منتدى منارة دشنا
ذو النون المصري GWGt0-n1M5_651305796
منتدى منارة دشنا
ذو النون المصري GWGt0-n1M5_651305796
منتدى منارة دشنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ذو النون المصري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابن السمطا
عضو جديد
عضو جديد
ابن السمطا


ذكر

العمر : 41
عدد الرسائل : 65
تاريخ التسجيل : 28/11/2015

ذو النون المصري Empty
مُساهمةموضوع: ذو النون المصري   ذو النون المصري I_icon_minitime11/7/2019, 12:24 am

بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك اللهم على ما أسبلتَ علينا من خير نِعَمك، وسبلْتَ علينا من فضائل عطاياك وكرمك، وأفضتَ علينا من لذاذات معرفتك، كرَّمتنا بسلامة الفطره، وخصصتَنا بإصابة الفكرة، عززتنا بالنفْس الناطقة، وميَّزتنا بالفراسة الصادقة، وانطقتَنا بالحِكَم البالغة، بنور وجهك، اللهم اهدِنا كما ربَّيتنا في مهدنا، وقنِّعنا من رِزقك بالكفاف، وابعثنا من فِراش الغفلة متنبِّهين، واجعلنا من الصالحين، وصلِّ على سيدنا محمد أفضل خلقك وأشرفهم، وأعْلَمِهم بك وأعرَفِهم، أزكاهم عَرْفًا وأطهرهم، وأصفاهم خَلْقًا وأزهرُهم، وأسمحُهم يدًا وأجْودُهم، وأحسنُهم سيرةً وأجملهم، وعلى آل بيته وعترته من آل يس، وعلى خلفائه الميامين، وعلى أصحابه الكرام المكرمين، وعلى سائر عباد الله الصالحين، صلاةً دائمة غير زائلة، وباقية غير فانية، ومتصلة غير منقطعة، وسلِّم تسليمًا.
أمَّا بعدُ، فيقول العبد الفقير إلى رحمة ربِّه الغنيّ الكريم، ابنُ السَّمطا من آل بحرٍ، عامَله الله ووالديه وذريته بعطفه الجليّ ولُطفِه الخفيّ: أشرقَ اللهُ قلبي وقلوبَكم بأنوار اليقين، ولَطَفَ لي ولكَم بما لَطَفَ بأوليائه الصالحين، ومن هؤلاء الأولياء العَلَم الْمُضِيّ، والحكَم المرضِيّ، الناطق بالحقائق، الفائق للطرائق، له العبارات الوثيقة، والإشارات الدقيقة، نظر فعبر، وذُكِّر فازدجر، العارف ذو النون المصري صاحب الهمم الجلِيّة، والطُرُق المرضيّة، والمحاسن الجزيلة المتبَعة، والأفعال والأقوال التي لا تُخشى منها تَبِعة، زهتْ به مصر ودِيارها، وأشرق بنوره ليلها ونهارها.
وهو أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم، ويقال اسمه الفيض، وذو النون لقبٌ له. و قيل: سُمِّي بذى النون لأن (ذُو النُّونِ) بمعنى صاحب الحوت، ووجه التسمية أنه ضاع من أهل سفينةٍ جوهرٌ نفيسٌ، فأُسند إليه سَرِقتُه، ولم يُصدِّقوا بحلفه، فلما اضطرَّ توجّه ساعة فأتى حوتٌ من البحر بذلك الجوهر.
وأصله من قبط مصر، نوبي، وُلد سنه مائة وست وسبعين في قرية من قرى صعيد مصر يقال لها إخميم، وذلك في أواخر أيام المنصور.
وكان أبوه إبراهيم مولى لإسحاق بن محمد الأنصاري، وكان له أربعة بنين: ذو النون، وذو الكفل، وعبد البارئ، والهميسع.
روى ذو النون عن مالك، والليث، وابن لهيعة، وفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة، وسَلْم الخواص وجماعة غيرهم، وأخذ عنه أحمد بن صبيح الفيومي، وربيعة بن محمد الطائي، ورضوان بن محيميد، ومقدام بن داود الرعيني، والحسن بن مصعب النخعي، والجنيد بن محمد، وغيرهم.
