يصعد المتهم فوق الطبلية بعد أن يتم قياس وزنه ويوضع حبل من نوع خاص فوق
رقبته، ثم يرتدى الطاقية السوداء فوق رأسه ويسمع سؤال واحد "نفسك فى إيه؟"
ثم يقترب منه عشماوى ويسحب ذراع الطبلية بعد أخذ إشارة التنفيذ من رئيس
المصلحة أو أحد ممثلى القضاء فتنفتح، ويسقط جزء من جسده ليمنحه تأشيرة
الدخول إلى العالم الآخر.
التقت "اليوم السابع" بـ"عشماوى" القاتل الشرعى فى مصر، والذى فتح خزائن
ذكرياته وسرد كواليس وقصصا غريبة من واقع غرفة الإعدام، فى لقاء استمر
قرابة 4 ساعات متواصلة، يسترجع من خلالها الرجل أصعب المواقف وتتأثر ملامح
وجهه بكلامه، ثم يتوقف ويصر أن يعزمنا على مشروب فيقول: "نفسك فى إيه"..
وتعود الابتسامة لوجهه مرة أخرى.
"حسين قرنى حسين الفقى"، دا اسمى، بس شهرتى "عشماوى" من مواليد 1947 بمدينة
طنطا، دخلت الجيش وخرجت منه سنة 67 أيام النكسة "أيام الله لا يوريها لكم
يا رب"، وقدمت طلبا للسماح لى بالعمل بقطاع السجون "عسكرى"، وبعدها بأيام
وصلنى خطاب يطالبنى بالتوجه إلى سجن الاستئناف بالقاهرة لعمل الاختبارات،
ونجحت فيها وكنت محبوبا جدا وسط زملائى، وبقيت بمصلحة السجون بالقاهرة لمدة
15 سنة، حارس، وكانوا يستفيدون من بنيان جسمى الضخم فى إرسالى مع المساجين
الخطرين لحراستهم، وبعدها أرسلونى إلى محافظة قنا حيث عملت بها لمدة 4
سنوات، وكنت أشاهد "عشماوى" وأتمنى أن أكون مكانه، فكانت "المشنقة" حلم
حياتى، وكان "عشماوى" بياخد فى المرة الواحدة 5 جنيهات، بينما راتبى فى
الشهر كاملا كان 15 جنيها، وجلست مع نفسى ودعيت أن أعمل حتى ولو مساعد
لـ"عشماوى" وبالفعل خرج أحد مساعديه "معاش" وطلبونى بالقاهرة وسافرت، وتم
اختيارى مساعدا لـ"عشماوى" وكنت أسافر معه محافظات كثيرة، وكان دورى يقتصر
على إحضار المتهم من غرفته وإحكام السيطرة عليه واقتياده لمكتب مأمور السجن
ثم توصيله إلى غرفة الإعدام.
ويضيف، ذهبنا ذات مرة لإعدام متهم بطنطا وليلتها حل التعب بـ"عشماوى"
ونقلناه للمستشفى بعدما أصابه نزيف حاد، لكننا تمكنا من تنفيذ الحكم فى
الصباح، وعدنا بـ"ميكروباص" إلى القاهرة، ونظرا لمشقة السفر وطول الطريق
ساءت حالة "عشماوى" ومات، وصعدت بدلا منه وأصبحت أنا "عشماوى" الأوحد فى
مصر، " أيوه يا ابنى زى مافيش غير رئيس للجمهورية مافيش غير عشماوى واحد".
1998 لا يمكن أن أنسى هذا العام حيث كانت أول حالة إعدام أنفذها بنفسى،
اتصلوا بنا وقالوا لى فيه حالة إعدام لشخصين سيدة وشاب بطنطا، وتملك الخوف
قلبى وخاصمنى النوم 48 ساعة، منذ أن سافرت من القاهرة حتى وصلت طنطا، وعرفت
أن فلاحا كان معه 4 أولاد يعملون معه فى زراعة الأرض عدا ابنه الأخير، حيث
كان شابا يهتم بمظهره ولا يساعد أشقاءه فى أعمال الزراعة، وكان يسهر طوال
الليل وينام حتى الظهر، وعندما يستيقظ يجد زوجة أخيه فيطلب منها أن تحضر له
الأكل، وشيئا فشيئا حدث بينهما قبول ثم تحولت إلى علاقة غير شرعية، انتهت
بقتلهما لشقيقه وحكم عليهما بالإعدام، حيث نفذت الحكم فى السيدة أولا ثم
الشاب.
