أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكندي الشيخ جلال الدين الدشناوي
المعروف بابن بنت الْجُمَّيزي (615 ـ 677 هـ /1218 ـ 1279م)
قريب شاعري المعلقات امرئ القيس وعمرو بن كلثوم حيث ينتمي لنفس قبيلتهما «كندة»
فقيه ، شافعي ، انتهت إليه رئاسة الفتوى بقوص ، له : مناسك الحج ، ومقدمة في النحو ، ومختصر في
أصول الفقه
وهو التلميذ النجيب للإمام العز بن عبدالسلام قاضي قضاة مصر في العصر المملوكي الذي نادي بعدم جواز
حكم عبد مملوكي والذي شهد له وللإمام ابن دقيق العيد بأنهما أخيار شباب الصعيد.
كان إماما عالما فقيها أصوليا زاهدا ورعا
وأهالي دشنا يعتقدون اعتقاداً جازماً بأنه مدفون في مولده، وأن مقامه هذا ليس مقام رؤيا وإنما مقام عيان،
وأنه مدفون في جبانة تم اقتطاع جزء منها لمناضل الثورة العرابية الصعيدي رشوان بك، بُني علي أطلالها
مسجد كبير يعتقد أنه كان بيته الذي شهد مولده. جلال الدشناوي شيخ الشافعية الكبار، كما قال لنا الشيخ
حسن السلال أحد مشايخ الرفاعية، التي احتفلت به مثل سائر الطرق الصوفية، وهو يحتاج وقفة في مولده، فله
تعاليم يحتاجها الصعيد بل ربوع مصر جميعاً، وهي التي دونها لولده في وصية رائعة، أجملها في عشر
نصائح، منها ألا تستقر علي جهل ما تحتاج إلي علمه، ومصر تحتاج إلي العلم فقط لا سواه ونبذ الجهل، ومنها
أن مصر جميعاً بحكامها ومسئوليها ومواطنيها تحتاج أن تنصف نفسها من نفسها وتنقذ نفسها من تضخم
الذات
ولد سنة خمس عشرة وستمائة بدشنا من صعيد مصر وسمع الحديث من الفقيه بهاء الدين ابن الجميزي
والحافظ عبد العظيم المنذري والشيخ مجد الدين القشيري والشيخ عز الدين بن عبد السلام
تفقه وتأصل وقرأ الأصول على الشيخ شمس الدين الأصفهاني شارح المحصول حين كان حاكما بقوص وقرأ
النحو على الشيخ شرف الدين المرسي
وحدث سمع منه شيخنا شمس الدين بن القماح وغيره وانتهت إليه رياسة المذهب بمدينة قوص وتفقه عليه
خلائق
وحكي أن النصير بن الطباخ المشهور بالفقيه قال للشيخ عز الدين بن عبد السلام ما أظن في الصعيد مثل هذين
الشابين يعني الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد والشيخ جلال الدين الدشناوي فقال له ابن عبد السلام ولا في
المدينتين وصنف الشيخ جلال الدين شرحا على التنبيه وصل فيه إلى الصيام ومناسك ومقدمة في النحو
وله شعر متوسط منه هذا
يا لائمي كف عن ملامي ** عن انعزالي عن الأنام
إن نذيري الذي نهاني ** يخبر حالي على التمام
رأى مشيبي ووهن عظمي ** قد أدنياني من الحِمام
وكان يقال إنه من الأبدال لشدة ورعه وتقواه
توفي يوم الاثنين مستهل شهر رمضان سنة سبع وسبعين وستمائة بقوص
ومن الفوائد عنه
سئل عن عبد بيت المال إذا أراد أن يعتق ولا ولاء عليه فقال يشتري نفسه من وكيل بيت المال ففعل ذلك ثم
رفعت القضية إلى قاضي قوص فلم يمض البيع وقال نص الفقهاء على أن ابتياع العبد نفسه عقد عتاقة وليس
لوكيل بيت المال أن يعتق أرقاء بيت المال
قلت وما ذكره الشيخ جلال الدين من جواز هذا العتق صحيح فإن هذا العتق واقع بعوض فلا يمنع على الوكيل
فعله بل هو أولى من البيع لتشوف الشارع إلى العتق وحصوله بعوض لا يفوت على المسلمين شيئا وأما العتق
على المسلمين مجانا فليس لوكيل بيت المال فعله لا لكون عبد بيت المال لا يعتق فإن للإمام عتق بيت المال
كما له تمليك من شاء بالمصلحة وقد نص الشافعي في باب الهدنة على أن للإمام العتق ولكن لأن مجرد
التوكيل لا يسوغ العتق فإن وكله الإمام في العتق كان له ذلك بالمصلحة كما هو للإمام
وأما قول الشيخ جلال الدين إنه إذا اشترى نفسه من وكيل بيت المال فلا يثبت عليه ولاء ففيه نظر بل صرح
الرافعي في باب الهدنة أن الولاء للمسلمين ويؤيده أن الأصح ثبوت الولاء على العبد ويشتري نفسه من مولاه
والظاهر أن الخلاف يجري في عبد بيت المال حتى يكون الولاء للمسلمين
وفي كتاب: "الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد" هذه الوصية النافعة في ترجمة الإمام أحمد بن عبد
الرحمن بن محمد جلال الدين الدِّشْناوي الشافعي المتوفى سنة 677هـ، وهو إمام جليل أخذ عن العز بن عبد
السلام والحافظ المنذري وغيرهما، وترجم له ابن السبكي في الطبقات الكبرى 8/20 وقال عنه: "كان إماماً
عالماً فقيهاً أصولياً زاهداً ورعاً".
قال الشيخ الدشناوي يوصي ابنه : «يا بني أرشدك الله وأيّدك، أوصيك بوصايا إن أنتَ حفظتَها وحافظتَ عليها
رجوتُ لك السعادة في دينك ومعاشك بفضل الله ورحمته...
فأولها وأولاها: مراعاة تقوى الله العظيم بحفظ جوارحك كلها من معاصي الله عز وجل حياء من الله، والقيام
بأوامر الله عبودية لله.
وثانيها: ألاّ تستقر على جهل ما تحتاج إلى علمه.
وثالثها: ألاّ تعاشرَ إلا من تحتاج إليه في مصلحة دينك.
ورابعها: أن تنتصف من نفسك ولا تنتصف لها إلا لضرورة.
وخامسها: ألاّ تعاديَ مسلماً ولا ذمياً.
وسادسها: أن تقنع من الله بما رزقك من جاه ومال.
وسابعها: أن تُحسِن التدبير فيما في يدك استغناء به عن الخلق.
وثامنها: ألاّ تستهين بمِنَنِ الناس عليك.
وتاسعها: أن تقمع نفسك عن الخوض في الفضول بترك استعلام ما لم تعلم، والإعراضِ عما قد علمتَ.
وعاشرها: أن تلقى الناس مبتدئاً بالسلام، محسناً في الكلام، منطلق الوجه، متواضعاً باعتدال، مساعِداً بما تجد
إليه السبيل، متحبباً إلى أهل الخير، مدارياً لأهل الشر، مبتغياً في ذلك السنّة. اللهم أهّلْه لامتثالها ». الطالع
السعيد للأُدفوي ص 82-83.
نفع الله بها أولادي وأولادكم ونفسي وأنفسكم.
***