قال أيوب مؤدِّب ذي النون: «جاء أصحاب المطالب ذا النون، فخرج معهم إلى قِفط [بصعيد مصر]، فحفروا مقبرة؛ فوجدوا لوحًا فيه: اسم الله الأعظم؛ فأخذه ذو النون، وسلّم إليهم ما وجدوا.
ومن كلامه قال ذو النون: ثلاث خِصال من الكرم: حُسن المحضر، واحتمال الزَّلَّة، وقِلة الملامة. وقال: أمَا إنّه من الحمق التماس الإخوان بغير الوفاء، وطلب الآخرة بالرئاسة، ومودة النساء بالغلظة.
وسُئل ذو النون عن المحبة فقال: قُرب القلب من المحبوب على الطمأنينة والشُّكور.
قال عمر بن صدقة الحمَّال: كنت مع ذي النون بإخميم، فسمع صوت لَهْوٍ... فقال: ما هذا؟ فقيل: عُرس لبعض أهل المدينة؛ وسمع إلى جانبه بكاءً وصياحًا وولولةً فقال: ما هذا؟ فقالوا: فلان مات، فقال لي: يا عمر بن صدقة، أُعْطِيَ هؤلاء فما شكروا، وابتُلي هؤلاء فما صبروا، ولله عليَّ إن بِتُّ في هذه المدينة. فخرج من ساعته من إخميم إلى الفسطاط.
قال ابن الجلاء: لقيتُ ستمائة شيخ ما لقيت فيهم مثل أربعة، أحدهم ذو النون.
قال يوسف بن الحسين: سمعتُ ذا النون يقول: بصحبة الصالحين تطيب الحياة، والخير مجموع في القرين الصالح؛ إن نسيتَ ذكَّرك، وإن ذكَرتَ أعانك.
وقال: قلتُ لذي النون وقت مفارقتي له: مَن أُجالس؟ قال:عليك بصحبة من يذكِّرك اللهَ عز وجل رؤيتُه، وتقع هيبتُه على باطنك، ويزيد في علمك منطقُه، ويُزهِّدك في الدنيا عملُه، ولا تعصي الله [عز وجل] ما دمتَ في قُربه، يَعِظك بلسان فِعْله، ولا يعظك بلسان قولِه.
قال ذو النون المصري رحمه الله: سألتُ حكيمًا عن العقل فقال: العقل شجرة أصلها العلم، وفرعها العمل، وثمرتها السُّنَّة.
وقال: سُقم الجسد في الأوجاع، وسُقم القلوب في الذنوب.
وقال: علامة السعادة ثلاث: متى ما زِيدَ في عُمره نقص من حِرصه، ومتى زِيدَ في ماله زِيدَ في سخائه، ومتى زِيدَ في قَدْره زِيدَ في تواضعه. وعلامة الشقاء ثلاث: متى ما زِيدَ في عمره زِيدَ في حِرصه، ومتى ما زِيدَ في ماله زِيدَ في بُخله، ومتى ما زِيدَ في قَدْره زِيدَ في تَجَبُّره وقهرِه وتكبُّره.
وقال: ما خلع الله عز وجل على عبدٍ من عبيده خِلعةً أحسن من العقل، ولا قَلَّده قِلادةً أجمل من العلم، ولا زيَّنه بزينةٍ أفضل من الحِلم، وكمالُ ذلك كله التقوى.
 دخل ذو النون المصري على بعض إخوانه ممن كان يذكر المحبة فرآه مبتلًى ببلاء يجلُّ عن الوصف، فقال ذو النون: لا يحبُّه مَن وجد ألَمَ ضَرْبِه، فقال الرجل: لكني أقول لا يحبُّه من لم يتنعَّم بضربه، فقال ذو النون: لكني أقول: لا يحبُّه من شهر نفسه بحبِّه، فقال الرجل: أستغفر الله وأتوب إليه.
