الرسالة التي كتبها إلى الرئيس السادات وردّ الرئيس عليها
يقول الشيخ أحمد الرزيقي: جلست تحت شجرة فمسني نسيم الهواء الطاهر، فحرك مرواح القلب وأنعش روحي التي استوت على حروف القرآن، لأكتب رسالة حددت مستقبلي القرآني إلى الرئيس الراحل أنور السادات قلت فيها: الأخ العزيز الرئيس محمد أنور السادات تحية طيبة وبعد..
إني أكتب إليك هذه الرسالة لا لأنك رئيس الجمهورية ولا على أنك الحاكم، وإنما على أنّك شقيق يشعر بآلام أخيه وأما قصتي فهي أنني أتلو القرآن الكريم، وأتقي الله في ذلك، وأصاحب القرآن منذ طفولتي، وجعلت نفسي خادماً له. فلم يأل القرآن جهداً في إسداء النصح إليّ، وإني قد ذهبت إلى المسئولين بالإذاعة فقالوا لي: لن تنعقد لجنة اختبار القراء إلى بعد إزالة آثار العدوان. وها نحن الآن وقد تفضل الله علينا بإزالة آثار العدوان، وانتصرنا في حرب أكتوبر، التي كنت أنت قائدها: فأرجو سيادتكم التفضل باتخاذ ما ترونه من إخطار الإذاعة أن تبعث لي بموعد اختباري كقارئ بها..
وبعد أيام قلائل جاءني رد الرئيس السادات على رسالتي برسالة تقول: الأخ العزيز القارئ الشيخ أحمد الرزيقي تحية طيبة وبعد – لقد وصلتنا رسالتكم الرقيقة والتي حملت بين سطورها معاني المحبة والإخلاص.. وقد اتصلنا بالإذاعة فوجدنا طلبكم موجوداً، وسترسل الإذاعة لاستدعائكم للاختبار، فأدعو الله لكم بالتوفيق، وأرجو لكم النجاح، وإخطاري بنجاحكم حتى أستمتع بالاستماع إليكم.. محمد أنور السادات.
وكانت فرحة الشيخ أحمد الرزيقي لا توصف باهتمام الرئيس السادات بخطابه والرد عليه. وركب أول قطار بعد وصول الرسالة إليه من الرئيس السادات ووصل إلى القاهرة واتجه إلى الإذاعة، وحدد المسئولون له موعداً لاختباره، ودخل اللجنة في الموعد المحدد.
ولكن اللجنة رأت أنه يستحق مهلة 6 شهور عاد بعدها واعتمد قارئاً بالإذاعة بعد أن أثنى عليه كل أعضاء اللجنة، وحصل على تقدير الامتياز، ليصبح واحداً من أشهر قراء القرآن الكريم بالإذاعة المصرية والإذاعات العالمية كلها.
ذكريات الشيخ الرزيقي مع الشيخ عبدالباسط عبدالصمد
يقول الشيخ الرزيقي: لي مع المرحوم الشيخ عبدالباسط ذكريات كثيرة جداً: سافرت معه إلى معظم دول العالم. وكان بمثابة التابع لي ولست أنا التابع له. وذلك من حسن خلقه – فكان مهذباً ومتواضعاً وعلى خلق.
فعلى سبيل المثال سافرت معه إلى جنوب أفريقيا، وكانت مشاكل العنصرية هناك لا حدّ لها، ويصعب السفر والإقامة بها آنذاك. ولما وصلنا جوهانسبرج وجدنا جماهير غفيرة في استقبالنا، وخاصة من البيض، وكثير من رجال الصحافة. فقلت للمرحوم الشيخ عبدالباسط: خلي بالك من نفسك فقال الحافظ هو الله وجلسنا بصالة كبار الزوار بالمطار...
