أما مولده فكان كما اخبرني به غير واحد
من الحفاظ انه ولد في حران في عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وست مئة وبقي بها إلى
أن بلغ سبع سنين ثم انتقل به والده رحمه الله إلى دمشق المحروسة فنشأ بها أتم إنشاء
وأزكاه وأنبته الله احسن النبات وأوفاه وكانت مخايل النجابة عليه في صغره لائحة
ودلائل العناية فيه واضحة اخبرني من أثق به عن من حدثه أن الشيخ رضي الله عنه في
حال صغره كان إذا أراد المضي إلى المكتب يعترضه يهودي كان منزله بطريقه بمسائل
يسأله عنها لما كان يلوح عليه من الذكاء والفطنة وكان يجيبه عنها سريعا حتى تعجب
منه ثم انه صار كلما اجتاز به يخبره بأشياء مما يدل على بطلان ما هو عليه فلم يلبث
أن اسلم وحسن إسلامه وكان ذلك ببركة الشيخ على صغر سنه.
ولم يزل منذ أبان صغره مستغرق الأوقات
في الجهد والاجتهاد وختم القران صغيرا ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه والعربية حتى
برع في ذلك مع ملازمة مجالس الذكر وسماع الأحاديث.
والآثار ولقد سمع غير كتاب على غير شيخ
من ذوي الروايات الصحيحة العالية أما دواوين الإسلام الكبار ك مسند احمد وصحيح
البخاري ومسلم وجامع الترمذي وسنن أبي داود السجستاني والنسائي وابن ماجة
والدارقطني فإنه رحمه الله ورضي عنهم وعنه فإنه سمع كل واحد منها عدة مرات وأول
كتاب حفظه في الحديث الجمع بين الصحيحين للإمام الحميدي وقل كتاب من فنون العلم إلا
وقف عليه وكان الله قد خصه بسرعة الحفظ وإبطاء النسيان لم يكن يقف على شيء أو يستمع
لشيء غالبا إلا ويبقى على خاطره أما بلفظه أو معناه وكان العلم كأنه قد اختلط بلحمه
ودمه وسائره فإنه لم يكن له مستعارا بل كان له شعارا ودثارا لم يزل آباؤه أهل
الدراية التامة والنقد والقدم الراسخة في الفضل لكن جمع الله له ما خرق بمثله
العادة ووفقه في جميع أمره لإعلام السعادة وجعل مآثره لإمامته من اكبر شهادة حتى
اتفق كل ذي عقل سليم انه ممن عني نبينا بقوله أن الله يبعث على رأس كل مئة سنة من
يجدد لهذه الأمة أمر دينها فلقد أحيا الله به ما كان قد درس من شرائع الدين وجعله
حجة على أهل عصره أجمعين والحمد لله رب العالمين