لمسة وفاء عضو جديد
العمر : 51 عدد الرسائل : 44 تاريخ التسجيل : 06/01/2011
| موضوع: شرح حديث ( دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم ) بن 3/3/2011, 5:06 pm | |
| عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ) متفق عليه (205) .الشرح قال المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دعوني ما تركتكم ) قاله النبي عليه الصلاة والسلام ؛ لأن بعض الصحابة من حرصهم على العلم ومعرفة السنة ، كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء قد لا تكون حراماً فتحرم من أجل مسألتهم ، أو قد لا تكون واجبة ، فتجب من أجل مسألتهم ، فلهذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوه ، أن يتركوا ما تركه ما دام لم يأمرهم ولم ينههم ، فليحمدوا الله على العافية . ثم علل ذلك بقوله : (فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ) يعني أن الذين من قبلنا أكثروا المسائل على الأنبياء ، فشدد عليهم كما شددوا على أنفسهم ، ثم اختلفوا على أنبيائهم أيضاً ، فليتهم لما سألوا فأجيبوا قاموا بما يلزمهم ، ولكنهم اختلفوا على الأنبياء . والاختلاف على الإنسان يعني مخالفته ، وهنا مثال جاء به القرآن مصدقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا ، اختلف بنو إسرائيل في قتيل قتل بينهم ، فادعت كل قبيلة أن الأخرى هي التي قتلته ، وادارءوا فيها ، وتنازعوا فيها ، ورفعوا الأمر إلى نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام ، فقال لهم : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) (البقرة:67) ، اذبحوا بقرة وخذوا عضواً من أعضائها واضربوا به القتيل وسيخبركم القتيل من الذي قتله .فقالوا له : ( قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ) أي : أتضحك علينا ؟ وما صلة البقرة برجل قتل ؟ وكيف يحيا القتيل بعد موته ؟ وهذا من جبروت بين إسرائيل وعنادهم ، ورجوعهم إلى العقول دون النص ، هؤلاء رجعوا إلى عقولهم الوهمية دون النص ، ولو أخذوا بالنص لسلموا من هذا ( قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) لأن الذي يسخر بالناس جاهل معتد عليهم ، والجهل هنا بمعنى العدوان ، أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين .فلما رأوا أنه صادق ، وهو صادق عليه الصلاة والسلام : ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ) لو أنهم أخذوا أي بقرة من السوق وذبحوها لحصل المقصود ، لكن تعنتوا ، وتشددوا فشدد الله عليهم ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ ) ؛ لا فارض : يعني لا طاعن في السن كبيرة ، ولا بكر : يعني صغيرة ( عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ) (البقرة:68) ، أمرهم أن يفعلوا ، وهذا تأكيد للأمر السابق : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) لكنهم أبوا ، ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ) عرفنا سنها فأخبرنا ما هو لونها ، ( قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (البقرة:69) ، شدد عليهم مرة ثانية ، لو ذبحوا أي بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك لكفى ، لكن تشددوا فشدد عليهم . من يجد بقرة على هذه الصفة ؟ صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ، لونها جميل صاف بين . ومع ذلك ما امتثلوا : ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ) يعني ما عملها ؟ ( إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا ) ليس فيها عيب : ( قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) أعوذ بالله من الضلال ، وتحكم العقول على النصوص ، الآن جئت بالحق ، وقبل ما جاء بالحق !! لكن أهواءهم وعقولهم أنكرت ذلك . (قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) يعني ما قاربوا أن يفعلوا ، ولكن بالإلحاح والمساءلات فعلوا . ثم أخذوا جزءاً منها . فضربوا به القتيل فأحياه الله ثم قال : الذي قتلني فلان وانتهت المشكلة . المهم أن كثرة السؤال للأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ قد تسبب شدة الأمر على الأمة .ومن ذلك ما وقع للنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في قضية الأقرع بن حابس . الأقرع بن حابس من بني تميم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا ) فرض الحج مرة ، وحيث لم يطلب منا أن نكرر فيكفي مرة واحدة ، فقال الأقرع : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فهذا السؤال في غير محله . قال : ( لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ، ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك من قبلكم : كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم ) (206).هذا أيضاً من التشديد ، ففي عهد الني صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يسأل عن شيء مسكوت عنه ، ولهذا قال : ( دعوني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ) أما في عهدنا ، وبعد انقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم فسأل ، اسأل عن كل شيء تحتاج إليه ؛ لأن الأمر مستقر الآن ، وليس هناك زيادة ولا نقص ، أما في عهد التشريع فيمكن أن يزاد ويمكن أن ينقص ،وبعض العوام يفهم من قوله تعالى : ( لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (المائدة: من الآية101)، وقوله صلى الله عليه وسلم : (دعوني ما تركتكم ...) يفهم من ذلك فهماً خاطئاً فتجده يفعل الحرام ، ويترك الواجب ولا يسأل ، حتى إن بعضهم يقال له : هذا حرام ، اسأل العلماء ، فيقول لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم ، وهذا لا يجوز .فالواجب على الإنسان أن يتفقه في دين الله . قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )(207).ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( وإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم ) فعمم في النهي وخص في الأمر . أما في النهي فقال : ( ما نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه ) . فأي شيء ينهانا عنه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإننا نتجنبه ، وذلك لأن المنهي عنه متروك ، فالنهي أمر بالترك ليس فيه مشقة . كل إنسان يستطيع أن يترك وليس عليه مشقة ولا ضرر ، فما نهانا عنه فإننا نتجنبه ، إلا أن هذا مقيد بالضرورة ، فإذا اضطر الإنسان إلى شيءٍ محرم ، وكان لا يجد سواه ، وتندفع به ضرورته ، فإنه حلال لقول الله تعالى : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه) (الأنعام: من الآية119) ، ولقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ... ) إلى قوله : ( فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة:3) .فيكون قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ما نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه ) يكون مقيداً بحال الضرورة ، يعني أنه وجدت ضرورة إلى شيءٍ محرم صار هذا المحرم حلالاً بشرطين : الشرط الأول : أن لا تندفع ضرورته بسواه .الشرط الثاني : أن يكون مزيلاً للضرورة . وبهذين القيدين نعرف أنه لا ضرورة إلى دواء محرم ، يعني لو كان هناك ولكنه محرم ، فإنه لا ضرورة إليه . فلو قال قائل : أنا أريد أن أشرب دماً أستشفي به ، كما يدعي بعض الناس أنه إذا شرب من دم الذئب شفي من بعد الأمراض ، نقول : هذا لا يجوز . أولاً : لأن الإنسان ربما يشفى بغير هذا المحرم ؛ إما من الله ، وإما بدعاء ، وإما بقراءة ، وإما بدواء آخر مباح وثانياً : أنه ليس يقيناً أنه إذا تداوى بالدواء يشفى ، فما أكثر الذين يتداوون ولا يشفون ، بخلاف من كان جائعاً وليس عنده إلا ميتة ، أو لحم خنزير ، أو لحم حمار ، فإنه يجوز أن يؤكل في هذه الحالة ؛ لأننا نعلم أن ضرورته تندفع بذلك ، بخلاف الدواء .وأما قوله عليه الصلاة والسلام : ( وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ) . فهذا يوافق قول الله عز وجل : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (التغابن: من الآية16) ، يعني إذا أمرنا بأمر ، فإننا نأتي منه ما استطعنا ، وما لا نستطيعه يسقط عنا ، مثلاً : أمرنا بأن نصلي الفرض قياماً ، فإذا لم نستطع صلينا جلوساً ، فإذا لم نستطع صلينا على جنب ، كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن حصين : ( صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ن فإن لم تستطع فعلى جنب )(208).وتأمل قوله : (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ) بخلاف النهي ، لأن الأمر فعل وإيجاب ، قد يكون شاقاً على النفس ولا يستطيع الإنسان أن يقوم به ، فلهذا قيده بقوله : (فأتوا منه ما استطعتم ) ، مع ذلك فإن هذا الأمر مقيد بقيد آخر ، وهو ألا يوجد مانع يمنع ، فإذا وجد مانع يمنع ، فهذا يدخل في قوله[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فأتوا منه ما استطعتم). ولهذا قال العلماء : لا واجب مع عجز ، ولا محرم مع الضرورة . والشاهد من هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ) فإن هذا يدخل في المحافظة على السنة وآدابها . وأما ما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو عفو ، وهذا من رحمة الله . فالأشياء إما مأمور بها ، أو منهي عنها ، أو مسكوت عنها ، فما سكت الله ورسوله فإنه عفو لا يلزمنا فعله ولا تركه ، والله الموفق | |
|