عثمان قال: سمعتُ ذا النون يقول: من ذبح حنجرة الطمع بسيف اليأس، وردم خندق الحِرص، ظَفِر بكيمياء الخدمة. ومَن استقى بحبل الزُّهد على دَلْو العروق استقى من جُبِّ الحكمة، ومَن سلك أودية الكَمَد جَنَى حياةَ الأبد، ومن حصد عُشب الذنوب بمنجل الورع أضاءت له روضة الاستقامة، ومَن قطع لسانه بشفرة الصمت وجد عذوبة الراحة، ومَن تدرّع دِرع الصدق قوِيَ على مجاهدة عسكر الباطل، ومَن فرح بمدحة الجاهل ألبسَه الشيطانُ ثوبَ الحماقة.
وكان يقول: من علامات المحبِّ لله عز وجل متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسُننه.
وسُئل ذو النون عن السفلة فقال: مَن لا يعرف الطريق إلى الله ولا يتعرَّفُه.
وقال يوسف بن الحسين: حضرتُ مجلس ذي النون يومًا وجاءه سالم المغربي، فقال له: يا أبا الفيض، ما كان سبب توبتك؟ قال: عجبٌ لا تُطيقه، قال: بمعبودك إلا أخبرتَني، فقال ذو النون: أردتُ الخروجَ من مصر إلى بعض القرى، فنمتُ في الطريق في بعض الصحارى، ففتحتُ عيني فإذا أنا بقُنبرة عمياءَ سقطت من وكرها على الأرض، فانشقت الأرض فخرج منها سكرجتان إحداهما ذهب والأخرى فضة، وفي إحداهما سمسم وفي الأخرى ماء، فجعلتْ تأكل من هذا وتشرب من هذا. فقلت: حسبي، قد تبتُ ولزمتُ البابَ، إلى أن قَبِلني الله عز وجل.
وقال أبو بكر محمد بن خلف المؤدِّب: رأيت ذا النون المصري على ساحل البحر، فلما جَنَّ الليل خرج فنظر إلى السماء والماء فقال: سبحان الله ! ما أعظم شأنكما، بل شأن خالِقِكما أعظم منكما ومن شأنكما.
ولما تهور الليل –أي: ذهب أكثره- لم يزل ينشد هذه الأبيات إلى أن طلع عمود الصباح:
اطلبوا لأنفسكم... مثل ما وجدتُ أنَا
قد وجدتُ لي سكنًا... ليس في هواه عَنَا
إن بعدتُ قرَّبَني... أو قربتُ منه دَنَا
 قال أبو دجانة: سمعتُ ذا النون يقول: لا تسكن الحكمة معدةً مُلئت طعامًا.
وسئل عن التوبة فقال: توبة العوامّ تكون من الذنوب، وتوبة الخواصّ تكون من الغفلة.
قال يوسف بن الحسين الرازي: سمعتُ ذا النون المصري يقول: وجدتُ صخرةً ببيت المقدس عليها أسطر مكتوبة، فجئت من يترجمها فإذا عليها مكتوب: كل عاصٍ مستوحِشٌ، وكل مطيع مستأنِس، وكل خائف هارب؛ وكل راجٍ طالب، وكل قانعٍ غني، وكل محبٍّ ذليل. ففكّرتُ في هذه الأحرف فإذا هي أصولٌ لكل ما استعبد الله عز وجل به الخلق.
 وقال ذو النون: قال الله تعالى: مَن كان لي مطيعًا كنتُ له وليًّا، فليثق بي وليحلم عليّ؛ فوعزتي لو سألني زوالَ الدنيا لأزلتُها له.
وقال لرجل: احذرْ أن تنقطع عنه فتكون مخدوعًا. فقال له: فكيف ذلك؟ قال: لأن المخدوع مَن ينظر إلى عطاياه فينقطع عن النظر إليه بالنظر إلى عطاياه. ثم قال: تعلَّق الناس بالأسباب، وتعلَّق الصِّدِّيقون بوليّ الأسباب.
