قالها لى بحدة "لو كان عرابى مرشحاً لخرجت من بيتى وأعطيت له صوتى، لكنى بحثت عن عرابى يا ولدى فى وجوه كل المرشحين فلم أجده، فجلست فى بيتى أسمع الرصاص وأحاديث المعارك". إنه عبدالعزيز بدر، الذى رفض أن يذهب لصناديق الاقتراع فى دائرته السمطا بقنا.
يقول بدر: "أنا اتولدت قبل ثورة 1919، لكن جدودى وإحنا صغار كانوا يقولون لنا إن مصر عرابى أقدم من أى مصر تانية".
يضيف: "أنت تعرف لما الإنجليز دخلوا مصر إيه اللى حصل؟ الإنجليز كانوا عاوزين ضريبة على النخل اللى بتطرح بلح، وعلى كل واحد يلبس زعبوط (جلابية)، وعلى كل شباك يجيب هوا، وعرضوا دا على عباس باشا الأول.. إنت عارف قال لهم إيه؟ قال لهم اللى تجدوه فوق القلعة بـ400 متر خدوه، لكن الإنجليز مالقوش حاجة، أمال يا ولدى اللى مالهوش كبير فاهم يضيع".
ويسترسل بدر: "نفس اللى بيحصل دلوقت جربوه الإنجليز مع مصر، وخاصة فى الضرايب والإتاوات.. لكن الإنجليز دول ماكنوش حكومة فلوس.. إنت تعرف أنا وقفت قدام قاضى إنجليزى لما جرحت واحد ببندقية، وكان حكمه كويس لأنه عرف إنى كنت بطالب بحقى.. الإنجليز ماكنوش يحبوا التار علشان كده ماكنش فيه تار في الصعيد.. اللى قتل يحكموا عليه بالأشغال الشاقة وينتهى الأمر. الناس حاليا بالفلوس ممكن تقتل وتنهب وتسرق.. كمان وبالفلوس ماتدخلش السجن.. زمان كانت المعارك شرف تبدأ المعركة بالشوم والخيزران، وما كنش فيه بندق ورصاص، واللى صلد وجدع يوقف وينصب صدره.. دلوقتى الرصاص جعل الحريم رجالة".
تركته يعيش مع ذكرياته ويتحدث بعفوية فيقول: "في الصعيد ماكنش غير بندق 130 الإنجليزي، لكن السوفيت جابولنا الآلى والآربجيات، والناس لما سافرت الخليج جالها مرض الانتقام. أفتكر إن جمال عبد الناصر لما حاصر السمطا وهدد بضربها كقرية البدارى بأسيوط بعد حوادث التار والقتايل بين العائلات، كنت فرحان وكنت متضايق فى نفس الوقت، وعشت أيام الحصار كلها وأنا أطاوع الحكومة ومطلعتش من البيت رغم إننا كنا فى حصيد نبات الفول. لكن أعترف إن السمطا بعد النكسة شحنت قطر رجالة وذهبت لجمال، وقالت له إحنا عاوزين نحارب اليهود، طب هما يبطلوا يحاربوا بعضهم وبعدين يحاربوا اليهود؟ حاجة غريبة الناس فعلا كانت عايشة فى جاهلية". "أنا أفتكر كويس مسلينى (يقصد موسلينى)، وكمان هدرا (يقصد هتلر)، وأفتكر إنى حملت رجالة مصريين على كتفى لما ضرب الطليان والألمان درب الأربعين وكوم النسوان بالسويس، وقمت بعلاجهم يا ولدى. السويس هى البلد الوحيدة اللى المصريين كلهم ليهم فيها. هى فلوسنا ودمنا، بس بصراحة مصر عرابى مابقيتش مصر عرابى".
سألته عن التغيير الذى حدث فصمت عم بدر ليجيب بحدة: "أيام الإنجليز لما كانوا ياخدوا الضريبة يعاقبوا اللى مايرضاش يديها بخرم ودانه فى الحيط، دلوقتى ضريبة الأرض والمحاكم والقضايا تشتريها بالرشوة والتزوير، حتى الصعيد مافيهوش حكما (حكماء)، لما كانت الحرب تدور بين القبايل كانت ناس تذهب لرباط القصب وتفض المعركة، دلوقتى الكبار بينتفعوا من الحرب بين العائلات، رغم إن الكل يعرف إن بداية الحرب تجريدة دم بين عيال يشعلوها ويقعوا فيها الكبار.. ودا الفرق بين مصر عرابى اللى مابقيتش مصر عرابى".
نقلا عن الأهرام الالكترونية ...بقلم محمود الدسوقى