وهذا علقمة وهو يموت لايستطيع أن ينطق بالشهادتين ، لماذا لأنه كان يفضل زوجته ويقدمها على أمه فى كل شىء ، فلما أن على رسول الله e أمر بحطب ليحرقه إن لم تسامحه أمه ، وطبعاً سامحته فنطق بالشهادتين ، والذى نريده أن نقوله هنا : علقمة وهو من صاحبة المصطفى e وبالطبع كثير الصيام والصلاة و..و... لا يستطيع أن يقول لا إلهه إلا الله وهو يحتضر ، إذن - لومات - وأمه غير راضية عنه فماذا كان يمكن أن يحدث له فى القبر يوم الفزع الأكبر ؟ هل كان يعلم أنه عندما يأتيه الموت لن ينطق بكلمة التوحيد لا لشىء إلا لتفضيل زوجته على أمه ، وهكذا تختلف الموازين عند الله ( تعالى ) .
لو جاءك مسلم وقال لك : أريدك أن تدلنى على مكان كذا كذا ، أو يقول لك : فلان يهجرنى وأريدك أن تصلح بيننا ، أو يقول -وهو مهموم - :على دين وأريد المساعدة فى سداده ، أو يقول أى شىء فيه طلب المساعدة ، فلو ساعدته وذهبت معه لقضاء حاجته وأنت معتكف -مثلاً - فى المسجد النبوى فهذا أفضل من الاعتكاف فى المسجد النبوى ، وثواب المشى فى قضاء حاجة المسلم ؟ وقبل أن تتعب نفسك فى التفكير والبحث وبالطبع ستختار الإعتكاف والعبادة فقد كفاك رسول الله e مئونة التفكير عندما قال:" ولأن أمشى مع أخ فى حاجة أحب إلىّ من أن أعتكف فى هذا المسجد - يعنى المسجد النبوى - شهراً وهذا ما فهمه حبر الأمة عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما عندما ترك اعتكافه ليمشى فى حاجة مسلم ، لما سئل عن ذلك قال : لسائلة الحديث السابق ، فالإسلام علم وعمل ، فهم وسلوك .
وهذا من أحب الأعمال إلى الله التى سئل عنها المصطفى e فقال :" سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضى عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشى مع أخ فى حاجة أحب إلىّ من أن أعتكف فى هذا المسجد - يعنى المسجد النبوى - شهراً ومن كظم غيظاً - وإن شاء أن يمضه أمضاه - ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه فى حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام ، ولما سئل عن أحب الناس إلى الله قال :" أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس "
ولم يقل أحب الأعمال اعتكاف كذا كذا أو صيام كذا كذا أو التصدق بكذا وكذا ولم يقل أحب الناس إلى الله الذى يصلى كذا وكذا ، لا لا ليس هذا هو المقياس الوحيد مع أهميته وفضله ولكن هناك مقاييس أخرى فقد يعمل المسلم أعمالاً تصعد بها الملائكة ولا تقبل وقد لا يعمل الآخر ولكن يقبلها الله - فقط - لأنه نوى الخير فقد نوى صلاة الفجر وأخذ بأسباب ذلك ولكن لم يستيقظ ، وقد نوى التصدق على الفقراء والأيتام وضاع ماله ، هذا ما جاء فى الحديث عن أنس ( رضى الله عنه ) قال : قال رسول الله e :"إن العبد ليعمل أعمالاً حسنة فتصعد الملائكة فى صحف مختمة فتقلى بين يد الله (تعالى )
فيقول: " ألقوا هذه الصحيفة فإنه لم يرد بما فيها وجهى ، ثم ينادى الملائكة : اكتبوا له كذا وكذا ..اكتوبا له كذا وكذا ، فيقولون : يارب ، إنه لم يعمل شيئاً من ذلك !! فيقول (سبحانه وتعالى) : إنه نواه ".
هل تعلمون رفيق موسى ( عليه السلام ) فى الجنة ؟ وهل كان يعلم - أثناء حياته - أنه سيرافق موسى فى الجنة ؟ وماذا كانت عبادته لله لينال هذه المنزلة ؟ تاعلوا بنا نسمع القصة ؟
طلب موسى من ربه أن يعلمه برفيقه فى الجنة ، فأحوى الله إليه :" إن أول منيمر عليك فهو رفيقك فى الجنة ، فمر عليه رجل ، فتبعه موسى والرجل لا يعلم أنه مويى - حتى دخل بيتاً وأخذ يقطع اللحم ويضعه فى فم امرأة عجوز ، فدخل عليه موسى و سأله عن المرأة فقال : هى أمى فقال موسى : وهل تدعو لك ؟ ، قال : نعم ، قال فبماذا تدعو لك ؟ قال : اللهم اجعل ابنى مع موسى بن عمران فى الجنة ".
ولذلك ذهب عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه ) لينظف بيت امرأة عجوز وينظر فى حاجتها فإذا بالبيت نظيفاً ومرتباً وكل حاجته عندها فأتى فى اليوم التالى مبكراً فوجد الحال كما هو عليه ، فترقب ليعرف من يقوم على خدمتها فإذا به أبو بكر الصجيق ( رضى الله عنه ) وطبعاً الحابيان الجليلان كان يعلمان جيداً أهمية ذلك الأمر وعظم ثوابه ولذلك بكَّر كلا منهما فى أدائه ، ، وبالتأكيد كان لكل منهما أعمالاً أخرى لم تعرف مثل هذه التى عرفت - قدراً - لنعلم ونتعلم ونقتدى بمصابيح الهدى { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده }.
هل يدور فى مخيلتك عندما تخرج الصدقة القليلة أنك ستجدها يوم القيامة مثل الجبل ، الله الكريم نماها لك كأرباح أى مشروع تماماً والتجارة مع الله ( تعالى ) رابحة طبعاً .
الرجل الذى عبد الله أربعين عاماً فى صومعته وفكر أن يخرج يوماً ليعطى الله كما يفعل الناس فى ذلك الوقت وفاجأه الموت ومات وفى نيته الشر - مع عبادته الطويلة والآخر - على النقيض من ذلك والذى عصى الله أربعين عاماً وفكر فى التوبة وفاجأه الموت وهو ذاهب لعبادة الله والتزام طاعته ، بلغت رسول الله e أن الأول فىالنار والثانى فى الجنة تماماً تماماً كالذى قتل تسعة وتسعين نفساً ومات وقد أتى إلى الله تائباً فأخذته ملائكة الرحمة .
وهذا الذى قال كلمة ربما كانت يميناً كاذباً أو شهادة زور أو سخرية أو غيرها، والمهم أنه زل بها فى النار سبعين سنة ، هل - عندما قالها - كان يتخيل أن هذه الكلمة ستكون عاقبتها كذلك ،وكيف لا ورسول الله e أخبرنا أن أحدنا يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدنا ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عيله الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ، لذلك كان أكثر داعئه e : اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبى على دينك . اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا وثبتنا على الحق حتى نلقاك .
وهذا الذى يرفع رأسه ويخفضها فى الصلاة وهو إمام يكرهه ( الناس ) أو آكل لمال يتيم ،أو امرأة باتت زوجها عليها ساخط ، فهل يعلم أحدهم - كما أخبر الرسول e - أن صلاتهم لا ترفع فوق رؤسهم شبراً واحداً .
وهل علم المتخاصمان أن الأعمال ترفع إلى الله يومى الاثنين والخميس فيحكم فيها بين العباد إلا المتخاصمين فلا يقبل أعمالهما حتى يتصالحا ، بالطبع كل منهما يجتهد فى العبادة ظاناً من أن هذه نقرة وههذه نقرة تماماً كمن يعطل شرع الله وهو يصلى ويتصق أو كمن يصلى ويتخشع داخل المسجد ثم يخرج يشرب الخمر أو الدخان ويقول : فى المسجد أصلى وعندما أخرج أفعل ما بدا لى ، فهلا سمعه أبو بكر الذى قاتل من فرق بين الصلاة والزكاة كى يقاتله على تفريقه بين الدين والدنيا وتنازعه بين نفسين نفس فى المسجد تعبد الله وهى نفسها تخرج وتتعمد عصيان الله بلا حياء معه ويقول :دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله . ألم يسمع قول الله ( تعالى ) : { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } وقول المعصوم e :" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ".
إن ظاهر العبادات وحده لا يكفى لينل رضى الله ( عز وجل ) لأن هذه وبدونها لا يكون المسلم مسلم ، " بنى الإسلام على خمس ..." فالإسلام بنى على خمس هى العبادات الظاهرة وليس الإسلام هو الخمس ، فالإسلام حلال وحرام وتشريع ومعاملات وأخلاق وحقوق وواجبات وآداب ...ولا نعلم كيف يكون الحساب فيها فالموازين عند الله تختلف عن موازيننا حتى إن الرجل يدخل الجنة بسبب كلمة :" لا إله إلا الله " التى قالها يوماً مخلصاً من قبله مع أن صحيفته تخلو من أى حسنة يمكن أن تنفعه فى حين تسعر جهنم - أول ما تسعر - بعالم ومتصدق ومجاهد لم يخلصا لله .
أرأيتم كيف يكون اختلاف الموازين ؟
ولذلك نهانا رسول الله e :" أن نحقر من المعروف شيئاً ولو أن تقلى أخاك بوجه طلق"
ويؤكد ما نريده حديث المفلس فهو ليس الذى لا درهم له ولا متاع ولكن المفلس من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتى وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا ، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار .