الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادي يخرج عن صمته ويكشف ل "الجمهورية" أسرارا لأول مرة:
فرشوط مستقرة وآمنة..خسائر الأزمة لم تفرق بين المسلم والمسيحي
للأسف.. أعضاء مجلسي الشعب والشوري والمحليات تخاذلوا في احتواء المشكلة
أبناء العائلات أصروا علي مقابلتي بالمطرانية وقالوا:
لن نحتفل بعيد الأضحي.. دون مشاركة إخواننا الأقباط
عدد الكنائس غير كاف.. وأحذر من تكرار محرقة بني سويف في كنيسة "السماينة"!
حاوره في قنا:
محمد زين الدين
العلاقة بين المسلمين والأقباط في بر مصر يغلب عليها في المجمل العام روح المحبة والألفة والتضامن.. هذه الحقيقة واضحة وضوح الشمس وراسخة رسوخ الجبال.. وليست في حاجة إلي دليل.. لأن كل ذي عينين يراها ويلمسها بنفسه.. ولكن هذا الصفاء الذي يميز علاقة المصريين بعضهم البعض لا يخلو بين الحين والآخر من ظهور بعض الشوائب التي يمكن أن تعكره.. وقد يتزايد تأثير هذة الشوائب إذا وقعت المشكلة في صعيد مصر.. حيث تسيطر علي المجتمع هناك بعض القيم وتحركه عصبيات خاصة.
لقد انشغل المجتمع طيلة الأسابيع الماضية بما شهدته مدينة "فرشوط" بمحافظة قنا من أحداث عنف.. ثم اتجهت الأحداث مؤخرا للهدوء بعد مبادرة طرحها وتبناها أبناء العائلات هناك لتهدئة الأوضاع.
الآن.. وقد هدأت الخواطر.. تبدأ مرحلة المراجعة واستخلاص الدروس والعبر.. ولأن الحكم الموضوعي علي أي حدث يقتضي الاحتفاظ بمسافة مناسبة بين هذا الحدث ومن يقوم بتقييمه بما يسمح له برؤية أركانه كاملة بعيدا عن أي انفعالات.. ذهبنا إلي الأنبا كيرلس اسقف نجع حمادي وفرشوط.. حاورناه عما حدث.. وقدم لنا الرجل في هذا الحوار اعترافات صريحة جدا.. اختص بها "الجمهورية".
* بعد مرور ثلاثة أسابيع علي أحداث فرشوط ما هو الوضع الحالي علي الأرض.. وما هو شعورك تجاه تلك الأزمة؟
** الأوضاع حاليا مستقرة وآمنة لكافة المواطنين وخاصة المسيحيين.. وبالنسبة لشعوري فهو يتلخص في الشعور بالأسي والحزن.. لأن تلك الأزمة حدثت داخل نسيج الأمة الواحدة ولا أقول عنصريها .. لأننا مسلمين وأقباطا نحمل جنسية واحدة ونعيش علي أرض واحدة.. مصلحتنا مشتركة لا يمكن فصلها فأعداؤنا ومشاكلنا واحدة.. والدليل علي ذلك أن آثار تلك الأحداث اصابت المجتمع في فرشوط ونجع حمادي بكل فئاته بأضرار اجتماعية بالغة دون أي تميز.
* لماذا تصاعدت الأحداث حتي وصلت إلي مستوي "الأزمة الطائفية"؟
** بسبب طبيعة الصعايدة.. التي تميل إلي العصبية والولاء القبلي.. وطبيعة المجتمع في فرشوط حيث تنقسم العائلات بين العرب والهوارة ويتمسك كل منهم بعادات وتقاليد الشرف والعزة حتي لو تعارضت مع القانون.. وللأسف المسيحيون محصورون بين أولئك وهؤلاء.. ولذلك فإن الأزمة كانت تحتاج إلي قائد حكيم يوحد الصفوف ويلغي فكرة العصبية. ويرفع شعار المواطنة.. وهو ما كان يحدث أثناء عهد عادل لبيب الذي قضي علي العصبية تماما.. ليس في فرشوط أو نجع حمادي فقط ولكن علي مستوي المجتمع القنائي ككل الذي يتسم بطبيعة خاصة تختلف عن بقية المحافظات لأن انتماء أفراده ينقسم إلي 6 مجموعات هي: العرب والهوارة والاشراف والحميدات والاخوان المسلمين والمسيحيون وبالتالي فهي محافظة خاصة تحتاج إلي قائد حكيم يعمل علي استقرار المجتمع.
* كيف تصرف أعضاء المجالس المحلية وأعضاء مجلسي الشعب والشوري أثناء الأزمة؟
** للأسف المسئولون في الحكم المحلي والحزب الوطني لم يتحركوا لمنع الأحداث من الاشتعال إلا بعد مرور 6 أيام كاملة علي حادثة الاعتداء الذي وقع في 18 نوفمبر.. رغم اني ابلغت كافة الجهات عن وجود مؤشرات عندي تفيد بأن الأحداث تسير نحو التصاعد والانفجار. والمفروض أن المسئولين وأعضاء مجلسي الشعب والشوري يكون لديهم حس ووعي كاف يدفعهم للتحرك ومنع الفتنة من الانتشار بدلا من تركها تنتشر كالسرطان حتي نعجز عن استئصاله.