وكان ذو النون يقول: الناس كلهم موتى إلا العلماء، والعلماء كلهم نيام إلا العاملون، والعاملون كلهم مغترُّون إلا المخلصين، والمخلصون على خطر عظيم؛ قال الله عز وجل: (( لِيسأل الصادقين عن صدقهم)).
قال عبد البارئ: سألت ذا النون رحمه الله فقلت: لم صُيِّر الموقف بالمشعر الحرام ولم يُصَيَّر بالحرم؟ فقال لي: الكعبة بيت الله، والحرم حجابه، والموقف بابها؛ فلما قصده الوافدون أوقفهم بالباب يتضرعون، فلما أَذِن لهم بالدخول أوقفَهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة؛ فلما نظر إلى طول تضرُّعهم له أمرهم بتقريب قُربانهم، حتى إذا قرّبوا قُربانهم وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت لهم حجابًا دونه أمرهم بالزيارة على طهارة. قلت: يا أبا الفيض، فلم كُرِه الصوم أيام التشريق؟ فقال: القوم في ضيافة الله، فلا ينبغي للرجل أن يصوم عند من ضاف به. قلت: فما بال القوم يتعلقون بأستار الكعبة؟ فقال: مَثَلُ ذلك كمَثَل رجل له على رجل دين، فهو يتعلَّق بثوبه ويخضع له رجاء أن يهب له ذلك الدين. ثم قال: علامة تعلُّق قلوبهم بالعطايا طلبهم منه العطايا، ومن علامة تعلق قلب الصِّدِّيق بوليِّ العطايا انصباب العطايا عليه وشغله عنها به. ثم قال: ليكن اعتمادك على الله عز وجل في الحال، لا على الحال مع الله. ثم قال: اعقلْ فإنَّ هذا من صفة التوحيد.
وقال محمد بن أحمد بن سلمة: سمعت ذا النون يقول وقد سألتُه عند الفراق أن يوصيني فقال: لا يشغلنَّك عيوب الناس عن عيب نفسك، لست عليهم برقيب.
وقال ذو النون: رأيت فى جبلٍ لُكام فتى حسن الوجه حسن الصوت وقد احترق بالعشق والوَلَه، فسلمت عليه فردّ عليّ السلام وبقي شاخصًا يقول:
أَعْمَيْتَ عيني عن الدنيا وزينتها... فأنت والروح شىء غير مفترِقِ
إذا ذَكَرتُك وافَى مقلتي أرَقٌ... مِن أول الليلِ حتى مَطْلع الفَلَقِ
وما تطابَقَتِ الأحداقُ عن سِنَةٍ... إلّا رأيتُك بين الجفن والحَدَقِ
قلت: أخبِرني ما الذي حبّب إليك الانفراد، وقطعك عن المؤانسين، وهيَّمك فى الأودية والجبال؟ فقال: حُبِّي له هيَّمني، وشوقي إليه هيَّجني، ووجدي به أفردني. ثم قال: يا ذا النون، أعجبك كلامُ المجانين؟ قلتُ: إي واللهِ وأشجاني. ثم غاب عني فلم أدْرِ أين ذهب رضى الله عنه.
 وقال ذو النون: النُّقَباء ثلاثمائة، والنُّجَباء سبعون، والأبدال أربعون، والأخيار سبعة، والعمدة أربعة، والغوث واحد.
 وقال سعيد بن عثمان: سمعت ذا النون يقول: مَن ذَكَر اللهَ على حقيقةٍ نسي في جنبه كلَّ شيءٍ، ومَن نسي في جنب الله كلَّ شيءٍ حَفِظ الله عز وجل عليه كلَّ شيء، وكان له عوضًا من كل شيء.
قال: وسمعتُه يقول: أكثرُ الناسِ إشارةً إلى الله في الظاهر أبْعَدُهم من الله.
قال: وسمعتُه يقول: إِلَهِي، إن كان صَغُر في جنب طاعتك عَمَلي فقد كَبُر في جنب رجائك أمَلي.
قال: وسمعتُه يقول: مَن ذَبَح حنجرة الطمع بسيف اليأس، ورَدَم خندق الحِرص؛ ظَفِر بكيمياء الخدمة، ومَن استقى بحبل الزهد على دَلْو المعروف استقى من جُبِّ الحكمة، ومَن سلك أودية الكمد جَنَى حياةَ الأبد، ومَن حصد عشب الذنوب بمنجل الورع أضاءت له روضة الاستقامة، ومَن قَطَع لسانه بشفرة الصمت وجد عذوبة الراحة، ومَن تدرَّع دِرع الصدق قَوِي على مجاهدة عسكر الباطل، ومَن فرح بمدحة الجاهل ألبسه الشيطانُ ثوبَ الحماقة.
وقال: سمعتُ ذا النون يقول: ما طابت الدنيا إلا بذِكْره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنة إلا برؤيته.
وقال ذو النون: ما أعزَّ اللهُ - عز وجل - عبدًا بعِزٍّ هو أعزُّ له من أن يَدُلَّه على ذُلِّ نفسه، وما أذلَّ اللهُ -عز وجل- عبدًا بذُلّ هو أذلُّ له من أن يحجبه عن ذُلِّ نفسه.
وكان يقول: كل مطيع مستأنِس، وكل عاصٍ مستوحِش، وكل محبٍّ ذليل، وكل خائفٍ هارب، وكل راجٍ طالب.
وقال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون يقول: أنت مَلِكٌ مُقتدِر، وأنا عبدٌ مفتقِر، أسألك العفوَ تذلُّلًا، فأعطِنيه تفضُّلًا.
وقال: مِن المحال أن يَحسُن منك الظنُّ ولا يَحسُن منه الْمَنّ.
وقال: مَن تطأطأ لقط رُطَبًا، ومَن تعالى لَقِي عَطَبًا.
ودعاه أمير مصر وسأله عن اعتقاده، فتكلم، فرضي أمْرَه. وطلبه المتوكّل، فلمّا سمع كلامه وَلِع به وأحبَّه، وكان يقول: إذا ذُكِر الصالحون فحَيَّ هَلَا بذي النون.
ولما ذُهِبَ بذي النون المصري إلى العراق وأُدخِل على الواثق محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد أعدَّ السيف والنطع، فلمَّا عاينه أدناه وقرَّبَه وقال: مرحبًا بك. ودعا له بغاليةٍ فطيَّبه بيده وقال: أتعبناك يا أبا الفيض، انصرف راشدًا. فقال الوزير: فعلتَ بهذا المصري ما لم تفعله بأحد. فقال: ويحك، إن لم أفعل ما رأيتَ لظننتُ أني أوخذ. فقال الوزير: قد رأيتُه واللهِ يحرِّك شفتيه، أفتأذن لي عن سؤاله في ذلك؟ فقال: نعم. فسأله، فذكر الدعاء الذي قاله.
وقال عمرو السراج: قلت لذي النون: كيف كان خلاصك من المتوكل وقد أمر بقتلك؟ قال: لما أوصلني الغلام إلى الستر رفعه ثم قال: ادخل، فإذا المتوكل في غلالة مكشوف الرأس، وعبيد الله قائم على رأسه متكئ على السيف؛ وعرفت في وجوه القوم الشر، ففُتِح لي باب فقلت في نفسي: يا مَن ليس في السماوات قطرات، ولا في البحار قطرات، ولا في ديلج الرياح ديلجات، ولا في الأرض خبيئات، ولا في قلوب الخلائق خطرات، ولا في أعضائهم حركات، ولا في عيونهم لحظات، إلا وهي ساهرات، وعليك دالّات، وبربوبيتك معترفات، وفي قدرتك متحيرات؛ فبالقدرة التي تحير بها مَن في الأرضين ومَن في السماوات إلا صليت على محمد وعلى آل محمد وأخذت قلبه عني. قال: فقام المتوكل يخطو حتى اعتنقني ثم قال: أتعبناك يا أبا الفيض، إن تشأ أن تُقيم عندنا فأَقِم، وإن تشأ أن تنصرف فانصرف. فاخترتُ الانصراف.
