ابن السمطا عضو جديد
العمر : 41 عدد الرسائل : 65 تاريخ التسجيل : 28/11/2015
| موضوع: الإمام العارف بالله عبد القادر الجيلاني 13/2/2020, 7:39 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي فتح كنوز الغيب للصفوة الخِيرة من عباده، ومنح فيضَ علمه للخلاصة من خلقه أهل وِداده، فاستودع قلوبَهم خفِىَّ سِره، وأشْهَدَ أرواحَهم حقيقةَ أمرِه، فكانوا أعرَف عباده بمُضمَرات إشاراته، وأفهمَهم لمعانى بيان كلامه، فإنْ نطقوا فهُم تراجم وحْيِه، وإن عبَّروا فهم ألْسِنةٌ تُخبر بمراد قدَره، وإن فاهوا فإنما يُفصحون عن بديع حكمه و صُنعه. فسُبحانه تجلَّى لعباده الصالحين فى كلامه بكمال بهائه وجماله، وفجَّر قلوبَهم بينابيع الحِكَم، وفَتَق ألسِنَتَهم لاستخراج الدرر، فغمرهم بالأنوار من بحر رموز المعاني والأسرار، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد، مظهر الرحمات، المبعوث بخوارق العادات، ولوامع البينات، وعلى آله وأصحابه أولي النَّدَى والسماحة، وجبال اليقين فى اشتداد الأزمات وتفاقم المعضلات، صلاةً وسلامًا دائمين ما دامت الأيام والسنوات، وبعدُ؛ فيقول العبد المفتقِر إلى عفو الله وغُفرانه، ابن بحر الشريف نسبًا، السمطي مولدًا، الأشعري عقيدةً، المالكي مذهبًا، كان الله تعالى له وذريته، وأحسن عملهم، وأنالهم من الخيرات أمَلهم.. نعيش معًا هذه اللمحات السريعه مع الإمام العارف الرباني، والقطب الصمداني، قدوة السالكين، ومنار الواصلين، بحر العرفان، ومشرق شمس العِيان، مَهْيَع الطريقة، الجامع بين الشريعة وبحر الحقيقة: السيد عبد القادر بن السيد موسى بن السيد عبد الله بن السيد يحيى بن السيد محمد بن السيد داود بن السيد موسى الثاني بن السيد عبد الله بن السيد الإمام موسى الجون بن السيد الإمام عبد الله المحض بن السيد الإمام الحسن السبط بن أمير المؤمنين سيدنا علي زوج السيدة البتول فاطمة الزهراء بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا نسبه من جهة أبيه. وأما نسبه من جهة أمه: فهي أم الخير فاطمة بنة السيد عبد الله الصومعي الزاهد بن السيد أبي جمال الدين محمد بن السيد محمود بن السيد أبي العطا عبد الله بن السيد كمال الدين عيسى بن السيد الإمام أبي علاء الدين محمد الجواد بن السيد الإمام علي الرضا بن السيد الإمام موسى الكاظم بن السيد الإمام جعفر الصادق بن السيد الإمام محمد الباقر بن السيد الإمام علي زين العابدين بن السيد الإمام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن أمير المؤمنين سيدنا علي زوج السيده فاطمة الزهراء البتول بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله . وُلد رضي الله عنه في 11 ربيع الثاني وهو الأشهر سنة 470هـ 1077ميلاديه، وهناك خلاف في محل ولادتهِ، حيث توجد روايات منها القول بولادتهِ في” نيف ” وهي قصبة من بلاد جيلان، أو كيلان ويقال لها أيضا بلاد الديلم، وهي ولاية من القسم الشمالي الغربي من بلاد فارس، يحدها شمالًا ناحية تاليس الروسية، ومن الجنوب الغربي سلسلة جبال البروز الممتدة من الشرق إلى الغرب موازية للساحل الجنوبي من بحر قزوين. الفاصلة بينها وبين أذربيجان وعراق العجم، ومن الجنوب الشرقي مازندران، ومن الشمال الشرقي بحر قزوين، في شمال إيران حاليًا على ضفاف بحر قزوين، والقول الآخر أنه ولد في جيلان العراق وهي قرية تاريخية قرب المدائن التي تبعد حوالي 40 كيلومترا جنوب بغداد، وهو ما أثبتته بعض الدراسات. وقيل: إنه كان آخر أولاد أبيه؛ لأنه عاش يتيمًا، فقد تُوفِّيَ أبوه بعد ولادته بقليل فعاش في كَنَف جده لأمه السيد عبد الله الصومعي، وكان آخر أولاد أمه لأنها حملت به في سنٍّ متأخرة، وورد أنه كان له أخ واحد اسمه عبد الله وقد قسمت أمه المال بينه وبين أخيه عندما خرج إلى بغداد، وإن أخاه كان رجلًا صالحًا عاش في جيلان وتوفي فيها وهو شاب. وقد نشأ عبد القادر في أسرة وصفتها المصادر بالصالحة، فقد كان والده أبو صالح موسى معروفًا بالزهد وكان شعاره مجاهدة النفس وتزكيتها بالأعمال الصالحة ولهذا كان لقبهُ "محب الجهاد" وكانت امرأته ام عبد القادر صالحةً تقيةً لأنها سليلة طهر ونقاء، فنال من بركه آبائه وأخواله، فرُبِّي علي التقوي ونشأ عليها، فكان منذ صغر سنه زاهدًا في الدنيا، مقبلًا على الآخرة، طموحًا إلى معرفة الشريعة وفروعها ومداخلها ومخارجها. بدأ عبدالقادر يحثُّ أمَّه على السماح له بالسفر إلى بغداد لطلب العلم، وعندما رأت الأم الصالحة إصرار ابنها الشاب علي طلب العلم -وكم كان يعزّ عليها فراقه- أخذت تجهزه وهي تكفكف دموعها، فجهزته وأعطته أربعين دينارًا وخبأتها في ثيابه وأوصته قائلة: يا بني إياك أن تكذب؛ فإن المؤمن لا يكذب، يا بني كن صادقًا أبدًا كما ربّيتك فهذا هو أملي فيك. وسافر الشاب مع القافله إلى بغداد لطلب العلم، وفي الطريق فوجئت القافلة بعصابة من اللصوص على خيولهم السريعة أحاطوا بالقافلة من جميع الجهات، و بدأ اللصوص يفتّشون أفراد القافلة فردًا فردًا، وجلس الشيخ ينتظر دوره في التفتيش، ومرَّ عليه أحد اللصوص فرآه فتى، هيئته متواضعة يرتدي ثيابًا بسيطة لا تدلّ على ثروة أو جاه، فأراد أن يمرَّ به مَرَّ الكرام ويتجاوزه إلى غيره، ولكنَّه ألقى عليه السؤال الذي كان يُلقيه على الآخرين وهو يسير إلى غيره، قال: هل معك شيء؟ أجابه الشيخ: نعم، معي أربعون دينارًا. تحيَّر اللّص ولم يصدق أذنيه، فأعاد السؤال فأتاه الجواب نفسه: نعم معي أربعون دينارًا. فتعجّب من ذلك وساقه إلى رئيس العصابة . سأله الرئيس عن ذلك فقال الشيخ عبدالقادر: إن معي أربعين دينارًا. فقال: أين هي؟ فأخرجها من تحت إبطه وسلّمها إليه. فتعجّب الرجل، وعدّها فوجدها أربعين دينارًا، فقال للشيخ: ما الذي دفعك إلى الاعتراف بها وهي مخبأة ؟ قال: إنّ أمّي أوصتني أن أَصْدُق دائمًا وأن لا أكذب أبدًا. فتأثرالرجل تأثرًا كبيرًا بما سمع ودمعت عيناه، وهو الذي لم يعرف البكاء في حياته، فالتفت إليه وقال: أنت توصيك أمّك فتحفظ وصيَّتها ولو كان في ذلك ذهاب كل ما تملك، ونحن مضى علينا كذا وكذا سنة نقطع الطريق وننهب الأموال… اشهد يا بني أنّي قد تبتُ من الآن عن كل ذلك. وتاب معه جميع اللصوص وردّوا الأموال إلى أهلها، وسارت القافلة بعد ذلك آمنة مطمئنّة بحمايتهم إلى أن وصلت بغداد ودخلتها سنة 488 هـ الموافق 1095م وعُمْر عبد القادر ثمانية عشر عامًا، وذلك في عهد الخليفة العباسي المستظهر بالله، وأمضى فيها ثلاثًا وسبعين سنة، شهد فيها حكم خمسة من الخلفاء العباسيين هم: المستظهر بالله والمسترشد «حكم من سنة 512 إلى سنة 529هـ»، والراشد «حكم من 529 إلي 530هـ» والمقتفي «حكم من 530 إلى 555هـ» والمستنجد «حكم من سنة 555 إلى 566هـ». في تلك الحقبة قد تقوّضت أركان الدولة العباسية، ومما رواه ابن العماد الحنبلي في «شذرات الذهب» ومضمونه أن الشيخ موسى روى عن والده الشيخ عبد القادر الجيلاني أنه خرج في بعض سياحاته إلى البَرِّيَّة، فمكث أيامًا لا يجد ماءً حتى اشتد به العطش، فأظلَّته سحابة ونزل عليه منها شىء يشبه الندى، فحاول الشيطان أن يغويه فموه على عيني الشيخ فرأى في الأفق نورًا قويًا وصورةً عظيمة، وناداه الشيطان بقوله: يا عبد القادر أنا ربك وقد أحللتُ لك المحرَّمات. فقال الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اخسأ يا لعين، فإذا بالنور قد صار ظلامًا والصورة دخانًا، ثم خاطبه الشيطان قائلًا: يا عبد القادر نجوتَ مني بعلمك، وقد أضللتُ بهذه الواقعة سبعين من أهل الطريق. فقيل له: كيف علمت أنه الشيطان؟ قال: بقوله لي: حلَّلت لك ما حرَّمتُ على غيرك. وقد علمت أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لن تُنسخ ولن تُبدَّل، ولأنه قال: أنا ربك، ولم يقدر أن يقول: أنا الله الذي لا إله إلا أنا. ومن بعض كراماته أنَّ أقصى الناس في مجلسه يسمع صوته كما يسمع أدناهم منه على كثرتهم، وكان يتكلم على خواطر الناس ويواجههم بالكشف، وربما خطا في الهواء على رءوس الأشهاد، ثم يرجع إلى جلوسه على الكرسي. كان يقول: اتَّبعوا ولا تبتدعوا، وأطيعوا ولا تَمزَّقوا، واصبروا ولا تجزعوا، وانتظروا الفَرَج ولا تيأسوا، واجتمِعوا على ذكر الله ولا تَفَرَّقوا، وتطهروا بالتوبة عن الذنوب ولا تَلَطَّخوا، وعن باب مولاكم لا تَبْرحوا. وكان يقول رضي الله عنه: كونوا بوَّابين على باب قلوبكم، وأدخِلوا ما يأمركم الله بإدخاله، وأخرِجوا ما يأمركم الله بإخراجه، ولا تُدخِلوا الهوى قلوبَكم فتهلكوا، احذروا ولا تركَنوا، وخافوا ولا تأمَنوا، وفتِّشوا، ولا تغفلوا فتطمئنُّوا ولا تُضيفوا إلى أنفسكم حالًا ولا مقامًا، ولا تَدَّعوا شيئًا من ذلك، ولا تخبروا أحدًا بما يُطلِعُكم الله عليه من الأحوال؛ فإن الله تعالى يحول بين المرء وقلبه، فيُزيلكم عما أَخبرتم الناس به، ويَعْزِلكم عما تخيَّلتم ثباتَه، بل احفظوا ذلك ولا تتعدوا، فإن كان الثبات والبقاء فاشكروا الله عليه فإنه موهبةٌ منه. وكان يقول: إيَّاكم أن تُحِبّوا أحدًا أو تكرهوه إلا بعد عرض أفعاله على الكتاب والسُّنّة كي لا تحبوه بالهوى وتُبغضوه بالهوى. وكان يقول: من علامة حب الآخرة الزهدُ في الدنيا، ومن علامة حب الله الزهدُ فيما سواه. ومن أقواله: دُنياكم قد أعْمَتْ قلوبَكم فما تبصرون بها شيئًا، احذروا منها، فهي تُمكِّنكم من نفسها تارةً بعد أخرى حتى تُدرجكم، وفي الأخيرة تذبحكم، تسقيكم من شرابها وبنجها ثم تقطع أيديكم وأرجلَكم وتَسمُل أعيُنَكم، فإذا ذهب البنج وجاءت الإفاقة رأيتم ما صنَعَتْ بكم، هذا عاقبة حبِّ الدنيا والعدْوِ خلفَها والحرصِ عليها وعلى جمعها، هذا فِعْلُها فاحذروا منها. يا غلام: اشتغلْ بنفسك، انفعْ نفسَك ثم غيرك، لا تكن كالشمعة تَحْرِق هي نفسَها وتُضىء لغيرها. وقال: أخرِجوا الدنيا من قلوبكم إلى أيديكم فإنها لا تضرُّكم. وقال: الاسم الأعظم أن تقول (الله) وليس في قلبك سواه. وقال: لا تظلموا أحدًا ولو بسوء ظنِّكم؛ فإنَّ ربَّكم لا يجاوز ظُلم ظالم. وقال: كلَّما جاهدتَ النفسَ وقتلتَها بالطاعات حَيِيَتْ، وكلَّما أكرمتَها ولم تنهها في مرضاة الله ماتتْ. قال: وهذا هو معنى حديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. وقال: ليس الرجل الذي يُسلِّم للأقدار، و إنَّما الرجل الذي يدفع الأقدار بالأقدار. وقال: اعملْ الخيرَ لمن يستحقُّ ولمن لا يستحقُّ، و الأجر على الله. وقال: فتشتُ الأعمال كلَّها فما وجدتُ فيها أفضلَ من إطعام الطعام، أودُّ لو أن الدنيا بيدي فأُطعمها الجياعَ . وقال: «لُقمة في بطن جائع خيرٌ من بناء ألْف جامع، وخيرٌ ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع، وخيرٌ ممن قام لله راكع، وخيرٌ ممن جاهد للكفر بسيف مهنَّدٍ قاطع، وخيرٌ ممن صام الدهر والحَرُّ واقع، وإذا نزل الدقيق في بطن جائع له نور كنور الشمس ساطع، فيــــــا بُشرى لمن أطعمَ جائع». وقال: لا تثِقْ بمودّة إنسانٍ حتى ترى موقِفَه منك أيام الشِّدّة . وقال: ثلاثة أمور تضيِّع بها وقتك: التحسُّر على ما فاتك لأنه لن يعود، ومقارنة نفسك بغيرك لأنه لن يفيد، ومحاولة إرضاء كلِّ الناس لأنه لن يكون. قال الشيخ عبد القادر الجيلاني في القصيدة العينية لطالب العلم: وإنْ ساعدَ المقدورُ أو ساقكَ القَضَا...إلى شيخ حقٍّ في الحقيقة بـارعُ فـقُـمْ في رضـاه واتَّبِعْ لمرادِه...ودَعْ كلَّ ما مِن قَبْلُ كنتَ تصانعُ ولا تعترضْ فيما جهِلتَ من امرِهِ... عليه فـإنَّ الاعتراض تــنازعُ ففي قصة الخضر الكريم كــفايةٌ...بقتل غلامٍ والكـــليمُ يدافعُ فلمّا أضاء الصبحُ عن ليل سِـرِّهِ...وسـلَّ حسامًا للغياهب قاطـعُ أقام له العُذرَ الكـليمُ وإنه ...كـذلك علم القوم فيه بدائعُ وقال في أدب الشيخ الذي يتصدر للإرشاد: إذا لم يكن للشيخ خمـس فوائـدٍ...وإلا فدجـالٌ يقــود إلى جهْلِ عليمٌ بأحكام الشريعة ظـــاهرًا...ويبحث عن علم الحقيقة عن أصْلِ ويظهر للوُرَّادِ بالبشر والقِــرَى...و يخضع للمسكين بالقـول والفعْلِ فهذا هو الشيخ المعظَّمُ قَـــدْرُهُ...عليمٌ بأحكام الحـرام من الحـِـلِّ يهذِّب طـلابَ الطــريق ونفسُه...مهذبـةٌ مِن قبْلُ ذو كـرمٍ كُلِّـي لقد أسس الإمام الجيلاني طريقته وفق الكتاب والسنة. كان رضي الله عنه نحيف البدن، رَبْع القامة، يميل إلى الطول، تبدو عليه أمارات النبل والاستقامة، عريض الجبهة، أسمر، جهوري الصوت. وكان رحمه الله مجاب الدعوة، سريع الدمعة، دائم الذكر، كثير الفكر، رقيق القلب، دائم البشر، كريم النفس، سخيّ اليد، غزير العلم، شريف الأخلاق متَّصفا بالصدق والكرم والإيثار والصبر والحِلم، مع التقوى والورع. قال الإمام أحمد الرفاعي: الشيخ عبد القادر من يستطيع وصف مناقبه! ومن يبلغ مبلغة! ذاك رجل بحر الشريعة عن يمينه، و بحر الحقيقة عن يساره، من أيهما شاء اغترف. وقال الإمام الشعراني: طريقته التوحيد وصفًا وحكمًا وحالًا، وتحقيقه الشرع ظاهرًا وباطنًا. قال الإمام ابن حجر العسقلاني: كان الشيخ عبد القادر متمسكًا بقوانين الشريعة، يدعو إليها وينفر عن مخالفتها، ويشغل الناس فيها مع تمسكه بالعبادة والمجاهدة ومَزْج ذلك بمخالطة الشاغل عنها غالبًا كالأزواج والأولاد، ومن كان هذا سبيله كان أكمل من غيره؛ لأنها صفة صاحب الشريعة صلى الله علية وسلم. قال الذهبي: الشيخ عبد القادر الشيخ الإمام العالم الزاهد العارف القدوة، شيخ الإسلام، علم الأولياء، محيي الدين، أبو محمد، عبد القادر بن أبي صالح عبد الله ابن جنكي دوست الجيلي الحنبلي شيخ بغداد. وقال الإمام العز بن عبد السلام: إنه لم تتواتر كرامات أحد من المشايخ إلا الشيخ عبد القادر فإن كراماته نُقلت بالتواتر. وقال أبو أسعد عبد الكريم السمعاني: هو إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، فقيه صالح، كثير الذكر، دائم الفكر، وهو شديد الخشية، مجاب الدعوة، أقرب الناس للحق، ولا يرد سائلًا ولو بأحد ثوبيه. وقال الحافظ ابن كثير: الشيخ عبد القادر الجيلي كان فيه تَزَهُّد كثير وله أحوال صالحة ومكاشفات. وقال الإمام اليافعي: قطب الأولياء الكرام، شيخ المسلمين والإسلام، ركن الشريعة، وعلم الطريقة، شيخ الشيوخ، قدوة الأولياء العارفين الأكابر، أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي قُدِّس سِرّه ونُوِّر ضريحُه، تحلّى بحِلَى العلوم الشرعية، وتجمَّل بتيجان الفنون الدينية، وتزوَّد بأحسن الآداب وأشرف الأخلاق، قام بنص الكتاب والسُّنة خطيبًا على الأشهاد، ودعا الخلق إلى الله سبحانه وتعالى فأسرعوا إلى الانقياد، وأبرز جواهر التوحيد من بحار علومٍ تلاطمت أمواجها، وأبرأ النفوس من أسقامها، وشفى الخواطر من أوهامها، وكم رد إلى الله عاصيًا، تتلمذ له خلق كثير من الفقهاء. وجاء في كتاب ( قلائد الجواهر ): قال الشيخ أبو العباس الخضر الحسين الموصلي: كُنَّا ليلة في مدرسة شيخنا الشيخ محيي الدين عبد الله رضي الله عنه ببغداد، فجاءه الإمام المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بن الإمام المقتفي لأمر الله أبو عبد الله محمد العباسي فسلَّم عليه واستوصاه، ووضع بين يديه مالًا في عشرة أكياس يحملها عشرة من الخدم، فقال الشيخ رضي الله عنه: لا حاجة لي فيها. فأبَى إلّا أن يقبلها وألحَّ عليه المسألة. قال: فأخذ الشيخ رضي الله عنه كيسًا في يمينه و آخر في شماله وعصرهما بيده فسالا دمًا و قال الشيخ: يا أبا المظفر ما تستحي من الله تعالى أن تأخذ دم الناس و تقابلني به؟! قال: فغُشِي عليه، فقال الشيخ رضي الله عنه: وحقِّ الله لولا حُرمة اتصاله برسول الله صلى الله عليه وسلم لتركتُ الدم يجري إلى بيته . قال الشاعر الأديب سعدي الشيرازي: رأيتُ عبد القادر الكيلاني قُدِّس سره في حرم الكعبة واضعًا رأسَه على الحصى وهو يقول: إلهي، اعف عني، وإن كنتُ مستوجبًا العقوبة فاحشرني يومَ القيامة أعمَى حتى لا أذوبَ خجلا من رؤية وجوه الصالحين . ومن شيوخه الذين اخذ عنهم: أبوالوفاء ابن عقيل، وأبو سعد بن خُشَيش، وأحمد بن المظفر بن سوس، وأبو القاسم بن بيان، ومحمد بن الحسن الباقلاني، وجعفر بن أحمد السَّرَّاج،، وأبو طالبٍ اليوسُفيِّ، والقاضي أبو سعد المبارك بن علي المخرِّميّ، وطائفة أخري. ومن تلاميذه: الشيخ موفَّق الدين بن قُدامةَ، وعمر بن علي القُرَشيّ، والشيخ علي بن إدريس، والحافظ عبد الغني، والسَّمعانيُّ، وأحمد بن مطيع الباجسرائيُّ، وأكمل بن مسعود الهاشميّ، وأبو طالب عبد اللطيف بن محمد بن القُبَّيْطيِّ. وروى عنه بالإجازة: الرشيد أحمد بن مسلمة. وقد تخرج على يديه الآلاف من التلاميذ. وكان يحضر مجالسه في بعض الأحيان الخليفة والوزراء . أنجب عبد القادر عددًا كبيرًا من الأولاد. قال عبد الرزاق بن الشَّيخ: وُلِد لأَبِي تسعةٌ وأربعون ولدًا، سبعة وعشرون ذكرًا، والباقي إناثٌ. وقد عُنى بتربيتهم وتهذيبهم على يديه، واشتهر منهم عشرة من الذكور وهم: عبدالله: أكبر ولد الشيخ، سمع من ابن الحصين وأبي غالب بن البناء، روى الحديث، توفي في صفر سنة سبع وثمانين وخمسمائة وولد سنة ثمان وخمسمائة. عبد الوهّاب: وكان في طليعة أولاده، والذي درَّس بمدرسة والده في حياته نيابة عنه، وبعد والده وعظ وأفتى ودرَّس، وكان حسن الكلام في مسائل الخلاف فصيحًا ذا دعابة وكياسة، ومروءة وسخاء، وقد جعله الخليفة العباسي أحمد الناصر لدين الله على المظالم، فكان يوصل حوائج الناس اليه، وتوفي سنة 573 هـ ودفن في رباط والده في الحلبة. عيسى: الذي وعظ وأفتى وصنف مصنفات منها كتاب "جواهر الأسرار ولطائف الأنوار" في علم الصوفية، قدم مصر وحدث فيها ووعظ، وتخرّج به من أهلها غير قليل من الفقهاء، وتوفي فيها سنة 573 هـ. عبد العزيز: وكان عالمًا متواضعًا، وعظ ودرّس، وخرج على يديه كثير من العلماء، وكان قد غزا الصليبين في عسقلان وزار مدينة القدس ورحل جبال الحيال ومنها الجبل المعروف بأسمه جبل عبد العزيز، وتوفي فيها سنة 602 هـ. عبد الجبار: تفقّه على والده وسمع منه، وكان ذا كتابة حسنة، سلك سبيل الصوفية، ودُفن برباط والده في الحلبة. عبد الرزاق: وكان حافظا متقنا حسن المعرفة بالحديث، فقيها على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ورعا منقطعًا في منزله عن الناس، لايخرج إلا في الجمعات، توفي سنة 603 هـ، ودفن بباب الحرب في بغداد. إبراهيم: تفقه على والده وسمع منه ورحل إلى واسط في العراق، وتوفي بها سنة 592 هـ. يحيى: وكان فقيها محدِّثًا انتفع الناس به، ورحل إلى مصر ثم عاد إلى بغداد وتوفي فيها سنة 600 هـ، ودفن برباط والده في الحلبة. موسى: تفقّه على والده وسمع منه، ورحل إلى دمشق وحدَّث فيها واستوطنها، ثم رحل إلى مصر وعاد إلى دمشق وتوفي فيها وهو آخر من مات من أولاده. صالح: وبه يُكنى في أغلب البلدان، وهو مدفون قرب والده في بغداد. وفاته: كانت وفاة الشيخ عبد القادر رضي الله عنه في بغداد سنة خمسمائة وإحدى وستين للهجرة، ودُفن فيها، وقبره معروف يُزار ويُتبرَّك به، رحمه الله. ((رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) ابن السمطا من آل بحر من نسل عيسى بن خلف بن بحر الشهير برحمة من نسل الحسين بن علي رضي الله عنه، وأم الحسين هي السيدة البتول فاطمة الزهراء بنت سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم | |
|