* من الذي كان وراء تلك الأحداث.. وأين كان الأمن؟
** الأمن كان موجودا.. وغير انه لم يكن كافيا لأن الأحداث تصاعدت لتتحول إلي نوع من الغوغائية اشترك فيها ليس فقط المضارون من الجريمة ولكن انضم إليهم العاطلون واللصوص والناقمون علي الدولة ومحبو الانتقام والتخريب وهو ما جعل السيطرة علي الأمور معقدة.. لانها كلما تصاعدت في بؤرة يتجه إليها الأمن ليطفئها.. يفاجأ بأنها اشتعلت في مكان آخر.
** هل كان هناك اتصال مع البطريركية في القاهرة وما هي توجيهات البابا شنودة لكم؟
** بالطبع كان هناك اتصال مع البطريركية في القاهرة بدءا من اليوم الأول وتم إبلاغها بحادثة الاعتداء. وبالنسبة لتوجيهات البابا شنودة.. فكانت تتلخص في التعامل مع الأزمة بروح المحبة والسلام لإنهاء كافة تداعياتها.. بالتعاون مع كبار العائلات في فرشوط وهو ما تحقق بالفعل عبر "مبادرة أبناء البلد" التي نجحت في التصدي للغوغائية والقضاء علي الفتنة. وذلك بعدما تدخلت العائلات وتعهدت بحفظ الأمن ومساعدة الشرطة بل وتم اختيار فرد من كل عائلة ليكون مسئولا عن تصرفات أفراد عائلته ويقدم اسماء من يشارك أو يحرض علي إثارة الفتنة إلي الشرطة وهو ما حدث بالفعل.. كما اننا وقعنا علي محضر بخصوص تلك المبادرة ورفعناها إلي المسئولين والأمن يوم 28 نوفمبر الماضي.
* في رأيكم.. كيف نضمن عدم تكرار مثل تلك الأحداث الطائفية؟
** لابد في البداية من وضع الحادث في حجمه ونعمل علي تطبيق القانون.. فلا يعقل أن احمل فئة في المجتمع مسئولية فساد أحد أفرادها. لأن كل مجتمع به الصالح والطالح سواء كان هذا في المسلمين أو الأقباط. وادعو رجال الدين الإسلامي. إلي بث روح الإسلام الحقيقية عبر التذكير بآيات القرآن التي تؤكد علي أن أقرب الناس مودة إلي المسلمين هم المسيحيون.. وكذلك وصية نبي الإسلام محمد بعدم إيذاء أهل الكتاب وخاصة أقباط مصر لصلة التراحم القائمة بينهم وبين المسلمين ويكفي أن يفهم ويعلم الجميع أن آثار الخراب والخسارة الذي خلفته تلك الأزمة لم يفرق بين أحد.. فالتجار المسلمون لم يستطيعوا البيع في أهم مواسمهم التجارية في العام وهو الموسم الذي يسبق عيد الأضحي علما بأن فرشوط تعد مركزا تجاريا هاما في شمال قنا وأغلب المحال والصيدليات المملوكة للمسيحيين اضطرت للاغلاق خوفا من آثار الحادث. إذن فالخراب عم علي الجميع.
* بعد أحداث تلك المشكلة.. ما هو شكل العلاقة حاليا بين الأقباط والمسلمين في نجع حمادي وفرشوط؟
** العلاقة بين الأقباط والمسلمين.. لا يمكن تنقطع أو تنفصل تحت تأثير أي أحداث.. لأنها علاقة قائمة علي المحبة وقوامها أواصر من المصالح والروابط المشتركة الثابتة والدليل علي هذا اني لم استطع أن اذهب سوي لعدد قليل من المسئولين وكبار العائلات لكي اهنئهم بعيد الأضحي بسبب تداعيات تلك الأحداث.. لأفاجأ بأن عددا كبيرا من قادة المجتمع المحلي في مركز فرشوط وكبار العائلات يأتون إليّ في المطرانية في نجع حمادي ليهنئوني بقدوم عيدهم.. قائلين: إن عيد الأضحي لن يكون عيدا دون مشاركة إخواننا الأقباط ودون رؤيتي..ومن هؤلاء علي سبيل المثال من مركز فرشوط تحديدا طلعت شمروخ وجمال النجار ومرتضي أبو سحلي وثريا ورشاد وزيري.
* هل تري أن جلسة الصلح العرفي التي يعد لها كافية لإزالة آثار تلك الأحداث؟
** جلسات الصلح العرفي لا تغني عن تطبيق القانون والهدف منها هو تحمل كل الأطراف المسئولية سواء كان الأمن أو قادة المجتمع وكبار رجال العائلات ورجال الدين الإسلامي والكنيسة بحيث نضمن عدم تكرار تلك الأزمة وتعويض المضارين عن الخسائر التي حدثت لهم دون ذنب. وهذا يتطلب أن تعلن بنود تلك الجلسة العرفية علي الملأ وأن يتم الالتزام بابلاغ الأمن عن أي عناصر تسعي لإثارة مثل تلك الأحداث مع العمل علي التصدي لها. وهو ما يضفي علي الحياة صفة الأمان.
