وقد ورد في خصوص صلاة العصر من الفضل، أنها ذكرت في القرآن بالأمر بالحفاظ عليها، فقال تعالى:
"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين".
والصلاة الوسطى هي صلاة العصر، ورد عن علي وابن عباس وغيره ، فقد أمر الله بالحفاظ عليها خاصة.
والشارع حذر من التهاون في صلاة العصر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
( من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله ) رواه البخاري .
فهذا تهديد شديد، اختلف العلماء في تفسيره، وأهون أقوالهم أنه من باب التغليط، وأشدها أن تارك الصلاة عمدا يكفر، كما ورد عن الإمام أحمد( دليل الفالحين صـ237) . وقوله عليه الصلاة والسلام :
( من فاتته صلاة العصر، فكأنما وتر أهله وماله )؛ أي فقدهم، ففقده لصلاة العصر أشد من فقده لأهله وماله.
* * *
هذان الوقتان زاد المؤمن، يتزود فيهما ليومه وليله من القوت الإيماني، لينطلق في سرور وفرح، وفيهما معنى خاصا:
فالصبح أول اليوم، وهو يذكر بالبداية: بداية الإنسان، وبداية الدنيا، وبداية كل شيء. فيبدأ المؤمن بذكر الله في ذلك الوقت، يسأله الإعانة، ويستعيذ به من الخذلان والشيطان. وهو وقت هواؤه طيب، وفيه السكون والهدوء، الذي يطلب في الأسفار والرحلات، فإذا اجتمع الهدوء والسكون، مع طيب الهواء، ووافق فيه ذكر الله، وسؤاله، فإن القلب يكون أكثر حضورا واستشعارا وخشوعا، ومن ثم ينتفع بذلك الذكر انتفاعا عظيما.
والعصر آخر اليوم، وهو يذكر بالنهاية: نهاية الإنسان، ونهاية الدنيا، ونهاية كل شيء. كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه بعد صلاة العصر، والشمس آخذة في الغروب بين الجبال، فقال:
( ما بقي من عمر الدنيا إلا كما بقي من عمر هذا اليوم ) .
وهكذا يتذكر المؤمن، وهو يذكر الله تعالى، في ساعة العصر: أن كل شيء فان، ولا يبقى إلا وجه الرب جل شانه. فحينذاك يخشع، ويزول من قلبه وساوس الدنيا، ويعلم أن الفناء وتلك النهاية ستلحقه، فإذا وقر في قلبه الموت وزوال الدنيا وصادفه ذكر الله تعالى، فإنه سيجد إيمانا عظيما يدفعه إلى العمل وترك الكسل والعصيان.
* * *
والأذكار التي تقال في هذين الوقتين، تسمى في أقوال العلماء بأذكار الصباح والمساء، فمنها:
- التسبيح مائة مرة. (بكرة وأصيلا)
- ومنها التهليل مائة مرة. (بكرة)
- التهليل عشرة. (بكرة وأصيلا)
- والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر مرات. (بكرة وأصيلا)
- وقراءة المعوذات ثلاث مرات. (بكرة وأصيلا)
- وقول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات. (بكرة وأصيلا)
- وقول : رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا. ثلاث مرات. (بكرة وأصيلا)
- وقول : سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. ثلاث مرات. (بكرة وأصيلا)
- وسيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وعلى عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. (بكرة وأصيلا).
* * *
الحقيقة أن هاتين الصلاتين فيهما من الأسرار والمعاني ما تملؤ قلوبنا إيمانا ويقينا، وتبث في الأرواح العزيمة لاغتنامها:
- فكل مسلم محتاج إلى ما فيها ليسعد.
- وكل داعية إلى الله تعالى فقير إلى ما فيها ليثبت.
فمن لم يكن من المحافظين على الصلاتين ، فكيف يكون مصلحا للناس داعيا لهم، بل الواجب في كل من حمل هم الإصلاح ودعوة الناس: أن يكون أسبق الناس إلى هاتين الصلاتين خصوصا. لا يلهيه عن ذلك شيء