الشيخ محمد إبراهيم بريرى

أسهل الطرق لإشعال
فتنة طائفية

في أربعينيات القرن الماضي وجد الشيخ محمد إبراهيم بريرى عضو مجلس الشيوخ في تلك الفترة واحد أقطاب عائلة "بريرى " ــ واحدة من أهم العائلات السياسية العريقة بمحافظة قنا ـ نسوة بلدته القبطيات خارجات من البلدة" كوم البيجا " يوم الأحد لأداء الصلاة في كنيسة ببلدة بهجورة المجاورة ؛ فاستنكر ذلك ليساهم بنفسه في بناء كنيسة بالقرية ؛ وفى الألفية الجديدة أصبحت الصلاة الجماعية للأقباط في البيوت بالقرى التي تخلو من الكنائس سببا وجيها لاستدعاء الفتنة الطائفية ؛ خاصة في مجتمعات القرى التي يكون فيها الترقب ورصد الجيران جزءا من ممارسات الحياة اليومية .
ومابين خمسينيات القرن الماضي ووقتنا الحالي حدثت تغيرات كثيرة في البنية الاجتماعية في مصر وفى العلاقة بين سكانها المسلمين والأقباط ؛ ففي ذلك المناخ الذي يتربص فيه الطرفين بالآخر ؛ يكون من الصعب جدا أن يقبل احد الطرفين بحصول الآخر على امتياز جديد ؛ في ظل حالة الاحتقان التي يجرى تمديدها وتخصيبها من حين لآخر من قبل أوساط تدرك تماما إلى أن الوصول ما تصبو أليه لن يتحقق ألا بالفرز الديني؛ والتحريض على الآخر سواء كان مسلما أو قبطيا ؛ وحالة التربص بالآخر لم تكن فكرة سائدة حتى وقت قريب فيما يخص بناء المنشات الدينية ودور العبادة للطرفين ؛ فالتراث الايجابي للوحدة الوطنية في مصر يذخر بكثير من المواقف والوقائع الثابتة عن قيام المسلمين ببناء كنائس والأقباط في بناء مساجد ؛ ويبدو أن المناخ الفاسد السائد حاليا جعل من بناء دور العبادة مسجدا كان أم كنيسة وكأنه تغليبا وكسب معركة لطرفا على الآخر .
الحوادث الطائفية المتكررة مؤخرا على خلفية الصلاة الجماعية للأقباط بمنزل احدهم وأخرها ما حدث بقرية الحواصليه التابعة لمركز المنيا اثر قيام " ميلاد شحاتة راتب "‮ ‬باستخدام منزله في‮ ‬إقامة شعائر دينية للأقباط بالقرية رغم وجود كنيسة بها مما أدى إلى تفجر أعمال عنف بالقرية بين الطرفين مما أسفر عن إصابة أربعة بينهما شرطيان واحتراق منزلين وحظيرة مواشي مملوكة لقبطي واحتجزت الشرطة نحو 40 من مثيري الشغب من الطرفين وأخلت النيابة سبيل 13 منهم ؛ وسبق ذلك الحادث عدة منازلات طائفيه لنفس السبب ومنها ما الحادث الذي وقع بمنطقة عزبة " جرجس بيه " التابعة لقرية أقفاص بمركز الفشن بمحافظة بني سويف ذات الأغلبية القبطية ؛ ومن قبله حادث العديسات بالأقصر في سنة 2006 ؛ وحادث
" فآو بحري " بمحافظة قنا الذي وقع بسبب اعتقاد مسلمو القرية نية الأقباط في تحويل جمعية خيرية إلى كنيسة ؛ وأحداث عين شمس في أكتوبر 2008التى امتدت يومين وأحداث الشرقية التي اندلعت بعد سريان شائعة عن شروع الأقباط بتحويل بيت خدمات إلى كنيسة ؛ لا يمكن تصنيفها كحوادث فردية يتسبب فيها صبيه صغار ويتدخل لينيها العقلاء في جلسة عرفيه يستدعى فيها التراث الايجابي للوحدة الوطنية لنرى في النهاية مشهد التعانق بين المعممان من الطرفين .
تلك الحوادث المتكررة وما يصاحبها من عنف تحولت إلى ظاهرة تدعو للقراءة والتحقيق؛ في البداية تجد أن مبررات انفعال الآخر ومن ثم أقدامه على أعمال عنف ؛ غير مقبولة و واهية في جزئية تحويل منزل قبطي إلى كنيسة ؛ لان اشتراطات بناء الكنائس والقيود المفروضة عليها بدءا من قانون الخط الهمايوني وهو مرسوم عثماني صادر من السلطان عبد المجيد خان المعروف بعبد المجيد النظامي في 18 فبراير من العام 1856 لتنظيم أحوال غير المسلمين في الولايات العثمانية ومرورا بالشروط العشرة لبناء الكنائس المعروفة بشروط القربى باشا وزير الداخلية في وزارة عبد الفتاح يحي الانتقالية 1933 ـ 1934 التي استلهمها من الخط الهمايوني ؛ ثم استصدار قرار جمهوري في حالة بناء كنيسة بإجراءات مطولة وأخيرا إسناد الموافقات للمحافظين ؛ وفى كل الأحوال فان فكرة تحويل المنازل القبطية إلى منشات كنسيه تقام في الصلاة أمر محال تحقيقه ؛ لان الدراسات الامنيه تحول دون ذلك إضافة إلى أن اطرزة بناء الكنائس تتطلب مساحات ذات أبعاد معينه ؛ ويستثنى من ذلك تحويل منازل قبطية أحيانا إلى دور للخدمات أو كمقر لجمعيات أهليه خيريه تقدم خدماتها للجميع ؛ ورغم أن الأمر بديهي ويبدو معروفا للعامة قبل الخاصة ؛ ألا أن التجمعات القبطية وأصوات الصلوات الغير الشرعية بدأت في الالفيه الجديدة مستفزه وتثير المشاعر مع أنها كانت قبل سنوات تمر مرور الكرام ولا احد يرصدها أو يراقبها لتكون في النهاية سببا مقنعا لأقامه فتنه طائفيه !
على الجانب الآخر فان المتغيرات الاخيره التي طرأت على الملف القبطي الذي كان احد التابوهات التي لا يجرا أحدا على تعاطيها في اى وسط من الأوساط وتحول الآن إلى ماده خصبه للمناظرات والمساجلات في المطبوعات والميديا الفضائية ؛ مع تعالى الصيحات من الكتلة القبطية المهاجرة للتأليب على أدراج الملف القبطي على اجندات خارجية كورقة ضغط على النظام في مصر جعل من أقباط الداخل في حالة تأهب وترقب أيضا لللمقارعه والاندماج في العراك الطائفي ؛ وكنموذج لحالة المقارعة تجد قبطيا " صموئيل العشاى "
يؤلف كتابا بعنوان "الأعجاز العلمي في الإنجيل " ردا على كتاب الدكتور زغلول النجار " الإعجاز العلمي في القران " على خلفيه معارك فضائيه بين النجار والكنيسة !
والسؤال الذي يطرح نفسه هل تنتقل حالة المقارعة بين الطرفين من المدونات والفضائيات إلى إشكاليه دور العبادة ؟ كثير من العقلاء يرون في فكره الكنائس السرية والزوايا العشوائية وجهان لعملة واحده ؛ وهذا يتزامن مع المطالب بإقرار تشريع ينظم أقامه دور العبادة ؛ مع ضرورة التخلي عن المقارعة التي سطحت الملف القبطي وفرغته من مضمونه ليكون طرحه غير مجديا للأقباط أنفسهم ؛ فإذا كان الأخر يرصد ويترقب الصلوات السرية فان المصلى نفسه بدا بعد طرح قضيته يجاهر بصلاته مع أن تعاليم دينه تحسه على الصلاة في الخفاء .
ولابد أن نقر أن العقيدة تستباح وتستدعى دائما في المشاحنات بين المسلمين والأقباط ليكون هناك في النهاية ذاك العنوان القبيح " فتنة طائفيه " مع أن خلفيات النزاع قد لا تكون لها صلة إطلاقا بالعقيدة نموذج لذلك حادث بني سويف فعزبة " جرجس بيه " ويتضح من اسمها أن الاكثريه من سكانها أقباط وهم يسيطرون على اقتصادها الزراعي ؛ ووقع صراعا بين الطرفين وهو صراع مصالح وسيطرة على مقتضيات الواقع هناك ؛ وشكلت الأزمة على أنها اعتراض من المسلمين على أقامة الصلوات داخل منزل القس الموفد من الكنيسة ؛ مع أن أقباط القرية يقيمون صلواتهم في بيوتهم وبعلم جيرانهم المسلمين الذين يديرون لهم أعمالهم ويشاركونهم في كافة المناسبات منذ القدم .
أذن ماذا يحدث في بلادنا ؟ ولكي نجيب لابد أن نستعين بتحليل السيد منير فخري عبد النور سكرتير عام حزب الوفد في مقالته الهامة على صفحات "الوفد " التي تم نشرها قبل شهور لتلك الحوادث بعنوان ماذا يحدث في مصر الوسطى ؟ يقول " فشل هؤلاء ـ الذين‮ ‬يساهمون في‮ ‬تشكيل وجدان وفكر الشباب من خلال الخطاب الديني‮ ‬ومناهج التعليم،‮ ‬والبرامج الإعلامية ـ في‮ ‬إقناع الشباب بأن الدين واحد وأهدافه واحدة،‮ ‬وان الله واحد هو الأحد الذي‮ ‬نعبده جميعا‮.‬ كما فشل هؤلاء في‮ ‬تعريف الشباب بتاريخ بلادهم،‮ ‬وبأن المسيحية في‮ ‬مصر واقع تاريخي‮ ‬وجغرافي‮ ‬منذ واحد وعشرين قرنا،‮ ‬مرتبط ارتباطا وثيقا بأرض مصر ونيلها‮.‬ وفشل هؤلاء في‮ ‬ترسيخ فكرة الوطن الجامع والحامي،‮ ‬في‮ ‬نفوس الشباب وفي‮ ‬عقولهم،‮ ‬الذي‮ ‬يزداد ثراء بتعددية فكره وثقافته،‮ ‬ويزداد قوة بوحدته‮. ‬كما فشلوا في‮ ‬إعلاء شأن قيم المواطنة والمساواة أمام القاعدة القانونية العامة المجردة‮.‬ وبالمثل لقد أخطأ مجلس الشعب عندما رفض الاستجابة لمطالب إصدار القانون الموحد المنظم لبناء دور العبادة بالرغم من أن المجلس القومي‮ ‬لحقوق الإنسان قد أوصي‮ ‬المرة تلو الاخري‮ ‬بضرورة إصدار هذا التشريع،‮ ‬أرسل مشروع قانون للمجلس التشريعي‮ ‬كي‮ ‬تناقشه لجانه المختصة،‮ ‬ولكنه ضل الطريق وتاه،‮ ‬وضاع في‮ ‬دهاليز البرلمان لأسباب‮ ‬غير مفهومه وغير مقنعة " .
ذلك التشخيص حدد مسببات الواقع المتردي وثقافة الطائفية التي تزداد تغللا في النسيج الوطني ؛ وهي دعوه ربما للدولة أن تتخلى عن أحاديه تعاطي الملف الطائفي بمشاركه مؤسسات تديره مع الجهاز الامنى .