البيت نعمة عظيمة، امتن الله جل وعلا بها على عباده فقال جل و علا : ((وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ )) (النحل : 80) .
فذكر ربنا تبارك و تعالى نوعين من البيوت: البيوت القائمة المستقرة ، والبيوت المتنقلة ، و كلها نعمة عظمى.
تأمل حال من لا يملك بيتا، تأمل حال من شرد عن بيته ، أو لم يجد له سكنا يسكن فيه، إنه معرض لشدة الحر و البرد ، وللرياح والأمطار ، واللصوص ، ولكل ما يخطر على البال مما يمكن أن يؤذي الإنسان.
ثم انظر إلى ما أنعم الله به عليك من بيوت حديثة مزودة بكل وسائل الراحة، إنارة و تكييف ، وماء حار وماء بارد، وفرش جميلة و مجالس وثيرة، أليس كل ذلك نعمة؟ إن الله جل و علا لما امتن بها عليك، فإنه سبحانه يأمرك أن تكون من الشاكرين.
يجب عليك أن تعلم ما مواصفات البيت المسلم؟ و بماذا يتميز بيت الأسرة المسلمة؟!!
هل يتميز البيت المسلم بألوانه أو بأشكاله ، أو بجدرانه أو بزخارفه؟!!
هذه كلها يا أخي الكريم يشترك فيها المسلم والكافر، و يشترك فيها البر والفاجر، و يشترك فيها كل الناس من شتى بقاع الأرض. فبماذا إذاً يتميز بيت المؤمن العابد للرحمن؟!
إن بيت المسلم يتميز بأمرين:
أولاً : بسكانه .
ثانياً : بمحتوياته.
يتميز بسكانه ، السكان المؤمنون، العباد الصالحون .ويتميز بمحتوياته التي كلها تخدم دينه ، وهي كلها وسيلة لطاعة ربه.
و دعني معك نستعرض شيئا من تفصيل ذلك:
أما محتويات البيت المسلم فيمكن الحديث عنها بنقطتين:
الأولى : ما يكون في البيت المسلم ، و ما يجمل فيه و يحلى به .
الثانية : ما يُنزه عنه البيت المسلم و ما يرفع عنه من تلك الأوزار والقبائح.
فأما الأمور التي ينبغي أن يحلى بها البيت المسلم وتكون فيه:
أن البيت المسلم بيت للطاعة، أنه بيت معمور بذكر الله جل و علا، معمور بالصلاة، و معمور بالقرآن ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يقول نبينا صلى الله عليه وسلم : (( مثل البيت الذي يذكر الله فيه و البيت الذي لا يذكر الله تعالى فيه كمثل الحي و الميت )) [1].
أرأيت هذا التشبيه ؟ البيت الذي يُذكر الله فيه ، و يُسبح فيه بحمده، كأنه إنسان حي ، روحه تخفق بين جوانحه.
وأما البيت الذي لا يُذكر الله فيه، البيت الخاوي من ذكر الرحمن فهو البيت الذي امتلأ بالشياطين، فهو كالإنسان الميت ، كالجثة الهامدة التي لا حراك بها ، و يقول صلى الله عليه وسلم : (( اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا )) [2].
اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، أي ستكون بيوتكم بيوتا للأحياء، ولا تهجروها فتكون كالمقابر، لأن المقابر لا يُصلى فيها ، خشية من تعظيم أهلها ، وهي ذريعة ووسيلة للشرك بالرحمن - جل و علا- و يقول صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) [3].
هذا الخطاب موجه للرجال، عليكم بالصلاة في بيوتكم يعني النوافل، فإن خير صلاة المرء في بيته، أي من النوافل ، و ذلك لأنه أبعد عن الرياء ، وأقرب إلى الإخلاص ، قال عليه الصلاة و السلام: ((إلا المكتوبة)) .
أما الصلوات الخمس فإنها واجبة في المسجد .
أما المرأة المسلمة فإن الأفضل لها أن تكون جميع صلواتها في بيتها.
ويقول صلى الله عليه وسلم في فضل عمارة البيوت بتلاوة القرآن : ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)) [4].
فالمقابر خاوية ،لا يقرأ فيها القرآن ، ولا يُصلى فيها لله جل و تعالى ، ولا يقرأ فيها القرآن، وبيوت المسلمين هي بيوت للأحياء، إذًا هي بيوت تعمر بتلاوة القرآن، والشياطين لا تجتمع مع القرآن في بيت واحد؛ بل إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة فهي أي سورة البقرة سنام القرآن لذلك قال صلى الله عليه وسلم : ((خذوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة و تركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة )) [5] .
أي السحرة.
مما يذكر عن السلف - رحمهم الله تعالى- أن أحد علمائهم كان كلما دخل بيته قرأ آية الكرسي ، وفي يوم من الأيام دخل البيت فقرأ آية الكرسي فناداه شيطان من ركن من أركان البيت: ما أكثر ما تقرأها! فقال له: أو غضبت يا خبيث ؟ لأقرأنها كل يوم خمسين مرة.
إذًا يا أخي الكريم، البيت المسلم يتميز بالصلاة فيه، يتميز بالذكر فيه، يتميز بتلاوة القرآن فيه.
وأما البيت الذي لا يوجد فيه ذلك ، البيت الذي هُجر فيه القرآن ، و لا يُصلى فيه ، ولا يُذكر فيه الرب سبحانه وتعالى ، فإنه حري أن تعشش فيه الشياطين وتفرخ فيه و تكثر فيه.
إن صلاتك في بيتك تربيةٌ لأولادك ، ولعل بعض الأطفال الذين لا يرون آباءهم يصلون في البيوت النوافل يظنون أن الصلاة لا تفرض إلا على النساء ؛ لأنهم لا يرون أحدا يصلي في البيت إلا الأم ، لذلك احرص على أن تجعل بعض صلاتك في بيتك ، وأعني بها و أؤكد مرة بعد مرة أن المقصود هو النوافل ، أما الفرائض فيجب أن تكون في المساجد