موقع البرهان شوال 1429هـ / أكتوبر 2008م
بيان من جبهة علماء الأزهر في شأن التطاول على الإمام والعلم الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي
مطالب ومحاذير
(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[النساء: 112].لقد تابعت جبهة علماء الأزهر والأوساط العلمية السنية في العالم وشعوب الأمة الإسلامية -ببالغ الإدانة والاستنكار- فصول الهجوم السافر على فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي استهل بتطاول وكالة الأنباء الإيرانية "مهر" بتاريخ 13 رمضان 1429هـ الموافق 12 سبتمبر 2008م، والذي تضمن أراجيف وأباطيل رددتها الوكالة تكشف بها عن مكنون دفين وتتجاوز بها حدود الأمانة المهنية؛ بوصفها للشيخ الإمام أنه يتحدث نيابة عن حاخامات اليهود، متهمة إياه بالنفاق والدجل، فضلاً عن وصفه بأنه من دعاة الفرقة لتحذيره من خطورة المد الشيعي في الوقت الذي يصمت - في زعمهم - عن الاختراق الصهيوني التنصيري العلماني للمجتمعات الإسلامية، وذلك على إثر الحوار الذي أدلى به فضيلته لصحيفة "المصري اليوم" في مستهل الأسبوع الثاني من شهر رمضان المبارك، والذي أوضح فيه عقائد الشيعة الإمامية وأكد فيه على ِبدَعهم؛ وخروجهم عن دائرة الفرقة الناجية التي أخبر عنها رسول الله صلى الله وعليه وسلم، رغم تشديده على أن من دخل الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين.
ثم جاءت تصريحات "آية الله محمد علي تسخيري" رئيس ما يسمى بالمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ومستشار الرئيس الإيراني للشؤون الثقافية، و تصريحات المسى ب"آية الله محمد حسين فضل الله" الزعيم الروحي لحزب الله في لبنان لتؤكد نفس التوجه المشين للوكالة. ونحن إذ تابعنا باستنكار بالغ، التعرض لهذا الإمام الإسلامي الكبير بما لا يليق، نعرب عن تضامننا الكامل ووقوفنا مع الشيخ الجليل في ساحة الجهر بكلمة الحق، ونشد على يديه، عرفاناً له بهذه الوقفة الشجاعة في وجه المحاولات المستميتة للتمدد الشيعي والتلبيس على عموم المسلمين باستخدام حرفة التدليس والمراوغة المعروفة باسم "عقيدة التقيّة" عند الشيعة، والتي سمحت لمرجعيات ذات اعتبار في الوسط الشيعي بتوجيه اتهامات للشيخ عارية تماماً من الصحة.
لهذا نؤكد بجلاء أن فضيلة الشيخ لن يخوض هذا الميدان وحده، بل تؤازره جموع علماء السواد الأعظم من هذه الأمة الخيرة، انصياعاً لأمر الله سبحانه القائل: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُون) [آل عمران: 187]، وإحقاقاً للحق وتبياناً له.
ونضيف بأن هذه الأزمة لم تزدنا إلا يقيناً بأن جدوى محاولات التقريب بين السنة والرافضة من الشيعة لن تجدي نفعاً في ظل إصرار المرجعية الشيعية على اتخاذها سلماً لتحقيق مآرب التمدد المذهبي والهيمنة السياسية لدولتها، وتضليل الأمة بما استبان من حقيقة هذه الفرقة الضالة التي يدين معظم أتباعها بتكفير جل الصحابة ـ ويعتبرون سبهم ولعنهم لإظهار البراءة منهم قربة لله سبحانه ـ وبخاصة قاماتهم السامية من أمثال الصديق أبي بكر والفاروق عمر وسيف الله المسلول خالد بن الوليد وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن سائر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم زعمهم الباطل أن اللعن حقيقة قرآنية –كما نشر لهم بقناة المستقلة-" كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا"
وإذ بدا لنا كيف تقابل هذه المرجعيات ووسائل إعلامهم هذه اليد الممدودة من الشيخ العلامة القرضاوي وبخاصة مع المذكورين آنفا (تسخيري وفضل الله) حيث أفسح لهما المجال بين أهل السنة بتعيينه الأول نائبا له في "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، واستضافة الثاني في برنامج: "الشريعة والحياة" وهو من أشهر البرامج الدينية الموجهة لأهل السنة؛ وذلك رغبة في الوصول إلى نقطة توافق في حدها الأدنى مع الشيعة وفي إيصال رسالة ذات مغزى للمراجع الدينية؛ فإننا في جبهة علماء الأزهر نؤكد على ما يلي:
أولاً: أن الخلاف بين السنة والشيعة -وبخاصة الروافض؛ والنصيريين؛ والإسماعيلية– هو خلاف حول أصول الدين فضلا عن فرعياته بما نلخصه في الآتي:
هو خلاف حول قدسية الحق جل جلاله وكماله ؛ ومدلول القرآن الكريم؛ وسلامته؛ ومفهوم السنة النبوية وحجيتها، وكذلك حجية الإجماع، ومنهج الاستلال، وحول ما يعتقد أن هناك كتبا إلهية تنزلت على الأئمة بعد القرآن الكريم، فلقد كان إمامهم هشام بن الحكم أول من قال إن الله تعالى جسم وأنه محال أن يكون عالما بالأشياء بنفسه، وأدخل فيه من النقص والتمثيل ما هو باطل، على تفاوت فيه بين فرقهم التسعة، من زرارية تيمية؛ وسيابية؛ وشيطانية طاقية ؛ وهشامية؛ وجواليقية؛ وميثمية، وموسوية -أتباع المعروف بالموسوي المرتضي- فالزرارية أصحاب زرارة بن أعين يزعمون ان الله -جل جلاله- لم يزل غير سميع؛ ولا عليم؛ ولا بصير؛ والسيابية أصحاب عبد الرحمن بن سيابة يظاهرونهم بدعوى ورذيلة التوقف، والثالثة تزعم بأن الله تعالى لا يوصف بأنه لم يزل قادراً ولا سميعاً ولا بصيراً حتى يحدث الأشياء فينجح أو لا ينجح، ولا يجوز أن يوصف بالقدرة لا على شيء؛ وبالعلم لا بشيء،والرابعة تزعم أن الله لم يزل لاحياً ثم صار حياً،وأصحاب شيطان الطاق جعفر بن النعمان الملقب عندهم بمؤمن الطاق يزعم أن الله تعالى محال أن يعلم الأشياء قبل تقديرها وحدوثها، فلا يعلم الشيء حتى يؤثر أثره، والموسوية أتباع الموسوي المرتضي يزعمون أن الله تعالى لم يكن يمكنه أن يتكلم ثم صار متكلما، وهذا أضعف ما صدر عنهم من انحراف، فإن فيهم من يزعم أن "عليا" هو الله، ومنهم من يزعم أن الله تعالى في خمسة أشخاص: في النبي؛ وعلي؛ والحسن؛ والحسين؛ وفاطمة.. ولهم خمسة أضداد:أبو بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، وعمرو بن العاص، ومنهم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ الذين يزعمون أن عليا لم يمت، ومنهم النصيريين الذين يدينون بألوهية "علي" رضي الله عنه، وهم القائلون:
أشهد أن لا إله إلا حيدرة *** الأنزعُ البطـــين
ولا حــجاب عليه إلا *** محمد الصادق الأمـين
ولا طـــريق إلـيه إلا *** سلمان ذو القوة المتين
ومن عقائدهم الباطلة التي يخالفون بها أئمة أهل البيت والصحابة رضوان عليهم: الغلو في الأئمة وأن لهم مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل والادعاء بعلمهم للغيب وعصمتهم كما يقول "الخميني"، وعلى ما هو مذكور في أوثق كتبهم المعتمدة، مما أوقعهم في الكثير من الشركيات وبخاصة عند مزارات ومقابر آل البيت من الاستعانة والاستغاثة بهم ودعائهم من دون الله عز وجل.
تكفيرهم لعموم الأمة بحجة عدم موافقتهم على رأيهم في الإمامة والتبرؤ من الصحابة الذين هم "أفضل هذه الأمة؛ وأبرها قلوبا؛ وأعمقها علما؛ وأقلها تكلفا؛ الذين اختارهم الله لصحبة نبيه؛وإقامة دينه" كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.
ثانياً: إننا نعتبر أن الوقت قد حان لتبيين العلماء، وتنبه القادة لمخاطر هذا المد الشيعي الذي ترصد له المليارات طمعاً في تشييع جماهير السنة، وتقويض دولها، وفرض الهيمنة الفارسية عليها، باسم المقاومة تارة -كما في لبنان- وباسم الثورة تارة -كما في إيران- وباسم المحاصصة تارة -كما في العراق- وباسم إلغاء التمييز والاضطهاد والمظلومية تارة -كما في الكويت والبحرين والسعودية واليمن.
ثالثاً: أن الأكاذيب التي طالت الشيخ القرضاوي حفظه الله، ليست بدعاً من أمرها، بل سبق أن طالت كل من جهر بمعتقده الصحيح للحفاظ على نقاء التوحيد الخالص لله عز وجل، وحفظ مقام النبوة ومكانة الأنبياء عليهم السلام، أو بيان شأن من يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسقط الجزء الأكبر من سنته ويستبدلها بأحاديث مختلقة منسوبة إليه وإلى ثلة من آل بيته الأطهار صلوات الله عليهم وتسليماته، أو يتصدى لكشف مخططاتهم, فقد سبق أن رمى الدكتور"عبد الرسول الغفار" سماحة الإمام الفقيه الشيخ محمد أبي زهرة بالكفر والفسق فضلا عن الكذب والتزوير ووضع وتلفيق الأحاديث؛ وذلك لما أظهر موقفه من نصوص تحريف القرآن الكريم والغلو في الأئمة المذكورة من كتاب "الكافي" للكليني، وذلك في بحثه: (بين الكليني وخصومه)، و كذلك طعن المدعو بالشيخ "ياسر الحبيب" في عرض الشيخ العلامة "محمد متولي الشعراوي" رحمه الله متهما إياه بالفعل الفاضح ، بل لم تنج جامعة الأزهر من اتهام المسمى بـ" محمد إبراهيم القزويني" لها بتحريف كتب الحديث نصرة لمذهب أهل السنة (الإمام علي خليفة رسول الله - ص:67)، بل سبقت وأن طالت الصحابة أنفسهم الذين هم في معتقدنا عدول يحرم تحريما مغلظا سبهم أو الانتقاص منهم لتواتر فضائلهم في الكتاب والسنة وعظيم دورهم في نشر الحق وتبليغه، فقد زعموا ان جميع الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،لم يبق منهم على الإسلام سوى خمسة أو ستة- على ما زعم كلينيهم