[rtl]الحمد لله الذي أنعم علينا فجعلنا من أمَّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خير البشر، فأنار جميع الموجودات بمولده في هذا الشهر الشريف الأزهر، وأبرز شموس وجوده في ربيع الأول فنكست الأصنام وإيوان كسرى مال وانكسر، وغارت بحيرة ساوة ونار فارس خمدت وعكف الطير على منزل آمنة وهلل وكبَّر، وأشهد أن لا إله إلا الله المشكور على نعمه، وعند شكره يوفِّق من شكره عليها، فالنعم منه والشكر له، والمزيد من نعمه بشكره ، والشكر من نعمه لا شريك له
شكر الإله نعمة  *** موجبةٌ لشكرِهِ
فكيف شكري بِرَّه  *** وشُكره من بِرِّهِ
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله.
الله عظَّم قَدْر جاهِ محمدٍ *** وأناله فضلا لديه عظيمــــــــا
في محكم التنزيل قال لخلقه *** صلوا عليه وسلموا تسليما
من آتاه ربُّه الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة والمقام المحمود، وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس والآثام، وعلى أصحابه الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه فتمسكوا بعُرَى الإسلام، ومن اهتدى بهديه واتبع طريقه إلى يوم الدين.
اللهم إنا نبرأ إليك من الحول والطول ، ونسألك التوفيق لما ترضاه من العمل والقول، ونعوذ بك أن نتكلف ما لا نحسن، أو نقول ما لا نعلم، أو نماري في الحق، أو نجادل عن الباطل، أو نتخذ العلم صناعة أو الدين بضاعة.
يقول العبد الفقير: مددت كفَّ الضراعة إلى الله صاحبِ الجود راجيا مقام القرب والأمان من الرحيم الرحمن ببركة نبينا محمد والأنبياء من قبله والأولياء الصالحين، ثم قصدت بحور سيد المرسلين، والتي رشفت منها بحور الصالحين، فغرفت منها بيد الإخلاص غرفة أرجو أن يشرب من صافي زلالها أخٌ صالح فيدعو لي بخير عند قراءته أحاديث الوسيلة بسيد المرسلين والأولياء الصالحين، وسوف أذكر لكم بعضها على سبيل الإشادة والمثال لا على سبيل الحصر والإفاضة، ولكن هذه الاشارة التنويهية القليلة ستكون إن شاء الله كافية لمن كان له قلب وحبٌّ لسيد المرسلين، والأحاديث التي سنوردها لكم كلها صحيحة او حسنة لذاتها أو حسنة لغيرها، والله من وراء القصد.
قال الله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} [النساء: 64].
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} [المائدة: 35].
وقال تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه} [الإسراء: 57].
جاء في كتاب شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام للإمام تقي الدين السبكي - الباب الثامن  ص 161: "وأقول: إنَّ التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم جائز في كل حال: قبل خلقه وبعد خلقه، في مدة حياته في الدنيا وبعد موته، في مدة البرزخ وبعد المبعث في عرصات القيامة والجنة".
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب، أسألك بحق محمد لما غفرتَ لي. فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه؟ قال: يا رب، لأنك لما خلقتني بيدك ونفختَ في من روحك رفعتُ رأسي فرأيتُ على قوائم العرش مكتوبًا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تُضِف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقتَ يا آدم، إنه لَأَحبُّ الخلق إليَّ، وإذ سألتني بحقه فقد غفرتُ لك، ولولا محمد ما خلقتك. رواه الحاكم (المستدرك 2 / 672):
وعن ميسرة قال قلت: يا رسول الله متى كنت نبيا؟ قال: لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وخلق العرش، كتب على ساق العرش: محمد رسول الله خاتم الأنبياء. وخلق الله الجنة التي أسكنها آدم وحواء فكتب اسمي على الأبواب والأوراق والقِباب والخيام وآدمُ بين الروح والجسد، فلما أحياه الله تعالى: نظر إلى العرش فرأى اسمي، فأخبره الله أنه سيد ولدك، فلما غرَّهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه. ذكره ابن تيمية في الفتاوى وعزاه إلى أبي الحسين بن بشران من طريق الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي في الوفا بفضائل المصطفى.
وجاء في الإشراف في منازل الأشراف لابن أبي الدنيا (ص113): حدثني محمد بن صالح، قال: حدثنا عون بن كهمس، عن أبي الأسود الطفاوي، وكان ثقة، عن سعيد بن جبير، قال: اختصم ولد آدم، فقال بعضهم: أيُّ خَلْقٍ أكرم على الله؟ قال بعضهم: آدم، خلقه الله بيده ، وأسجد له الملائكة. قال آخرون: الملائكة الذين لم يعصوا الله، فقالوا: بيننا وبينكم أبونا ، فانتهوا إلى آدم فذكروا له ما قالوا ، فقال: يا بَنِيَّ إنَّ أكرم الخلق ما بدأ أن نفخ فيَّ الروح ، فما بلغ قدمي حتى استويت جالسا، فبرق لي العرش فنظرت فيه: محمد رسول الله . فذاك أكرم الخلق على الله.
