حكايات الخروف في الصعيد

ليس الخروف في الصعيد مجرد بروتين حيواني تقليدي يباع لحمه في الأسواق صباح كل خميس وهو الموعد الاعتباري لانعقاد السوق في القرى ؛ بل يحتل الخروف مساحة عريضة في ذاكرة الصعيد وموروثاته بداية من كونه رمز المعبود الفرعونى خنوم في مصر القديمة والمكلف بالأجساد البشرية على دولاب الفخار مثل مانراه منقوشا على جداريات المعابد المصرية ؛ فانه حاليا هو البديل في طقس القودة في المصالحات الثأرية لمرتكب جريمة الثأر حيث يقدم القاتل ذبيحة لأهل القتيل تكفيرا عن فعلته وهى تقبل في الغالب ؛ وهو أيضا الهدية الثمينة القيمة التي يهادى بها الصعايدة بعضهم البعض في المناسبات المختلفة فحتى وقت قصير كان الخروف هو الوليمة الأساسية في حفلات الختان عند المسلمين والأقباط ؛ ويولى الصعايدة عناية بالغة بالخروف منذ لحظات ميلاده وحتى ذبحه فبعد أن يولد نرى أن صاحبه حتى ولوكان غير محترفا في ذلك المجال فثقافة رعى الخراف تبدو شائعة تقريبا في كل المناطق بالصعيد ويعرف ملامحها كل الشرائح والفئات في مجتمع يقدر كثيرا البروتين الحيواني ويراه مثل الوقود الذي يحرك المركبة ؛ يبدأ الاهتمام بالخروف منذ ولادته حيث يحرص المربى على غسله كل ثلاثة أيام في فصل الصيف وكل 15 يوما في الشتاء بواسطة الماء والصابون لإزالة العوالق التي تعلق بفروته الخشنة من حشرات وأتربة ويعتقد أن غسله يمنحه مزيدا من الصحة التي تنعكس على وزنه وكمية اللحم المكتنزة فيه ؛ وبعد مرور فترة على ولادته يجلب له صاحبه شخصا متخصصا في القرى حيث يقوم باستئصال أعضائه التناسلية كي يكون الخروف مستعدا للعلف وتقوية لجسده والعملية التي يقوم بها الخصاء تمنع من أن تجعل الخروف ذو رائحة نتنة عامة وتجعل لحمه طيب، مربون الأغنام يجمعون أن استئصال بعض الأعضاء التناسلية من الخروف توفير لطاقتة التي قد يهدرها في التكاثر ! وهى عملية تحتاج إلى دقة بالغة أثناء اجرائها وهو يفسر الأجر المرتفع الذي يحصل عليه ذلك المتخصص مقارنة باجر من يقوم بحلاقة الفروة والتي من الممكن أن يقوم بها اى من ذى الخبرة وتتم عملية الحلاقة كل 15 يوما واجر المنفذ 15 جنيها وكمية من الصوف المقتطع من الفروة ؛ تبدو العناية الفائقة بذلك الحيوان ذى العيون الناعسة الذي ينادى بصوته المميز دوما على رفيق يؤنس وحدته حتى يتم ذبحه وفى الغالب يحضر له صاحبه معزة تكون هي انيسته مثلما جرت العادة خاصة أن كل جزء منه يتم الاستفادة منه بعد ذبحه ؛ فحتى دماء الخروف وقرونه كرس لها المعتقد الشعبي فائدة هامة وهى إبعاد الحسد واتقاء شر العيون الحاسدة حيث يغمس الرجل كفة يده في الدماء ليطبعها على اى شيء يريد تحصينه على شكل الخمسة والخميسة وأكثرها شيوعا الاكفف التي نراها مطبوعة على السيارات الجديدة حيث يذبح صاحبها خروفا ويرسم بدمائه تلك العلامة المميزة لتكسر من حدة نظرات الجيران وتؤمن السيارة من الحسد ؛ أما قرنا الخروف