الامير الوليد بن طلال وشهادة ضده من أخيه

يواجه الأمير والملياردير السعودى الوليد بن طلال ضربات قاسية تحت وفوق الحزام داخل المملكة العربية السعودية، فى أعقاب ما وصف بالفضيحة الجنسية لقناة LBC الفضائية التى استضافت فى برنامجها "أحمر بالخط العريض" شابا سعوديًّا يدعى مازن عبد الجواد، تحدث عن تجاربه الجنسية وعلاقاته داخل شقته بشكل فج، الأمر الذى خلق أزمة داخل السلطة الحاكمة لولاة الأمر من أعمامه أبناء عبد العزيز والأسرة السعودية الحاكمة كلها.

وتداعت بالتوازى أزمة مجتمعية دفعت مئات السعوديين للتقدم بشكاوى ضد ما أسموه "المجاهر بالرذيلة" لدى السلطات القضائية، وإعصار من الاحتجاجات على القناة، التى يملكها الوليد، الذى يبدو أن خسائره لن تتعدى إغلاق مكاتب فضائياته فى المملكة، فى حين يواجه المتهم مازن عبد الجواد مصيره وحيدا، بعقوبة الإعدام أو عشرين سنة سجنا، حسب التهم التى ستوجهها إليه المحكمة.

مراقبون يرون أن هذه الفضيحة، فرصة جديدة لمهاجمة الأمير صاحب قناتى "ال بى سى" وروتانا اللتين تتحديان صراحة الرقابة السعودية وتثيران مشاكل من حين لآخر داخل السلطة الحاكمة، والمجتمع المحافظ بطبيعة الحال، والباحث على شبكة الإنترنت عن اسم الوليد سيجده فى الأغلب مرتبطا بنوعية كبيرة من الإثارة، والفضائحية سواء لبرنامج "ستار أكاديمى" حيث الترويج لصور عارية للمشتركات، تسربت كالنار فى الهشيم إلى جميع المواقع والمنتديات، ويتم تداولها فى الشوارع العربية عن طريق "البلوتوث"، أو لبعض البرامج كما سبق أن قدمت الإعلامية هالة سرحان، برنامجا وهميا على فضائياته عن الدعارة، أثار الجدل ووصل إلى القضاء فى حينها.

السلطات السعودية قامت بإغلاق مكتب قناة (ام بى سى) فى الرياض وجدة، وهاجم رجال الدين بضراوة قنوات مركز وتليفزيون الشرق الأوسط (ام بى سي) وروتانا وقنوات راديو وتليفزيون العرب (ايه ار تى) التى يملكها الشيخ السعودى صالح كامل، وقال الشيخ يوسف الأحمد رجل الدين السعودى البارز بأن هذه القنوات معاول هدم تدمر الإسلام والمسلمين.

وقال "رئيس المحكمة الجزائية فى جدة" الشيخ عبد المنعم العيثم بأن المجاهر بالمعصية ينطبق عليه الحكم المختص فى قضايا بث إشاعة الفاحشة بين المؤمنين عامة.

واعتبر أستاذ نظم الحكم والقضاء والمرافعات الشرعية فى مجمع الفقه الأسمى الدولى فى جدة الدكتور حسن بن محمد السفران أن ما تلفظ به مازن عبد الجواد ومجاهرته بالمعصية، "ضرب من ضروب الإفساد فى الأرض ونشر للرذيلة والفاحشة، مشيرا إلى أن الدعوى قد تمتد إلى أطراف آخرين غيره حسب ما يكتنفها من ظروف وأحوال يمكن أن ينزل عليها الحكم الشرعى"، وهى إشارة يفهم من مغزاه التلويح للوليد بإمكانية تورطه أو توريطه إن لم يرتدع.

لكن أقصى هجوم تعرض له الوليد جاء من شقيقه الأمير خالد بن طلال فى حوار ما زال موجودا على الموقع الإليكترونى "لجينات".

فى أول نقد مباشر لشقيقه بعد أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه من إعلان المنكر والمجاهرة ببرامج الإفساد-ـ حسب الموقع- وشدد الأمير خالد على أنه طفح الكيل به من تصرفات الوليد، الذى خرج إلى المجتمع بتوجهاته المخالفة للشريعة والأنظمة البلاد بما فيها النظام الأساسى للحكم.

المؤيدون للوليد يرون أنه أحدث خلخلة فى بنية المجتمع السعودى خصوصا وأنه منذ فترة أعلن أن السينما قادمة لا محالة، وقدم أول فيلم سينمائى سعودى فى أول دار للسينما "روتانا" وقال إنه سيدعم السينما السعودية على جميع المستويات، وسيوفر العناصر اللازمة لنجاحها، لكنها خطوة أزعجت الكثيرين، ولم تنته إلا بمرسوم ملكى، كما أنها لن تعود إلا بمرسوم ملكى آخر، ولخص شقيقه الأمير خالد الأمر بالقول بأن أهداف الأمير الوليد تتلخص فى سعيه لفتح المجال على مصراعيه لإحداث تغيير فكرى يقلب الأعراف الدينية والأخلاقية فى المجتمع.

الأزمة لا تزال تتداعى أصداؤها داخل المجتمع السعودى وتقول الإعلامية السعودية خلود الفهد إن قضايا اجتماعية كثيرة بدأت تتنامى فى المجتمع السعودى بحاجة إلى المكاشفة ومواجهتها بدلا من محاولة الكذب على الرأى العام بكذبة المجتمع الفاضل، موضحة بأن مازن عبد الجواد وجه صفعة للمجتمع السعودى، هذا الـ مازن ذو العقلية البسيطة لم يتجن على المجتمع ولكنه قدم صورة سيئة وظهر بقشة جريئة قصمت ظهر البعير لا أكثر.. قشة قصمت ظهر من يدافع عن المجتمع الملائكى الطاهر التقى الأسطورى مقارنة بكل مجتمعات الأرض قاطبة.

لكن الكاتب تركى الدخيل يرى القضية بشكل مختلف إذ يقول إن إغلاق مكاتب ال بى سى فى السعودية لن يمنع السعوديين من مشاهدة برامجها، وهو قرار غير مناسب وينطوى على تهديد لوسائل الإعلام كلها.

"العين الحمراء" ظهرت للوليد من جراء تصرفاته، حسب قراءات عديدة لما يجرى ضده داخل المملكة، ويفاجأ الجميع بخبر تبثه وكالات الأنباء يقول: "السلطات السعودية أغلقت قسما للحوم فى متجر يمتلك الوليد جزءا كبيرا من أسهمه بعد اكتشاف خلط اللحوم الفاسدة مع الطازجة وفرمها لتصريفها قبل دخول شهر رمضان.

فهل يعنى هذا بدء فتح الملفات للأمير الذى يتربع على عرش المال والسلطة رقم 1 عربيا و23 عالميا وفق تصنيف مجلة فوربس الأمريكية عام 2009 كواحد من أغنى أغنياء العالم يمتلك ثروة تقدر بـ13.2 مليار دولار.. سؤال ربما تجيب عنه الأيام القادمة.


الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود ولد فى الرياض فى شهر مارس 1955 وهو الابن الثانى للأمير طلال بن عبد العزيز

قوله تعالى : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا } . فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى : قد بينا في كتب الأصول أن كل موجود ما عدا الله وصفاته العلا له أول ، فإن كل موجود ما عدا نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار له آخر ، وكل ما لا آخر له فهو الباقي حقيقة . ولكن الباقي بالحق والحقيقة هو الله ، حسبما بيناه في كتاب الأمد .

فأما نعيم الجنة فأصول مذ خلقت لم تفن ولا تفنى بخبر الله تعالى ; وفروع وهي النعم ، هي أعراض إنما توصف بالبقاء على معنى أن أمثالها يتجدد من غير انقطاع ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما يأتي بيانه في سورة مريم وغيرها إن شاء الله ، وعلى ما تقدم بيانه قبل في سورة النساء بقوله : { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا [ ص: 235 ] غيرها } فهذا فناء وتجديد ، فيجعله بقاء مجازا بالإضافة إلى غيره ، فإنه يفنى فلا يعود ، فإذا ثبت هذا ، وهي :

المسألة الثانية : فالأعمال التي تصدر عن الخلق من حسن وقبيح لا بقاء لها ، ولا تجدد بعد فناء الخلق ، فهي باقيات صالحات وطالحات ، حسنات وسيئات في الحقيقة ، لكن لما كانت الأعمال أسبابا في الثواب والعقاب ، وكان الثواب والعقاب دائمين لا ينقطعان ، وباقيين لا يفنيان ، كما قدمنا بيانه ، وصفت الأعمال بالبقاء ، حملا مجازيا عليها ، على ما بيناه في كتب الأصول من وجه تسمية المجاز .

وأما تسمية الشيء بسببه المتقدم عليه ، أو تسميته بفائدته المقصودة به ، فندب الله تعالى إلى الأعمال الصالحة ، ونبه على أنها خير ما في الدنيا من أهل ومال ، وعمل وحال في المآل ، فقال ، وهي :

المسألة الثالثة : والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا من المال والبنين ، وخير أملا فيما يستقبلون إرادته ، واقتضى ذلك ، وهي :

المسألة الرابعة : أن يكون بهذا العموم الباقيات الصالحات كل عمل صالح ، وهو الذي وعد بالثواب عليه ، إلا أن المفسرين عينوا في ذلك أقوالا ، ورووا فيه أحاديث ، واختاروا من ذلك أنواعا يكثر تعدادها ، ويطول إيرادها ، أمهاتها أربعة :

الأول : روى مالك عن سعيد بن المسيب ، { أن الباقيات الصالحات قول العبد : الله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله } .

الثاني : روى ابن وهب عن علي بن أبي طالب مثله .

الثالث : مثله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الرابع : أنها الصلوات الخمس ، وروي عن ابن عباس وغيره ; وبه أقول ، وإليه [ ص: 236 ] أميل ، وليس في الباب حديث صحيح ، أما أن فضل التسبيح والتكبير والتهليل والحوقلة مشهور في الصحيح كثير ، ولا مثل للصلوات الخمس في ذلك بحساب ولا تقدير . والله أعلم .



مسألة: الجزء الثالث التحليل الموضوعي

الْآيَةُ السَّادِسَةُ قَوْله تَعَالَى : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا } . فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ :

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَدْ بَيَّنَّا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مَا عَدَا اللَّهَ وَصِفَاتِهِ الْعُلَا لَهُ أَوَّلٌ ، فَإِنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مَا عَدَا نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ لَهُ آخِرٌ ، وَكُلُّ مَا لَا آخِرَ لَهُ فَهُوَ الْبَاقِي حَقِيقَةً . وَلَكِنَّ الْبَاقِيَ بِالْحَقِّ وَالْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْأَمَدِ .

فَأَمَّا نَعِيمُ الْجَنَّةِ فَأُصُولٌ مُذْ خُلِقَتْ لَمْ تَفْنَ وَلَا تَفْنَى بِخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى ; وَفُرُوعٌ وَهِيَ النِّعَمُ ، هِيَ أَعْرَاضٌ إنَّمَا تُوصَفُ بِالْبَقَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ أَمْثَالَهَا يَتَجَدَّدُ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ ، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ وَغَيْرِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَبْلُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا [ ص: 235 ] غَيْرَهَا } فَهَذَا فَنَاءٌ وَتَجْدِيدٌ ، فَيَجْعَلُهُ بَقَاءً مَجَازًا بِالْإِضَافَةِ إلَى غَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ يَفْنَى فَلَا يَعُودُ ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، وَهِيَ :

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فَالْأَعْمَالُ الَّتِي تَصْدُرُ عَنْ الْخَلْقِ مِنْ حَسَنٍ وَقَبِيحٍ لَا بَقَاءَ لَهَا ، وَلَا تَجَدُّدَ بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ ، فَهِيَ بَاقِيَاتٌ صَالِحَاتٌ وَطَالِحَاتٌ ، حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ فِي الْحَقِيقَةِ ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْأَعْمَالُ أَسْبَابًا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، وَكَانَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ دَائِمَيْنِ لَا يَنْقَطِعَانِ ، وَبَاقِيَيْنِ لَا يَفْنَيَانِ ، كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ ، وُصِفَتْ الْأَعْمَالُ بِالْبَقَاءِ ، حَمْلًا مَجَازِيًّا عَلَيْهَا ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ وَجْهِ تَسْمِيَةِ الْمَجَازِ .

وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِسَبَبِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ ، أَوْ تَسْمِيَتُهُ بِفَائِدَتِهِ الْمَقْصُودَةِ بِهِ ، فَنَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهَا خَيْرُ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ ، وَعَمَلٍ وَحَالٍ فِي الْمَآلِ ، فَقَالَ ، وَهِيَ :

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّك ثَوَابًا مِنْ الْمَالِ وَالْبَنِينَ ، وَخَيْرٌ أَمَلًا فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ إرَادَتَهُ ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ ، وَهِيَ :

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يَكُونَ بِهَذَا الْعُمُومِ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ ، وَهُوَ الَّذِي وَعَدَ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ ، إلَّا أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ عَيَّنُوا فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا ، وَرَوَوْا فِيهِ أَحَادِيثَ ، وَاخْتَارُوا مِنْ ذَلِكَ أَنْوَاعًا يَكْثُرُ تَعْدَادُهَا ، وَيَطُولُ إيرَادُهَا ، أُمَّهَاتُهَا أَرْبَعَةٌ :

الْأَوَّلُ : رَوَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، { أَنَّ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ قَوْلُ الْعَبْدِ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ } .

الثَّانِي : رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلَهُ .

الثَّالِثُ : مِثْلُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

الرَّابِعُ : أَنَّهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ ; وَبِهِ أَقُولُ ، وَإِلَيْهِ [ ص: 236 ] أَمِيلُ ، وَلَيْسَ فِي الْبَابِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، أَمَّا أَنَّ فَضْلَ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالْحَوْقَلَةِ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ كَثِيرٌ ، وَلَا مِثْلَ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي ذَلِكَ بِحِسَابٍ وَلَا تَقْدِيرٍ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .


مسألة: الجزء الثالث التحليل الموضوعي

الآية السادسة قوله تعالى : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا } . فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى : قد بينا في كتب الأصول أن كل موجود ما عدا الله وصفاته العلا له أول ، فإن كل موجود ما عدا نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار له آخر ، وكل ما لا آخر له فهو الباقي حقيقة . ولكن الباقي بالحق والحقيقة هو الله ، حسبما بيناه في كتاب الأمد .

فأما نعيم الجنة فأصول مذ خلقت لم تفن ولا تفنى بخبر الله تعالى ; وفروع وهي النعم ، هي أعراض إنما توصف بالبقاء على معنى أن أمثالها يتجدد من غير انقطاع ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما يأتي بيانه في سورة مريم وغيرها إن شاء الله ، وعلى ما تقدم بيانه قبل في سورة النساء بقوله : { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا [ ص: 235 ] غيرها } فهذا فناء وتجديد ، فيجعله بقاء مجازا بالإضافة إلى غيره ، فإنه يفنى فلا يعود ، فإذا ثبت هذا ، وهي :

المسألة الثانية : فالأعمال التي تصدر عن الخلق من حسن وقبيح لا بقاء لها ، ولا تجدد بعد فناء الخلق ، فهي باقيات صالحات وطالحات ، حسنات وسيئات في الحقيقة ، لكن لما كانت الأعمال أسبابا في الثواب والعقاب ، وكان الثواب والعقاب دائمين لا ينقطعان ، وباقيين لا يفنيان ، كما قدمنا بيانه ، وصفت الأعمال بالبقاء ، حملا مجازيا عليها ، على ما بيناه في كتب الأصول من وجه تسمية المجاز .

وأما تسمية الشيء بسببه المتقدم عليه ، أو تسميته بفائدته المقصودة به ، فندب الله تعالى إلى الأعمال الصالحة ، ونبه على أنها خير ما في الدنيا من أهل ومال ، وعمل وحال في المآل ، فقال ، وهي :

المسألة الثالثة : والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا من المال والبنين ، وخير أملا فيما يستقبلون إرادته ، واقتضى ذلك ، وهي :

المسألة الرابعة : أن يكون بهذا العموم الباقيات الصالحات كل عمل صالح ، وهو الذي وعد بالثواب عليه ، إلا أن المفسرين عينوا في ذلك أقوالا ، ورووا فيه أحاديث ، واختاروا من ذلك أنواعا يكثر تعدادها ، ويطول إيرادها ، أمهاتها أربعة :

الأول : روى مالك عن سعيد بن المسيب ، { أن الباقيات الصالحات قول العبد : الله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله } .

الثاني : روى ابن وهب عن علي بن أبي طالب مثله .

الثالث : مثله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الرابع : أنها الصلوات الخمس ، وروي عن ابن عباس وغيره ; وبه أقول ، وإليه [ ص: 236 ] أميل ، وليس في الباب حديث صحيح ، أما أن فضل التسبيح والتكبير والتهليل والحوقلة مشهور في الصحيح كثير ، ولا مثل للصلوات الخمس في ذلك بحساب ولا تقدير . والله أعلم .