* بعيدا عن أحداث فرشوط.. تعد اسقفية نجع حمادي من أكبر الاسقفيات الارثوذكسية في صعيد مصر ما هي أبرز المشاكل التي تواجه الكنيسة؟
** شعب الكنيسة في الصعيد هم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع وبالتالي.. فإن أغلب مشاكله هي جزء من مشاكل المجتمع ككل.. ولعل مشكلة البطالة بين الشباب والتي قد تؤدي في بعض الأحيان إلي حدوث انحرافات.. وعدم سيطرة الآباء علي الأبناء من أبرز المشاكل وكذلك مشاكل الميراث والخلافات الزوجية.. وبالنسبة للمشاكل التي تنشأ بين المسلمين والمسيحيين نتيجة تعاملات تجارية فتلعب الكنيسة دورا هاما في حلها خاصة إذا كان المتضرر مسلما يلجأ إلينا في العادة للحصول علي حقه وهو ما نسعي لتحقيقه عبر أسس من السلام والمحبة.
* تغطي اسقفية نجع حمادي اربعة مراكز واسعة المساحة في شمال محافظة قنا.. هل تري ان عدد الكنائس بها كاف؟
** عدد الكنائس غير كاف علي الاطلاق .. فمركز ابوتشت يوجد به علي سبيل المثال 7 كنائس فقط وسط 75 قرية تفصل بينهم مسافات طويلة للغاية.. ومركز فرشوط الذي وقعت به الأحداث به 5 كنائس.. اما مركز الوقف فلاتوجد به سوي كنيستين فقط بالقري دون وجود اي كنيسة في عاصمته الادارية.. ولذلك فان سرعة اصدار قانون لبناء دور العبادة بعيدا عن الخط الهمايوني يعد مطلبا ملحا..
* وماذا عن قرار رئيس الجمهورية بتفويض المحافظين بترميم وبناء الكنائس القائمة.. وهل يتعاون معكم المحافظ في ذلك الأمر؟
** للأسف الشديد .. لا شيء يحدث في هذا الصدد.. وتسير الامور بشكل يدعو للغرابة.. وسأضرب لك مثالا بكنيسة الانبا انطونيوس في قرية ابوشوشة بمركز ابوتشت التي تم بناؤها سنة 1911 علي مساحة 3 قراريط وسط 11 قيراطا مملوكة للكنيسة.. وتؤكد كافة التقارير الهندسية حاجتها العاجلة للترميم الا ان ترخيص ترميمها لم يصدر حتي الآن .. وعندما شكونا من هذا التعسف غضب المسئولون بالمحافظة وهناك مثال آخر وهو الكنيسة الموجودة في قرية "السماينة" التابعة لمركز الوقف.. حيث أحذر من حدوث كارثة تماثل كارثة حريق قصر الثقافة في بني سويف .. لأن سقف تلك الكنيسة يتكون من عروق الخشب والنخيل وتوجد به توصيلات كهربائية للاضاءة مما يهدد الكنيسة بالاشتعال في اي لحظة لتحرق علي من بداخلها.
.. ويستطرد قائلا لدينا العديد من الاماكن بالقري تصلح لأقامة دور عبادة لأداء شعائرنا الدينية.. ولا توجد مشكلة لدي جيراننا المسلمين الموجودين في هذه الاماكن علي اقامة دور العبادة.. غير أننا نفاجأ بالرفض.
* يتردد أحيانا في بعض الصحف الخاصة مصطلح جبهة اساقفة الصعيد.. خاصة أثناء اشاعة خلافة البابا ما حقيقة وجود هذا المصطلح؟
** لا يوجد شيء يسمي جبهة اساقفة الصعيد وأنا رفعت قضية علي إحدي الصحف الخاصة بسبب هذا الموضوع.. ولا يمكن لي أو لغيري من الأساقفة أن نخرج عن وصايا البابا شنودة لأنه "أبويا".. كما أن علاقتي بكل الأساقفة جيدة وتسودها المحبة خاصة الأنبا بيمن والأنبا باخوم والأنبا يوأنس والأنبا أرميا والأنبا بيشوي.
* وأخيرا.. ماذا تتمني للمجتمع الصعيدي في نجع حمادي وفرشوط؟
** اتمني أن يتطور المستوي الفكري للمجتمع ككل وأن يعلو فوق مفاهيم العصبية.. ويبتعد عن مفهوم التطرف الديني "لأن الله واحد والرب واحد.. ونحن نعيش في وطن واحد"
موضوع: لن نحتفل بعيد الأضحي.. دون مشاركة إخواننا الأقباط 
7/12/2009, 7:22 pm
