اللوحة الرابعة
"ديوان ابن العلقمي، ملامح الأبهة.. تقليد ديوان الخليفة..، توزون مرافق ابن العلقمي.. بقع ضوء.. وظلال، تظهر الظلال
بشكل واضح، فالحديث يستدعي الظلّ والتخفي والتستر..
مؤثرات صوتية تؤشر لقادم سيء، نعيب ملحوظ..
ابن العلقمي على غير عادته، تنازلٌ عن بعض الكبرياء.. مسايرة لتوزون.. بداية الصفقة والتآمر /ء/و/و/).
ابن العلقمي: أخلصتَ يا توزون، كم أحبك، وأثق بك.. نفذت ما اتفقنا عليه بحيطة العاقل، وثقة القائد البارع.. صدرك
واسع لسرك.. ما أروعك يا توزون، فأنت كالكف في يدي اليمنى بلى.. بلى.
(يربّت على كتف توزون).
بل أنت عيناي.. ويداي.!!
أخ لم تلده أمي.. والمستقبل لك، تعيش سيداً فيه، أوامرك نافذة، وصولتك كبيرة..
(يضع يده على كتفه..).
تمتلك شخصية القائد الحقيقي يا توزون وأنت مغبون في هذه الظروف الرديئة..
ستقف على قدميك، وتدوس على أرض صلبة.. وجماجم الآخرين تحت قدميك..
توزون : (بخيلاء.. ومفاجأة.. وتفاؤل).
رهن طلبك يا سيدي، لم ينته الشوط بعد، ستجدني باذل الدم والروح في سبيلك.
(يحملق في نظره بعيداً).
الرجل يعرف قدر الرجال.. وابن العلقمي سيد الرجال.
ابن العلقمي: أتدري ما الذي ربطني بك، وآثرتك على الجميع..
أتعرف كم أحبّ اسمك..؟
توزون : لماذا يا سيد الرجال..؟
ابن العلقمي: (مبتسماً) لأنك تحمل اسم من سمل عيني المتقي بالله، ومن يدري، فقد يتكرر التاريخ، ويفتح سجله.
(يفتح ابن العلقمي يديه، كأنه يقرأ في كتاب).
بماء الزهر المعطّر، وعبق الورد، دوّن اسم القاتل الآخر في صفحاتي ومن يدري.
كم امرأة.. ستتمنى أن تسمي ابنها ـ توزون ـ
توزون اسم متزن ومتناسق، ولا علاقة له في الجزيرة العربية وبغداد.
توزون : تخجلني أيها الوزير..
ابن العلقمي: توزون كبير كالجبل!!
توزون : امرني.. أن أسمل عيون الدنيا وأكسّر أطراف العالم.. أخوزق من تشاء، أرمّل النساء، وأيتّم الأطفال..
وأحرق الشجر.. وأشرب النهر.. أمرني أسدّ طريق الريح
ابن العلقمي: (ضاحكاً.. وواثقاً)
كيف ترى الأمور؟
توزون : تفرّق الجند وعظم المرج والهرج، ووقعت الفتن.. يحترس الأخ من أخيه.. والخازوق بانتظار من يعصي
أمرك
(يحاول تذكر جرائمه.. يضحك).
إن شيخ التجار وكبير الجند خبران لفعل /كان/
أمسِ جاءت جماعة نسوة، يلتمسن زيارة أولادهن في السجن، اخترت الأجمل منهن وطلبت إليهن مراجعتك، وحددت لهن
مواعيد الزيارة..(يضحك) تناول اللحم والسمك فالمهمة صعبة.
ابن العلقمي: أتشك في رجولتي يا خبيث؟
توزون : مررت صباحاً قرب الخازوق، شعرت بغضبه.. فالخازوق آخذ على خاطره وطالب الاستزادة.
ابن العلقمي: (يخفض صوته).
تعرف يا توزون.. إننا نداري الخليفة في الظاهر، وننافقه في الباطن والاحتراس مطلوب!!
توزون : تدبير حسن، والعاقبة في الخواتيم.
ابن العلقمي: قسماً، ستكون وزيري.
توزون : خادمك الأمين، وقرينك الوفي..
ابن العلقمي: جاء دورك
توزون : (متحفّزاً ومستنفّراً)
رهن إشارتك، وطوع بنانك
ابن العلقمي: (يزرع المكان جيئة وذهاباً).