 
قال يوسف بن الحسين: سئل ذو النون عن الاستغفار فقال: يا أخي، الاستغفار اسم جامع لمعانٍ كثيرة؛ أوَّلُهن الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك الرجوع إلى الذنوب، والثالث أداء كل فرض ضيَّعتَه فيما بينك وبين الله عز وجل، والرابع أداء المظالم إلى المخلوقين في أموالهم وأعراضهم أو مصالحتهم عليها، والخامس إذابة كل لحم ودم نبت من الحرام، والسادس إذاقة البدن أَلَم الطاعات كما ذاق حلاوة المعصية.
وقال رحمه الله: إن لله صفوةً من خلقه، وإن لله الخيرة، قيل: يا أبا الفيض ما علامتهم؟ قال: إذا خلع العبد الراحة، وبلغ المجهود في الطاعة، وأحبّ سقوط المنزلة، ثم قال:
منع القُران بوعده ووعيده... مُقَل العيون بليلها لا تهجعُ
فهِمُوا عن الملك الكريم كلامَه... فهمًا تذلّ له القلوبُ وتخضعُ
وقال رحمه الله تعالى: إلهي، سمع العابدون بذكر عذابك فخشعوا، وسمع المذنبون بحسن عفوك فطمعوا. إلهي، إن كانت الخطايا أسقطتني لديك فاعفُ عني بحسن توكُّلي عليك.
وقال رضي الله عنه: مررتُ بدَيرٍ فوجدتُ فيه رجلًا يعبد الشمس من دون الله تعالى، فقلت له: يا شيخ لمن تعبد؟ فقال: الشمس، فقلت له: دَعْ، واعبد الله الذي خلقك وخلق السموات والأرض والشمس والنجوم والليل والنهار والشجر والجبال، وخلق كل شيء فقدره تقديرا. فقال: تَصَرَّمَ حبلي وفني عمري، ولا حصل لي تقوى الله، ولا انصلح لي شأن، فواللهِ إنني خائف من فضيحتي منه إذا نُصِب الميزان، يا ذا النون، القلب مغلوق، والمفتاح معدوم، والشقاء قد قيّد القدمين، والقضاء قد أعمى العينين، وكيف لي بالصلح والباب في وجهي مردود وأنا منه مهزوم.... فقال ذو النون: يا إلهي، هذا عبدك قد عزم على الصلح، والخير كله بيدك. فناداه المجوسي: يا ذا النون، قد جاء المفتاح من عند الفتاح، فبكى ذو النون بكاء شديدا، فقيل له: تبكي؟ فقال: إني خائف حين فتح عليه الباب أن يُغلق في وجهي. فنودي: ياذا النون، لا تظن بنا إلا خيرا.
وقال رضي الله عنه: رأيتُ شابًّا متعلقًا بأستار الكعبة وهو يقول: يا رب، اعفُ عني عمّا فعلتُه في أيام غفلتي، فقد فني جسمي، فهتف به هاتف وهو يقول: إنا لا نؤاخذ العبد بما فعله في أيام غفلته.