فيستخلص من هذه الروايات أن آدم عليه السلام توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتشرف العالم بوجوده فيه، وأن المدار في صحة التوسل أن يكون للمتوسَّل به القدرُ الرفيع عند ربه عز وجل، وأنه لا يشترط كونه حيًّا في دار الدنيا. ومنه يعلم أن القول بأن التوسل لا يصح الا وقت حياته في دار الدنيا قولٌ بعيد عن الصواب.
** التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد انتقاله**
جاء في سنن الترمذي (5 / 569): عن عثمان بن حنيف، أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني قال: «إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك» . قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيُحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: «اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتُقضى لي، اللهم فشفعه فيَّ».
وفي المعجم الصغير للطبراني (1 / 306): حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المقري المصري التميمي، حدثنا أصبغ بن الفرج، حدثنا عبد الله بن وهب، عن شبيب بن سعيد المكي، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي المدني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له ، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقي عثمانَ بن حنيف فشكا ذلك إليه ، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ، ثم ائت المسجد فصلِّ فيه ركعتين ، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجَّه بك إلى ربك عز وجل فيقضي لي حاجتي. وتذكر حاجتك، ورُحْ إليَّ حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له عثمان، ثم أتى باب عثمان، فجاء البواب حتى أخذ بيده ، فأدخله على عثمان بن عفان ، فأجلسه معه على الطنفسة ، وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ، ثم قال له: ما ذكرتُ حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فأْتنا.
ثم إن الرجل خرج من عنده  فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرًا ، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتى كلمتَه فيَّ . فقال عثمان بن حنيف: واللهِ ما كلمتُه، ولكن شهدتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتاه ضريرٌ فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أفتصبر؟» ، فقال: يا رسول الله ، إنه ليس لي قائد ، وقد شقَّ عليَّ ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ائت الميضأة ، فتوضأ ، ثم صلِّ ركعتين ، ثم ادع بهذه الدعوات» قال عثمان بن حنيف: فوالله ، ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط.
قال الطبراني: لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة وهو الذي يحدث عن أحمد بن شبيب ، عن أبيه ، عن يونس بن يزيد الأبلي ، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد ، وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة، والحديث صحيح.
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مالك الدار وكان خازن عمر على الطعام، قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتى الرجل في المنام فقيل له: " ائت عمر فأقرئه السلام، وأخبره أنكم مُسْقَون وقل له: عليك الكيس، عليك الكيس "، فأتى عمرَ فأخبره فبكى عمر ثم قال: يا رب لا آلو إلا ما عجزت عنه.
وجاء في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (2 / 40): واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته ومعاملة آله وعترته وتعظيم أهل بيته وصحابته قال أبو إبراهيم التجيبي واجب على كل مؤمن متى ذكره أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ويتوقر ويسكن من حركته ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ويتأدب بما أدبنا الله به، قال القاضي أبو الفضل وهذه كانت سيرة سلفنا الصالح وأئمتنا الماضين رضي الله عنهم حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري وأبو القاسم أحمد بن بقي الحاكم وغير واحد فيما أجازونيه قالو أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهاث قال حدثنا أبو الحسن علي بن فهر حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا ابن حميد قال ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكًا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد؛ فإن الله تعالى أدَّب قومًا فقال (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية، ومدح قومًا فقال (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) الآية، وذمَّ قومًا فقال (إن الذين ينادونك) الآية، وإن حُرمته ميتًا كحرمته حيًّا. فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أمْ أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله؛ قال الله تعالى (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) الآية.
قال ابن كثير في تفسيره : ((وقد ذكر جماعة منهم: الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه "الشامل" الحكاية المشهورة عن
العتبي، قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع  أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم ...
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم ...
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عتبى، الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له)).
و جاء في الأدب المفرد للبخاري عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك فقال: محمد.
وفي بعض رواياته: فقام فكأنما نشط من عقال.
**توسل النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وبالأنبياء من قبله**
جاء في المعجم الأوسط للطبراني (1 / 67): عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي، دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس عند رأسها، فقال: «رحمك الله يا أمي، كنتِ أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسونني، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة» . ثم أمر أن تغسل ثلاثا وثلاثا، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور، سكبه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه، وكفنت فوقه، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وأبا أيوب الأنصاري، وعمر بن الخطاب، وغلاما أسود يحفروا، فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وأخرج ترابه بيده. فلما فرغ، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضطجع فيه، وقال: «الله الذي يحيي ويميت وهو حيٌّ لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقِّنْها حجتها، ووسِّع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين». ثم كبر عليها أربعا، ثم أدخلوها القبر، هو والعباس، وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم.
وهو حديث صحيح على شرط ابن حبان والحاكم، حسنٌ على شرط غيرهما، وهو حجة عامة على جواز التوسل مطلقا بذات النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبمن مات من الأنبياء والمرسلين.
وإذا جاز التوسل بهم في هذه الحالة جاز التوسل بغيرهم من الصالحين والأولياء، وإذا جاز التوسل بالأموات جاز التوسل بالأحياء؛ لأن المقصود هو الله تعالى في جميع الحالات، وذِكر المرسلين والأنبياء في الدعاء إنما هو توسل واستشفاع وأخذ بالأسباب، وهذا أمر مشروع.
**الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة**
رواه  البخاري (9 / 146): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكَلِمته، فيأتون عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيأتوني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي، فيؤذن لي، ويُلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، وأخِرُّ له ساجدًا، فيقول: يا محمد ارفعْ رأسَك، وقُلْ يُسمَع لك، وسَلْ تُعْطَ، واشفعْ تُشَفَّع، فأقول: يا رب، أمَّتي أمَّتي، فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخِرُّ له ساجدًا، فيقال: يا محمد ارفعْ رأسَك، وقُل يُسمَع لك، وسلْ تُعْطَ، واشفع تُشَفَّع، فأقول: يا رب، أمَّتي أمَّتي، فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة - أو خردلة - من إيمان فأَخْرجه، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخِرُّ له ساجدًا، فيقول: يا محمد ارفعْ رأسَك، وقُل يُسمَع لك، وسَلْ تُعْطَ، واشفع تُشَفَّع، فأقول: يا رب أمَّتي أمَّتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأَخْرجه من النار، فأنطلق فأفعل".
وحديث الشفاعة المتواتر والمروي في الصحيحين وغيرهما من أن الناس يتوسلون بسيد الأنام عند اشتداد الأمر عليهم يوم القيامة ويستغيثون به. ولو كان التوسل والاستغاثة من الكفر والشرك لم يشفع النبي للناس يومئذ، ولا يأذن الله له بالشفاعة للمشركين والكفار، على زعم من يكفر عباد الله، وأيضًا لو كان التوسل شركاً أو كفراً لبيَّنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبر أصحابه بحديث الشفاعة. فلما لم يكن كفراً بنص الأحاديث المتواترة كان أمرًا مندوبًا إليه في الدنيا والآخرة؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومن قال إن التوسل والاستغاثة كفرٌ في الدنيا ليس كفراً في الآخرة ، قلنا له : إن الكفر كفرٌ سواء كان في الدنيا أو في الآخرة ، والتوسل به قبل موته صلى الله عليه وسلم وبعد موته لا فرق. وإن ادَّعيت الفرق فأتِ لنا بدليل شرعي مخصص مقبول معتبر.
**عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما خرج رجل من بيته إلى الصلاة وقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، لم أخرج بطرا، ولا أشرا، ولا رياء، ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، إلا وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضي صلاته "
**الاستعاذة برسول الله**
جاء في صحيح مسلم (3 / 1281): عن أبي مسعود أنه كان يضرب غلامه، فجعل يقول: أعوذ بالله، قال: فجعل يضربه، فقال: أعوذ برسول الله، فتركه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لله أقدر عليك منك عليه» ، قال: فأعتقه.
وفي فتح الباري لابن حجر (8 / 578): وقد أخرج قصة عاد الثانية أحمد بإسناد حسن عن الحارث بن حسان البكري قال خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه "فقلت: أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد. قال وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه ...إلخ.
وفي مسند أحمد ط الرسالة (43 / 386): عن عائشة، قالت: بعثت صفية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام قد صنعته له وهو عندي، فلما رأيت الجارية، أخذتني رعدة حتى استقلني أفْكَل، فضربت القصعة، فرميت بها. قالت: فنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفت الغضب في وجهه، فقلت: أعوذ برسول الله أن يلعنني اليوم. قالت: قال: " أولى ". قالت: قلت: وما كفارته يا رسول الله؟ قال: " طعام كطعامها، وإناء كإنائها ". قال المحقق: إسناده حسن.
**حياة الأنبياء **
جاء في مسند أبي يعلى الموصلي (6 / 147)، وحياة الأنبياء في قبورهم للبيهقي (1 / 72): عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون». ولذلك نصلي على حضرة النبي صلى اله عليه وسلم فنقول في التشهد: (السلام عليك أيها النبي) بخطاب النداء.
وجاء في طرح التثريب في شرح التقريب للعراقي (3 / 297): وروى أبو بكر البزار في مسنده بإسناد جيد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله لكم». وهو في مسند البزار، البحر الزخار (5 / 309).
ويؤكد النبي عليه الصلاة والسلام نفعه لأمته بعد وفاته بقوله: "ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت لكم". ويدل على ذلك ما رواه مسلم في حديث المعراج أن كلا من الأنبياء الذين لقيهم في السماء دعا للرسول بخير وهم ثمانية ءادم في الأولى وعيسى ويحيى في الثانية ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة وهارون في الخامسة وموسى في السادسة وإبراهيم في السابعة وكل ذلك نفع بعد الموت، فبطل تعلق المنكرين بالاستدلال بحديث البخاري: "إذا مات ابن ءادم انقطع عمله إلا من ثلاث" فإنه بزعمهم يمنع الانتفاع بزيارة قبور الأنبياء والأولياء والتوسل بهم. يقال لهم: المراد بقوله عليه السلام "انقطع عمله" أي العمل التكليفي وليس فيه تعرض لما سوى ذلك من نحو نفع التوسل بهم بل فيه ما يدل على خلاف دعواهم حيث إن فيه أن دعوة الولد الصالح تنفع أباه وليس مراد الرسول بذلك أنه لا ينفع دعاء غير ولده الصالح للميت.
وفي صحيح مسلم (4 / 1845): عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتيتُ - وفي رواية هداب: مررتُ - على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره ".
في حديث الإسراء من صحيح مسلم (1 / 146): ((فأوحى الله إلي ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم "، قال: " فرجعت إلى ربي، فقلت: يا رب، خفف على أمتي، فحط عني خمسا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عني خمسا، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف "، قال: " فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى، وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة)) وهو عند البخاري بغير هذا اللفظ.
**سماع الأموات**
جاء في الاستذكار لابن عبد البر (1 / 185): عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام))
جاء في فيض القدير (5 / 487): أفاد الحافظ العراقي أن ابن عبد البر خرجه في التمهيد والاستذكار بإسناد صحيح من حديث ابن عباس وممن صححه عبد الحق بلفظ ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام.
وفي صحيح البخاري (2 / 90): عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العبد إذا وضع في قبره، وتولي وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فأقعداه ..." الحديث.
وفي صحيح مسلم (4 / 2202) عن أنس بن مالك، قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة، فتراءينا الهلال، وكنت رجلا حديد البصر، فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيري، قال: فجعلت أقول لعمر، أما تراه؟ فجعل لا يراه، قال: يقول عمر: سأراه وأنا مستلق على فراشي، ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يرينا مصارع أهل بدر، بالأمس، يقول: «هذا مصرع فلان غدا، إن شاء الله» ، قال: فقال عمر: فوالذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجعلوا في بئر بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليهم، فقال: «يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا» ، قال عمر: يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا»
فدل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا» على أن الميت يسمع.
روى الترمذي عن ابن عباس، قال: ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الملك حتى ختمها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر».
**جواز الاستغاثة بالعباد**
عن ابن عباس، قال: " إن لله عز وجل ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة في الأرض لا يقدر فيها على الأعوان فليصح، فليقل: عباد الله أغيثونا أو أعينونا رحمكم الله، فإنه سيُعان"
واستدل أهل الإنكار بآيات نزلت في المشركين لا تنطبق على أهل التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالصالحين ولا تقربهم لاختلاف الحال كليًّا، وكما ذكر البخاري عن قول ابن عمر رضي الله عنه في الخوارج يقول البخاري: وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق، وقد قال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين.
ومما استند إليه من حرم التوسل أنهم قالوا إن العبرة في الآيات هي عموم اللفظ وليس في خصوص السبب، وهذا قول حق أريدَ به باطل، فلا أحد ينكر عموم اللفظ، ولكن المسترعي للنظر والفهم أن هذه الآيات لا تشمل المسلمين لاختلاف حالهم عن حال الكفار جملة وتفصيلا، فالدعاء في هذه الآيات بمعني العبادة لأصنامهم، والمتوسلون يدعون الله الواحد الأحد، والكفار يدعون آلهتهم من دون الله، فأحوال الكفار في من نزلت فيهم الآيات لا يرتبط بأي صلة تشير إلى أهل القبلة من المسلمين.
اللهم إني أسألك التوبة الكاملة والمغفرة الشاملة والمحبة الجامعة والرحمة الواسعة والأنوار الساطعة والحجة البالغة وأفض علينا من بحر كرمك وعفوك، وأن تجعل حديثنا هذا تبيانا وإدلالًا، ويكون لنا وسيلة ونوالا، فإن الفضل منك مألوف، وأنت بالعفو والكرم موصوف بحبك للنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ابن السمطا من آل بحر السمطي من ذرية السيد عيسى بن خلف بن بحر الشهير برحمة من ذرية الإمام الحسين رضي الله عنه.
[/rtl]