بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى أظهر في سماء رحمته الأزلية شموس أنوار المعارف المحمدية، فتح به ما أُغلق من الأنوار، وسائر المعارف والأسرار، فأُصعِد علي منصّه التكريم والتشريف والاجلال، فكان أول الأنبياء، ثم اختُتمت به الرسلات الإلهيه، وجعله أشرف نوع الإنسان، وإنسان عيون الأعيان، المستخلص من خالص الخلاصة العدنانية، أحمده إذ رفع بالسعاده قَدْرَ مَن شاء من عباده، وجعلهم من احبَّته وخاصته وأهل وداده، رفع لهم درجاتهم، وأكرم منازلهم، وزاد لهم في عطائه وإمداده، وأشكره إذْ خلق نبيَّنا محمدًا فجعله خير مولود وأفضل محبوب، تنقَّل بين أشرف الأصلاب وأطهر البطون علي مرور الأيام والأعوام والدهور، فلمَّا وُلِد جعل الله عقلَه معارف، وصدرَه مشكاةَ نورٍ، وقلبَه مصباح البدور، وأنفاسَه عبير مسك وعنبر وورود، وكلامه دليل معرفه حقٍّ وشهود، فقد جمع صلّى الله عليه وسلم ما تفرّق في الأنبياء من المكارم، وزاده الله عليهم في العطاء، فأُعطي خلْق آدم، ومعرفة شيث، وشجاعة نوح، وخُلة إبراهيم، ولسان إسماعيل، ورضا إسحاق، وفصاحة صالح، وحكمة لوط، وبشرى يعقوب، وشدة موسى، وصبر أيوب، وطاعة يونس، وجهاد يوشع، وصوت داود، وحب دانيال، ووقار إلياس، وعصمة يحيى، وزهد عيسى، وغُمِس في اخلاق النبيين، فأيّده الله تعالى بالمعجزات الباهرة، وأكرمه بالآيات الظاهرة، وخصّه بالشفاعة العظمى في الدار الآخرة، صلّى الله عليه وسلّم عليه وعلي عترته الطاهرة، وصحابته النجوم الزاهرة، أما بعد فيقول الفقير إلى الله تعالى الهادي، ابنُ السَّمطا من آل بحرٍ غفرالله له ولوالديه وذريته و صانه الله من شر الحساد وكيد الأعادي: هذه عجاله لطيفة من لطيف لطائف نفحات العواطف الرحمانية، ومنحة خاطفة من موانح منح مواهب العطايا الربانية، تنبئ عن نبذة سريعه من كمال شرف نبينا محمد عليه أفضل الصلوات وأزكي التسليم وأسنى الصلات. خلق الله تعالى صورة رسوله الأعظم ونبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم على الوجه الأتم ; ولذا قيل من تمام الإيمان به اعتقاد أنه لم يجتمع في بدن آدميٍّ من المحاسن الظاهرة الدالة على محاسنه الباطنة ما اجتمع في بدنه صلى الله عليه وسلم، فقد قال أحد المحبين:فأنت رسول الله أعظمُ كائنٍ ... وأنت لكل الخلق بالحق مرسَلُعليك مدار الخلق إذ أنت قُطبه ... وأنت منار الحق تعلو وتعدلُفؤادك بيت الله دار علومه ... وباب عليه منه للحق يُدخَلُينابيعُ عِلْمِ الله منه تفجَّرت ... ففي كل حيٍّ منه لله منهلُمنحت بفيض الفضل كل مفضَّل ... فكل له فضل به منك يفضلُنظمت نثار الأنبياء فتاجُهم ... لديك بأنواع الكمال مكلَّلُفيا مدة الإمداد نقطة خطه ... ويا ذروة الإطلاق إذ يتسللمُحالٌ يحول القلبُ عنك وإنني ... وحقِّك لا أسلو ولا أتحولُعليك صلاة الله منه تواصلتْ ... صلاة اتصال عنك لا تتنصلُياسيدي يا حبيب الله، لقد شخصت أبصار بصائر سكان سدرة المنتهى لجلال جمالك، وحنّت متشوقةً أرواح رؤساء الأنبياء إلى مشاهدة كمالك، وتلفتَّت لفتاتُ أنفس الملأ الأعلى إلى نفائس نفحاتك، وتطاولتْ أعناق العقول إلى أعين لمحاتك ولحظاتك، فعَرَج بك إلى المستوى الأقدس، وأطْلَعَك على السرِّ الأَنْفَس، فى إحاطته الجامعة، وحضرات حظيرة قدسه الواسعة، فوقفت أشخاص الأنبياء فى حرم الحرمة، على أقدام الخدمة، وقامت أشباح الملائكة فى معراج الجلال، على أرجل الإجلال، وهامت أرواح العشاق فى مقامات الأشواق، اشتاق القمر لمشاهدتك فانشقّ فشَقَّ مرائر الأشقياء المشاققين، وحنّ لمفارقتك الجذع فتصدَّع فانصدعت قلوبُ الأغبياء المنافقين، ومنحك ربُّك أعلى مواهب الشرف فى اليوم المشهود، فأنت الشاهد والمشهود، والمحمود بالمحامد التى يُلهمها للحامد المحمود، صاحب المنزلة العلية، والدرجة السَّنِيّة، فى حظائر القدس الأقدسية، والمشاهد الأنفَسية، قال الأديب جمال الدين الدمشقى:يا عينُ إنْ بَعُدَ الحبيبُ ودارُه ... ونأتْ مرابعُه وشطّ مزارُهُفلقد ظَفِرْتِ من الزمان بطائلٍ ... إنْ لم تريه فهذه آثارهولقد سبقه إلي ذلك الصلاح الصفدي، فقال:أكْرِمْ بآثار النبيِّ محمدٍ ... مَن زاره استوفي السرور مزارُهُيا عينُ دونكِ فانظري وتمتَّعي ... إنْ لم تريه فهذه آثارُهُواقتدى بهما في ذلك أبو الحزم المدني، فقال:يا عينُ كم ذا تسفحين مدامعًا ... شوقًا لقُرب المصطفي وديارِهِإنْ كان صَرْفُ الدهر عاقَكِ عنهما ... فتمتَّعي يا عينُ في آثارِهِوبالجملة فآثاره صلّى الله عليه وسلم ومآثره هى الواسطة العظمى، فبركته صلى الله عليه وسلم باقيه إلى آخر الزمان. فإنّ موسى قد جاء بالأحكام، وداود امتاز بدعاء الله والتغنّي بمناجاته، وعيسى بُعث ليعلم الناس مكارم الأخلاق والزهد في الدنيا، وأما نبينا محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقد جاء بكل ذلك، وكلّ هذا تجده في القرآن الحكيم لفظا ومعنى، وفي السيرة المحمدية قدوة وعملا. لقد زكَّى الله تعالى نبينا في كتابه تزكية ما زكاها لأحد من خلقه: فزكَّى الله له عقله" فقال: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ﴾، وزكَّى صدره فقال: ﴿ألَمْ نشرحْ لك صدرَك﴾، وزكَّى فؤاده فقال ﴿ما كَذَبَ الفؤادُ ما رَأَى﴾، وزكّى لسانه فقال: ﴿ وما ينطق عن الهوى﴾ 3 النجم وزكى "بصره" فقال: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ﴾، وزكَّى يده فقال: ﴿وما رمَيْتَ إذ رَمَيْتَ ولكنَّ الله رَمَى﴾، وزكَّى أُذُنه فقال: ﴿أُذُنُ خيرٍ لَكُم﴾، وزكَّى وجهه فقال: ﴿قد نرى تقلُّبَ وجهِك فى السماء﴾، وزكَّى جسده فقال: ﴿وما كان الله لِيُعذِّبَهم وأنتَ فيهم﴾، وزكَّى شرعه فقال: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾، وزكَّى ذِكْرَهُ فقال: ﴿ورَفَعْنَا لكَ ذِكْرَكَ﴾، وزكي طهره فقال: ﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ﴾، زكّى حِلْمه فقال: ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، وزكاه في معلِّمه فقال: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ﴾، وزكّى أصحابه فقال: ﴿والذين معه أشدّاء على الكفار رُحَماء بينهم﴾، وزكّى دَعْوَته فقال: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، وزكّاه كله فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وفى الأثر: أن خالد بن الوليد خرج فى سَرِيّة من السرايا، فنزل ببعض الأحياء فقال له سيد ذلك الحى: صف لنا محمدًا فقال: أمَّا أنِّى أفَصِّل فلا، فقال الرجل: أجْمِل، فقال: الرسول على قَدْر المرسِل. ذكره ابن المنير. وعن وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى- قال: قرأت في أحدٍ وسبعين كتابًا فوجدت فيها أنَّ الله تعالى لم يُعْطِ جميع الأوّلين والآخرين من العقل في جنْب عقل نبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم إلّا كحبّةِ رمل من رمال الدّنيا. قال تعالى: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)) قال عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن الحسن البصري رحمه الله تعالى: أنه تلا هذه الآية فقال: هذا حبيب الله تعالى، هذا صفوة الله، هذا أحبّ أهل الأرض إلى الله، أجاب الله تعالى في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله تعالى فيه. وعن أبى هريرة: ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كأن الشمس تجرى فى وجهه. وقد أثبت القرآن نورانية النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } [المائدة: 15]، وقال تعالى: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 46]. فهو صلى الله عليه وسلم نورٌ ومُنير، ولا شيء في أن يعتقد المؤمن بأنه صلى الله عليه وسلم نور لأن الله عز وجل قد وصفه وسماه نورًا، وجاء في السنة أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون: إن وجهه صلى الله عليه وسلم كالقمر [رواه النسائي] وقدر أخبرنا صلى الله عليه وسلم أنه عندما حملت فيه أمه رأت نورًا أضاء لها قصور بُصْرَى من أرض الشام. وفي حديث أنس عند عبد بن حميد: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس. ولذلك يقول الإمام عليّ في وصفه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لم أرَ قبله ولا بعده مثله.وتمام حسنه صلى الله عليه وسلم منزه عن الشريك كما قال البوصيري شرف الدين في قصيدته الميمية: أكرِمْ بخَلْقِ نبيٍّ زانهُ خُلُقٌ ... بالحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بالبِشْرِ مُتَّسِمِكالزَّهرِ فِي تَرَفٍ والبَدْرِ فِي شَرَفٍ ... والبَحْر في كَرَمٍ والدهْرِ فِي هِمَمِمُنَّزَّهٌ عن شريكٍ فِي محاسنهِ ... فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فِيهِ غيرُ مُنْقَسِمِوالنبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل يثرب أضاء منها كل شيء، لذا سميت بالمدينة المنورة . وحكى القرطبى- فى كتاب الصلاة- عن بعضهم أنه قال: لم يظهر لنا تمام حُسنه صلى الله عليه وسلم لأنه لو ظهر لنا تمام حُسنه لما أطاقت أعيننا رؤيته صلى الله عليه وسلم، فإذا كان في الآخرة ظهر تمام ذلك. وأقول: إن وصْفه صلى الله عليه وسلم بالنور لا يتعارض مع وصفه بالبشرية، فهو بشر بلْ وسيّد البشر، فهو صلى الله عليه وسلم نور بحاله وبذاته وبمقاله وبأفعاله، ونور لمن معه ومن بعده. وقالت أم معبد رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب. رواه البيهقي. وعو الرُّبَيِّع بنت معوذ قالت: لو رأيتَه لقُلت الشمس طالعة. ويحكى أن العارف الكبير أبا حفص عمر بن الفارض رحمه الله تعالى قيل له: لم لا مدحتَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟! فأنشد قائلا:أري كلَّ مدحٍ في النبيّ مقصِّرًا ... وإنْ بالغَ المُثْنِي عليه وأكثرَاإذا اللهُ أثنى بالذي هو أهلُه ... عليه، فما مقدار ما يمدح الوري؟! فيوسف كان من أحسن الناس، فأما نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنّه كان أحسنَ الناس، وجاء في شرح الشمائل للمناوي فإن قيل: إن يوسف عليه الصلاة والسّلام كان إذا مرّ بأزِقَّةِ مصرَ يتلألأ نوره على الجدران تلألؤ الشمس والماء على الجُدران , قيل: محمّد - صلى الله عليه وسلم - كان إذا مشى في الشمس لا يوجَد له ظلّ من شدّة نوره على نور الشمس , وهذا أعظم من تلألؤ نور يوسف عليه السلام. ولعل قائلًا يقول: إن النسوة قطَّعن أيديهن لما رأينَ حُسن وجمال يوسف عليه السّلام إذ أنه عليه السّلام أوتى شطر الحسن، فلماذا لم يحصل مثل هذا الأمر مع النبى صلّى الله عليه وسلم مع أنه أوتى الجمال والحسن كله؟ فنقول: لأن سيدنا محمدًا صلّى الله عليه وسلم كان يعلوه الوقار والهيبة في حسنه وجماله من عظمة النور الذى كلّله الله تعالى به، فهو قد نال صفات كمال البشر جميعًا خُلُقا وخَلْقا، فهو أجمل الناس وأكرمهم وأشجعهم على الإطلاق، وأزكاهم وأحلمهم وأعلمهم، فكان الصحابة إذا جلسوا مع النبي صلّى الله عليه وسلم كأن على رؤوسهم الطير من الهيبة والإجلال، والطير تقف على الشيء الثابت الذى لا يتحرك. وما أحسن قول صاحب البردة رحمه الله تعالى: فاق النّبيّين في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ ... ولم يدانوه في عِلْمٍ ولا كرمِوكلّهم من رسول الله ملتمسٌ ... غَرْفًا من البحر أو رشْفًا من الدّيَمِ وواقفون لديه عند حدّهمُ ... من نقطة العِلم أو من شكلة الحِكَمِفهو الّذي تمّ معناه وصورته ... ثمّ اصطفاه حبيبًا بارئُ النّسَمِ منزّه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسمِ وأحسن البوصيرى أيضًا حيث قال:أعيى الورى فَهْمُ معناه فليس يُرى ... للقرب والبُعد فيه غير منفحمِكالشمس تظهر للعينين من بعدٍ ... صغيرة وتكلُّ الطرفَ من أَمَمِ وهذا مثل قوله أيضا:إنما مثَّلوا صفاتك للنا ... سِ كما مثَّل النجومَ الماءُوأشار بقوله «تظهر» إلى وجه التشبيه بالشمس لا مطلقا، ولقد بين عيب التشبيه بها على الإطلاق أبو النواس حيث قال:تتيه الشمس والقمر المنيرُ ... إذا قلنا كأنهما الأميرُلأن الشمس تغرب حين تُمسي ... وأن البدر ينقصه المسيرُوهذه التشبيهات الواردة فى حقه- صلى الله عليه وسلم- إنما هى على سبيل التقريب والتمثيل، وإلا فذاته أعلى ومجده أغلى. ولله در القائل: لم لا يضئ بك الوجود وليلُه ... فيه صباح من جمالك مُسفرُفبشمس حُسنك كلُّ يومٍ مشرقٌ ... وببدر وجهك كلُّ ليلٍ مقمرُفأما رأسه الشريف المقدَّس فحسبك ما ذكره الترمذى فى جامعه بسنده إلى هند بن أبى هالة قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عظيم الهامة .وقال نافع بن جبير: وصف لنا علي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان عظيم الهامة .وأما وجهه الشريف فحسبك ما روى الشيخان من حديث البراء قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم خَلْقًا، ليس بالطويل الذاهب، ولا بالقصير البائن. وروي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حُلّة حمراء، ونظرت إلى القمر ليلة البدر فلَهُوَ أحسن في عيني من القمر . وسُئلَتِ الرُّبَيّع بنت مُعوذ عن صفته صلى الله عليه وسلم فقالت: لو رأيتَه رأيتَ الشمس طالعةً. أما مَن كانو يشبهون المصطفي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يكون كل منهم كان أشد شبها به في بعض أعضائه،كما بين كثير من العلماء. وقال الإمام علي فى صفة النبي صلى الله عليه وسلم: «لم أر قبله ولا بعده مثله»، وقال أنس: «لم يكن أحدٌ أشْبَه بالنبى صلى الله عليه وسلم من الحسن بن على» وعن ابن سيرين عنه «كان الحسين أشبههم بالنبى صلى الله عليه وسلم» ويمكن الجمع بأن يكون أنس قال ما وقع فى رواية الزهرى فى حياة الحسن، لأنه كان يومئذ أشد شبهًا بالنبي صلى الله عليه وسلم من أخيه الحسين. وأما ما وقع فى رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك، أو المراد بمن فضل عليه الحسين فى الشبه كان مَن عدا الحسن، ويحتمل أن يكون كل منهما كان أشد شبهًا به فى بعض أعضائه، فقد روى الترمذى وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن على قال: الحسن أشبهَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما بين الرأس إلى الصدر، والحسين أشبه النبى صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك .وقد عدوا من كان له شبه بالنبى صلى الله عليه وسلم سوى الحسن والحسين: جعفر بن أبى طالب، وقد قال صلى الله عليه وسلم لجعفر: «أشبهتَ خَلْقِي وخُلُقي». وابنه عبد الله بن جعفر، وقُثَم بن العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ومسلم بن عقيل بن أبى طالب، ومن غير بنى هاشم: السائب بن يزيد المطَّلبي الجد الأعلى للإمام الشافعى، وعبد الله بن عامر بن كُرَيز، وكابس بن ربيعة رجل من أهل البصرة، وجه إليه معاوية، وقبله بين عينيه وأقطعه قطيعة، وكان أنس إذا رآه بكى. فهؤلاء عشرة، ونظمهم شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل ابن حجر فقال:شبه النبي لعشرٍ سائب وأبي ... سفيان والحسنين الطاهرين هُمَاوجعفرٍ وابنِه ثم ابنِ عامرهم ... ومسلمٍ كابسٍ يتلوه مع قُثَماوعدهم بعضهم: سبعة وعشرين. وممن كان يشبهه أيضا: فاطمة ابنته، وإبراهيم ولده. وولدا جعفر، عبد الله السابق ذكره وأخوه عون. وكان يشبهه أيضًا من أهل البيت غير هؤلاء: إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن علي ابن أبي طالب. ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن علي بن الحسين ابن علي، وكان يقال له: الشبيه. قال الشريف محمد بن أسعد النسابة فى الزورة الأنيسة لمشهد السيدة نفيسة أنه كان ليحيى هذا موضع خاتم النبوة شامة قدر بيضه الحمامة، تشبه خاتم النبوة، وكان إذا دخل الحمام ورآه الناس صلوا على النبى صلى الله عليه وسلم وازدحموا عليه يقبلون ظهره تبرُّكًا، ولذا وصف بالشبيه. والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب. وعلي بن على بن نجاد بن رفاعة الرفاعي شيخ بصرى من أتباع التابعين. وقد أحصى الإمام العلامة شيخ الإقراء بدمشق في زمانه وإمام جامعها أبو العباس أحمد شهاب الدين الرَّملي ثم الدِّمَشقي الشافعي، بعضَ أسماء مَن كانوا يُشبِهون رسول الله، فقال:بالمُصطفى شُبِّه بعضُ الناسِ ... فاحفظْهمُ ولا تكن بالناسِي فاطِمةُ الزهراء وابناها الحسَنْ ... ثم حُسينٌ وكلاهما حسَنْوابنُ رسول الله إبراهيمُ ... ونوفلُ بنُ الحارثِ العظيمُوابنُ ابنِه