احمد منصورعبدالرحيم عضو جديد
العمر : 35 عدد الرسائل : 93 تاريخ التسجيل : 30/06/2009
| موضوع: الاتراك ....يعيدون صناعة التاريخ 25/10/2009, 1:34 pm | |
| صناعة التاريخ حرفة لا يجيدها إلا الرجال، هؤلاء الذي يحفرون أسماءهم في التاريخ حيث يفني بلايين البشر ويبقي هؤلاء علامات مضيئة تهتدي بها البشرية وتعرف من خلالها جذورها فتصنع حاضرها وتخطط لمستقبلها، لاسيما في مجال الرقي الإنساني وتحقيق غاية البشر في الوجود، وما يقوم به الأتراك الآن صورة من تلك الصور الزاهرة التي تقوم بها مجموعة اختارها شعبها تقف علي سدة السلطة لم تستول علي السلطة عبر انقلاب عسكري أو توارثته عبر آبائها ولكنهم خيار شعبي خالص وهذا درس أيضا للشعوب التي تخلت عن دورها في صناعة حاضرها ومستقبلها وتركت بلادها لمن سطا عليها سواء من العسكر أو غيرهم،
ولن أتحدث هنا عما قام به رجب طيب أردوغان وحكومته منذ توليهم السلطة عام 2003 فهذا يحتاج إلي كتب وليس إلي مقال، ولكني فقط سأتحدث عن إنجازات أسبوع واحد ولن أقول إنجازات وإنما دروس لمن أراد أن يصنع التاريخ، فخلال الأسبوع الماضي قامت تركيا بصناعة أحداث تاريخية مهمة ستحدد كثيرا من معالم المستقبل لها ولجيرانها ولدول المنطقة، فبعد الدرس القاسي والمؤلم الذي تلقاه رئيس إسرائيل شيمون بيريز علي مرأي من العالم كله في مؤتمر دافوس من العام الماضي علي يد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في وقت كان فيه عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية يجلس دون حراك يتابع افتراءات بيريز دون أن يجرؤ علي أن يفتح فمه بالرد عليه كعادة المسئولين العرب، قام أردوغان ولقن بيريز والإسرائيليين جميعا درسا في كيفية التعامل مع مجرمي الحرب في الساحات الدولية، وعاد أردوغان ليستقبله شعبه استقبالا حافلا بعد منتصف الليل وتحت الثلوج المتساقطة لأنه كما قال في تصريحات عديدة «نحن استمعنا إلي صوت شعبنا» فعل ذلك لأن شعبه اختاره، ولم يغتصب السلطة عبر انقلاب عسكري مثل معظم أنظمة الحكم العربية التي لا تضع قيمة لشعوبها ولا تسمع لصوتها، ولم تتوقف دروس تركيا لإسرائيل عند هذا الحد حيث لم تتوقف مطالبها برفع الحصار عن غزة في وقت تشارك فيه دول عربية إسرائيل جريمتها، وفي الأسبوع الماضي قررت تركيا إلغاء مشاركة سلاح الجو الإسرائيلي في مناورات سنوية ورثها أردوغان عن الحكومات التركية السابقة، وقال في مبررات الإلغاء إنها ردا علي مشاركة سلاح الجو الإسرائيلي في الجرائم التي ارتكبت ضد الفلسطينيين في غزة، اهتزت إسرائيل للقرار التركي الذي قزمها أمام حكومات عربية تمد لها يد العون والدعم لإسرائيل وتشارك في حصار قطاع غزة، ولم تقف تركيا عند هذا الحد بل أعلنت ما زاد إسرائيل هما وغما، حيث قررت أن تقيم مناورات مشتركة مع سوريا في الشتاء المقبل، كما أعلنت أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل لن تعود إلي سابق عهدها إلا بعد أن ترفع إسرائيل حصارها عن قطاع غزة، وكان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قد ألغي زيارة إلي إسرائيل بعدما رفضت إسرائيل أن يقوم في نفس الوقت بزيارة لقطاع غزة. أما علي الصعيد الإقليمي فرغم أن سوريا لا تشارك تركيا ثقافتها ولا لغتها فإن تركيا قررت إزالة العمل بالتأشيرات ونقاط الحدود بين البلدين في خطوة غير مسبوقة منذ سقوط الخلاقة العثمانية وتقسيم إرثها في أعقاب الحرب العالمية الأولي، وفي أعقاب هذا قاموا بتوقيع 34 مسودة اتفاق وتفاهم بين البلدين في معظم المجالات هذا في الوقت الذي تذل الحكومات العربية المواطنين العرب علي حدودها لاسيما البرية، حيث يقضي بعض المواطنين «ساعات طوال» بين الحدود وهم ينتظرون السماح لهم بالمرور رغم أنهم يحملون تأشيرات، أو يسجنون مثل الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي الأسبوع نفسه كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في العراق ليرتب الأوضاع الاستراتيجية مع العراقيين ويحاصر حزب العمال الكردستاني ويفعل التعاون الاستراتيجي ليؤمن تركيا من الجنوب وينهي مشكلات امتدت لعشرات السنين هذا بعد أيام قليلة من الاتفاق الذي أنهي مائة عام من الصراع مع الأرمن عبر الاتفاق الذي وقع مع أرمينيا، وتوج بمباراة كرة القدم التي حضرها رئيس أرمينيا مع الرئيس التركي في مدينة بورصة التركية. لقد أدرك الأتراك بعد التنمية الداخلية غير المسبوقة التي قاموا بها خلال خمس سنوات من الحكم، أن إنهاء الصراعات الخارجية لاسيما مع الجيران هو أهم خطوة استراتيجية يجب أن يقوموا بها، فخلال أسبوع واحد وبعد سنوات من العمل أقاموا علاقات متطورة بأشكال مختلفة مع كل من سوريا والعراق وأرمينيا، هذا في الوقت الذي يقطعون فيه خطوات حثيثة في طريقهم إلي أوروبا التي باتت تخشي منهم ومن إمكانية عودة نفوذهم إلي قلبها حيث وصلوا إلي أسوار فيينا قبل ثلاثمائة عام، وفي الوقت نفسه لقنوا إسرائيل دروسا في السياسة والأخلاق والعسكرية عجز العرب مجتمعين علي أن يقوموا بشيء منها حتي مجرد الاحتجاج.
لقد بدأ وجه تركيا يتغير خلال سنوات معدودة، لتخرج من دولة تعاني أكبر مشكلات اقتصادية وسياسية وعرقية وحدودية مع جيرانها إلي دولة تصنع تاريخ نفسها وجيرانها بل والمنطقة من حولها، وقد أدرك الأتراك أن سياسة ملء الفراغ التي سبق وأن أطلقها الرئيس الأمريكي إزينهاور بداية الخمسينيات من القرن الماضي في أعقاب تهاوي الإمبراطورية البريطانية تستدعي التفكير فيها في أعقاب التهاوي والترنح الذي بدأته الإمبراطورية الأمريكية الآن، وأنه لن يملأ الفراغ الذي ستتركه أمريكا في المنطقة عاجلا أم آجلا إلا صناع التاريخ، وإلا دول قوية وحكومات تسمع صوت شعبها، أما الأقزام الذين مشوا ويمشون في ركاب أمريكا وإسرائيل فإن مصيرهم سيكون لا شك من مصيرها، وسوف ينالون ـ دون شك ـ مكانتهم المرموقة في مزبلة التاريخ.
المقال مقتبس من جريدة الدستور للكاتب احمد منصور[img][/img]
| |
|