وأقبلت علينا سيدة صحفية فقال لها الشيخ عبدالباسط تحدثي مع زميلي الشيخ الرزيقي.. أنا تابع له فتحدثت معي وقلت لها: لقد جئنا إلى هنا في مهمة دينية وهي تلاوة القرآن الكريم. فقالت لي: هل رأيت عنصرية هنا؟ قلت لها: إنني جئت إلى هنا لأقرأ القرآن، ولست باحثاً عن العنصرية ولا غيرها.. فجاء صحفي يبدو أنه عنصري وقال: أنا أعرف أنكما شخصيتان مهمتان. فهل تعلمان ما أعد لكما من تأمين على حياتكما قبل أن تأتيا إلى هنا؟.. فقلت له: يا أخي لسنا في حاجة إلى تأمين لأننا جئنا لقضاء بعض الأيام الطيبة بين أشقائنا من المسلمين هنا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وصفاتهم، ونحن بمثابة الآباء لهم فهل يحتاج الأب إلى من يحميه من أبنائه؟ كل هذا في حديث تليفزيوني فلما سمع الناس ذلك قابلونا ونحن متجهون إلى المسجد وقالوا: ونحن حراس عليكما.
وفي نيجيريا نزلنا عند رجل ثري جداً بأحد الفنادق فتركنا وقال هذا الجرس تستخدموه عند الحاجة ولما جعنا ضغطت على الجرس فجاء رجل طوله متران ونصف ولا يفقه كلمة عربية واحدة ولا حتى إنجليزية فأشرت له بإشارات عرف منها أننا نتضور جوعاً، فأحضر كتاباً به قوائم للطعام بالإنجليزي، وزاد الموقف صعوبة فقال لي الشيخ عبدالباسط: أصرفه فضحكت وقلت له: كيف أصرفه أقرأ عليه قرآن يعني؟ وضحكنا وبعد فترة من الوقت جاءنا الطعام.
السفر إلى دول العالم
لم يترك الشيخ الرزيقي بلداً عربياً ولا دولة إسلامية ولا جالية إسلامية في دولة أجنبية ولا جزيرة في عرض بحر إلا وذهب إلى المسلمين في شهر رمضان ليمتعهم بما أفاء الله عليه من نعمة حفظ كتاب الله والحافظ عليه بتلاوته بما يرضي الله تعالى..
وسر تدفق الدعوات الخاصة على الشيخ الرزيقي من الدول الشقيقة لإحياء شهر رمضان والمناسبات الدينية المختلفة هو أنه يراعي الله في تلاوته ويتقيه ويؤدي أداءً محكماً ليرضي الرب قبل إرضاء العبد ولا نظن أن ما يرضي الخالق لا يرضي المخلوق وأنّ ما يرضي الحق جلت قدرته يجعل العباد في شوق إلى هذا الأداء الملتزم الموزون بكل دقة.
مواقف طريفة لا ينساها الشيخ الرزيقي
حياة الشيخ أحمد الرزيقي حافلة بالذكريات المختلفة عبر رحلة ممتدة عبر ما يقرب من أربعين عاماً قضاها في رحاب هدى القرآن ونوره وخاصة الذكريات والمواقف مع مثله العليا من العلماء والفقهاء والأدباء يقول الشيخ الرزيقي: وأثناء اختباري كقارئ بلجنة اختبار القراء بالإذاعة والتي كان الشيخ الغزالي رحمه الله أحد أعضائها.. طلب مني فضيلته أن أقرأ سورة التغابن تجويداً..
فقلت لفضيلته: لم أعود نفسي على تجويدها، ولكنني أجيد أداءها ترتيلاً. فأصر وألح عليّ لأجودها، ولكنني كنت أكثر إصراراً فقال له زميله باللجنة المرحوم الدكتور عبدالله ماضي يا شيخ محمد الشيخ أحمد الرزيقي صادق وهذه تحسب له.. فأود أن تجعله يقرأها مرتلاً.. وكان الشيخ محمد الغزالي سمحاً ما دام الأمر لا يؤثر على أحكام الدين والقرآن فقال لي: رتلها يا شيخ أحمد فرتلت سورة التغابن وسعد الشيخ الغزالي بالأداء لدرجة أنه شكرني وأثنى على أدائي المحكم.
ودارت الأيام ومرت مر السحاب، صنع الله الذي أتقن كل شيء وبعد أن أصبحت قارئاً مشهوراً بالإذاعات العالمية جاءتني دعوة لإحياء شهر رمضان بدولة قطر عام 1985م وشرفت بصحبة الشيخ محمد الغزالي الذي دعي لإلقاء دروس العلم.. وفي ليلة بدر وكان مقرراً أن أبدأ الاحتفال بتلاوة القرآن ويقوم فضيلة الشيخ الغزالي بالتعليق على ما أتلوه.. فطلب مني أن أقرأ من سورة آل عمران: {.. ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} فقلت له إنني سأقرأ (التغابن) فابتسم ابتسامة عريضة ولأنه صاحب مكانة جليلة وأخلاق كريمة قال أقرأ آيتين من آل عمران ثم أقرأ التغابن حتى نتحدث في المناسبة ثم أقوم بتفسير ما تقرأه من التغابن.. لم أقصد من وراء قولي هذا لفضيلة الشيخ الغزالي إلا لأذكره فقط بما حدث بلجنة الاختبار.
ولن أنسى موقفاً حدث لي ببريطانيا في مدينة شفيلد: وهذا الموقف مهم جداً أذكره لبعض المدعين أنهم مسلمون وهم يقتلون الأبرياء ويهددون ضيوف مصر القادمين لرؤية حضارة مصر والاستمتاع بجوها الساحر!! نزلت في منزل الشيخ زهران إمام المسلمين هناك وكنت أستيقظ متأخراً بعد ما يخرج الشيخ زهران إلى عمله. ولأنني بمفردي بالمنزل. دق الجرس ففتحت الباب فوجدتهم مجموعة من الأطفال فقالوا: لي صباح الخير بالإنجليزية ورديت التحية عليهم، ولم أعرف منهم ماذا يريدون، وكانت هناك سيدة ترقب الموقف من أمام منزلها فجاءت مسرعة لتعتذر لي وصرفتهم وانصرفت السيدة ومعها الأطفال، ونسيت ما حدث لأنه شيء عادي من وجهة نظرنا هنا...
ولكن في المساء فجأة دق جرس الباب ففتح الشيخ زهران، وقال لهم: ماذا تريدون؟ قالوا نريد الشيخ. قال لهم: لماذا؟ فقالوا لنشرح له ما حدث من الأطفال في الصباح، ونعتذر له. وجلست مع الوفد الذي جاء تقديراً واحتراماً لي، وقالوا لقد جاء الأطفال ظنّا منهم أن أبناء الشيخ زهران بالمنزل، لأن الأطفال هنا تعودوا على الخروج إلى الجناين ليتنزهوا، ولقضاء يوم السبت بالمنتزهات، وكذلك يوم الأحد والأطفال الذين حضروا إلى هنا وأزعجوك هم أعضاء إحدى جمعيات الأطفال، ونحن جميعاً المسئولين عن الجمعية، فجئنا ومعنا الأطفال حتى نعتذر لك عما بدر منهم، لأنك ضيف عزيز، ويجب أن نعمل على راحتك. فقلت في نفسي ياليتنا في مصر نعرف حق الضيف كما يعرف هؤلاء.
تكريم الدولة للشيخ أحمد الرزيقي
حصل الشيخ أحمد الرزيقي على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى تقديراً لدوره في خدمة القرآن الكريم كما حصل على العديد من الميداليات وشهادات التقدير ولكن أغلى شهادة وأعظم وسام حصل عليه كما يقول هو حب الناس إليه.
المصدر: موقع قراء القرآن الكريم