[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قبة الصخرة :
على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان منــــذ ظهــور الإســلام نال القدس الشريف اهتمام المسلمين وعنايتهم من المباني المعمارية التي جمعت أرقى وأجمل ألوان الفنون، وقد استأثر الحرم القدسي بالنصيب الأكبر من هذا الاهتمام، ليصبح متحفاً مفتوحاً يحكى تاريخ الحضارة الإسلامية عبر عصورها المختلفة.
ويجمع المؤرخون على أن قبة مسجد الصخرة التي شيدها الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان في القســــم الجنــوبي من ســــاحة المسجد الأقصى عام 72هـ /691م، تعد من أروع وأجمل ما أفرزته العمارة الإسلامية، وليس أبلغ قولاً في ذلك من وصف المستشرق الإنجليزي (هايتر لويس) في كتابه الأماكن المقدسة : إن مسجد الصخرة بلا شك من أجمل الأبنية الموجودة فوق هذه البسيطة، لا بل إنه أجمل الآثار التي خلدها التاريخ.
ووسط ألوان الفنون التي ضمتها قبة الصخرة نقف في حالة من التأمل أمام التكوينات الفسيفسائية، التي تعطينا النموذج الدقيق للتطور الهائل الذي شهده هذا الفن في الحقب الإسلامية، ونراه يغطي أجنحة وبواطن العقود ورقبة القبة، من خلال فصوص صغيرة ومكعبات مختلفة الأحجام من الزجاج الملون والأبيض الشفاف في تآلف وتشابك مع الأحجار الوردية وحبات الصدف.
تبلغ مساحة الفسيفساء في القبة أكثر من 1200 متر مربع من الجدران في الداخل والخارج، ويغلب عليها اللونين الذهبي والفضي، إلى جانب الأزرق والأخضر بدرجاتهما المختلفة، وتمر وسط هذه التكوينات كتابات لآيات القرآن الكريم بالخط الكوفي.. أما أشكال الفسيفساء فتصور مجموعات من أشجار النخيل بأغصانها المتفرعة وتتدلى منها قطوف البلح، وقد زخرفت بأشكال مستطيلة وبيضاوية وفصوص صغيرة تشبه حبات اللؤلؤ.. وفي جهة أخرى تظهر دالية العنب ممتدة على بعض الأركان، وهناك منظر طبيعي يصور مزرعة من القصب.. وتأتي لحظات إبداع الفنان لتضفي على الأشكال إيحاءات ودلالات أعمق من طبيعتها المادية، فيحيط بأغصان النبات وأوراقه مرصعة بالجواهر، كنوع من الترف الشرقي المعهود لإبراز قيمة المكان.
مسجد قرطبة :عندما زار الشاعر الكبير محمد إقبال مسجد قرطبة في مطلع القرن العشرين، أراد أن يسجل حالة الانبهار التي اعترته أثناء مشاهدة هذا البناء الإسلامي العريق، فأنشد قصيدة بعنوان (مسجد قرطبة)، تضمنت أبياتاً تصف جمال الفسيفساء في المسجد:
قصر التاريخ ومسجده
ما أروع ما صنعت يده
للقوم بصدر حكايته
صوت ما زال يردده
وكأن علائق زينته
خفقات القلب ومعقده
في الصخر فنون سرائرنا
بلطائفنا نتعهده
ليهيج رنين جوانبه
بأنين الروح نزوده
يا ظل الغرب ودوحته
من ذا تاريخك يجحده؟
بل أضحت تربة أندلس
حرماً في الغرب نمجده
لا ند له في سؤدده
إلا الإيمان وسؤدده
عربي اللحن حجازي
روح الإسلام تخلده
يمني العطر تهب به
أنسام الشام وتحشده
ولعل أبرز ما يميز مسجد قرطبة هو احتواؤه على مجموعات من الزخارف التي تنتمي إلى حضارات مختلفة، منها الزخرفة العمانية والعثمانية والمملوكية والمغربية والمصرية الفرعونية والبيزنطية وزخرفة الفن المغولي وزخرفة آسيا الوسطي وزخرفة بلاد الحجاز والزخرفة الإسلامية المعاصرة.
وتبدو الفسيفساء جلية في زخرفة القبة الثانية من قباب المسجد، والتي تكسوها بالكامل قشرة من أحجار الفسيفساء الذهبية.. كما تم زخرفة المصلى الرئيسي بثمانية ملايين قطعة من الفسيفساء والرخام الأبيض والرخام الرمادي الغامق.. على أن أجمل ما في المسجد هو المحراب الذي أقيمت على واجهته سبعة عقود ثلاثية الفصوص مزججة دقيقة التكوين والزخرفة، يعلوها إفريزان بين بحرين من الفسيفساء المذهب على ألواح من الزجاج اللازوردي، وتحت هذه العقود إفريزان آخران تعلوهما رخامة مشبوكة محفورة منمقة تشبه القوقعة المقلوبة.
مسجد قبة الصخرة أحد فنون الزخرفة التي تعطينا خلفية واضحة عن تجليات الحضارة الإسلامية في عصورها المزدهرة.. ذلك الفن الذي اهتم بتفاصيل الأشياء، والخوض في تلافيف أعماقها، نافذاً من خلال المواد الجامدة إلى معنى الحياة.. إنه فن التلاحم والتشابك الذي عبر في دلالاته عن أحوال أمة ذات حضارة قادت العالم إلى آفاق غير مسبوقة من العلم والمعرفة.. واستطاع الفنان المسلم بأدواته الخلاقة أن يترجم لنا فلسفة هذه الحضارة في ألوان متعددة من الفنون الجمالية الراقية، التي يقف الفسيفساء في قمة هــرمها متربعاً على عــرش الصــــورة الفنيـــة المتكاملة، عبر قطــــع مكعبة الشــــكل لا يتعــدى حجمها ســـنتيمترات مــــن الرخــــام أو الزجاج أو القـــرميـــد أو البلور أو الصدف
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] مسجد قبة الصخرة من الداخل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] جزء من الحائط الخارجى لمسجد قبة الصخرة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] النشأة عربية:داخل معبد الوركاء بمدينة بابل تتجلى لنا الأعمال الأولى لفن الفسيفساء، حيث كان العراقيون أول من اســتخدم الطوب المزجج في تزيين جدران الأبنية بأشـــكال هندسية متعددة، وكان لهم الفضل في تطوير أساليبه، من حيث المواد المستخدمة التي قاموا بتقليل أحجامها إلى أقل قدر ممكن حتى تتعدد ألوانه وتصبح الصور أكثر وضوحاً، إضافة إلى مهارة التشكيل وحرفية التركيب الذي أخرج أبدع لوحاته في باب عشتار وجدران شارع الموكب وقاعة العرش في بابل.. ومنهم انتقل هذا الفن إلى أوروبا، حيث ذاع صيته واتخذ قوالب فنية جديدة.
تمثلت بداية الفسيفساء في نحت أشكال مختلفة من العاج والأصداف يتم تثبيتها على سطح خشبي مغطى بمادة القار، وتطورت هذه الطريقة باستخدام قطع متعددة الأحجام من الطين المحروق، يتم وضعها في قوالب حتى تجف ثم تحرق بالنار في أفران خاصة، وبعد ذلك تلون الأرضيات باللون الأزرق بينما تلون القطع التي تتكون منها الأشكال المختلفة بألوان أخرى، ويتم إدخالها الفرن مرة أخرى في درجات حرارة عالية لتصبح ذات ألون مزججة، يتم تركيبها جنباً إلى جنب لتكوِّن منـاظر مختلفة الموضوعات، منها ما يحكي أسطورة أو معركة أو مناظر طبيعية للشمس والقمر وتكوينات نباتية ورسومات للحيوانات والأسماك.
ومن عصر إلى عصر احتل الفسيفساء مكانة بارزة في تزيين الجدران برسوم وزخارف متنوعة، وبرع في هذا المجال اليونانيون والرومان الذين انتقل إليهم هذا الفن أثناء حكم الإخمينيين للعراق في القرن السادس قبل الميلاد، حيث كانت تربطهم صلات وطيدة.
وقد تطورت صناعة الفسيفساء بتوسيع دائرة المواد المستخدمة فيها، وكان للعرب قبل الإسلام الفضل في هذا التطوير، حيث استخدموا الألوان المائية في التلوين، وابتكروا أشكالاً زخرفية غير معهودة في تزيين القصور والمعابد، ومن أشهر هذه النماذج مدينة "مادبا" أو مدينة الفسيفساء التي تقع في جنوب العاصمة الأردنية عمان، ويرجع تاريخها إلى أكثر من 4500 عام، وتحوي أكبر وأندر مجموعات العالم من اللوحات الفسيفسائية، ومن أبرزها خريطة فلسطين القديمة في القرن السادس، والتي تمتد من صور في الشمال إلى مصر في الجنوب.. وتصور اللوحات الأخرى أشكالاً متعددة للزهور والطيور والحيوانات، بالإضافة إلى مشاهد من الأعمال والحرف كالصيد والزراعة.
وقد امتد اهتمام العرب بالفسيفساء بعد الإسلام، وأصبح لزخرفة الجدران حضور قوي في معظم المساجــد والعمائر أثنـــاء حكـــم الأمويين والعباسيين، وكذلك الدولـــة الفـــاطمية في مصر والأندلـــس، حيث شهــد قفــزة تطويرية كبيرة تمثلت في استخدام تربيعــات البلاط والقيشاني لإبراز الأشكــال الزخرفية وإعطائها بعداً أكثر تأثيراً من حيث اللون والبريق، وهو ما فتح الباب لاستخدام الفسيفساء في أشياء أخرى غير عمليات التزيين، مثل النافورات والحمامات والأرضيات.
كما شهد العصر العباسي ظهور الفسيفساء الخزفي، الذي تجمع فيه قطعٌ صغيرة الحجم مختلفة الأشكال من الخزف، ويتم تثبيتها على الجدران بواسطة الجص أو الملاط.
أما الأندلسيون فأسسوا أول مصنع ومعمل لتصنيع وتصدير القيشاني إلى كثير من بلدان العالم في أوائل القرن العاشر الميلادي، وكان ذلك دليلاً واضحاً على مدى التقدم الذي وصل إليه فن الفسيفساء الذي لم يستطع أحد بعدهم مضاهاة ما أنجزوه
الجامع الأموي :
جاءت فسيفساء الجامع الأموي الذي بناه الوليد بن عبـــدالملك بدمشق عام 96هـ/ 714م تعبيراً حقيقياً عن طبيعة الحــــياة في ذلك العصر، من حيث الميل الشــــديد إلى استخدام الألوان البـــراقة المتعددة الدرجــــات، فقــــد وصــلت ألوان الفســـيفساء فيه إلى 29 لوناً مختلفاً، إلا أن الرسومات تميـــزت بالواقعـــية وتركزت معظمها على تصــوير الطبيــعة من أشجار ومياه وجبال.
وأبرز هذه اللوحات الفسيفساء الموجودة عند مدخل الباب الرئيسي، وهي التي تصور "نهر بردى" الذي يمر بمدينة دمشق، وقد لونت مياهه باللون الأزرق السمائي واللازوردي، وتقع على ضفتي النهر أشجار ضخمة من السرو والمشمش والتفاح، ولونت بحوالي 13 درجة من اللون الأخضر، وخلف الأشجار تبدو القرى الدمشقية واضحة من المباني التي تراصت في مجموعات، كدليل على أنها قرى مختلفة عن بعضها، ويبدو ذلك من اختلاف الشكل المعماري لأبنية كل قرية، إلا أن العنصر
المشترك الذي يجمعها هو مرور النهر في أراضيها، وقد كسيت هذه المباني بألوان متعددة من الأزرق والذهبي والفضي بدرجات متفاوتة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] هذه بعض الأسقف والقباب أتمنى أن تسر أعينكم [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]