ويروى عشماوى، بعدها حصلت على الثقة فى نفسى وبدأت أنفذ العديد من عمليات
الإعدام، كان أبرزها إعدام 6 أشخاص فى يوم واحد، وكانوا متهمين فى مذبحة
"بيت علام" بسوهاج، كما أعدمت عزت حنفى إمبراطور المخدرات فى الصعيد، وكان
"ولد دكر" بمعنى الكلمة لم يهب الموت، ودخل لغرفة الإعدام متمالكا نفسه،
رافعا رأسه وطلب رد الحقوق إلى الأشخاص الذين ظلمهم بجزيرة النخيلة، وكان
متحدثا وعرفت أنه واخد بكالوريوس حقوق، عكس شقيقه "حمدان" الذى تم إعدامه
فى نفس اليوم وكان خائفا، وأكثر مرة أصبيت بالإجهاد يوم ما أعدمت 10 أشخاص
بسجن الزقازيق، وكانوا متهمين فى قضية المخدرات الكبرى، حيث تم القبض عليهم
أثناء تواجدهم فى سفينة محملة بالمخدرات، وتبين أنهم "شيالين" وعمال من
السودان وكان معاهم قبطان من الهند اسمه "سيخ".. "ايوه أنا فاكر اسمه..أنا
مش باقول كلام وبس دا من واقع أوراق القضايا".
نفذت الإعدام فى 1070 متهما، وأغرب مرة لما كنت فى سجن شبين الكوم لإعدام
سيدة، حيث حدث زلزال وسادت حالة من الهرج والمرج بالمكان وأطلقت النساء
الزغاريد، بحجة أن المتهمة صاحبة "كرامة" وأنه لن يتم تنفيذ الإعدام عليها،
إلا أننا الحمد لله تمكنا من إعدامها.
وعن كيفية تنفيذ الإعدام قال: "يتم إخطارى بالواقعة قبلها بأسبوع وأسافر
إلى السجن الذى سيتم تنفيذ حكم الإعدام بداخله قبلها بيوم، وأبيت فى
استراحة السجن، طبعا عينى مش بتشوف النوم، وألقى نظرة على المتهم "عشان
أحدد طوله ووزنه" لأن لكل شخص حبل معين حسب الطول والوزن، ثم أتاكد من
سلامة الطبلية والمكان، وأنزل إلى المتهم فى الخامسة فجراً ويتم فتح غرفة
الحجز الخاصة به، وإعطاؤه حبوب مهدئه تجعل جسده يسترخى إلى حدا ما، ثم
يسحبه المساعدان بقيود حديدية إلى غرفة المأمور ويظل بها من الساعة الخامسة
وحتى السابعة صباحا وقت التنفيذ، ودول يا ابنى أصعب ساعتين فى حياته،
يسترجع ذكرياته "يبكى.. يصرخ.. ينظر إلى السماء.. يضع يده على رأسه" يتأكد
أن الدنيا لا تساوى شيئا، ثم يتم اقتياده إلى غرفة الإعدام وعقارب الساعة
تتوجه إلى السابعة صباحا، ويتم استبدال القيود الحديدية بأخرى من جلد حتى
لا يؤذى نفسه، وطبعا يكون مرتديا للزى الأحمر، بينما أنا ارتدى الملابس
السوداء، ويكون برفقتنا قرابة 50 شخصا من الطب الشرعى والقضاة ومندوب من
مديرية الأمن التابع لها وشيخ فى حالة لو كان مسلما وقسيسا فى حالة إذا كان
قبطيا، ومأمور السجن وعددا آخر برفقته".
يقف المتهم وسط مساعدى الأول والثانى، أمام غرفة الإعدام المكتوب عليها
بالخط الأحمر "غرفة إعدام"، ويتم قراءة ملخص سريع للقضية، إنه فى يوم كذا
حدث كذا وصولاً إلى صدور حكم عليه بالإعدام شنقا، وعند كلمة شنقا أتحرك أنا
نحوه وأستلمه وأتوقف به ثوان حتى يقول له الشيخ: "قول يا ابنى ورايا أشهد
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، ويرددها المتهم، ثم أضع
"الطاقية" السوداء على رأسه، وسائل صابون حول الحبل قبل وضعه حول عنقه، ثم
يقف قرابة دقيقة، وأنتظر الإشارة حيث اسحب "السكين" ليسقط فى البئر مشنوقا،
حيث تحدث هذه العملية كسرًا فى فقرات الرقبة وتهتكًا فى النخاع الشوكى،
فيموت على إثرها المحكوم عليه خلال دقيقة أو دقيقتين على الأكثر، ويترك
بعدها لمدة 10 دقائق فى فصل الشتاء وربع ساعة بفصل الصيف فى الحبل حتى
يتجلط الدم الذى ينزف منه عقب عملية الشنق.
أنزل أنا برفقة مساعدى لنقل الجثة من البئر عقب إتمام عملية الشنق، حيث
تختلف غرفة الإعدام من حيث المساحة من سجن إلى آخر، ولكن فى العموم تكون فى
المتوسط 4 متر بعرض 3 أمتار، يتوسطها طبلية خشبية، أسفلها بئر عميقة
لمسافة 4 أمتار، بها سلم حديدى، ويعلو الطبلية "بلانكو" من الحديد على
ارتفاع مترين يربط فيه الحبل، والطبلية عبارة عن ضلفتين يقف عليهما المحكوم
عليه بالإعدام، وتفتحان بواسطة ذراع حديدية فى الجانب الأيمن تسمى
"السكينة"، وعندما يأمرنى رئيس النيابة بالتنفيذ أسحب الذراع لتفتح ضلفتا
الطبلية، ويسقط المحكوم عليه فى البئر، وهو مكتوف اليدين بواسطة حزامين
جلديين، ومعلقا من الرقبة فى الحبل المصنوع خصيصا لذلك، والبئر فى السجون
القديمة تكون أسفل الحجرة، أما السجون الحديثة فقد جعلت غرفة الإعدام
بالطابق الثانى، والبئر تكون بالإرضى، أما بالنسبة للحبل فهو من الحرير وبه
20% كتان نستورده من إنجلترا، لكنه أصبح يصنع الآن فى مصر، ولا يتم
استعماله إلا 3 مرات، ويتحمل حتى 800 كيلو.
"نفسك فى إيه" دا سؤال بيقوله مسئول السجن للمتهم قبل تنفيذ الإعدام عليه،
فيه ناس بتطلب طلبات معقولة كوصية أو أداء الصلاة، بنسمح له أن يتوضأ ويصلى
وأضع يدى أسفل رأسه عند السجود خشية أن يلطمها فى الأرض ويؤذى نفسه، ومنهم
من يطلب مطالب مستحيلة التحقيق، كأن يرى والدته أو أحد الأشخاص، ومنهم من
يردد "أنا برىء اتركونى" ومن يبكى ومن يتبول على نفسه خوفا من الموقف.
"عشماوى" ذو البنيان الضخم والشارب الطويل واليد العريضة، قال: دفعت ضريبة
طبيعة عملى عندما طلبت اثنتان من زوجاتى الطلاق بسبب عملى، حيث كانتا
تتقززان من هذه المهنة خاصة عندما أعود وهناك آثار للدماء بملابسى، حتى
أكرمنى الله بزوجتى رقم "3" التى تحملت معى ووفرت لى الحياة المناسبة
وأنجبت منها ولدين.
ومن جانبها، أكدت زوجة عشماوى أنه بالرغم من أن زوجها معروف عنه قسوة القلب
لأنه ينفذ حكم الإعدام فى المتهمين ويراهم يموتون أمام عينه، إلا أنه صاحب
مشاعر وأحاسيس داخل منزله، يتمتع بالقلب الطيب، يزعجه لون الدماء عندما
يراها تسيل من زوجته أو أحد أبنائه إذا ما أصابهم مكروه، فهو زوج حنين وأب
مثالى".
منقول من اليوم السابع