تتسلل ليلاً إلى هولاكو ملك التتر، وتستحثه لقصد
بغداد، وسأتابع ما اشترطت على الخليفة.
توزون : وأحمل رسالتك.
ابن العلقمي: إن اللبيب من الإشارة يفهم، توزون مزرعة فهم ووعي..
(يخرج رسالة، أخفاها تحت ثوبه)
هي رسالتي.. كن حذراً، كم أخشى على عنقينا يا توزون..
وصلت اللقمة إلى الفم، وأعتقد أنك حريص على فرصتنا..
توزون : سيكون الأمر ملفوفاً بالسرية.. ومستوراً بالكتمان.
(صوت كبير الجند في الخارج).
كبير الجند: سيدي الوزير ابن العلقمي.
ابن العلقمي: ادخل كبيرَ الجند
(يعلو صوت ابن العلقمي محاولاً تغيير الموضوع مع توزون..).
إن عدت يا توزون لمثلها، سيأكلك غضبي، وتذوق طعم الخازوق مع أهلك..
ماذا لو عرف الخليفة.. أنذرك بغضبي القادم..
الليلة يا توزون.. أتفهم!!
الليلة حصراً يا توزون..
توزون : (خارجاً).
لا تمهلني سوى ليلة
(يدخل كبير الجند، وقد تناهى إلى سمعه أطراف الحديث).
كبير الجند: (انحناءة).. أحييك يا وزير الخلافة، كم حذرتك من توزون..
ماذا فعل توزون؟..
ابن العلقمي: بلادة وإهمال وتقصير.
كبير الجند: ما الذي حدث؟ لسنا بحاجة للإجازات والوقت لا يحتمل الهرج والمرج.. فهولاكو على أبوابنا الشرقية.
ابن العلقمي: (متأففاً).
هي إرادة الخليفة. ومن يعصي إرادته يا كبير الجند.
كبير الجند: لماذا لم أستدعَ لمناقشة المسألة؟
ابن العلقمي: ومتى استشارنا الخليفة، قضيت عمري مع فردية قراره وتنفيذ إرادته.
كبير الجند: إرادة الخليفة وفردية الخليفة وو.. وبغداد!!.. ودجلة والأهل والتاريخ!!..
ابن العلقمي: (يرتفع صوته).
بغداد بخير يا كبير الجند، متى كنّا نعترض على أوامر الخليفة،..
أمير المؤمنين يعرف أكثر منا!! ويملك قدرة جده المقتدي بالله..
هل ستعود لاعتراضات نظيرك؟ (يهز رأسه)
كم حذرت نظيرَك؟ لكن أقدامه اقتادته إلى الخازوق، فاربط الحمار في المكان الذي يرغب صاحبه يا كبير الجند..
إن من يكبرك بيوم، يفوق معرفتك بسنين.
(يمسّد ابن العلقمي لحيته).
كبير الجند: (يتلمّس قفاه بحركة ضاحكة)
ماهي قدرة جده؟
ابن العلقمي: ضعيف في التاريخ يا كبير الجند، ألم يُذكر لك:
أن المقتدي بالله صام وتضرع، ودعا على السلطان ملكشاه من آل سبكتكين الذي أرسل إليه:
ـ اخرج من بغداد خلال عشرة أيام فهلك السلطان ملك شاه قبل مضي فترة التهديد.
كبير الجند: (هازّاً رأسه.. مستنكراً، ومستغرباً).
أهكذا يدافع عن بغداد
(يرفع يده داعياً وساخراً).
اللهم أنقذ بغداد وسأصوم العمر كله،
اللهم رد هولاكو على عقبيه واجعل دائرة السوء عليه.
اللهم عجّل إجازات الجند، واطو الأيام طيّا
ابن العلقمي: (مقاطعاً ومنذراً).
أنذير شؤم يا كبير الجند، وزنديق أيضاً، أذكّرك بالانتباه إلى نفسك
(يحوقل ويبسمل.. ويستغفر ربه)
ادعوني استجب لكم، والصيام ركن وفرض، أتعلّق على الصيام.. والصيام يفيد المعدة ويريحها
(يضرب على معدة كبير الجند)
ستقتلك التخمة يا كبير الجند
كبير الجند: عذراً إذا ارتفع صوتي فأنتما أدرى بواقع الحال.
(انحناءة).
لست معترضاً على الصيام والدعاء، وإني حريص على آخرتي، ولكن اعقل وتوكّل..
ابن العلقمي: الدنيا بخير.. انظر إليها بأمل فهي وديعة كدجلة، ونقية كعيون الأطفال.. وصادقة كالنتائج المضمونة التي
يقدمها الخازوق ضد المعترضين والإرهابيين والجواسيس والخونة والزنادقة.. والشعراء والمؤرخين والمعلمين.
كبير الجند: قبّح الله وجه الشاعر المجنون فكلما نعق أشعر انقباضاً في صدري يبشّرنا أو ينذرنا.. لست أدري!!ماذا
يعني؟ أسراب جراد.. والريح شرقية ويلي على البلاد.
ابن العلقمي: إذا أخذ ما أوهب، أسقط ما أوجب.
كبير الجند: لكن الصغار يرددون أقواله،
ابن العلقمي: يضحكون عليه أو يقلدونه، مقصر يا كبير الجند، ألم تقدر على سدّ فمه إلى الأبد..
(يخفض صوته)
طعنة ليلية، أو جرعة سمٍ، أو إغراق في النهر.. إن لعبة الموت مفتوحة لكن عقلك مغلّق، نشّط دماغك بالعسل والتمر
الناضج ومعاشرة النساء..
كبير الجند: سأجعل أمه تبكي عليه، وتنوحه إلى الأبد.
ابن العلقمي: انصرف واهنأ في أحلامك الدنيا بخير.. بدأت تفكّر، وأنا بانتظار النتيجة.
(يرفع صوته).
الدنيا بخير، هؤلاء الشعراء، ينظرون برؤىً سوداء، كأنهم الغربان في الخرائب.. والنائحات على القبور.. أو الجراد في
الزرع..
إن الممالك التي تعتني بالورق وصناعته مزارع موبوءة بالمعارضة وحملة السلم بالعرض والإرهابيين ولكي تنجح الممالك
يجب أن تحرق الورق وتلهي الناس بالرغيف.. فالرجل يركض والرغيف يسبقه.. واعلم أن الكلام الشفهي غير المكتوب
أفضل يا كبير الجند أكثِرْ من حرّاسك تسلم، وارفع أسوار سجونك.. ولا تثق إلاَّ بالحرّاس.. ميّزهم باللباس والمعاملة..
كبير الجند: (مدارياً وخائفاً)
ثق بأني الخادم الأمين والحارس الفطين والساعد الذي لا يلين..
هل سمحت لي بالسؤال؟..
ابن العلقمي: صدري واسع.. وأنا غير الخليفة، فالخليفة صارم، معتّز برأيه، مغترٌّ بمعرفته....
أصارحك أول مرة.. وهي تجربة لك.. إن معظم آراء الخليفة خاطئة ماذا نفعل؟ ربّك وحاكمك!!
استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم ومن الآراء التي لا تستقيم!! اسأل!
كبير الجند: الجوع، الفتن، الانقسامات وكثرة الدويلات، وتعطيل التجارة.
ابن العلقمي: (يقاطعه.. ويمعن النظر في وجهه يتملاّه من أخمص قدمه إلى غرّة رأسه يدور حوله).
أجائع يا كبير الجند؟
كبير الجند: لا يا سيدي!!
ابن العلقمي: أفكّر مثلك، لكنها إرادة الخليفة
(يفكر.. ويجوب المكان).
ما رأيك في اجتماعٍ قريب ونناقش أمير المؤمنين فيما ذكرت
(بخيلاء وتؤدة)
سيكون لك ذلك.. ولكن في موعد لاحقٍ (لحظة صمت عابرة) قد يكون الموعد بعيداً، سأتحيّن الفرصة المناسبة.
كبير الجند: سأنام كما أوصيتني، وأفتّش عن أحلامٍ جميلةٍ، وسأتغذّى السمك والتمر والعسل.. وسأخنق كوابيس
محمود الأبله..
(تنهيدة.. وتأنيب ضمير)
ولولا... لحززت عنقه بسيفي.
ابن العلقمي: لولا.. لولا.. ماذا؟..
كبير الجند: (مستدركاً).
لولا جنونه يا سيدي..
ابن العلقمي: (يضرب على رأسه)
قلب كبير الجند كقلوب العاشقين.. وأي عاشق!! إنه كقلوب النساء، يخاف من خياله.
كبير الجند: ستراني خرّيج مدرستك، أستودعك الله.