من الملفت للنظر أن أكثر شباب العرب الذين يقلدون قدوات ونماذج غربية، لا يتحلون بأية صفة حميدة من صفات هؤلاء الذين يقتدون بهم، والذين لا يخلون من صفات إيجابية، مثل تشي جيفارا الذي كافح الرأسمالية الأمريكية وفقا لمبادئه التي بقي وفيا لها حتى آخر يوم من أيامه، والأمثلة كثيرة.
تقول العرب: أوفى من كلب! فحتى الكلب ـ أعزّكم الله ـ لا يخلو من صفات حميدة مثل الوفاء ومعاونة صاحبه! والحكمة ضالة المؤمن كما أوصينا!
لقد استقبلت مرة مجموعة من الطلاب العرب من الخليج العربي ضمن برنامج تبادل بين جامعتنا وجامعة فرنسية يدرسون فيها. بعضهم خليجيون، وبعضهم الآخر من الشام لكنهم نشؤوا في الخليج. وجميعهم من خريجي المدارس الأجنبية في المملكة العربية السعودية (المدرسة الأمريكية، الكوليج فراسيه ...). إن أشد ما هالني في هؤلاء الشباب والشابات انحلالهم شكلا ومضمونا. أما الشكل، فكانوا يقلدون في لباسهم زنوج هارلم في نيويورك: سراويل عريضة تكاد تسقط من عليهم لتعريهم ... قمصان تكشف البطن والظهر ... وبعضهم صبغ شعره كليا، وآخر جزئيا ... وأما المضمون، فكانوا معجبين بالقشور فقط، دون الإفادة من الجواهر!
قلت لهم بعد أيام: هل تجدون طالبا بلجيكيا واحدا لابسا مثل ما تلبسون يا إخوة العرب؟! ألم تجدوا في الغرب غير مهمشي هارلم لتقلدوهم؟!
تغيروا آخر المطاف، ليس بفضل مني، بل لأنهم رأوا مئات الطلاب الأجانب يقبلون على دراسة اللغة العربية إقبالا غير طبيعي، ولأنهم رأوا أكثر من عشر فتيات بلجيكيات نصرانيات لبسن الحجاب تضامنا مع زميلاتهن المسلمات، وصمن طرفا من رمضان تضامنا معهن أيضا! استحت الفتيات الثلاث اللواتي كن في البعثة، واحتشمن في اليوم التالي، وبدأ بعض الشباب المائع يفكر، فتغير، وثابر بعضهم الآخر على ديدنه في تقليد سقط المتاع الغربي!
إنه غياب القدوة في حياة شبابنا الحالي! فالقدوة موجودة، لكنها مغيبة اليوم بسبب الظروف التعيسة التي نمر فيها، والتي جعلت من نساء بيت حانون، ونساء العراق، ونساء جنوب لبنان الرجال الوحيدين في الأمة!
في العلم، لا يمكن لأحد أن يختزل مشكلة في سبب واحد، لكن أحد الأسباب الرئيسية لاستغراب شبابنا اليوم، يكمن في عدم اطلاع الأئمة والدعاة على أحوال الأمة، ودورهم الدعوي، بالتالي، شبه مغيب! وأمس قرت لأحد المشايخ كلاما مفاده أن التجمع حرام في الإسلام وأن علينا الاقتداء بالإمام! هذا الكلام بالضرورة صحيح في البلاد التي فيها إمام يحكم بشرع الله، وخاطئ في البلاد التي ليس فيها إمام يحكم بشرع الله!
ويبقى السؤال قائما: كيف نجعل شبابنا يكتشفون القدوات العظيمة في تاريخنا، ويقتدون بها؟!
لا أدري! ولكني أكاد أجزم أن أساليب الدعوة والإرشاد باتت بحاجة إلى مراجعة جذرية!