بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد، فإن الإسلام ما نهى عن شئ إلا وتجد فيه ضررا للإنسان، وما أمر بشئ إلا وتجد فيه منفعة للإنسان، في دنياه أم في آخرته، أو في كليهما معا... وتتوالى البحوث العلمية على مر القرون وتأتي نتائجها بما يتوافق مع هذه الأوامر والنواهي، وفي هذا سر من أسرار كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم. وقد ورد النهي عن تناول الدم المسفوح ولحوم الميتة ( وما يتبعها من المنخنقة والموقوذة والمتردية... إلخ) والخنزير وما ذبح ولم يذكر اسم الله عليه، وذلك في أربعة مواضع بالقرآن الكريم، اثنان في سور مكية (الآية 145 في سورة الأنعام، والآية 115 في سورة النحل)، واثنان في سور مدنية (الآية 173 في سورة البقرة، والآية 3 في سورة المائدة)... وبالتالي فإن تحريمها يتأكد بذكرها في هذه المواضع من كتاب الله المجيد.
وردا على سؤال حول المحرمات الواردة في قول الله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3) سورة المائدة ، أجاب الشيخ أحمد الشرباصى – رحمه الله (وهو من كبار علماء الأزهر) بقوله: بجوار هذه المحرمات القليلة سبق إحلال طيبات كثيرة، فالله تعالى قد قال : ( كلوا من طيبات ما رزقناكم (172) ) [سورة البقرة] ، وقال : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق (32) ) [سورة الأعراف] ، فأنواع الأحياء في الماء أو في الهواء أو في الأرض – غير ما حرّم القرآن والسنّة – كلها من الطيب المباح، الذي يجوز للإنسان أن يأكله، ويتمتع به في غير إسراف. ومعنى هذا أن التحريم هنا لم يأت ليسد الباب في وجه الإنسان، وإنما جاء خصيصا بعد تعميم واسع، يكفي الإنسان، ويحقق له كل ما يريد في حسه ونفسه، فما من شئ من هذه الأشياء المحرمة إلا ويقابله شئ حلال أطيب منه وأكرم، لا يلحقه شئ من ناحية الفساد أو ناحية الضرر... ثم إن هذا التحريم ليس تحريما أبديا، إذ روعي فيه أيضا نافذة الضرورة، فعندما توجد الضرورة يصبح استعمال هذا المحرّم جائزا، بقدر ما ندفع به هذه الضرورة... فروح التيسير موجودة في هذا التحريم الذي جاءت به هذه الآية الكريمة. والله أعلم
نلتقي الآن بتحريم تناول الدم المسفوح، وقد ورد بهذا الوصف في قول الله تعالى : ( قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (145) ) [ سورة الأنعام ] ، كما بلفظة "الدم" في المواضع الثلاثة الأخرى. وبداية نقول: للدم وظائف عديدة في جسم الحيوان، فهو الوسط الذي تنتقل خلاله المواد الغذائية (كالبروتينات والكربوهيدراتات والدهون وغيرها) والفيتامينات والهرمونات والأكسجين والمواد الضرورية الأخرى، إلى أنحاء الجسم المختلفة . كما أن الدم هو الوسط الذي يحمل الإفرازات الضارة والسموم والمواد التي يريد الجسم أن يتخلص منها (كالبول والعرق والبراز وغيرها). وإذا كان الحيوان مريضا، فإن الميكروبات تتكاثر في دمه، الذي يعمل كوسيلة لنقل هذه الميكروبات من عضو إلى آخر. هذا، إضافة إلى سموم هذه الميكروبات وإفرازاتها، فالدم هو الوسط الذي يحملها من مكان لآخر في الجسم... وفيما يلي نوجز أهم الأضرار التي توصل العلماء إلى تحديدها حتى الآن حين يتناول الإنسان "الدم"، شربا أو أكلا...
(1)يدعي الذين يستعملون دم الحيوان أنه غذاء جيد للإنسان، وهم مخطئون في هذا، فالدم يحتوي قدرا ضئيلا من البروتينات القابلة للهضم (كالألبومين والجلوبيولين والفيبرينوجين)، وكذلك الدهون، بينما يحتوي نسبة عالية من خضاب الدم (هيموجلوبين)، وهو بروتين معقد عسير الهضم، لا تحتمله المعدة. كما أن الدم إذا تخثر (تجلط) فإن هضمه يصبح أشد عسرا، لعدة أسباب، منها أن الفيبرينوجين من أسوأ البروتينات وأعسرها هضما... كما يحتوي الدم غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو من الغازات السامة ، بل والقاتلة... وبالتالي فإن الإقدام على تناول الدم يؤدي إلى وقوع أضرار صحية جسيمة للإنسان.
|
مسلمون يقومون بذبح بقرة على طريقة الذبح الإسلامي |
(2)يدعي الذين يستعملون دم الحيوان، شربا أو أكلا، أنه مفيد في معالجة عوز الدم (فقر الدم أو الأنيميا)، وهم مخطئون، لأن الحديد هنا حديد عضوي، أي أنه أقل وأبطأ امتصاصا في الأمعاء من الحديد اللاعضوي... فلا ضرورة إذن لاستعمال الدم كمصدر للحديد في حالات عوز الدم عند الإنسان، خصوصا وأن الحديد اللاعضوي ليس عسيرا على أن يحصل عليه، بل توجد مواد صيدلانية توفر له ما يريد. هذا، إضافة إلى أن بروتينات المصل توجد بنسبة ضئيلة إذ تبلغ نسبة الألبومين والجلوبين والفيبرينوجين ( وهو مولد الفيبرين أي اللفين)، 7 جرام/100 مللي ليتر من الدم في المتوسط... ثم إن خضاب الدم، أي هيموجلوبينه أو يحموره، يعد بروتينا عسر الهضم، وقد أشرنا إليه فيما سبق...
(3)إذا تناول الإنسان كمية متوسطة من الدم، فإنها قد تؤدي إلى حدوث اختلال ومرض دماغي يحدث على إثره سبات أو إغماء يعقبه الموت...تجري هذه الأحداث نتيجة ارتفاع نسبة البولة الدموية، وذلك بعد ما يتم حدوثه أيضا للبروتينات الموجودة في الدم. وتتفاعل الجراثيم والميكروبات الموجودة في معدة الإنسان مع الدم المشروب (أو المأكول) وتنتج عن ذلك أحماض أمينية ضارة ومركبات نشادرية سامة. تدخل هذه الأحماض والمواد إلى الدورة الدموية، ثم عن طريق الوريد البابي تدخل إلى الكبد، فتؤدي إلى انخفاض أدائه الوظيفي. كما تدخل هذه الأحماض إلى الدماغ (المخ) فتؤثر في خلاياه تأثيرات ضارة، تتدرج من الخمول وفقدان الوعي، إلى الذهول، والغيبوبة، ثم الموت.
(4)إذا تناول الإنسان دم حيوان، فإن يحموره (هيموجلوبينه) يخضع لعملية هضم، فيتحلل إلى جلوبين وهيماتين، ويتحد هذا الأخير مع مركب، أو يتحول إلى مركب جديد، وهو المركب الذي يتحد مع بروتينات دم الإنسان فيوقف عملها، فلا تؤدي وظائفها الحيوية الضرورية للجسم...!! وقد يدخل جزء من يحمور الدم المشروب كما هو على هيئته الأصلية إلى الدورة الدموية للإنسان، ويصل إلى الكلى ويتحول فيها إلى مركب يؤدي إلى حدوث هبوط في وظائف الكلى..!!
(5)أشرنا في بدايات كلامنا عن الدم إلى صلاحيته كوسط لنمو أنواع كثيرة من الجراثيم والميكروبات، لدرجة أنه يستخدم في المعامل (المختبرات) لصنع المزارع الدموية والحصول على "مستعمرات" ، أي جماعات جرثومية. ونضيف هنا أن العديد من السموم وثاني أكسيد الكربون والكرياتينين واليوريا، وحمض اليوريا (البول)، والمواد الضارة الناتجة عن الأيض (الاستقلاب) وغيرها، يتناولها الإنسان في الدم الذي يشربه أو يأكله، فتمتص هذه المواد ، وترتفع مستوياتها في الجسم... فتصور كم من الأمراض يمكن أن تصيب الإنسان...!! ومن المصادر العديدة للجراثيم التي تنمو في الدم كوسط غذائي ملائم لها: السكين (أو أداة الذبح)، والإنسان نفسه (الجزّار أو القصّاب) ، والآنية التي يوضع فيها الدم، والحشرات المترممة أو الماصة للدم، والهواء، وقد يكون الحيوان ذاته مصابا بمرض جرثومي...
(6)يحتوي دم الحيوان مضادات، يتفاعل معها الجسم ليولد الأجسام المضادة (أو الأجسام الضدية)، وقد يؤدي شرب الدم، وخصوصا إذا تكرر، إلى تفاعل هذه المضادات مع الأجسام الضدية، فيؤدي هذا إلى حدوث حساسية شديدة.
(7)هناك عامل نفسي، إضافة إلى كل ما أسلفناه، يجب أن يدركه الإنسان العاقل جيدا في تحريم الإسلام لتناول دم الحيوان، ذلك هو التشبه بالوحوش في شرب الدماء، فكيف بالإنسان يتصور نفسه وهو يشرب كوبا من الدم على المقهى مثلا... إن هذا يتنافى مع الفطرة السليمة والنفس السوية.... وبالرجوع إلى الآية القرآنية الكريمة : ( قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (145) ) [سورة الأنعام] ، يتضح أن المحرّم هو الدم المسفوح، أما القليل من الدم الذي يظل عالقا باللحم، فغير داخل في التحريم، لعدم إمكانية التحرز منه، وعدم تحقق الضرر فيه...
هذا، وإن كنا قد تحدثنا عن المخاطر الصحية والأضرار الطبية لشرب أو تناول الدم سائل، فإن الإنسان قد يتناوله في شكل غير سائل حين يأكل لحما ذبح بطريقة تؤدي إلى احتباس الدم بشعيراته الدموية، فإن هذا الدم يتجمد وينقل إلى الإنسان ما شرحناه مختصرا في الفقرات السابقة... والدول غير الإسلامية لا تبغي من وراء ذلك - غالبا – سوى تحقيق أكبر عائد وأرباح تجارية، إذ يزن دم كل ذبيحة عدة كيلوجرامات، إذ تمثل كمية الدم 1/13 من وزن الحيوان ، تقريبا، فلو كان وزن الحيوان 400 كيلوجراما مثلا، فإن الجهة المصدرة ستربح (400 × 1/13) 30 كيلوجراما، تقريبا، إذا صدرت الذبيحة بدمها، وإذا ذبح الحيوان بالطريقة الإسلامية فإنه يفقد 2/3 دمه ،، تقريبا، ويتبقى الثلث الأخير، وهو في الغالب غير ضار.
والذبح غير الإسلامي يؤدي إلى استنزاف 8 كيلوجرامات على الأكثر من كل ذبيحة، فالذبح الإسلامي إذن سيؤدي إلى خسارة تجارية قدرها 12 كيلوجرامات للمتعهد، فإذا احتوى الطن الواحد ثماني حيوانات بعظامها، فإن المتعهد سيخسر (8 ×12) 96 كيلوجراما، وإذا صدّر صفقة قوامها 500 طنا مثلا، فإنه سيخسر (5000 × 96) 480000 كيلوجراما ، ولك بعد ذلك أن تتصور حجم الخسارة بالدولار، حسب سعر اللحوم العالمي، إذا طبق النظام الإسلامي في المذابح والمسالخ في الدول المصدرة للحوم، وكثير منها دول غير إسلامية ، لا يهم المصدرون فيها سوى تحقيق الأرباح التجارية، ولذلك فإنهم يتعمدون حبس الدم في الذبائح، وذلك دون اعتبار لأية أضرار ستلحق بالناس، المهم هو المكاسب المالية، وليمرض المستهلكون، أو يموتوا، لا يهم...!!