تجهز الرسول واستعماله على المدينة أبا دجانة
قال ابن إسحاق : فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو القعدة تجهز للحج وأمر الناس بالجهاز له .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة .
قال ابن هشام : فاستعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي ويقال سباع بن عرفطة الغفاري .
ما أمر به الرسول عائشة في حيضها
قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت لا يذكر ولا يذكر الناس إلا الحج حتى إذا كان بسرف وقد ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه الهدي وأشراف من أشراف الناس أمر الناس أن يحلوا بعمرة إلا من ساق الهدي قالت وحضت ذلك اليوم فدخل علي وأنا أبكي ، فقال ما لك يا عائشة ؟ لعلك نفست ؟ قالت قلت : نعم والله لوددت أني لم أخرج معكم عامي في هذا السفر فقال " لا تقولن ذاك فإنك تقضين كل ما يقضي الحاج إلا أنك لا تطوفين بالبيت . قالت ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، فحل كل من كان لا هدي معه وحل نساؤه بعمرة فلما كان يوم النحر أتيت بلحم بقر كثير فطرح في بيتي ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر حتى إذا كانت ليلة الحصبة بعث بي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخي عبد الرحمن بن أبي بكر فأعمرني من التنعيم ، مكان عمرتي التي فاتتني .
قال ابن إسحاق : وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، عن حفصة بنت عمر قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة قلن فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا ؟ فقال " إني أهديت ولبدت ، فلا أحل حتى أنحر هديي .
--------------------------------------------------------------------------------
حجة الوداع
ذكر فيها حديث عائشة وقولها : فأهللنا بالحج وما نذكر إلا أمر الحج وهذا يدل على أنهم أفردوا ، وقد بين ذلك جابر في حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وهذا هو الصحيح في حديث جابر وقد روي من طرق فيها لين عن جابر أنه قال قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافا واحدا ، وسعى لهما سعيا واحدا رواه الدارقطني ، وروي أيضا أن جابرا قال حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجات حجتين قبل الهجرة وحجته التي قرنها بعمرته وأما حديث ابن عباس فصحيح وقال فيه طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجته وعمرته طوافا واحدا وقد اختلف عن علي فروي عنه أنه طاف عنهما طوافين ولم يختلف عنه أنه كان قارنا ، وكذلك حديث عمران بن حصين في أنه عليه السلام كان قارنا ، وأما حديث أنس فصرح فيه بأنه كان قارنا ، وقال ما تعدونا إلا صبيانا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرخ بهما جميعا يعني الحج والعمرة فاختلفت الروايات في إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ترى : هل كان مفردا أو قارنا ، أو متمتعا ، وكلها صحاح إلا من قال كان متمتعا ، وأراد به أنه أهل بعمرة وأما من قال تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي أمر بالتمتع وفسخ الحج بالعمرة فقد يصح هذا التأويل ويصح أيضا أن يقال تمتع إذا قرن ، لأن القران ضرب من المتعة لما فيه من إسقاط أحد السفرين . والذي يرفع الإشكال حديث البخاري أنه أهل بالحج ، فلما كان بالعقيق أتاه جبريل فقال له إنك بهذا الوادي المبارك فقل لبيك بحج وعمرة معا فقد صار قارنا بعد أن كان مفردا ، وصح القولان جميعا ، وأمره لأصحابه أن يفسخوا الحج بالعمرة خصوص لهم وليس لغيرهم أن يفعله وإنما فعل ذلك ليذهب من قلوبهم أمر الجاهلية في تحريمهم العمرة في أشهر الحج فكانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر ويقولون إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر ولم يفسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجه كما فعل أصحابه لأنه ساق الهدي وقلده والله سبحانه يقول حتى يبلغ الهدي محله [ البقرة 196 ] وقال حين رأى أصحابه قد شق عليهم خلافه لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ولما سقت الهدي قال شيخنا أبو بكر رضي الله عنه إنما ندم على ترك ما هو أسهل وأرفق لا على ترك ما هو أفضل وأوفق وذلك لما رأى من كراهة أصحابه لمخالفته ولم يكن ساق الهدي من أصحابه إلا طلحة بن عبيد الله ، فلم يحل حتى نحر وعلي أيضا أتى من اليمن وساق الهدي فلم يحل إلا بإحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم .