واللهِ - الملوكُ الأغنياء، نحن الذين تعجَّلنا الراحة في الدنيا، لا نبالي على أي حال أصبحنا وأمسينا إذا أطعنا الله". ثم قام إلى الصلاة وقمت إلى صلاتي فما لبثنا إلا ساعةً وإذا نحن برجل قد جاء بثمانية أرغفة وتمر كثير فوضعها بين أيدينا وقال: كلوا رحمكم الله، قال: فسلم ثم قال: " كل يا مغموم ". فدخل سائل فقال: أطعمونا شيئًا، فأخذ ثلاثة أرغفة مع تمر فدفعها إليه وأعطاني ثلاثةً، وأكل رغيفين وقال: " المواساة من أخلاق المؤمنين" .
وروى أبو نعيم عن علي بن بكار قال: كنا جلوسا يوما بالمصيصة وفينا ابن أدهم، فقدم رجل من أهل خراسان فقال: أيكم إبراهيم بن أدهم؟ فقلنا: هذا، فقال: إن إخوتك قد بعثوني إليك، فلما سمع بذكر إخوته قام وأخذ بيده فنحَّاه ناحيةً وقال: ما الذي جاء بك؟ فقال: أنا عبدك، ومعي فرس وبغلة وعشرة آلاف درهم بعث بها إليك إخوتك، فقال: إن كنت صادقا فأنت حر، وما معك لك، ولا تخبرنَّ أحدًا، اذهب. فانصرف الرجل.
وقال ابن بشار: خرجت أنا وإبراهيم وأبو يوسف الغسولي نريد الإسكندرية، فمررنا بنهر الأردن، فقعدنا في مكان نستريح، وكان مع أبي يوسف كسيرات يابسة فألقاها بين أيدينا، فأكلناها وحمدنا الله تعالى، وقام إبراهيم فدخل النهر فخاضه إلى ركبتيه، ثم سمى وشرب بكفيه ثلاثًا حتى روي، ثم خرج من النهر فمد رجليه وقعد وقال: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذيذ العيش لجالدونا عليه بالسيوف أيام الدنيا، أو أيام الحياة، لا نُسأل عن حج ولا زكاة، قال: فقلت: طلبوا الراحة والنعيم فضلوا الطريق المستقيم، فنظر إليَّ وتبسم وقال: من أين لك هذا الكلام!
وحكى عنه أنه كان قاعدًا شرقيَّ دمشق، فمر به رجل راكب على بغلة فقال: يا أبا إسحاق، إن لي إليك لحاجة، قال: وما هي؟ إن أمكنني قضاؤها فعلتُ، فقال: إن برد الشام لشديد، وإني أريد أن أبدل ثوبيك هذين بثوبين جديدين، فقال له إبراهيم: إن كنت غنيًّا قبلتُ منك، وإن كنت فقيرًا لم أقبل منك، فقال: أنا والله كثير المال والضِّياع والعبيد والتجارات، فقال له إبراهيم: ألا أراك تغدو وتروح على بغلتك هذه؟ فقال: أُعطي هذا، وآخذ من هذا، فقال له إبراهيم: فأنت فقير لأنك تبتغي الزيادة، لا أقبل منك شيئًا. وحكى عنه أنه قال: رأيت في النوم جبريل قد نزل إلى الأرض، فقلت له: ما تصنع؟ فقال: أكتب أسامي المحبين، قلت: مثل من؟ قال: مثل مالك بن دينار، وثابت البناني، وأيوب السختياني، وعد جماعة، قلت: فهل أنا منهم؟ قال: لا. قال: فاكتبني تحتهم: محب المحبين، فقال: إن الله قد أمرني أن أكتبك في أوَّلهم.
وحكي عن حذيفة المرعشي قال: صحبت إبراهيم بن أدهم في طريق مكة وكان يصلي عند كل ميلٍ ركعتين، ثم دخلنا الكوفة، فأوينا إلى مسجد خراب، فنظر إليَّ وقال: يا حذيفة، أرى بك أثر الجوع. قلت: نعم. فقال: ائتني بدواة وبياض، فأتيته بها، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أنت المقصود بكل حال، والمشار إليه بكل معنى، وكتب هذه الأبيات:
أنا حامدٌ أنا ذاكرٌ أنا شاكرٌ ... أنا جائعٌ أنا قانعٌ أنا عاري
هي ستة وأنا الضمين لنصفها ... فكن الضمين لنصفها يا باري
مدحي لغيرك لهب نار خضتها ... فأجِرْ عُبَيدك من دخول النار
ثم دفع إليَّ الورقة وقال: لا تعلِّق سرك بغير الله واخرج فناولها أول من تلقاه، قال: فخرجت وإذا برجل راكب على بغلة، فناولته إياها، فقرأها وبكى وقال: أين صاحب هذه الرقعة؟ قلت: في المسجد الفلاني، فأخرج صرة من كمه فيها دنانير كثيرة فدفعها إليَّ، فسألت عنه فقيل: هو نصراني، فجئت إلى إبراهيم فأخبرته، فقال: لا تمسَّها فالساعة يأتي، فما كان بأسرع من أن أتى الرجل، فدخل المسجد، فقبل قدمَي إبراهيم وبكى وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وحسُن إسلامه، وأنفق ماله على الفقراء، وكان رئيس البلد، وصحب إبراهيم بن أدهم.
وكان شقيقٌ يأخذ كف إبراهيم ويقبِّلها ويرفعها إلى السماء ويقول: بحرمة صاحب هذا الكف عندك، وبالسر الذي وجده منك، جُدْ على عبدك الفقير بفضلك وإن لم يستحقَّ ذلك.
وقال ابن بشار: سُئل إبراهيم: لم حُجِبت القلوب عن علَّام الغيوب؟ فقال: لأنها أحبَّتْ ما أبغض الله، وآثرتْ دارَ الغُرور، وتركت العمل لدارٍ فيها حياة الأبد في نعيم لا يزول ولا ينفد.
قال: وقال: من ذلَّل نفسَه رفعه مولاه، ومن اتَّقَاه وَقَاه، ومن أطاعه نجَّاه، ومن أقبل عليه أرضاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن سأله أعطاه، ومن شكره جازاه.
وقيل له: أنت عبدٌ؟ قال: نعم، قال: لمن؟ فلما أراد أن يقول غُشي عليه، فلما أفاق قال: {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا} الآية [سورة مريم: 93].
وقال ابن بشار: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ليس من علامة المحبة أن نحب ما أبغض حبيبُنا، إن مولانا ذم الدنيا فمدحناها، وزَهَّدَنا فيها فآثرناها، ونهانا عنها فطلبناها، دعتْكم دواعيها، فأجبتم مسرعين مُناديها، تتقلَّبون في شهواتها، وتتلوَّثون بتَبِعاتها، تبنون بالغفلة مساكنها، وتعمرون بها مواطنها، أتطمعون في مجاورة الحق سبحانه في داره التي دورها لأوليائه، وتأملون أن تحطوا رحالكم في منازل قُربه، وأنتم غَرْقى في بحار الدنيا، قَتْلَى بسيوف الطمع والهوى، من جمعها ما تشبعون، ومن التنافس عليها ما تملُّون.
وقال إبراهيم: إن أدمنتَ النظر في مرآة التوبة بان لك قُبح المعصية.
 أضاف إبراهيم ابن أدهم ناسًا، فلمَّا قعدوا للطعام أخذوا في الغيبة، فقال لهم إبراهيم: إنَّ مَن قبلنا كانوا يأكلون الخبز قبل اللحم، وأنتم أكلتم اللحم قبل الخبز.
أتى رجلٌ إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه فقال: يا أبا إسحاق إني مسرفٌ على نفسي، فاعرض عليَّ ما يكون لها زاجرًا ومستنقذًا. فقال إبراهيم: إن قبلت خمس خصالٍ وقدرت عليها لم تضرَّك المعصية. قال: هاتِ يا أبا إسحاق. قال: أما الأولى فاذا أردتَ أن تعصي الله تعالى فلاتأكل من رزقه، قال: فمِن أين آكُل وكلُّ ما في الأرض رزقه؟ قال: يا هذا أفيحسُن بك أن تأكل رزقه وتعصيه؟ قال: لا، هات الثانية، قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده. قال: هذه أعظم، فأين أسكن؟ قال: يا هذا أفيحسن بك ان تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟ قال: لا هات الثالثة. قال: إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعًا لا يراك فيه مبارزًا له فاعصه فيه. قال: يا إبراهيم، كيف هذا وهو مطَّلِع على ما في السرائر؟ قال: يا هذا! أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟! قال: لا، هات الرابعة. قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له: أخِّرني حتى أتوب توبة نصوحًا وأعمل لله عملًا صالحًا. قال: لا يقبل مني. قال: يا هذا، فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير فكيف ترجو وجه الخلاص؟! قال: هات الخامسة. قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم. قال: لا يدعونني ولا يقبلون مني. قال: فكيف ترجو النجاة إذن؟! قال له: يا إبراهيم، حسبي، أنا أستغفر الله وأتوب إليه. ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما.
 وقال إبراهيم بن أدهم: لم يصدق اللَّهَ من أحبَّ الشهرة.
وقال: إن أردتَ أن تعرف الرجل فانظر إلى ما وعده الله ووعده الناس بأيِّهما يكون قلبه أوثَق.
وقال: تعرف تقوى الرجل في ثلاثة أشياء: في أخذِه، ومنعه، وكلامه.
وسئل: ما علامة التوبة؟ فقال: إدمان البكاء على ما سلف من الذنوب، والخوف المقلق من الوقوع فيها، وهجران إخوان السوء، وملازمة أهل الخير.
وقيل له: ما علامة المطرود؟ فقال: إذا رأيتَه منع الطاعة واستوحش منها قلبه، وحلا له المعصية واستأنس بها، ورغب في الدنيا وزهد في الآخرة، وشغله بطنه وفرجه، ولم يُبال من أين أخذ الدنيا؛ فاعلم أنه عند الله مباعَد لم يرضه لخدمته.
وقال إبراهيم بن بشار: كنت يومًا من الأيام مارًّا مع إبراهيم بن أدهم في الصحراء، فأتينا على قبر مسنَّم، فترحَّم عليه وبكى، فقلت: قبر مَن هذا؟ قال: هذا قبر حميد بن جابر أمير هذه المدن كلها، كان غريقًا في بحار الدنيا ثم أخرجه الله منها واستنقذه، ولقد بلغني أنه مرَّ ذات يوم بشيء من ملاهي مُلكه ودنياه وغروره وفتنته، ثم نام في مجلسه مع مَن يخصُّه من أهله، فرأى رجلًا واقفًا على رأسه بيده كتاب، فناوله إياه فإذا فيه مكتوب بالذهب: لا تُؤثِرنَّ فانيًا على باقٍ، ولا تغترَّنَّ بملكك وقدرتك وسلطانك وخدمك وعبيدك ولَذَّاتك وشهواتك، فإن الذي أنت فيه جسيم لولا أنه عديم، وهو مُلكٌ لولا أن بعده الهُلك، وهو فرح وسرور لولا أنه لهوٌ وغرور، وهو يومٌ لو كان يوثَق له بغد، فسارع إلى أمر الله تعالى فإن الله تعالى قال: ((وسارِعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أُعِدَّت للمتقين)). قال: فانتبه فزعًا وقال: هذا تنبيه من الله وموعظة، فخرج مِن مُلكه لا يعلم به أحد، وقصد هذا الجبل فتعبَّد فيه، فلما بلغني قصته وحُدِّثتُ بأمره قصدتُه، فحدَّثني ببدء أمره وحدثتُه ببدء أمري، فما زلتُ أقصده حتى مات ودُفن هاهنا، رحمه الله.
قال إبراهيم: الزهد ثلاثة أصناف: فزهدٌ فرض، وزهدٌ فضْل، وزهدٌ سلامة؛ فالفرض الزهد في الحرام، والفضل الزهد في الحلال، والسلامة الزهد في الشبهات.
مات إبراهيم بن أدهم سنة إحدى وستين ومئة، وقيل غير ذلك، وكان مولده في حدود المائة.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستعفرك وأتوب إليك.
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
ابن السمطا من آل بحر من نسل عيسى بن خلف بن بحر الشهير برحمة من نسل الحسين بن علي رضي الله عنه، وأم الحسين هي السيدة البتول فاطمة الزهراء بنت سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إبراهيم بن أدهم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» علي إبراهيم الدشناوي
» قصص الانبياء
» الشيخ محمد إبراهيم بريرى
» 06 قصة إبراهيم الخليل عليه السلام
» قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى منارة دشنا :: القسم الإسلامي :: إسلاميات-
انتقل الى: