أيها الأخوة الفضلاء : على الموظف والمرءوس ، وعلى العامل والخادم ، أن يؤدي كل منهم العمل المناط به على أكمل وجه وأحسنه ، فذلك من الأمانة ، ولا بد أن يستنفد جل وقته ، وكل جهده في إكمال عمله وتحسينه ، أما من فرط في أداء عمله المنوط به ، كمن يسرق من مال كفيله ، أو يبيع سلعة رخيصة بثمن باهض ، ويأخذ الباقي دون علم صاحب العمل ، أو من يقوم باستخدام آلات العمل وأجهزته ومعداته من أجل مصالحه الشخصية ، أو من يأخذ شيئاً من عمله لبيته أو لغيره دون إذن مسبق ، أو يسرق آلات الحرب ومعداته من عمله ، أو يؤخر معاملات المسلمين من أجل حفنة قذرة من أوساخ الدنيا ، فتلك الأعمال وغيرها من السرقة والغلول والعياذ بالله ، قال تعالى : " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " ، وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ ، فَكَتَمْنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ ، كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ قَالَ وَمَا لَكَ قَالَ سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَ وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى " [ أخرجه مسلم ] .
أمة الإسلام : من الغش الواقع اليوم ، وهو أعظم الغش ، وأضره على الإنسان والمجتمعات والبيوتات ، التفريط في أمانة الأسرة ، من زوجة وأولاد ، فهذه هي الخيانة التي حذر منها الشرع ، وهذا هو الغش المحرم الذي أشار إليه الدين الحنيف ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " [ متفق عليه ] ، فكم هم الأولياء الذين خانوا الله ورسوله ، وخانوا أماناتهم وهم يعلمون ، وذلك بإدخال وسائل الفساد إلى بيوتهم ، من أطباق فضائية وإنترنت ، ومجلات خليعة ماجنة فاضحة ، ألا وإن موضوع الفضائيات والإنترنت لهو موضوع جدير بأن يوضع نُصب الأعين ، ويكون أطروحة العلماء ، ومناقشة الدعاة والأولياء ، لما تسببه من تفش للجريمة ، ووقوع في الرذيلة ، والأحداث والوقائع شاهدة على تحريم الفضائيات والإنترنت ، فكم من أسرة مزق عفافها ، وذهب حياؤها ، وكم من بيت تفككت روابط المودة بين أهله ، وكم هم صرعى الإنترنت الذين نشاهدهم اليوم ، وكم هي المآسي والآلام ، والأحزان والأسقام ، التي تحيط بمجتمعات المسلمين من جراء تلك الفضائيات والإنترنت ، فهي وسائل هدامة ، لا خير فيها ، ولا جدوى منها ، لقد خطط الأعداء كثيراً ، ودرسوا ملياً ، من أجل إيقاع المسلمين في قاع الخنا ، وفاحشة الزنا ، وياعجباً لأمر المسلمين اليوم ، عرفوا الباطل فاتبعوه ، وأدركوا الخطر فاقتحموه ، إنهم كالجنادب تتهافت على النار ، فسبحان الله العظيم الحليم ، هل من عودة صادقة للدين ، وهل من تمسك بالكتابين . فالويل للأولياء من رب الأرض والسماء ، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء يعرف به ، فيقال هذه غدرة فلان " [ رواه البخاري ] .
أمة الإسلام : شباب الأرصفة والمخدرات ، أطفال التسكع والسهرات ، البنات الخراجات والولاجات ، النساء اللاتي يسرحن ويمرحن في الشوارع والأسواق ، أليس لأولئك الناس رجالاً وآباءً يقومون على مصالحهم ، ويخطمون زمام أمورهم ، أم أنهم خلقوا بلا راع ولا مسؤول ، فاتقوا الله أيها الآباء في أمانة الأبناء والبنات والزوجات ، فأنتم عنهم مسؤولون ، وبشأنهم يوم القيامة موقوفون ، قال تعالى : " وقفوهم إنهم مسؤولون " ، فاحذر أيها الأب العاقل أن تتفاجاً يوم القيامة بأن أهلك خصماؤك ، ألم تسمع قول الله تعالى : " يا أيها الذين أمنوا إن من أزواجكم وألادكم عدواً لكم فاحذروهم " ، فسيقفون خصماً ونداً لك يوم القيامة ، إذا وقفت بين يدي الجبار سبحانه ، يقولون : لم يأمرنا ، ولم ينهنا ، ولم يمنعنا ، فماذا عساك تقول في لحن القول ، وبماذا سترد في يوم تنكشف فيه الأستار والسرائر .
أيها المسلمون : وإن من أعظم الأمانة ، الأمانة التي تكون بين الرجل وزوجته ، فلا تفشي له سراً ، ولا يطلع لها مخفياً ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها " [ رواه مسلم ] ، فيحرم على الزوج والزوجة أن ينشرا سرهما وما يجري بينهما من علاقات زوجية لغيرهما ، ولو على سبيل المزاح . فقد سد الشارع الكريم هذا الباب ، درءاً لما قد يحصل فيه من شرور وفتن ، وبلاياً ومحن .
معاشر المسلمين : ألا وإن من أعظم الأمانة ، تلك الأمانة التي أنيطت بالقضاة والمعلمين ، من القيام بها أجمل قيام ، ورعايتها أعظم رعاية ، فالخصوم أمانة في أعناق القضاة ، والطلاب أمانة في رقاب المعلمين ، فليرع كل أمانته ، وليحذر من الخيانة ، أو الغدر والنكوص على الأعقاب فالويل ثم الويل لمن فرط في أمانته ، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ " ، فاعدلوا بين الخصوم ، وارعوا حقوق الطلاب ، بكل صدق وأمانة ، فالأمر أخطر مما يتصور ، وأفظع مما يتوقع .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
--------------------
الحمد لله ناصر المستضعفين ، وقاهر الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولي المؤمنين الصادقين ، ولا عدوان إلا على المجرمين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر المحجلين ، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . . أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن الأمانة من أبرز أخلاق الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب يخبرنا الله عز وجل في سورة الشعراء أن كل واحد منهم قد قال لقومه : " إني لكم رسول أمين " ، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أمين الله في الأرض على الرسالة ، فهو الذي يبلغ عن ربه هذا الدين العظيم ، وقد كان مشهوراً بالأمانة في قومه قبل الرسالة ، فقد كانوا يلقبونه ( محمد الأمين ) ، وجبريل عليه السلام أمين وحي السماء ، فقد وصفه الله بذلك في قوله تعالى : " وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين " ، فأمر الأمانة عظيم ، وخطر التفريط فيها جسيم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان " [ رواه البخاري ومسلم ] ، فأي فوز ، وأي نجاة ، وأي نصر يرجوه المسلم عندما يتعامل مع إخوانه المسلمين ، بالخيانة ، وعدم الأمانة ، بل بالكذب والغش والتدليس والسرقة ، إن التفريط في الأمانة ، وصمة عار في جبين المفرط ، ووسام ذل وخيانة ، يحيط بعنقه ، وأي خسارة أعظم من أن يكون المسلم في عداد المنافقين ، لقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن المفرط في الأمانة ، والخائن فيها هو في عداد المنافقين الذين توعدهم الله تعالى بأقسى العقوبة ، وأسفل مكان في النار ، فقال تعالى : " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً " فاحذروا عباد الله من سوء العاقبة ، وخطر الخيانة والكذب على المسلمين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " [ أخرجه أبو داود وصححه الأرنؤوط في جامع الأصول ] .
عباد الله : إن الله تعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه المتعالي بعظمته ومجده ، وثنى بملائكته الكرام مسبحة بقدسه ، وثلث بكم معاشر المسلمين من جنه وإنسه ، فقال جل من قائل سبحانه : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، اللهم صل وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور ، والجبين الأزهر ، والقلب الأطهر ، نبينا وحبيبنا وقدوتنا إلى الخير محمد ابن عبد الله ، وعلى خلفائه الأربعة الراشدين المهديين ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ،ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين ، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام ، اللهم يا قوي يا عزيز ، يا جبار السموات والأرض ، اللهم قاتل الكفرة الفجرة من اليهود والنصارى والشيوعيين والرافضة والعلمانيين الذي يحاربون أولياءك ، ويدينون بغير دينك ، اللهم أدر الدائرة عليهم ، واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم ، اللهم اجعل كيدهم بينهم ، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين ، اللهم أهلكهم بالقحط والسنين ، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك ، وأيده بتأييدك واجعل عمله في رضاك ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه ، اللهم افضح بطانة السوء الخائنة لديه ، يا رب العالمين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، وأدخلنا الجنة مع الأبرار ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا ، وما أعلنا وما أسررنا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت . سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .