المثال الثالث: (خدعة صورة المسيح المزعوم).
نطلب من القارئ الكريم أن يتبع الخطوات التالية:
أولا: أن يحدّق في الشكل التالي مدة 60 ثانية.
ثانيا: أن يكون التحديق مركّزا على الأربع نقاط الموجودة في مركز الشكل.
ثلاثا : بعد أن تنتهي المدة يجب على المشاهد أن ينظر إلى حائط خالي من الصور و يحدّق فيه لبضع ثواني حتى تظهر له صورة.
أكيد أنّه إذا كنت إتبعت الخطوات المذكورة أعلاه فإنّه قد ظهرت لك صورة لرجل بشعر طويل و لحية كثيفة، و هذا الوجه يشبه الصورة التي يرسمها النصارى و ينسبونها بهتانا و ظلما للنبي عيسى عليه السلام. و الحقيقة أنّ الذي شاهدته خدعة بصرية ليست إلاّ، فلو قمت بعكس و قلب الألوان الموجودة في الشكل الذي كنت تحدق فيه لظهر لك ما يلي:
|
الصورة الأصلية للخدعة البصرية |
و كما يظهر لنا جليا في هذا الشكل (الصورة الأصلية للخدعة البصرية) فإننا نرى أن اللون الأسود أصبح أبيض و الأبيض أسودا خلافا على ما كانا عليه قبل قلب اللونين في الصورة المخادعة. و أمثال هذه الصور المعكوسة كثير نصادفها على النات و في المجلاّت العلمية و الكتب الترفيهية، فمنها صور لزعماء تاريخيين و لرؤساء دول و ملوك و شخصيات سينيمائية إلى غير ذلك، حتى أنّه يمكن لكل واحد منّا أن ينسخ له صورة ( أو لأحد أقربائه) ثم يعكس ألوانها و يعيد الخطوات الثلاثة التي ذكرناها في التجربة أعلاه فسيشاهد الصورة الأصلية للصورة المقلوبة.
2) خدع متعلقة بالهندسة ( خدعة "روجر بانروز")
يدعى هذا الشكل بمثلث "بانروز" نسبة إلى عالم الرياضيات "روجر بانروز"(9) الذي رسم هذا الشكل و نشره في الجريدة البريطانية البسيكولوجية لسنة 1958، إنّ هذا الشكل الهندسي لا يمكن تحقيقه إلاّ عن طريق الرسم على الورق ببعدين هندسين إثنين و يستحيل تجسيده في الواقع بثلاثة ابعاد، فهو شكل من أشكال الخدع الهندسية.
3) خدع متعلقة بتحريك الصور (الخدعة الثلاثية الأبعاد ذات الصورة المتحركة)
لو قمنا بالتحديق في مركز الشكل التالي ثم قمنا بتحريك رؤوسنا إلى الأمام ثم إلى الخلف مرّات عديدة لشاهدنا أنا الحلقتين تدوران الواحدة بعكس إتجاه الأخرى، غير أن الأمر ليس كذلك فالحلقتين ساكنتين و لا تدوران بأيّ إتجاه، و يمكنا التأكد من هذا بأن نعيد التجربة كاملة محدقين في الدائرتين دون المركز فسنرى أنهما في سكون تام.
4) خدع متعلقة بالأحجام و القياسات ( خدعة "ميلار ليار")
لو أخذنا المثال التالي(10) فإننا نرى أنّ الخط الذي يشكّل الرسم الذي على يسارنا(الشكل 1) أطول من الخط الذي يشكل الرسم الذي من جهة اليمين ( الشكل 2)، غير أنّ الحقيقة عكس ذلك فالخطين متساوين تماما و يمكننا التحقق من ذلك بعملية القياس. إنّ الأسهم التي تحدّ طرفي القطعتين المستقيمتين توحي لأعيننا أنّ أحد القطعتين أطول من الأخرى، و هو تحليل خاطئ للدماغ ناتج عن الخداع البصري.
وجه الإعجاز في الآية الكريمة:
قال تعالى في الآية 116 من سورة الأعراف : ﴿ قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيم﴾، وجائت هذه الآية و الآيات التي من قبلها لتقص علينا ما حدث بين النبي موسى عليه السلام و سحرة فرعون، في يوم إنتصب فيه الحق أمام الباطل، والمعجزة أمام السحر، و القوة الإلهية أمام خداع البشر و كيدهم، والقصة كما يعلم الجميع غنية عن التعريف.
لقد قال تعالى في الآية المذكورة أعلاه: ﴿ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ﴾ و لم يقل سحروهم أو سحروا عقولهم أو قلوبهم أو أجسادهم، أي أنّ الله تعالى قد خصّ الأعين دون غيرها من الأعضاء الجسدية الأخرى و خصّ البصر دون غيره من الحواس، و هذا ما يوافق التعريف العلمي للخدعة البصرية من حيث أنّها فعل يخدع كليّة النظام البصري للمشاهد بدءاً من العين حتى الدماغ، أي أنّ الخدعة تنطلق أولا من العين حتى تصل الإدراك العقلي فيخيّل للمشاهد أشياء مخالفة لما هي عليه في الواقع، و لهذا جائت الإشارة القرآنية إلى الأعين دون غيرها من الحواس الأخرى. ثم قال تعالى في موضع آخر من القرآن: ﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ طه - (الآية:66)، أي أن السحرة خَدعوا أولا أعين الناس بما في ذلك موسى و هارون عليهما السلام، فلما تمكّنوا من أمر الخداع و التمويه هذا تخيّلت عقول الناس ( المشاهدين) أنّ العصي و الحبال أفاعي و حيّات تتحرك و تزحف، أي أن النظر كان قبل التخيّل، معنى هذا أن القرآن يخبرنا أنّ الناس الذين جمعهم فرعون خُدعت أبصارهم في أول الأمر و من بعد ذلك تخيلوا بعقولهم ما أوحت إليهم أبصارهم المخدوعة، و كل عاقل في هذا الكون يقر أنّ النظر يكون بالعين و التخيل محله الدماغ، و هذا السرد القرآني موافق تماما للتفسير العلمي من حيث أنّ الخدعة بدأت بالبصر ليدرك الدماغ بعد ذلك تخيّلا و تحليلا خاطئا لما شاهدته العين كما هو الشأن في خدعة "باكمان" و خدعة "ميلار ليار" و خدعة "روجر بانروز" و خدعة سحرة فرعون أيضا فهم درسوا فنّ الخداع البصري من قبل أن يرسل فرعون في المدائن حاشرين و ذلك في قوله تعالى: ﴿ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾ سورة الأعراف - (الآية:112) أي أن سحرة فرعون عالمون بمهارة الخداع البصري و تمويه الأشياء و صرف أنظار الغير عن حقيقتها و حالتها الطبيعية التي هي عليها، فخيّل لموسى و هارون( عليهما السلام) و لفرعون وقومه أنّ العصيّ و الحبال أفاعي و حيّات تسعى غير أنها لم تكن إلا عصي و حبال جامدة.
و المتتبع لهذا المشهد العظيم و الأسلوب القصصي القرآني الرائع لهذه المناظرة الكبرى، التي جمعت موسى و هارون بسحرة فرعون، يدرك أن الطرف الذي لم يتأثر من هذه الخدعة و التمويه هم السحرة أنفسهم، فهم وحدهم العالمين بفن الخداع بل إنّ فرعون أكرههم على تعلّمه سنوات عديدة، فلمّا ألقى موسى بعصاه و إلتقمت تلك الحبال و العصيّ أدرك السحرة أنّ هذا ليس بسحر و لا بخداع و لا بتمويه فهم العالمين بهذا كله، بل أدركوا بعين اليقين أنّ ما صنعت عصى موسى هو معجزة من رب قدير، فلو كان ما جائت به عصى موسى (عليه السلام) سحر تخيلي لكانوا قد أبطلوه و كشفوه بعلمهم و هزموا موسى و نالوا عند فرعون الدرجات العلى، لكنهم أدركوا حقيقة المعجزة كما كانوا يدركون في أعماق أنفسهم أنّ ما صنعوا لم يكن سوى خدعة وتمويه ليسّ إلا،ّ أما ما شهدوه في عصى موسى و ما آلت إليه عصيّهم و حبالهم هو حق اليقين وليس سحر مبين، و أن موسى هو نبيّ من رب العالمين فكان سجدودهم طوعا و كان صبرهم جميلا و كان مقتلهم إستشهادا، ففي ضحى يوم إنقلبوا من مخادعين لأعيّن المشاهدين و من ساحرين ماكرين موالين لفرعون إلى ساجدين تائبين لرب العالمين ورب موسى وهارون فغدو بعد ذلك شهداء مسلمين.
هكذا يخبرنا القرآن منذ مآت السنين عن ظاهرة الخدع البصرية و الوهم التخيلي والتي إستعملها سحرة فرعون من قبل حتى أن يكتشف العالم حقيقة هذه الظاهرة، فالعلم الحديث لم يدرك حقيقة الخداع البصري إلاّ بعدما أن أدرك التكوين العضوي للعين و طريقة عمل النظام البصري و علاقته بالدماغ، بينما أشار إلى ذلك الله تعالى في كتابه منذ مآت السنين و بمصطلحات دقيقة " سحر الأعين"، " خيّل "...إلخ، أليس هذا دليل على نبوّة محمد صلى الله عليه و سلم؟ أم أنّ ما أتى به سحر سحر به قريش ثم بعد ذلك سحر أقواما من بعدهم طيلة 14 قرنا من الزمن و لا يزال يفعل؟! إنّه و الله لحق من ربه و رب موسى و هارون، رب السموات و الأرض معجز البشر و علمهم إلى يوم الدين.