وقال رحمه الله: كان في جواري شاب مسرف على نفسه كثير الخطايا، فمرض، فدخلت عليه أعوده فإذا هو قد مات وأوصى أن يُكتَب على قبره شيء، فرأيته في منامي فقلت له: ما فعل الله بك ؟ قال: غفر لي. فقلت: بماذا؟ قال فكرت في جُرمي وفي عفوه فرأيت عفوه أكثر من جرمي. قال ذو النون: فلما أصبحتُ جئت إلى قبره فإذا عليه مكتوب:
حُسن ظني بك يا... ربِّ جَرَّاني عليك
فارحم اللهم عبدًا... صار رهنًا في يديك
 وقال رضي الله عنه: عطشتُ في بعض أسفاري عطشًا شديدًا، فعدلت إلى بعض السواحل أريد الماء، فإذا أنا بشخص قد ائتزر بالحياء والإحسان، وتدرَّع بدِرع البكاء والأحزان، قائم على ساحل البحر يصلي، فلما سلّم دنوتُ منه، وسلمتُ عليه قال: وعليك السلام يا ذا النون. قال: فقلت له: يرحمك الله، من أين عرفتني؟! قال: اطَّلع شعاع أنوار المعرفة من قلبي على صفاء نور المحبة من قلبك، فعرفت روحي روحك بحقائق الأسرار، وأَلِفَ سِرِّي سِرَّك في محبة العزيز الجبار. قال: فقلت: ما أراك إلا وحيدا! قال: ما الأنس بغير الله إلا وحشة، وما التوكل بغيره إلا ذُلّ. فقلت له: أما تنظر إلى تغطغط هذا البحر، وتلاطم هذه الأمواج؟ فقال: ما بك من العطش أكثر من ذلك. فقلت: نعم، فدَلَّني على الماء بقرب منه فشربتُ، ورجعتُ إليه فوجدته يبكي بشهيق وزفير. فقلت له: يرحمك الله، ما يبكيك؟. فقال: يا أبا الفيض، إن لله عبادًا سقاهم بكأس محبته شربة أذهبتْ عنهم لذة الكرى. قال: فقلت له: دُلّني على أهل ولاية الله يرحمك الله. قال: هم الذين أخلصوا في الخدمة، فاستخصوا بالولاية، وراقبوا مولاهم ففتح لهم في نور القلوب. قال: فقلت له: ما علامة المحبة؟ فقال: المحب لله غريق في بحر الحزن إلى قرار التحير. قال: فقلت له: ما علامة المعرفة؟ قال: العارف بالله لم يطلب مع معرفته جنة، ولا يستعيذ من نار، فعرفه له ولم يُعظّم سواه معه. ثم شهق شهقة عظيمة فخرجت روحه، فواريتُه في الموضع الذي مات فيه، وانصرفت عنه، رحمه الله.
تُوفّي ذو النون سنة خمس وأربعين ومئتين. وقيل: مات بالجيزة وحمل في مركب وعُدي به إلى الفسطاط خوفا عليه من زحمة الناس على الجسر. ودُفن في مقابر أهل المعافر. قال أبو بكر بن زبان: وقفت في حمام الغلة بمصر وقد جاؤوا بنعش ذي النون، فرأيت طيورًا خُضرًا تزقزق عليه إلى أن وصل إلى قبره، فلما دُفن غابت. وقال ابن خلكان: إنه دُفن بالقرافة الصغرى وعلى قبره مشهد مبني، وفي المشهد أيضا قبور جماعة من الصالحين، وكان في حياته أهل مصر يسمونه الزنديق، فلما مات أظلَّت الطير جنازته فاحترموا بعد ذلك قبره، ولما مرض ذو النون مرضه الذي مات فيه قيل له: ما تشتهي؟ قال: أن أعرفه قبل موتي بلحظه.
وممن يقال له: ذو النون المصرى بإخميم: أبو الفيض ذو النون بن أحمد بن صالح بن عبد القدوس الإخميمى - أبو الفيض ذو النون أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إسحاق المصرى الإخميمى المعروف بالقصار - أبو الفيض: ذو النون بن يحيى بن على الإخميمى المصرى.
((رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))


ابن السمطا من آل بحر من نسل عيسى بن خلف بن بحر الشهير برحمة من نسل الحسين بن علي رضي الله عنه، وأم الحسين هي السيدة البتول فاطمة الزهراء بنت سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ذو النون المصري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حملة الشعب المصري لمساندة المنتخب المصري وإلغاء صعود الجزائر كأس العالم
» ألف مبروووووووووووك للفريق المصري
» اخبار المنتخب المصري
» ترتيب فرق الدوري المصري
» امتي المصري بيفرح!!!!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى منارة دشنا :: القسم الإسلامي :: إسلاميات-
انتقل الى: