سابعًا: حماية مراسلات المحامي مع موكله والمحادثات الهاتفية بينهما:
ترتبط ضمانة حماية المراسلات المتبادلة بين المحامي وموكله بالضمانة التي قررها المشرع للمحامي وحظر فيها إجباره على إفشاء ما لديه من أسرار موكليه إلا بإذن الموكل أو بناء على طلبه. فالمراسلات المتبادلة بين المحامي وموكله والأوراق والمستندات التي يسلمها أو يودعها الموكل لدى محاميه تتضمن بطبيعة الحال أسرارًا لا يجوز إجبار المحامي على إفشائها أو إطلاع الغير عليها أو تسليمها إليهم حتى ولو كانت صورًا ضوئية منها. ولذلك فقد نصت م/ 96 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 328 من التعليمات العامة للنيابات على أنه: (لا يجوز لقاضي التحقيق أن يضبط لدى المدافع عن المتهم أو الخبير الاستشاري الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم لهما لأداء المهمة التي عهد إليها بها، ولا المراسلات المتبادلة بينهما في القضية). وواضح من ذلك النص أن المشرع قد وضع قيدًا على نطاق الأشياء التي يجوز للمحقق ضبطها فاستبعد منه الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم للمدافع عنه كي يستعين بها في الدفاع عنه أو المراسلات المتبادلة بينهما في هذا الشأن، ولو رجح المحقق أن ضبطها فيه فائدة كبيرة للتحقيق، وعلة هذا القيد تمكين المدافع من القيام بدوره في الدعوى الجنائية، وهو دور قد صار أساسيًا في القانون الحديث، ويتصل هذا القيد كذلك بالتزام المدافع بالسر المهني، وعدم جواز أن التنقيب عن الدليل بطريق غير مشروع، ويتسق ذلك مع المبدأ الذي قررته المادة/141 من قانون الإجراءات الجنائية من حيث (عدم جواز الإخلال بحق المتهم في الاتصال دائمًا بالمدافع عنه بدون حضور أحد)، فإذا كان من حق المتهم أن يتحدث شفويًا مع المدافع عنه بدون أن يستمع المحقق لحديثه، فإنه يرتبط بذلك حقه في أن يرسله دون أن يطلع المحقق على رسائله، وإذ الرسالة حديث مكتوب، والعلة العامة التي تجمع بين هذه المبادئ هي الحاجة إلى تمكين المتهم والمدافع عنه في أن يضعا خطة الدفاع معًا، دون أن يفسد تدبيرهما اطلاع المحقق على ما يدور بينهما، ومن مصلحة المجتمع أن توضع خطة الدفاع التي تكافل اطلاع القضاء على وجهة نظر المتهم. وعلة النص تتيح استظهار الأحكام التي يقررها: فالحصانة من الضبط تشمل ما يسلمه المتهم إلى المدافع عنه من أشياء كي يستعملها في الدفاع عنه، وتشمل كذلك المراسلات المتبادلة بينهما، وقد سوى الشارع بالمدافع عن المتهم الخبير الاستشاري الذي اختاره، فهو كذلك مدافع عنه من الوجهة الفنية. ويشترط لعدم جواز الضبط شرطان: أن يكون من سلم الشيء له أو جرت بينه وبين المتهم الرسائل مدافعًا عنه، أي أن تثبت له هذه الصفة وفقًا للقانون، ويستوي أن يكون مختارًا أو منتدبًا، ولذلك لا تمتد الحصانة إلى ما يسلمه أو يبعث به المتهم إلى صديق كي ينصحه في خطة دفاعه، ولكن الحصانة تمتد إلى ما يبعث به المتهم إلى محام تمهيد لتوكيله في الدفاع عنه، أما الشرط الثاني، فهو أن تتوافر الصلة بين الشيء وبين الدفاع عن المتهم، أي يثبت أن وجوده في حيازة المدافع ضروري أو ملائم لحسن أدائه مهمته، والمحقق هو الذي يقدر ذلك، وتراقبه في تقديره محكمة الموضوع. ولا يجوز ضبط المراسلات التي بين المحامي وموكله، سواء كانت في حيازة المدافع أو كانت في حيازة المتهم الذي تلقاه من المدافع أو يوشك على إرسالها إليه، بل لا يجوز ضبطها في مكاتب البريد أو البرق، ولا يجوز – استنادًا إلى ذات العلة – مراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية بين المتهم والمدافع عنه، إذ المحادثة رسالة في مدلولها الواسع، ولا يجوز التنصت أو تسجيل الأحاديث التي تدور بينهما. ولا تعني القواعد السابقة عدم جواز تفتيش مكتب المدافع عن المتهم أو خبيره الاستشاري، شريطة أن يكون وفقًا للضوابط والقيود التي وضعتها المادة / 51 من قانون المحاماة 17/1983، وإنما تعني عدم جواز تفتيشه إذا انحصرت غاية التفتيش في ضبط المراسلات المتبادلة بين المتهم ومحاميه، إذ تكون الغاية غير مشروعة، فيبطل التفتيش تبعًا لذلك، ولكن الشارع اشترط في تفتيش مكتب المحامي – حين يكون جائزًا – أن يجريه أحد أعضاء النيابة العامة (المادة/ 51 من قانون المحاماة)، فلا يجوز أن يندب له مأمور الضبط القضائي، ولكن يجوز أن يجريه قاضي التحقيق من باب أولى، والضبط الذي يجرى خلافًا للقواعد السابقة يكون باطلاً،ولكن يجوز للمتهم – إذا قدر أن مصلحته في الدفاع تقتضي ذلك – أن يرضى باطلاع المحقق على المراسلات المتبادلة بينه وبين محاميه. أما مقار نقابة المحامين، فتتمتع بحصانة خاصة،عبرت عنها بعض مواد تعليمات النيابة العامة. فنصت المادة/ 327 من تعليمات النيابة العامة على أنه: (لا يجوز لغير أعضاء النيابة العامة تفتيش مقار نقابة المحامين ونقاباتها الفرعية ولجانها الفرعية أو وضع أختام عليها، ويكون ذلك بحضور نقيب المحامين أو رئيس النقابة الفرعية أو من يمثلها، كما لا يجوز تفتيش مكاتب المحامين إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة. ولا يصح بأي حال أن يندب أحد مأموري الضبط القضائي من غير أعضاء النيابة العامة – للقيام بأحد الإجراءات سالفة البيان – كمالا يجوز لمأمور الضبط القضائي القيام بها من تلقاء نفسه في حالة التلبس طبقًا لنص المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية) .
كما نصت المادة / 594 من ذات التعليمات على أنه: (إذا اقتضى الأمر تفتيش مقر نقابة المحامين أو إحدى النقابات أو اللجان الفرعية أو وضع أختام عليها فيجب أن يتم ذلك بمعرفة أحد أعضاء النيابة وبحضور نقيب المحامين أو رئيس النقابة الفرعية أو من يمثلهما بعد إخطاره بالحضور)
ثامنًا: عدم جواز الحجز على مكتب المحامي:
قدر المشرع أن أداء المحامي لمهمته السامية لا يمكن أن يتحقق ما لم يتحقق له الاستقرار والأمن والأمان للمكان الذي يمارس فيه مهنته ونشاطه، فلم يجز القانون الحجز على مكتبه وكافة محتوياته وأدواته المستخدمة في مزاولة وممارسة نشاطه المهني. فقط نصت م/55 من قانون المحاماة رقم 17/1983على أنه: (لا يجوز الحجز على مكتب المحامي وكافة محتوياته المستخدمة في مزاولة المهنة). كما وضعت م/ 306 من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية نصًا عامًا لا يجوز بمقتضاه الحجز على ما يلزم كل مدين صاحب مهنة أو حرفة أيًا كانت من كتب وأدوات ومهمات لمزاولة مهنته أو حرفته بنفسه إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة. فقد نصت م/ 306 مرافعات سالفة البيان على أنه: (لا يجوز الحجز على الأشياء الآتية إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة: 1- ما يلزم المدين من كتب وأدوات ومهمات لمزاولة مهنته وحرفته بنفسه.
2-................................
ويشمل الحظر الوارد بالفقرة الأولى من المادة سالفة الذكر كل ما يلزم صاحب المهنة أو الحرفة لمزاولة مهنته أو حرفته كالكتب اللازمة للمحامي لمباشرة مهنته سواء كانت كتبًا قانونية أم تتصل بعلوم اجتماعية يلزم معرفتها لمباشرة مهنته أيًا كانت قيمتها واللزوم مسألة نسبية تختلف باختلاف المهنة واختلاف مركز الشخص فيها. وحصانة المحامي تحتاج إلى نقابة تحاجي عليها وتحميها وتوفر لها فاعليتها، وعلى قدرة قوة ومهابة النقابة على قدر ما توفره لأبنائها حملة رسالة المحاماة من حماية فعلية تقيم سياجًا يحميهم من أي تجاوزات. وجدير بالذكر أنه في سبتمبر 1946 حدث اعتداء من جانب رئيس محكمة مصر الابتدائية على بعض المحامين هم الأساتذة أحمد حسين وعزيز فهمي و عبد الحميد عبد المقصود، فاجتمعت الجمعية العمومية للنقابة في اجتماع غير عادي في 20 سبتمبر 1946 وقررت ما يلي:- 1- توافق الجمعية العمومية على ما تم في تسوية الحادث الذي وقع بين حضرة رئيس محكمة مصر و حضرات الزملاء وذلك بزيارة رئيس المحكمة ومعه كبار رجال القضاء والنيابة لدار النقابة وإظهار أسفه وإعرابه عن تقدير هو احترامه لحضرات الزملاء الذين تقدموا بالشكوى لمجلس النقابة مما جعل المجلس و حضرات الزملاء يعتبرون أن الحادث المذكور قد انتهى. 2- تقرر الجمعية العمومية للمحامين أن المحاماة عنصر أساسي في النظام القضائي، وأن العدالة لا يمكن أن تتحقق تمامًا إلا بتعاون عناصر النظام القضائي كله وتبادل الاحترام والتقدير بين القضاء والمحاماة، وأن كل اعتداء على كرامة المحامين أو حقوقهم وكل حد من قيامهم بواجب الدفاع فيه إخلال خطير بالعدالة لن تقبله الجمعية العمومية، وهي تأمل أن يكون هذا الوضع دائمًا محل تقدير من الجميع، كما تود ألا تتجدد حوادث الاعتداء وإلا فإنها على استعداد في كل وقت لأن تجتمع وتقرر ما تراه لازمًا للمحافظة على كرامة المحامين وحقوق المهنة ولو أدى الأمر إلى امتناع المحامين عن مباشرة عملهم حتى تسير الأمور في مجراها الطبيعي. وفي بداية عام 1949 حينما كان يجرى إعداد مشروع جديد لقانون الإجراءات الجنائية اتجهت اللجنة المختصة في مجلس الشيوخ إلى إلغاء نص المادة 51 من القانون 98 لسنة 1944 الخاصة بحصانة المحامي أثناء الجلسات، فقام الأستاذ الجليل عمر عمر/ نقيب المحامين وقتها بمقابلة أعضاء اللجنة وهددهم بأنه إذا ألغيت هذه المادة فسوف يضرب المحامون وينقلون أسماءهم إلى جداول غير المشتغلين،واجتمعت الجمعية العمومية للنقابة لهذا الغرض في 25 فبراير 1949 وقررت إزاء ذلك ما يلي: - (إن المحامين جميعهم لا يقبلون بحال إلغاء نص المادة/ 51 من قانون المحاماة رقم 98 لسنة 1944، لأنه نص وضع حرصًا على مصلحة العدالة وحافظًا على كرامة المحامين وتمكين المحامين من أداء واجبهم المقدس، وتفوض الجمعية العمومية مجلس النقابة للعمل على بقاء المعاني المستفادة من النص سالف الذكر). وجدير بالذكر واقعة أخرى تداعت في أول مارس 1961، تصدى لها مجلس النقابة العامة برئاسة النقيب المهيب الأستاذ الجليل مصطفى البرادعي، حين قام أحد القضاة بإصدار أمر ضبط وإحضار أحد المحامين وحبسه احتياطيًا لمدة خمسة أيام بتهمة اعتدائه على المحكمة، وفور اتصال النيابة بالنقابة اجتمع مجلسها برئاسة الأستاذ الجليل مصطفى البرادعي في 2 مارس 1961 وأصدر بيانًا جاء فيه: (يؤسف مجلس نقابة المحامين أن تشوب الوحدة التي تجمع بين رجال القضاء الجالس منه والواقف تصرفات تصدر بين الحين والحين مما يخرج على مقتضى ما سارت عليه التقاليد وما توجبه الأوضاع المتداولة بين القضاة و المحامين إلى جانب الانطواء كثيرًا على مخالفة لأحكام القانون، ولقد أخذ مجلس النقابة الأمور بما توجبه الحكمة، ولكنه يرى مضطرًا أن القرار الصادر من أحد قضاة محكمة بنها بضبط وإحضار أحد الأستاذة المحامين ثم التقرير بحبسه احتياطيًا لمدة خمسة أيام بتهمة اعتدائه على المحكمة أثناء تأدية واجبه أن هذا التصرف قد أمعن في الجنوح حتى جانب ذات الحكمة من الحبس الاحتياطي التي لا تتوافر وفي الجرائم العادية – إلا عند خشية التأثير على الدليل أو هرب المتهم، وهي حكمة لا تقوم في مثل هذه الحالة من قريب أو بعيد، بل إن اعتبارات وحدة الأسرة القضائية ووجوب استمرار التعاون بين أفرادها والإبقاء على التقاليد الراسخة التي جمعت بينهم، كل ذلك كان يوجب معالجة الأمور على غير هذا النحو وتجنب مثل هذا القرار، ومما يزيد من أسف مجلس النقابة أن يجانب التصرف حكم القانون في زاوية أخرى هي التغاضي عن النص الوارد في المادة 52 من القانون 96 لسنة 1957 حيث سرى التحقيق دون إخطار النقيب... لهذا قرر المجلس احتجاجًا على هذه التصرفات: أولاً: الإضراب عن العمل أمام جميع المحاكم يوم الأحد 5 مارس 1961 ثانيًا: الامتناع عن الحضور أمام القاضي الذي أصدر قرار الضبط والإحضار. ثالثًا: اعتبار مجلس نقابة المحامين في حالة انعقاد مستمر حتى ترد للمحامين كرامتهم).