فلهم نفس الفائدة وان كان مكانهما على الواجهات العلوية للمنازل بعد ربطهما جيدا وهما أيضا بمثابة حماية من الأرواح الشريرة التي قد تمر من أمام المنزل ! أما باقي أجزاء الخروف ومنها لحمه فانه في المناسبات العادية لايتم تقسيمه مثلما الحال في ذبائح الأضحى بل يوهب جزء للفقراء حسب تقدير صاحبه وتستخدم فروته في فرش مداخل المنادر " المضيفة " في قرى الصعيدة حيث يقاس مدى ثراء أصحاب المندرة بعدد الفروات التي تفترش الأرض ؛ اجر الجزار عن ذبح الخروف الواحد تتراوح مابين 50 ـ 80 جنيها وقد يحصل على نصيب قليل من لحمه ـ نصف كيلو ـ حسب تقدير صاحب الذبيحة وتبدأ عملية الذبح بإحضار الخروف إلى مكان متسع ومجهز لاستقبال الدماء وان كانت عملية الذبح في عيد الأضحى حاليا بدأت تبتعد عن العلانية مراعاة لمشاعر غير القادرين ماديا ويتم ربط الأرجل ويقوم الجزار بتلاوة البسملة ويهتم بفصل الرأس ويتركه لدقائق حتى تتصفي دماؤه ليقوم بعدها بعملية السلخ والتقطيع ويوزع صاحبه لحمه مثلما يقر الشرع وأول ما يتم حجزه في الخروف هو " الليه " حيث يعتبرها العجائز مقويا جنسيا سريع المفعول كما تشير الموروثات الشعبية إلى أنها تقي من مرض عرق النسا سواء عند الرجل أو الأنثى ؛ ويفضل الصعايدة شراء الخراف الصعيدية ويجلبونها من محافظة أسيوط وهي عديمة القرون مقوسة الأنف ذات رقبة طويلة نسبيا سوداء أو بنية وصوفها خشن وذات ذيل اسطواني شحمي ويستخدم صوفها في صناعة الكليم والبطاطين ويرونها الأفضل من بين الأنواع الأخرى وهى " الاوسيمي" نسبة إلي قرية أوسيم وهى بيضاء اللون ذات رأس بني الذي يمتد إلي الرقبة ومقدم الصدر ؛ و"الرحماني" نسبة إلي قرية الرحمانية بالبحيرة وهي بنية اللون وقد توجد بها بعض البقع البيضاء ويميزها الذيل الكبير البيضاوي 'اللية' المكتز بالشحم وينتهي بعقدة نحيفة ملتوية ويميزها في الذكور الرأس الكبير المقوس الأنف وتحمل قرونا كبيرة هلالية الشكل تلتف حول الاذن؛ و"البرقي" وتعرف أيضا باسم "الدرناوي" أو الأغنام الصحراوية من اصل ليبي نسبة لمدينة برقة وتنتشر علي طول الساحل الشمالي الغربي بمصر وهي متوسطة الحجم وبيضاء اللون ولون رأسها اسود أحيانا وذكورها ذات قرون ويغطي الأرجل وأسفل البطن شعر قصير؛ و"الفلاحي" ويعرف بالبلدي أو الشرقاوي حجمه صغير و"الصنباوي" وهي مجموعة غير متجانسة من الأغنام تنتشر في محافظات الصعيد من أسيوط حتى أسوان وليست لها صفات محددة، أسعار الخراف تشهد ارتفاعا ملحوظا خلال الأيام الماضية حيث عيد الأضحى المبارك حيث وصل سعر الخروف الجاهز للذبح إلى 1200 جنيه ؛ ويفسر التجار ارتفاع أسعار الخراف في العيد بارتفاع أسعار العلف ولعدم وجود ضوابط تحكم أسعار البيع وان الصعايدة لا يقبلون على شراء الخراف المستوردة التي تطرح في المجمعات الاستهلاكية ؛ ونظرا لارتفاع الأسعار فان بعض الأسر تتشارك في شراء ذبيحة كبيرة" عجل " يتم اقتسامه بينهم .