انشرْ بالجميلِ ذِكرَهْ ... أبو محمَّد أمير البَصرَهْوجعفَرٌ وابناه عبداللهِ ... وعَونًا اذْكرْ لا تكنْ باللاهيوابنا عَقيل وهما محمَّدُ ... ومُسلِمٌ والسائب المُمجَّدُابن يَزيد وهْو جدُّ الشافعِي ... إمامِنا الأعظم نجْلِ شافِعِوالحَبرُ عبدالله ذا ابن عامِرِ ... ابن كُريز العَبشميِّ الفاخِرِوكابِس والِدُه رَبيعَهْ ... ابن عدي نِسبةٌ رَفيعهْكذا عليُّ بن عليِّ بن نجادْ ... ابن رِفاعةَ الرِّفاعيّ الجوادْاليَشكُرِي وعُدَّ بعد اليَشكُرِي ... يَحيى هو ابن القاسمِ بن جعفَرِابن محمدٍ ومولانا علِي ... ابن حسين بن عليٍّ الولِيوولد العباس وهْو قُثَمُ ... وابن مُعتِّب المسمى مُسلِمُوالقاسِم الثَّبْت ابن عبداللهِ ... ابن محمدٍ عظيمِ الجاهِفجدُّه عقيلٌ الكريمُ ... كذا ابنُ عبدالله إبراهيمُوجدُّه فالحسن بنُ الحسنِ ... ابن عليٍّ يا لهُ مِن مُحسِنِوالسيدُ المهدِي الَّذي سيَظهرُ ... قُبَيل عيسى وبهِ يُبشّرُوابن أبي طلحةَ عبداللهِ ... وذاك خَولانِي بلا اشتِباهِوابنُ عُوانةَ الشريفُ المَغربِي ... أحمدُ لُقِّبَ الشبيهَ بالنبِيقد جاء في تاسِعِ قرنٍ قد مضَى ... ووجْهُه على البُدور قد أَضَاوقد رأيتُه لطيفَ الذاتِ ... مُمدَّحًا بأحسنِ الصِّفاتِوذكَروا عُثمانَ في التشبيهِ ... بالمُصطَفى وليسَ بالوَجيهِوأثَرٌ فيه أتى موضُوعُ ... مُختلَقٌ في شبهِه مَصنوعُوهْو جَميلُ الذِّكْرِ عالي الدرَجهْ ... وبابنتَيهِ المُصطفى قد زوَّجَهْصلَّى عليه ربُّنا وسلَّما ... والآلِ والصَّحبِ الكِرام العُظَمَاوالمراد بالشبه هنا، الشبه فى البعض، وإلا فتمام حسنه صلى الله عليه وسلم منزَّهٌ عن الشريك، ومما نظمه في هذا المعني حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري، أبو الوليد الصحابي، شاعر النبيّ صلى الله عليه وسلم:وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني ... وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ خُلِقتَ مُبَرَّءًا مِن كُلِّ عَيبٍ ... كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ وقال أيضا: لَمَّا نظرتُ إلى أنواره سطعتْ ... وضعتُ من خيفتي كفِّي على بصـري خوفاً على بصـري من حُسن صورته ... فلستُ أنظره إلا على قَدَرِي أشار أبو طالب بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصيدته اللامية التي يقول فيها واصفًا وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:وأبيض يُستسقى الغمامُ بوجهه ... ثمالُ اليتامى عصمةُ للأراملِوقد وصفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال:أمينٌ مصطفىً للخير يدعو ... كضوء البدر زايله الظلامُولقد كان إبراهيم الخليل يُشبِه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر هذا سيدُنا رسولُ الله في حديث الإسراء والمعراج، قال عن نفسه: ((وأنا أشبهُ ولدِ إبراهيم عليه السلام به ))، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن إبراهيم الخليل عليه السلام هو شبيهُه من الأنبياء المتقدمين. ويقال إنَّ الصحابي الجليل مصعبَ بن عمير العَبدريَّ القرشي كان به بعضٌ من شبه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الشبه جعل المشركين في غزوة أُحُد يَقتلونه ظنًّا منهم أنه محمد صلى الله عليه وسلم، فلما قُتِل نادى قاتلُه: قتلتُ محمداً. وفي تلك الساعة الحرجة قال أنس بن النضر -وهو عم أنس بن مالك-: يا قوم، إن كان محمدٌ قد قُتل فان رب محمد حيّ لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعد رسول! قاتِلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه. ثم شدَّ سيفه وقاتل حتى قُتل. فهؤلاء الذين بلغ بهم استقرائي لِمَنْ ذُكر أنه يُشبه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأن مشابهتهم إياه متفاوتة، وكلها لا تبلغ تمامَ شبهه. فمتى عَظُمَ محلّ الشئ فقد يكون الإسهاب فيه عِيًّا، والإكثار في وصفه تقصيرًا. عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان وعليه حُلةٌ حمراءُ، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر. قال: فلهو كان أحسن في عيني من القمر. وضلَّ أعرابي في سفر له ليلًا، وطلع القمر فاهتدى به، فقال: ما أقول لك؟ أقول رفعك الله وقد رفعك، أم أقول نوَّركَ اللهُ وقد نوَّركَ، أم أقول جَمَّلَك اللهُ وقد جمَّلكَ! وهذا في كلام الآدميين، فما ظنك بكلام رب العالمين؟ وفى هذا العرض للَّمحة الخاطفة لبعض من صفات الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم التي هي أكثر من أن يحيط بها مقال في منتدى أو موضوع في كتاب، ولا بد من الإشارة إلى أن تمام الإيمان بالنبى صلّى الله عليه وسلم هو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق بدنه الشريف فى غاية الحسن والكمال على وجهٍ لم يظهر لآدميٍ مثله. والكلام في أوصافه إن استُقصيَ بعيدُ الأطراف، واسعُ الأكناف، لعُلوِّ شأنه، وشريفِ مكانه؛ فإن المعاني وإن جلَّت دون مرتبته العليَّه، والأوصاف وإن كَمُلت دون منْقبتِه السَّنِيّة؛ إذ كمالاته الشريفة لا تُحصى، ومناقبه الكريمة من صفاته وشمائله لا تُستقصي، فالمتكلِّم في ساحل بحرها مقصرٌ عن حصرها ببعض من فخرها، فالقول في الحبيب صلي الله عليه وسلم أربحُ المتاجر والمغانم، وبهجة المتكلم الناثر والناظم، وصلة إلى الخير الكثير الدائم، فيه ينال العبد من الله الإعزاز الأبدي والإسعاد السرمدي، وفي هذ المعنى قيل: كَمَلتْ مَحاسِنُهُ، فلو أهدى السَّنَا ... للبدرِ عندَ تمامهِ لمْ يخسفِ وعلى تَفَنُّنِ واصِفيهِ بِحُسْنِهِ ... يَفْنى الزّمانُ، وفيهِ ما لم يُوصَفِ وقيل أيضًا: أرى كلَّ مدحٍ في النبي مقصِّرًا ... وإن بالغ المثنِي عليه وأكثرَا إذا الله أثنى بالذي هو أهله ... عليه فما مقدار ما تمدح الورى فكل وصفٍ في حقه تقصير، ولا يبلغ البُلَغاء ولو اجتمعو الا قليلًا من كثير، والواصفون لكماله الجلي لا يصلون إلى قلٍّ من كلٍّ لا حدَّ لنهايته، وغيضٍ من فيضٍ لا وصول لغايته، بل لم يمدحوه بوصفٍ إلا بحسب فهمهم، وهل يوجد مدحٌ لجنابه المكرم أفضل من مدح ربنا الكريم: ((وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)).سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستعفرك وأتوب إليك
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
ابن السمطا من آل بحر من نسل عيسى بن خلف بن بحر الشهير برحمة من نسل الحسين بن علي رضي الله عنه، وأم الحسين هي السيدة البتول فاطمة الزهراء بنت سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم