ربما لم تعد امراض الجدري والكوليرا والطاعون هي الاكثر خطورة في المجتمعات بسبب التقدم الطبي والتطور في المستويات المعيشية للمجتمعات الفقيرة لكن ما يقلق العالم اليوم مجموعة امراض اخرى باتت تقلق الحكومات والشعوب وتدق ناقوس الخطر دون سابق انذار.
ورغم التطور الهائل في الطب والتقنية التي تتمتع بها الاجهزة الطبية وتطور الامصال واللقاحات الواقية من الامراض فان العالم يشهد مؤخرا مجموعة امراض حيرت العلماء في معالجتها واغلبها يرتبط بالطعام مثل انفلونزا الطيور وجنون البقر والحمى القلاعية.
وفي ذلك يقول رئيس مجلس ادارة الصندوق الوقفي للتنمية الصحية الدكتور عبد الوهاب الفوزان في احدى النشرات الصحية " نعتقد ان المبالغة في عرض المخاوف حول تلك الامراض تجاوز الحقائق العلمية وساهم في نشر تخوف لدى المواطنين" .
ونبدا ب(انفلونزا الطيور) وهو المرض الذي استرعى انتباه العالم في منتصف عام 1997 نظرا لحالات الوفيات التي سببها في هونج كونج ولاسيما مع اكتشاف الفيروس المسبب للعدوى وهو (اش5.ان1) الذي يصيب المخالطين للدواجن ولاسيما الدجاج من بائعي وناقلي اللحوم والطيور الطازجة .
والمطمئن في الموضوع ان المرض لاينتقل عن طريق تناول اللحوم جيدة الطهي لان الفيروس يموت عند درجة حرارة 56 مئوية ولكن عند اصابة الانسان بالفيروس فان الاعراض عادة ما تتشابه مع اعراض الانفلونزا العادية فيما تاخذ بعض الاصابات مسارا بالغ الشدة وتتسبب في وفاة اصحابها .
ويربط العلماء بين وفاة 40 مليون انسان في العالم عام 1918 وبين الاصابة بهذا الفيروس حيث سمي انذاك المرض باسم (الانفلونزا الاسبانية) .
وهناك ايضا (جنون البقر) او امراض التلف الاسفنجي الدماغي وهي مجموعة من الامراض التي تعود الى الاصابة بعامل بروتيني غير معروف الصفات يدمر دماغ المصاب خاصة منطقتي المخيخ وجذع المخ ليتسبب في وفاة المصاب سواء كان انسانا ام حيوانا .
وهذا العامل البروتيني الذي قد يكون فيروسا لايتاثر بالمضادات المعروفة او المطهرات التقليدية او الاشعة فوق البنفسجية كما انه لايتاثر بحرارة الطهي العالية حتى لو وصلت الى 360 درجة مئوية.
ومنذ عام 1996 بدا العالم يتفهم احتمالية انتقال المرض من الحيوانات الى الانسان الا ان هناك مجموعة من تلك الامراض تصيب الانسان مثل مرض (كروتزفيلد) ومرض (كورو) و(البرز) و(جيرستمان ستروسلرشنكر) واخرى تصيب الحيوانات مثل (التلف الاسفنجي لدماغ البقر) ومرض (سكرابي) الذي ينتشر بين الاغنام والماعز والخنازير ومرض الهزال المزمن ويستفحل بين الظباء والغزلان والرنة الى جانب امراض تصيب القطط والكلاب والغزلان .
وتوصل العلماء الى ان السبب في ظهور الموجات الوبائية للمرض يعود الى تغذية حيوانات المراعي بالاعلاف الحيوانية المصنعة من عظام ولحوم مسحوقة لحيوانات ميتة او بقايا ذبح وكذلك استبدال المراعي الطبيعية بمزارع مكدسة ومزدحمة تفتقر الى الظروف المعيشية الصحية لتلك الحيوانات من اجل جني الارباح وزيادة الانتاج .
وفي ذلك قال العالم الياباني هيروكي ميروشيما ان الرغبة في جني المزيد من الارباح من شركات انتاج اللحوم وبعض المزارعين ادى الى تقديم العلف الحيواني للماشية والطيور والاسماك والذي هو خليط غذائي مشوه يضم حتى جثث الحيوانات النافقة بعد طحنها .
واضاف انه اذا لم يتم اتخاذ اجراءات صارمة في تلك الظاهرة فسوف نواجه العديد من التحديات الصحية .
ولايوجد علميا مايثبت ان العدوى تنتقل من خلال تناول اللحوم الحمراء او القلب او الكليتين كما لم يثبت امكانية انتقال العدوى من خلال الحليب او منتجاته ولكن لاينصح بتناول منتجات اللحوم المصنعة مثل المرتديلا والنقانق والبسطرما دون طهي جيد وبشرط ان تكون من مصادر مامونة علما بان المنتجات كويتية الصنع مطابقة للمواصفات الصحية القياسية. وهناك ايضا مرض (البروسيلا) ففي عام 1986 شهدت الكويت موجة وبائية لهذا المرض اصيب خلالها 1668 شخصا بالمرض اضافة الى الاف الحيوانات.
ويعد البروسيلا من الامراض المعدية ويحدث نتيجة بكتيريا مجهرية عصوية تصيب مجموعة من الحيوانات منها الابقار والماعز والابل والكلاب والثعالب .
وينتقل المرض الى الانسان عن طريق شرب الحليب غير المغلي او المبستر وتناول لحوم غير جيدة الطهي لحيوانات مصابة بالمرض الى جانب استنشاق الرذاذ او الاتربة المحملة بالجرثومة في المزارع وافرازات الحيوانات المصابة والاتصال الجنسي معها .
وتنحصر اعراض اصابة الانسان بالبروسيلا في الام المفاصل والظهر والصداع والرعشة والتعرق وفقدان الشهية والضعف والاعياء والحمى المتموجة وقد يؤدي الى مضاعفات لدى المصاب ليصاب بالتهابات السحايا او عضلة القلب وتضخم الغدد الليمفاوية والكبد والطحال ومضاعفات بالجهاز البولي والتناسلي .
اما مرض (السالمونيلا) فهناك مايزيد على 2000 نوع من تلك البكتيريا العصوية بعضها يصيب الانسان فقط ليسبب الحمى التيفية او نظيرة التيفية وهناك انواع اخرى تصيب الحيوانات والطيور لاتسبب لها امراضا لكنها تنقل العدوى للانسان عند تناوله منتجاتها او من خلال تلوث طعام الانسان ببرازها .
اما مصادر العدوى الاكثر خطورة فهي انتقال العدوى بواسطة عمال المطاعم والطهاة والخدم الحاملين للجرثومة وكذلك عند تناول البيض الملوث بالجرثومة .
ولتجنب الاصابة بهذا المرض ينصح الاطباء بالطهي الصحيح للحوم واذابة اللحوم المجمدة داخل الثلاجة وليس خارجها وعدم اذابتها بالماء وطهيها في درجة حرارة تتجاوز ال100 مئوية لمدة مناسبة والحرص على النظافة الشخصية وفحص الحيوانات المنزلية وتلقيحها .
واخيرا تتبين لنا اهمية ان يكون المستهلك هو طبيب نفسه من خلال الحرص على تناول الاغذية الصحية والطهي الجيد للحوم واتباع اساليب الحفظ الجيدة والوعي الصحي السليم متابعة كل ما هو جديد في اساليب الوقاية والعلاج .