الحب
كلمات قليلة لم استطع ان اعطى الحب حقه فيها
الكاتب رشاد عوض الله السيد
الحب ماء الحياة ،وغذاء الروح ، وقوت النفس .
تعكف الناقة على حوارها بالحب ، ويرضع الطفل ثدي أمه بالحب وتبني الحمرة عشها بالحب ، بالحب تشرق الوجوه ، وتبتسم الشفاه ، وتتألق العيون . الحب قاض في محكمة الدنيا ، يحكم للأحباب ولو جار ، ويفصل في القضايا لمصلحة المحبين ولو ظلم ، بالحب وحده تقع جماجم المحاربين على الأرض كأنها الدنانير ،لأنهم أحبوا مبدأهم ، وتسيل نفوسهم على شفرات السيوف ، لأنهم أحبوا رسالتهم ، أحب الصحابة والمنهج وصاحبه ، والرسالة وحاملها ، والوحي ومنزله ، فتقطعوا على رؤوس الرماح طلبا للرضا في بدر ، وأحد ، وحنين ، وهجروا الطعام ، والشراب ، والشهوات في هواجر مكة ، والمدينة ، وتجافوا عن المضاجع في ثلث الليل الغابر ، وأنفقوا طلبا لمرضاة الحبيب .
بالحب صاح حرام بن ملحان مقتولا : فزت ورب الكعبة !، بالحب نادى عمير بن الحمام إلى الجنة مستعجلا : إنها لحياة طويلة إذ بقيت حتى آكل هذه التمرات ! ، بالحب صرخ عبد الله بن عمرو الأنصاري : اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى !. لما أحب الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ صارت له بردا وسلاما ، ولما أحب الكليم موسى ـ عليه السلام ـ انفلق له البحر ، ولما أحب خاتمهم حن له الجذع ، وانشق له القمر .
المحب عذبه عذاب ، واستشهاده شهد لأنه محب .
أحبك لا تسأل لماذا لأنني *** أحبك هذا الحب رأيي ومذهبي
ويقبح من سواك الفعل عندي *** وتفعله فيحسن منك ذاكا !
ما الحب ؟
لا أعلم كلمة في قاموس العربية تعبر عن الحب مثل كلمة ( الحب ) ، فليس هناك أصدق من ( الحاء والباء ) في دلالتهما على هذا المقصود العظيم ، فالحاء تفتح الفم فيبقي فارغا حتى تأتي الباء فيضم الفم وتطبق الشفتان ، إذا هنا اجتماع بعد فرقة بعد هجر !.
وكلمة ( حب ) كلمة عامرة ، لها أنداء وأفياء وظلال وأبعاد ، وهي كلمة مؤنسة مشجية منعشة مشوقة ، بل هي معجبة مطربة مغرية ، لكنها ذائعة شائعة ، غير أنها خفيفة لطيفة شريفة وفيها نضارة .
كلمة (حب ) عالم من المودة والصلة والأنس والرضى والراحة ، وهي دنيا الأمل والفأل الحسن ، والأمس الجميل واليوم الحافل ، والغد الواعد .
إنها رحلة في عالم التآلف والتآخي ، والتفاهم والتكاتف ، والتضامن والتعاون ، في كلمة ( حب ) بسمة وضمة ولهفة واشتياق ولوعة ! .
إذا قلت : ( حب ) تداعت الذكريات القديمة ، وثارت المعاني الجميلة ، وحضرت المواقف المشجية ، واستعادت النفس شبابها ، والقلب أمله ، والروح إشراقها ، والمجلس بهجته ، والحضور أنسه .
إذا قلت : (حب ) سافرت بك قافلة الذكرى إلى صور ومشاهد لا تمحى من ذاكرة الزمن ، فعرضت لك الطفل يضم الثدي ، والناقة تحنو على الفصيل ، والآكام تلف الثمار ، والأغصان تعانق الجذوع ، والفراشة تلثم الزهرة ، والعش يكتنف الطائر ، فما احسن كلمة ( حب ) وما أبدعها وما أروعها .
الحب حرفان حاء وبعدهـا باء *** تذوب عند معـانيها الأحباء !
إذا قلت ( حب ) هل غيث الرجاء ، وهبت ريح الصفاء ، وسرى نسيم الوفاء ، وتهللت أسارير الوجوه ، وانبلجت معالم الطلعات ، وأشرقت شموس الأيام ، وإذا قلت (حب ) امتلأت الجوانح بالأشواق ، والحشايا بالتلهف ، والضمائر بصور الأحباب ، ومعاهد الأصحاب ، ومغاني الأتراب .
إذا قلت: ( حب ) تساقطت أوراق البغضاء ، وتلاشت نزعات الشر ، وارتحلت قطعان الضغينة ، وفزت زمر الأحقاد ، وغربت نجوم العداوات .
كلمة ( حب ) سماء شمسها اللقاء ، وقمرها العناق ، ونجومها الذكريات ، وسحبها الدموع . كلمة ( حب ) إشراقة من عالم الملكوت ، وإطلالة من ديوان الخلود ، ووقفة في بساط العظمة . من استظل بسمائها اتقد شوقه وتدافع خاطره .
وأما تعريف كلمة ( الحب ) فخذه نظما ولا تخش ظلما ولا هضما :
الحب بسمـة عاشق ولو أنها *** سفرت لغار البدر من إطلالها !
وقيل :
الحب أكبادنا تشوى وأعيننا *** تكوى ، وأعمارنا تطوى على الأمل
وقيل :
إذا قلت هذا الحب بعد ولوعة *** وفرقة أصحاب وهجر أقارب
فما الحب إلا الأنس والقرب والرضى *** فدعني فهذا الحكم بعد التجارب
وقيل :
الحب كالسحر إلا أن رقيته *** شهادة لا يذوق الموت لاقيها
وقيل :
الحب ليس رواية شرقية *** بأريجها يتزوج الأبطال
لكنه الإبحار دون سفينة *** ومرادنا أن الوصول محال
وقيل :
لعلك يا محب ظننت ظنا *** بأن الحب جمع وافتراق
أجل هو جمع أوصال تداعت *** وفرقة مهجة ، ودم يراق !
وقيل : الحب قصة طويلة فصولها الشهداء .
وقيل : الحب سر لا يعرفه المحبون .
وقيل : الحب ليس له تعريف إلا الحب .
أسئلة في الحب
السؤال الأول :
سألت إمام الحي عن حكم عاشق *** إذا أزداد حبا صار من شوقه صبا
أيجزئه ذكر ورد تحية *** وشهقة شوق كالنسيم إذا هبا ؟ !
فقال : عليه النحر يوم لقائه *** بمحبوبه حتى يزيل به الذنبا !
السؤال الثاني :
سألنا أبا حمدان عن حكم صاحب *** أحب فأهدى الروح خلا بلا ثمن
أيحرم هذا البيع والشرط باطل *** أليس يقال المرء حقا إذا غبن
فقال معاذ الله بل صح بيعه *** وهذا الذي نفتي به سائر الزمن
السؤال الثالث :
سألت حماد عن صب جرى دمه *** من أجل أحبابه ماذا نقول له ؟
فقال : قولوا له يفدي بمهجته *** إما سواه على عمد نقول لهوا
المتنبي مفتيا :
يقول أبو الطيب :
قفي واغرمي الأولي من اللحظ مهجتي *** بثنائه والملتف الشيء غارمه
منقول