صورة من حكمة الله تعالى البالغة، أنه خلق الإنسان من التراب، وعندما يموت يعود إلى أصل خلقته التراب، فقد يكون التراب الذى نطأه بأحذيتنا هو بقايا من نيرون أو الحجاج أو هولاكو، أو يكون جزءاً من رفات هتلر أو ميلوسوفيتش أو كرازاديتش، ومن هم على شاكلتهم ممن قتلوا العباد، وساءت على أيديهم أحوال البلاد، ولكن ألا يتعظ زعماء العرب الحاليين والسابقين وباقى الزعماء، ممن يقتلون شعوبهم، من الموت؟
يقول أبو العلاء المعرى فى أحد أشهر نظم أبياته:
صاح هذى قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهــد عاد
خفف الوطء فما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
لقد قرر القرآن مصير سيد الخلق محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى قوله له: (إنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) – الزمر 30، أى إنك يا محمد حتماً ستموت، وإنهم حتماً سيموتون، وكل من قرأ هذه الآية أو لم يقرأها يخضع لهذا القانون الإلهى الأول ويذعن لمحتواه، (إنه سيموت).
فعلام جمع المال بالمليارات من أموال الشعوب؟
وعلام التمسك بكراسى الحكم رغم أنوف المحكومين؟
وعلام الخضوع لأجهزة المخابرات توجههم حيثما شاءت؟
وعلام الكذب والتضليل فى وسائل الإعلام والصحافة؟
وعلام قتل الأبرياء والمتظاهرين المطالبين بالتغيير؟
وعلام الاستعانة بالقوى الدولية واستقدامها لحماية العرض والأرض؟
وعلام إطلاق النار والرصاص على رؤوس أبناء شعوبكم ممن لا يريدون سوى الإصلاح؟
وعلام كنز الدولارات واليوروهات والمجوهرات حتى ملأت خزائن أمريكا وسويسرا وبريطانيا.
وعلام إشعال الفتن بين أبناء الشعب الواحد ليعادى بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً، بينما الحاكم واقف يتفرج؟
وعلام استعمال السلاح فى قتل أبناء شعوبكم، دفاعاً عن مناصبكم لا ذوداً عن أرض بلادكم؟
وعلام تسليح جيوشكم وشراء الأسلحة بالمليارات ونهب العمولات، هل الهدف منه قتل أبناء شعوبكم؟
وعلام تصديق المنافقين وتصعيد المتزلفين والمزورين والمتسلقين، وأنتم وهم ونحن كلنا ميتون؟
علام كل هذا والبداية معروفة والنهاية معروفة وسنحاسب كلنا على ما قدمته أيدينا؟
علام تكذبون بشأن شعبيتكم الزائفة أو عدم رغبتكم فى تولى زمام السلطة؟
علام التزوير والتدليس وملء الصناديق والنسب التسعينية والمئوية؟
علام تمنحون أنفسكم سلطات مطلقة لتؤدى إلى مفاسد مطلقة ومظالم مطلقة؟
علام كل هذا وعلام الكثير غيره، وقد قال شاعرنا الراحل كامل الشناوى:
ومكانى فى لحد من الأرض ضيق وما كنت بالدنيا العريضة راضيا
كيف تنامون؟ ألا تقض مضاجعكم أرواح قتلاكم؟ ألا يقلق منامكم التعذيب الوحشى الذى مارسه ويمارسه أفراد شرطتكم؟ ألا تطاردكم صور الشهداء الذين تسببتم بقتلهم؟ ألا ترون الملايين فى الشوارع والميادين يطالبونكم بالرحيل؟ أم إنكم بأعينكم لا تبصرون؟ فإن لم تكونوا رأيتموهم ألم تسمعوا ما يقولون؟ ألا تفهمون؟ ألا تفقهون؟ ألم يقل أحدكم تندراً ذات مرة أن الكفن ليس له جيوب؟ ألم تكتفوا بما سلبتموه من المليارات من أبناء شعوبكم؟ ألم تكتفوا بالقصور والقلاع التى تمتلكونها فى أرجاء الأرض؟ ألا تشبعون؟
كيف ستقابلون خالقكم يوم القيامة وأنتم مجردون من كل ما ملكتموه من سلطة ومال وأمن مركزى؟ بماذا ستدافعون عن أنفسكم يوم تشهد عليكم أيديكم وأرجلكم وجلودكم وتقر بكل ذنب اقترفتموه فى حق شعوبكم؟ هل ستكذبون على الله عز وجل كما كنتم تكذبون فى الدنيا على أبناء شعوبكم؟ لن تنفعكم حججكم الواهية الزائفة التى صدعتم بها آذاننا فى الدنيا عن المؤامرات التى يخطط لها أعداء أوطانكم المنكوبة بكم، لن تنفعكم ملياراتكم ولا حصونكم ولا قلاعكم ولا أمنكم ولا شرطتكم ولا أسحتكم.
يومها.. سيفر كل أتباعكم وأوليائكم المقربين منكم وأدعيائكم حتى أزواجكم وأبناؤكم، لن يبقى لكم إلا أعمالكم، يقول تعالى: ( وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ ممَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) – الكهف 49.
وهذا هو القانون الإلهى الثانى، (لا يظلم ربك أحداً) صدق الله العظيم .. والله من وراء القصد.