منتدى منارة دشنا
الإمام أبو حنيفة النعمان GWGt0-n1M5_651305796
منتدى منارة دشنا
الإمام أبو حنيفة النعمان GWGt0-n1M5_651305796
منتدى منارة دشنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الإمام أبو حنيفة النعمان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابن السمطا
عضو جديد
عضو جديد
ابن السمطا


ذكر

العمر : 41
عدد الرسائل : 65
تاريخ التسجيل : 28/11/2015

الإمام أبو حنيفة النعمان Empty
مُساهمةموضوع: الإمام أبو حنيفة النعمان   الإمام أبو حنيفة النعمان I_icon_minitime13/10/2019, 9:14 pm

بسم الله الرحمن الرحيم 



الحمد لله تعالي في ابتداء كل كلامٍ، وخاتمة كل خطابٍ ونظام، فله الحمد كُلُّه، وإليه يرجع الأمرُ كُلُّه، علانيتُه وسرُّه، نُثْنِي عليه بمنَّته، و نحمده بحمده، ونمجِّده بمجده وتمجيده، ونعترف بفضله ونعمته، والصلاه والسلام على سيد خلْقِه وحبيبه سيدنا محمد، صلاة جالبة لكلِّ صواب، ودافعة لكلِّ عقاب، أفضل الخلْق على الإطْلاق، وعلى جميع آله واصحابه أُولى العلم والحِكمة وفصل الخطاب، الذين ينقشع بنجومهم ظلامُ كلِّ سحاب، وينكشف بعلومهم غمامُ كلِّ حجاب، ويُمحى بصَفْوهم كدرُ كلِّ ارتياب، وينسدُّ بيمينهم خلَلُ كلِّ اضطراب.
وبعدُ فيقول العبد الفقير، إلى رحمة ربِّه القدير، الداعي ربَّه الكريم بالليل والنهار، وفي الظهيره ووقت السحر، ابن السمطا من آل بحر، غفر الله له ولوالديه وذريته، وعامَلهم الله بمعروفه، ووقاهم شر نوائب الدهر وصُروفه، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلتُ، وهو حسبي ونِعْم الوكيل:
إنّ أحسن حلية يتحلى بهَا المرء حجَّةٌ دامغةٌ من كلام الله، أَو حِكْمَة بَالِغَة من كلام رسول الله، أَو مَثَل شريف من كلام العارفين، أَو قَول لطيف عن الصالحين، ((وَمن يؤتَ الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرًا كثيرًا)) فالعلماء هم مصابيح الأرض، وورثة الأنبياء،جعلهم الله أمناء علي خلْقِه بحفظ شريعته حتي يؤدوا لهم تلك الأمانة، وهم خيار الناس، وقادتُهم إلى الخير، المستغفِرُ لهم كلُّ شئ حتي الحيتان في البحر، ويحبهم أهل السماء، وللعلماء فضل عظيم؛ إذ الناس محتاجون إليهم في كل حين، ولا شك أن بيان فضل العلماء معروف لأنهم تحلَّوْا بالعِلم وهوأجلُّ الفضائل، وأشرف المزايا، وأعزُّ ما يتحلى به الإنسان، فهو الموصل إلى السعادة الأبدية وشرف الدارين، والعلماء هم حملته وخزَنته.
من أجْل هذا جاءت الآيات والأخبار لتكريم العلم والعلماء، والإشادة بمقامهما الرفيع، وتوقيرهم فأهل العلم أهل الفضل، فهم العلماء الربانيون، مختصُّون بالعلوم الدينية، والمعارف الإسلامية؛ الذين أوقفوا أنفسهم لخدمة الإسلام، ونشر مبادئه وأحكامه، وهداية الناس وتوجيههم للخير والصلاح؛ فجدير بنا نحن المسلمين أن نستهدي بهم، ونجتني ثمرات علومهم، فإن العلما ءالمستمسكين بكتاب الله - تعالى -، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ لهم مكانة كبيرة في الإسلام حددها الله ورسوله وقد نظم بعضهم فقال:
 العِلْم يُحْيي قُلوبَ الميِّتِين كما ... تَحْيا البلادُ إذا ما مَسَّها المَطَرُ
العِلْمُ يَجْلُو الْعَمَى عَنْ قَلْبِ صاحِبِهِ ... كَما يُجْلِّي سَوَادَ الظُّلْمَةِ القَمَرُ
وليس ذو العلم بالتقوى كجاهِلِها ... ولا البَصيرُ كأَعمى ما لَهُ بَصَرُ
فحمَلة العلم هم العلماء باقُون ما بَقي الدهر، أعيانهم مَفْقودة، وأمثالهم في القلوب مَوْجودة.
ونعيش الآن هذه العجاله مع هذا الامام الجليل: النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه الخزَّاز الكوفي التيمي، وقيل: النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزبان، كنيته: أبو حنيفة، نسبته الخزَّاز، وهو بيع الخَزّ، وهي ثياب منسوجة من صوف وإبريسم، أمّا نسبته بالكوفي فلأنّ موطنه الذي وُلِد وعاش فيه هو الكوفة. أمّا نسبته بالتيمي؛ ففيه قو ل قيل إن أصله من أسرة شريفة عريقةٍ فارسيّه، وأصوله الأولى هي مدينة كابل عاصمة أفغانستان حاليا،ويقال إن جَده المرزُبان أسلم في عهد خلافه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثمّ رحل إلى الكوفة، وسكن فيها، وقيل في تسميته: التيميّ، الكوفيّ أنه كان مولى لبني تيم الله بن ثعلبة. وقيل هو من أصل نبطي بابلي، عراقي منذ القدم، وهو ما أثبتته بعض الدراسات التاريخية، حيث ثبتت عروبته وأنه من أصل عربي إستنادًا إلى مقولة: (أهل مكة أدرى بشعابها)، وقالوا إن المصادر الحنفية تؤكد أن ثابت بن المرزبان من بني يحيى بن زيد بن أسد، من عرب الأزد الذين هاجروا من اليمن وسكنوا أرض العراق بعد انهيار سد مأرب جراء سيل العرم.
وُلد الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه بالكوفة سنة ثمانين من الهجرة النبويّة الشريفة، وقد كان وحيد أبوَيْه ولد في خلافة عبد الملك بن مروان،، وقضى سنوات عمره الأولى فيها، واشتغل في مبدأ أمره تاجرا في الخزِّ، وله دكان معروف في دار عمر بن حريث، وأنه كان أمينا في تجارته ولا يغش، ولا يخدع أحدًا، حتى أصبح عريفًا على الحاكة بدارالخَزَّازين، ثم توسَّعت تجاراته، ونمت وازدهرت حتى أصبح له معمل لحياكة الخزّ، وعنده صُنّاع وأُجَراء.
كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى فصيح اللسان، عذب المنطق، إن تكلم من أحسن الناس منطقًا، وأحلاهم نغمةً، وأنبههم على ما يريد، وكان جميلًا تعلوه سُمرة، حسن الوجه والهيئة، نظيف الملبس، طيب الرائحة، حتى إنه يعرف بريح الطِّيب إذا أقبل أو إذا خرج من منزله قبل أن يُرى.
وصفه تلميذه يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المشهور بـأبي يوسف بقوله: "كان أبو حنيفة ربْعًا من الرجال، ليس بالقصير ولا بالطويل، وكان أحسن الناس منطقًا وأحلاهم نغمة، وأنبههم على ما يريد"
ووصفه عمر بن حماد بقوله: "إن أبا حنيفة كان طُوالا، تعلوه سُمرة، وكان لبسًا، حسن الهيئة، كثير التعطر يعرف بريح الطيب إذا أقبل وإذا خرج من منزله قبل أن تراه"
قال الهيثمي: "ولا تنافي بين كونه ربعة وبين كونه طُوالا لأنه قد يكون مع كونه ربعة أقرب إلى الطول".
ووصفه تلميذه عبد الله بن المبارك بقوله: "كان حسَن السَّمْت، حسن الوجه، حسن الثوب" .
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين يصفه:"كان أبو حنيفة حسن الوجه، والثوب، والنعل، وكثير البر والمؤاساة لكل من أطاف به".
وقال أبو إسحاق الشيرازي: "كان في زمانه أربعة من الصحابة: أنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، وسهل بن سعد، وأبو الطفيل ولم يأخذ عن أحد منهم".
قال الإمام أبو حنيفة : "مررت يومًا على الشعبي وهو جالس فدعاني وقال: إلى من تختلف؟ فقلت: أختلف إلى السوق، وسمَّيتُ له أستاذي، فقال: لم أعن الاختلاف إلى السوق، عنيت الاختلاف إلى العلماء فقلت له: أنا قليل الاختلاف إليهم، فقال لي: لا تفعل وعليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء؛ فإني أرى فيك يقظة وحركة. قال: فوقع في قلبي من قوله، فتركت الاختلاف إلى السوق، وأخذت في العلم فنفعني الله بقوله".
وروى الخطيب في تاريخه أن قيس بن الربيع الأسدي قال: كان يبعثني بالبضائع إلى بغداد فاشتري بها الأمتعة وأحملها إلى الكوفة ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدِّثين وأقواتهم وكسواتهم وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الأرباح من الدنانير إليهم ويقول: أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إلا الله؛ فإني ما أعطيتكم من مالي شيئًا، لكن من فضل الله عليّ فيكم.
اتّجه أبو حنيفه إلى تعلُّم النحو، كما روى ذلك الخطيب البغدادي في تاريخه ثم تحول إلى علم الكلام وأخذ منه نصيبًا وافرًا حتى بلغ فيه مبلغًا يشار إليه بالبنان، ثم انتقل بعد ذلك إلى علم الفقه، وانصرف إليه بكلِّيته، واتصل بحماد بن أبي سليمان الكوفي الفقيه يأخذ عنه، ولازمه ثماني عشرة سنة. كان مع ملازمته لشيخه حماد يأخذ من مشايخ وقته ما امتازوا به، فأخذ علم التفسير عن عكرمة مولى ابن عباس ومحمد بن المنكدر، وسمع الحديث من هشام بن عروة، ومحارب بن دثار السدوسي الكوفي.
كان رحمه الله ورعًا، تقيًّا، شديد الذَّبِّ عن محارم الله أن تؤتى، زاهدًا، عُرِضت عليه الدنيا والأموال العظيمة فنبذها وراء ظهره، ولقد ضُرب بالسياط وعُذّب ليقبل تولِّي القضاء أو بيت المال فأبى.
روى الصيمري عن الربيع بن عاصم قال: "أرسلني يزيد بن عمر بن هبيرة فقدمت بأبي حنيفة عليه، فأراده على بيت المال فأبى، كذلك عرض عليه ابن هبيرة ـ والي العراق ـ قضاء الكوفة فأبى وامتنع، فحلف ابن هبيرة إن هو لم يفعل ليضربنّه بالسياط على رأسه، فقيل لأبي حنيفة فقال: ضربة لي في الدنيا أسهل عليّ من مقامع الحديد في الآخرة، واللهِ لا أفعلنّ ولو قتلني، فحُكي قوله لابن هبيرة فقال: بلغ قدره أن يعارض يميني بيمينه، فدعاه فحلف إن لم يل القضاء ليضربنّ على رأسه حتى يموت، فقال له أبو حنيفة: هي موتة واحدة، فأمر به فضُرب عشرين سوطًا على رأسه، فقال أبو حنيفة: اذكر مقامك بين يدي الله، فإنه أذل من مقامي بين يديك، ولا تهددني فإني أقول: لا إله إلا الله، والله سائلك عني حيث لا يقبل منك جوابًا إلا بالحق. فأومأ إلى الجلاد أن أمسك، وبات أبو حنيفة في السجن، فأصبح وقد انتفخ وجهه ورأسه من الضرب، فقال ابن هبيرة: إني قد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي: أما تخاف الله تضرب رجلا من أمتي بلا جرم وتهدِّده، فأرسل إليه فأخرجه واستحلّه.
 كان أبو حنيفه مع زهده وورعه كثير العبادة، حتى قيل إنه سُمي الوتد لكثرة صلاته وتهجّده وطول قيامه. وكان كريما، جوادًا، سخيًّا بماله، ينفق على العلماء مثلما كان ينفق على عياله، وإذا اكتسى ثوبًا فعل مثل ذلك، وإذا جاءته الفاكهة والرُّطَب وكل شيء يريد أن يشتريه لنفسه ولعياله، لا يفعل ذلك حتى يشتري للعلماء مِثله ثم يشتري بعد ذلك لعياله. وكان إذا اشترى للصدقة أو لبِرِّ إخوانه شيئا اشترى ما يقدر عليه، وكان يتساهل فيما يشتريه لنفسه ولعياله. هذا فعله مع العلماء، أما مَن يعلمه، فهو يبرُّهم ويواسي فقيرهم بماله، وينفق عليه ويزوج من احتاج إليه، حتى إنه كان يعول أبا يوسف وعياله عشر سنين. قال شريك: "كان أبو حنيفة يصبر على من يعلمه، وإن كان فقيرًا أغناه وأجزل عليه وعلى عياله حتى يتعلم، فإذ تعلّم قال له: قد وصلتَ إلى الغنى الأكبر بمعرفة الحلال والحرام".
رُوي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال : "الناس عيالٌ على هؤلاء الخمسة، مَن أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة، وكان أبو حنيفة ممن وُفّق له الفقه، ومن أراد أن يتبحر في الشعر فهو عيال على زهير بن أبي سلمى، ومن أراد أن يتبحر في المغازي- غزوات الرسول- فهو عيال على محمد بن إسحاق، ومن أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي، ومن أراد أن يتبحر في التفسير فهو عيال على مقاتل بن سليمان".
وقال الفضيل بن عياض: "كان أبو حنيفة معروفًا بكثرة الأفعال وقلة الكلام وإكرام العلم وأهله".
وقال أبو يوسف يصف خصال الإمام الحسنة، حينما سأله عنها الخليفة العباسي هارون الرشيد فقال: "يا أبا يوسف صف لي أخلاق أبي حنيفة رضي الله عنه، فقال: إن الله تعالى يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} "سورة ق: الآية18"، وهو عند لسان كل قائل. كان علمي بأبي حنيفة أنه كان شديد الذب عن محارم الله أن تؤتى، شديد الورع أن ينطق في دين الله بما لا يعلم، يحب أن يطاع الله ولا يُعصى، مجانبًا لأهل الدنيا في زمانهم، لا ينافس في عزها، طويل الصمت، دائم الفكر، على علم واسع، لم يكن مهذارًا، ولا ثرثارًا، إن سئل عن مسألة كان عنده فيها علمٌ نطقَ وأجابَ فيها بما سمع، وإن كان غير ذلك قاس على الحق واتبعه، صائنا نفسه ودينه، بَذُولا للعلم والمال، مستغنيًا بنفسه عن جميع الناس، لا يميل إلى طمع، بعيدًا عن الغيبة، لا يذكر أحدًا إلا بخير. فقال له الرشيد: هذه أخلاق الصالحين، ثم قال للكاتب: اكتب هذه الصفة وادفعها إلى ابني ينظر فيها.
وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: كان أبو حنيفة يتبيّن عقله في منطقه ومشيته ومدخله ومخرجه. وذكر الصالحي عن وكيع قال: "كنا عند أبي حنيفة فأتته امرأة فقالت: مات أخي وخلّف ستمائة دينار، فأعطوني دينارا واحدا. قال: ومن قسم فريضتكم؟ قالت: داود الطائي. قال: هو حقك. أليس خلف أخوك بنتين؟ قالت: بلى، قال: وأمًّا؟ قالت: بلى، قال: وزوجة؟ قالت: بلى، قال: واثني عشر أخا وأختا واحدة؟ قالت: بلى، قال: فإن للبنات الثلثين أربعمائة، وللأم السدس مائة، وللمرأة الثمن خمسة وسبعين، ويبقى خمسة وعشرون؛ للإخوة أربعة وعشرون لكل أخ ديناران، ولك دينار".
 قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ فقال: نعم، رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا لقام بحجته.
وروي أن أبا جعفر المنصور دعا أبا حنيفة، فقال الربيع صاحب المنصور وكان يعادي أبا حنيفة: يا أمير المؤمنين، هذا أبو حنيفة يخالف جدك، حيث كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: إذا حلف على اليمين ثم استثنى بعد ذلك بيوم أو بيومين جاز الاستثناء، بينما أبوحنيفة يقول إنه لا يجوز الاستثناء إلا متصلاً باليمين. فقال أبو حنيفة: يا أمير المؤمنين، إن الربيع يزعم أنه ليس لك في رقاب جندك بيعة، قال: وكيف ؟ قال: يحلفون لك ثم يرجعون إلى منازلهم فيستثنون فتبطل أيمانهم. فضحك المنصور وقال: يا ربيع، لا تتعرض لأبي حنيفة، فلما خرج أبو حنيفة قال له الربيع: أردت أن تشيط بدمي، قال: لا، ولكنك أردت أن تشيط بدمي فخلصتك وخلصت نفسي.
دفن رجل مالاً في موضع، ثم نسي في أي موضع دفنه فلم يقع عليه، فجاء إلى أبي حنيفة، فشكا إليه فقال له أبو حنيفة: ما هذا فقه فأحتال لك، ولكن اذهب فصلّ الليلة، ففعل الرجل، ولم يقم إلا أقل من ربع الليل حتى ذكر الموضع. فجاء إلى أبي حنيفة فأخبره، فقال له: قد علمتُ أن الشيطان لا يدعك تصلي حتى يُذكِّرك، فهلا أتممت ليلتك شكرًا لله عز وجل.
 عاش أبو حنيفة اثنتين وخمسين سنة من عمره في العصر الأموي، وثمانية عشرة سنة في العصر العباسي، فهو قد أدرك العصرين ويُروى أنه لما خرج زيد بن علي زين العابدين على هشام بن عبد الملك كان أبو حنيفة من المؤيدين للإمام زيد، قال أبو حنيفة: ضاهى خروجه خروجَ رسول الله يوم بدر، ويُروى أنه قال في الاعتذار عن عدم الخروج معه: لو علمتُ أن الناس لا يخذلونه كما خذلوا أباه لجاهدتُ معه لأنه إمام حق، ولكن أُعينه بمالي؛ فبعث إليه بعشرة آلاف درهم. وانتهت ثورة الإمام زيد بقتله، كما قُتل ابنه يحيى في خراسان، وابنه عبد الله بن يحيى في اليمن. ولقد كان لزيد بن علي منزلة في نفس أبي حنيفة، وكان يُقدِّره في علمه وخلقه ودينه، وانتهت المحنة بخروجه إلى مكة عام مائة وثلاثين، وظل مقيماً بها حتى صارت الخلافة للعباسيين، فقدم الكوفة في زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور.
أما المحنة الثانية فكانت في عصر الدولة العباسية، وسببها أنه كان ولاء أبي حنيفة لبني علي، فكان طبيعياً أن يغضب لغضبهم، وخصوصاً أن من ثار على أبي جعفر هو محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن، وأخوه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، وكان أبوهما عبد الله ممن اتصل به أبو حنيفة اتصالاً علمياً، وقد كان عبد الله وقت خروج ولديه في سجن أبي جعفر، ومات فيه بعد مقتل ولديه. كان موقف أبي حنيفة من خروج محمد النفس الزكية على المنصور شديداً، فقد كان يجهر بمناصرته في درسه، بل وصل الأمر إلى أن ثبّط بعض قواد المنصور عن الخروج لحربه. وكان هذا العمل في نظر المنصور من أخطر الأعمال على دولته، لأن أبا حنيفة تجاوز فيه حد النقد المجرد والولاء القلبي إلى العمل الإيجابي، فأراد المنصور أن يختبر طاعة أبي حنيفة وولاءه له، وقد كان يبني بغداد آنذاك، فأراد أن يجعله قاضياً، فامتنع أبو حنيفة، فأصر المنصور على أن يتولى له عملاً أيّاً كان، فقبل أبو حنيفة أن يقوم ببعض أعمال البناء. وحدث أن أهل الموصل كانوا قد انتفضوا على المنصور، وقد اشترط المنصور عليهم أنهم إذا انتفضوا تحل دماؤهم له، فجمع المنصور الفقهاء وفيهم أبو حنيفة، فقال: أليس صح أنه عليه السلام قال: «المؤمنون عند شروطهم»، وأهل الموصل قد شرطوا ألا يخرجوا عليَّ، وقد خرجوا على عاملي، وقد حلتْ لي دماؤهم»، فقال رجل: «يدك مبسوطة عليهم، وقولك مقبول فيهم، فإن عفوت فأنت أهل العفو، وإن عاقبت فبما يستحقون»، فقال لأبي حنيفة: «ما تقول أنت يا شيخ؟ ألسنا في خلافة نبوة وبيت أمان؟»، قال: «إنهم شرطوا لك ما لا يملكونه، وشرطتَ عليهم ما ليس لك، لأن دم المسلم لا يحل إلا بأحد معان ثلاثة، فإن أخذتهم أخذت بما لا يحل، وشرط الله أحق أن توفي به»، فأمرهم المنصور بالقيام فتفرقوا ثم دعاه وقال: «يا شيخ، القول ما قلت، انصرف إلى بلادك ولا تُفتِ الناس بما هو شين على إمامك فتبسط أيدي الخوارج».
قال الفضل بن غانم : كان أبو يوسف مريضًا شديد المرض، فعاده أبو حنيفة مرارًا، فصار إليه آخر مرة فرآه ثقيلا فاسترجع ثم قال: لقد كنت أؤمّلك بعدي للمسلمين، ولئن أُصيب الناس بك ليموتنّ معك علمٌ كثير. ثم رُزق العافية وخرج من العلة، فأُخبر أبو يوسف بقول أبي حنيفة فيه، فارتفعت نفسه وانصرفت وجوه الناس إليه، فعقد لنفسه مجلسًا في الفقه وقصّر عن لزوم مجلس ابي حنيفة، فسأل عنه فأُخبر أنه قد عقد لنفسه مجلسًا وأنه بلغه كلامك فيه، فدعا رجلًا كان له عنده قدر فقال: سِر إلى مجلس يعقوب فقل له : ما تقول في رجل دفع إلى قصّار ثوبًا ليقصره بدرهم، فسار إليه بعد أيام في طلب الثوب فقال له القصار: ما لك عندي شيء وأنكره، ثم إن رب الثوب رجع إليه فدفع إليه الثوب مقصورًا، ألَه أُجرة؟ فإن قال: له أجرة، فقل: أخطأتَ، وإن قال: لا أجرة له، فقل: أخطأتَ. فسار إليه فسأله فقال أبو يوسف: له الأجرة. فقال له: أخطأت. فنظر ساعة ثم قال: لا أجرة له. فقال له: أخطأت. فقام أبو يوسف من ساعته فأتى أبا حنيفة فقال له ما جاء بك إلا مسألة القصار، قال: أجَل. فقال: سبحان الله، مَن قعد يُفتي الناس وعقد مجلسًا يتكلم في دين الله وهذا قدره لا يحسن أن يُجيب في مسألة من الإجارات! فقال: يا ابا حنيفة علِّمني. فقال: إن كان قصّره بعدما غصبه فلا أُجرة له لأنه إنما قصّره لنفسه، وإن كان قصّره قبل أن يغصبه فله الأجرة لأنه قصّره لصاحبه. ثم قال: مَن ظنّ أنه يستغني عن التعلُّم فليبك على نفسه.
قال الحسن بن زياد اللؤلؤي: كانت هاهنا امرأة يقال لها أم عمران مجنونة، وكانت جالسة في الكناسة، فمر بها رجل فكلّمها بشيء، فقالت له: يا ابن الزانيين. وابنُ أبي ليلى حاضر يسمع ذلك، فقال للرجل: أدخلها عليَّ المسجد، وأقام عليها حدَّينِ حدًّا لأبيه، وحدًّا لأمه. فبلغ ذلك أبا حنيفة فقال: أخطأ فيها في ستة مواضع، أقام الحدَّ في المسجد، ولا تقام الحدود في المساجد، وضربها قائمةً والنساء يُضربن قعودًا، وضرب لأبيه حدًّا ولأمه حدًّا، ولو أن رجلًا قذف جماعةً كان عليه حدٌّ واحد، وجمع بين حدَّينِ ولا يجمع بين حدَّينِ حتى يخفَّ أحدهما، والمجنونة ليس عليها حدٌّ، وحدَّ لأبويه وهما غائبان لم يحضرا فيدَّعيان. فبلغ ذلك ابن أبي ليلى فدخل على الأمير فشكى إليه وحجر على أبي حنيفة. وقال: لا يُفتي، فلم يُفْتِ أيامًا حتى قدم رسول من ولي العهد فأمر أن يعرض على أبي حنيفة مسائل حتى يفتي فيها. فأبى أبو حنيفة وقال: أنا محجور عليَّ، فذهب الرسول إلى الأمير، فقال الأمير: قد أذنتُ له، فقعد فأفتى.
 قال عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي: قال رجلٌ بالشام للحكم بن هشام الثقفي: أخبرني عن أبي حنيفة، قال: على الخبير سقطت، كان أبو حنيفة لا يُخرج أحدًا من قِبله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يخرج من الباب الذي منه دخل، وكان من أعظم الناس أمانةً، وأراده سلطاننا على أن يتولى مفاتيح خزائنه أو يضرب ظهره، فاختار عذابهم على عذاب الله. فقال له: ما رأيت أحدًا وصف أبا حنيفة بمثل ما وصفته به. قال: هو كما قلتُ لك.
قال الحسن بن زياد اللؤلؤي: سمعتُ أبا حنيفة يقول: قولنا هذا رأيٌ، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منّا.
وقال بعضهم: صليت مع أبي حنيفة في مسجده عشاء الآخرة، وخرج الناس ولم يعلم أني في المسجد، وأردت أن أسأله عن مسألة من حيث لا يراني أحد، قال: فقام فقرأ- وقد افتتح الصلاة- حتى بلغ إلى هذه الآية: ((فمَنَّ اللهُ علينا ووقانا عذابَ السَّموم)) [الطور 27] فأقمتُ في المسجد أنتظر فراغه فلم يزل يردِّدها حتى أذّن المؤذن لصلاة الفجر.
 وقال عبد الله بن رجاء: كان لأبي حنيفة جارٌ بالكوفة إسكافٌ يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنّه الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحمًا فطبخه، أو سمكةً فيشويها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غنى بصوت، وهو يقول:
أضاعوني وأيُّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسداد ثغر
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يسمع جلبته، وأبو حنيفة كان يصلي الليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته، فسأل عنه فقيل: أخذه العسس منذ ليال، وهو محبوس، فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غدٍ، وركب بغلته واستأذن على الأمير. قال الأمير: ائذنوا له، وأقبِلوا به راكبا، ولا تدَعوه ينزل حتى يطأ البساط. ففُعل، فلم يزل الأمير يوسِّع له من مجلسه، وقال: ما حاجتك؟ قال: لي جارٌ إسكاف أخذه العسس منذ ليال، يأمر الأمير بتخليته. فقال: نعم وكل مَن أُخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا. فأمر بتخليتهم أجمعين، فركب أبو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه فقال: يا فتى أضعناك؟ قال: لا، بل حفظتَ ورعيتَ جزاك الله خيرًا عن حُرمة الجوار ورعاية الحق، وتاب الرجل ولم يَعُد إلى ما كان.
فالإمام أبو حنيفة كان يمتنع عن قبول العطاء من المنصور، وعندما دعا ه ليتولى ويصير قاضي القضاة أبى وامتنع، فطلب منه أن يَرجع إليه القضاة فيما يشكل عليهم ليفتيهم فامتنع، فضُرب و حُبس ولكن اختلفت الرواية: أمات محبوسًا بعد الضرب الذي تكاد الروايات تتفق عليه فلم يُكتف بضربه بل سُقي السم ليعجّل موته، أم أُطلق من حبسه قبل موته فمات في منزله بعد المحنة ومُنع من التدريس والاتصال بالناس؟
 وقيل توفي الإمام أبو حنيفة النعمان في سنة مئة وخمسين للهجرة في السنة التي وُلد فيها الإمام محمد بن إدريس الشافعي، وكان أبو حنيفة حين وفاته يبلغ من العمر سبعين، وكانت وفاته في بغداد، ودفن في مقبرة الأعظمية في موضع سُمّي فيما بعد مقبرة الخيزران، وصحّ أن الإمام لما أحس بالموت سجد، فمات وهو ساجد. وقد أوصى أبو حنيفة أن يُدفن في أرض طيبة لم يجر عليها غصب، وألّا يُدفن في أرض قد اتُّهم الأمير بأنه غصبها، حتى يُروى أن أبا جعفر عندما علم ذلك قال: «مَن يعذرني من أبي حنيفة حيًّا وميتًا»، وشَيّعت بغداد كلها جنازة فقيه العراق والإمام الأعظم، وقد صُلّي عليه في مدينة بغداد عدة مرات، قيل إنها بلغت ستًّا لكثرة الزحام في جنازته، ولقد قُدّر عدد مَن صلوا عليه بخمسين ألفًا، حتى لقد صلى أبو جعفر نفسه على قبره بعد دفنه. ثم قدم شرف الملك في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة بني قبة علي قبر أبي حنيفة وفرشت بالقاشي الأزرق، وإلى جنبه جامع تقام فيه الجمعة والجماعة، وله صحن يجتمع فيه الناس في الأعياد والمواسم الدينية، وسميت الأعظمية باسم الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان حيث دفن فيها، وهي حاليا تسمي بقضاء الأعظمية، وتقع شمال مدينة بغداد على الجانب الشرقي لنهر دجلة.




سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستعفرك وأتوب إليك



رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ




ابن السمطا من آل بحر من نسل عيسى بن خلف بن بحر الشهير برحمة من نسل الحسين بن علي رضي الله عنه، وأم الحسين هي السيدة البتول فاطمة الزهراء بنت سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإمام أبو حنيفة النعمان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإمام أبو حنيفة النعمان ( حفيدات عائشه )
» الإمام الحسن البصري
» الإمام سفيان الثوري
» الإمام الشافعي
» الإمام القرطبي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى منارة دشنا :: القسم الإسلامي :: إسلاميات-
انتقل الى: