ي أن الثورة الجزائرية أعلنت من القاهرة
مصر .. أو كما يطلق عليها ” أرض الحضارات في تاريخ الإنسانية لها معالمها الحضارية المتميزة والثروة المعرفية الضخمة طوال سبعة آلاف سنة من عمر الزمن التي مكنتها من السيادة والتفوق والريادة دائماً في العلوم والفنون والثقافة والعمارة وفي جميع مجالات الانسانية لقد كانت لمصر دائماً خصوصيتها التي تنفرد بها علي كل الحضارات والأمم وهي تعتبر أقدم دولة في العالم لها كيان مجتمعي واحد بحدوده الجغرافية الحالية فقد أطلق أسم مصر علي المنطقة التي تضم حوض النيل الأدنى أي المنطقة الممتدة من النوبة جنوباً حتى البحر المتوسط شمالاً ، ومن البحر الأحمر شرقاً حتى الأراضي الليبية غرباً . وهذه المنطقة كانت مشوار نهر النيل الذي بدأ مسيرته من أفريقيا من منطقة البحيرات العظمى حتى يصل إلى السودان الشمالي حيث تتدفق في شريانه الرئيسي مياه الروافد الحبشية التي استمدت مياها من الأمطار ثم يبدأ النهر في الاستقرار بعد أن يجتاز منطقة الجنادل جنوب أسوان ، ويستمر كذلك إلي أن يبلغ مصبيه علي البحر المتوسط ، ومصر من المناطق القليلة في العالم التي حافظت علي أسمها طوال مراحل تاريخها أي أن أسم مصر ظل علماً علي هذه المنطقة دون تغيير .. ولكن كيف أطلق أسم مصر ؟هناك آراء متعددة منها ما قاله العرب من أن هذه المنطقة سميت بإسم مصر قبل الطوفان طوفان نوح عندما نزلها نقراوس بن مصرايم بن مركابيل بن روابيل بن غرياب بن آدم عليه السلام وقد أسماها نقراوس علي أسم أبيه مصرايم تكريماً له وتعبيراً عن تقديره وحبه له ، يري آخرون أنها سميت بهذا الاسم نسبة إلي مصر بن بنصر بن حام بن نوح الذي نزلها بعد الطوفان , ويري آخرون أن مصر لفظ اطلقة العرب لكثرة الخير والنماء وايضا الحضارة التى كانت تشعها تلك البقعة على كل من حولها ولنا فى قصة سيدنا يوسف خير دليل وبرهان على ذلك . وقد عرفت مصر في العهد الفرعوني بأسماء منها كيمبيت وتعني الأرض السوداء وتمييزاً لها عن الأراضي الصحراوية الصفراء والجبلية الحمراء وثيميرا أو ثامير وتعني أيضاً الأرض السمراء الخصبة ، ومن الأسماء التي أطلقت علي مصر وعلي مدينة ممفيس “هيكو بتاح أو كوبتاح أي قصر أو منزل أو أرض الإله بتاح ومن هذه الكلمة أشتق اليونانيون Aigyptus
ومنها اشتق اسم مصر الحالي
وكلمة مصر لغة تعني البلاد التي علي الحدود البلاد الوفيرة الخيرات وتعني الحضر .
لقد سميت مصر لأنها كل ذلك بل والأكثر من ذلك أنها البلد والأرض التي جاء ذكرها في القرآن الكريم . يقول الدكتور جمال حمدان في كتابه “شخصية مصر” تنفرد مصر بين العرب ولكن موقعها الجغرافي يأتي ليمنحها المزيد من التفرد وأبرز ما في هذا الموقع أنه كال من الجسم وواسطة العقد ، وهمزة الوصل بين آسيا العربية وأفريقيا العربية وكما قال الغازي الشهير نابليون بونابارت عندما قاد الحملة الفرنسية على مصر ( مصر هي الكرة الأرضية من إحتلها سيطر على العالم كله ) . وإذا كان المتفق عليه أن مصر جزء من المشرق العربي وإذا كان البعض رآها تجمع ما بين المشرق والمغرب فإنها هي التي قدمت المغرب العربي إلي المشرق تاريخياً وجغرافياًواقدم للشعب الجزائرى الذى حرق علم مصر ( فانلةمصر) دور الشعب المصرى ومصر نحو القضيه الجزائريه لعلهم يكونوا نسوا او تنسوا هذا الدور
الدور المصري لدعم للقضية الجزائرية:
كانت مصر قبلة العرب ومعقل لثوار المغرب العربي،حيث فتحت صدرها للجزائريين وناصرت قضيتهم،فاتحة لهم المجال لإسماع صوتهم عاليا انطلاقا من الدعاية للقضايا المغربية والقضية الجزائرية إلى جانب الملتقيات و الندوات وكذلك المؤتمرات للتعريف بهذه القضية ودعمها ماديا ومعنويا(1) وهكذا كانت مصر السباقة في دعم نضال الحركة الوطنية والثورة الجزائرية من خلال الدور الفعال الذي جسده رئيسها جمال عبد الناصر الذي وقف إلى جانب الثورة الجزائرية ودعمها بكل الوسائل و الطرق.
الدعم الإعلامي:إن مصر الثورة ،أكملت مشوار النضال وقدمت كل ما في وسعها لنصرة القضايا العربية ومنها قضية الجزائر التي كانت تصل إلى كل العرب من المحيط إلى الخليج عن طريق إذاعة صوت العرب من القاهرة، حيث قدمت دعما إعلاميا لا نظير له للثورة الجزائرية منذ الأيام الأولى لانطلاقتها فمن على منبرها الإعلامي صوت العرب كانت إذاعة بيان أول نوفمبر و إعلان انطلاق أول رصاصة للثورة،و استمرت في التعريف بالقضية و الثورة و أبعادها الحقيقية والتصدي للدعاية الفرنسية المغرضة و في ذلك يقول المذيع احمد سعيد"إن جمال عبد الناصر كان يتابع الإذاعة شخصيا و يعطي التعليمات و التوجيهات منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة و حرص عبد الناصر على توفير كافة الإمكانيات المتاحة للمقاتلين فوق ارض الجزائر"(2).
كما كانت صحيفةle journal d’Egypte رافدا أخر من روافد المساندة الإعلامية المصرية للجزائر فقد نشرت العديد من المقالات كانت حول الأوضاع في الجزائر وانتصارات الثورة،كما كانت تنشر نداءات الوفد الجزائري بالقاهرة و التي جاء
في أحدها "لقد أعلنتموها بالأمس ثورة عارمة ضد الاستعمار الفرنسي الذي زعم لمائة
عام من احتلالها أنها فرنسية"(1) . وهنا أوضحت الصحيفة أن المعمرين حكموا البلاد مدة تزيد عن مائة عام وأن الفرنسيين يعتبرون الجزائر من الوجهة القانونية والسياسية جزءا من فرنسا وتنبأت كذلك الصحيفة أن حدوث الثورة كان عملا منظما وجاء هذا في مقالات تحت عنوان "موجة من الاضطرابات في الجزائر " أبرزت فيه أن مجموعة من الجزائريين قاموا بحوالي 30عملية في مناطق مختلفة من الجزائر(2).وهكذا كان الدعم الإعلامي المصري من خلال منبرها إذاعة صوت العرب للتحسيس والإعلام و التعريف بأهداف جبهة التحرير الوطني و التشهير ببشاعة الجرائم الاستعمارية وكانت إذاعة صوت العرب قوة موازية ومدعمة السماع العمل المسلح الجزائري ووجد الطلبة الجزائريين من هذه الإذاعة مصدرا لإذاعة بيانات وقصائد تحميسية للشعوب العربية، وكانت هناك برامج خاصة للمغرب العربي ككل يشارك فيها ومسئولو الحركات الوطنية بما فيها جبهة التحرير الوطني.
إن ما تعرضنا له يعتبر جزءا بسيطا من دور مصر الإعلامي لدعم القضية الوطنية و الدفع بها إلى التدويل.
2-الدعم العسكري و المادي:
لم تبخل الحكومة المصرية و لا رئيسها عبد الناصر بتدعيم الثورة الجزائرية عسكريا و ماديا منذ انطلاقتها حيث تم صرف كميات من الأسلحة الخفيفة(بنادق رشاشات،قنابل يدوية) كما تسلم قادة الثورة مبلغ 5000 جنيه لتوفير اكبر كمية من السلاح وإعداد أسلحة للتهريب إلى الجزائر مباشرة،وقدرت أول شحنة أسلحة مصرية ب 8000جنيه وقد دخلت عن طريق برقة(ليبيا)كما أن أول صفقة أسلحة من أوروبا الشرقية بتحويل مصري بحوالي مليون دولار هذا فضلا عن مساهمات الجامعة العربية التي كانت تأتي عبر مصر(1)كما قامت الحكومة المصرية بشراء المراكب(دفاكس) من اليونان في 20 مارس 1956م بغرض نقل الأسلحة إلى الجزائر، و بالفعل فقد قامت هذه السفينة بنقل الشحنة التاسعة إلى منطقة الأوراس و قسنطينة عبر تونس(2)وعقب المؤتمر الأول للمجلس الوطني للثورة في 1957م تم إعداد دراسة كاملة للموقف العام للثورة وتطوراتها قامت مصر بتسليم مندوب الجزائر بالقاهرة احمد سليم أربع دفعات(3) بلغت 53طن من الأسلحة و الذخيرة.
هذا فضلا عن التظاهرات التي كانت تقام بمصر لجمع التبرعات للثورة و الدورات التأهيلية للممرضات الجزائريات ففي أواخر جانفي 1958 استقبلت مصر الدفعة الأولى المكونة من 35 فتاة و استمر تدريبهم ستة أشهر بمستشفى الهلال(4).
ورغم بعض الأزمات التي شهدتها العلاقة بين مصر و الحكومة المؤقتة والتي انتقلت على إثرها الحكومة إلى تونس إلا أن الدعم المصري تواصل وذلك من خلال لقاء الرئيس جمال عبد النار بفرحات عباس في 06 فيفري 1959م و الذي أكد فيه الرئيس المصري مواصلة الدعم للثورة وتمثل ذلك في صورة المعدات العسكرية و مبالغ مالية بالعملة المحلية و الصعبة، وفي 04 ماي 1959م تم تسليم دفعة سلاح جديدة و بقي الأمر على حاله
إلى غاية الاستقلال مما زاد من مكانة الرئيس المصري عبد الناصر في أوساط الجزائريين حتى أن جريدة le monde تقول في احد أعدادها أن عبد الناصر قد صار يخص بنوع من التقديس في الأوساط الشعبية المناهضة للغرب(1).
3 -الدعم السياسي و الدبلوماسي:
لعبت مصر دورا هاما في تدعيم مشاركة الجزائر و تمثيلها في مؤتمر باندونغ لنصرة الشعب الجزائري مما أعطى للقضية الجزائرية دفعا نحو التدويل حيث تضامنت معها شعوب أسيا و إفريقيا و أوروبا وكانت كلها عوامل لاستمرار الكفاح المسلح لاسترجاع السيادة الوطنية، كما كان لمصر دور ا هاما وفعالا في تمكين الجزائريين من التأثير في منظمة الشعوب الآفروآسيوية منذ نشأتها بالقاهرة ديسمبر 1957م.
وما ميز مؤتمر باندونغ هو ليس تدويل القضية الجزائرية ومساندتها ماديا ومعنويا فقط بل أكثر من ذلك حيث التزم أعضاءه بتقديم المساعدة المادية لحرب التحرير الجزائرية و تأييد المطالب الجزائرية و شرعية الوسائل المستعملة (الكفاح المسلح)من اجل الحرية ،كان ذلك من بين التزامات الدول المشاركة في باندونغ التي أكدت"تقديم مساعداتها المحسوسة إلى الشعوب من اجل استقلالها"(1).
ولم يقتصر الدعم المصري للقضية الجزائرية على الجانب المادي و العسكري بل إلى الجانب السياسي كذلك على اعتبار القضية الجزائرية قضية عربية لا بد من تدعيمها خاصة وان فرنسا تشن على العرب في جزء المغرب العربي معركة مزدوجة عسكرية و سياسية(2).
ومن هذا المنطلق رأت مصر ضرورة تقديم الدعم السياسي للقضية الجزائرية،فكانت البداية مع الجانب الإعلامي و المؤسسات المصرية التي لعبت دورا بارزا في الدعاية للقضية منها" جماعة الكفاح من اجل الشعوب الإسلامية" التي كان يرأسها الشيخ الأزهري و" الشبان المسلمين "التي كان يرأسها رائدها المصلح الشيخ الشرباصي وكذلك" مؤتمر الخرجين العرب "الذي كان يرأسه الدكتور فؤاد جلال(3) ، كما
سمحت الحكومة المصرية لكل الشخصيات الوطنية من استعمال أراضيها للنشاط السياسي قصد دعم القضية الجزائرية، حيث تم تكليف الأستاذ توفيق المدني بتحضير نشرية إخبارية يومية(1)في أواخر سبتمبر 1957م انتهت مشاورات القادة الجزائريين و المصريين بضرورة إنشاء حكومة جزائرية مؤقتة على الأراضي المصرية رغم أنها لم تكن أول دولة اعترفت بها لكنها ساهمت في دعمها(2)وتجسد ذلك في دعوة القيادة المصرية للحكومات الإفريقية بالاعتراف بالحكومة المؤقتة وكان ذلك جلي خاصة في مؤتمر أكرا الذي ضم جميع الشعوب الإفريقية من05 إلى 13 ديسمبر 1958م،وهكذا واصلت مصر دورها في دعم الكفاح الجزائري بنفس القدر الذي سلكته نحوها ماديا و عسكريا.
وهكذا كانت مصر دائما وراء المساعي لدعم القضية الجزائرية والحصول على قرار تأييدها و استنكار الأعمال الفرنسية و ظل هذا الدور بلا فتور أو ضعف طوال فترة كفاح الشعب الجزائري حتى حقق استقلاله(3)