التسول أو سؤال الناس أو المسألة سمها ما شئت ... تلك الظاهرة المقيتة التي يعج بها مجتمعنا و جميع مجتمعات العالم .. هل هي دلالة على الفقر .. أم أن هناك من امتهن التسول حتى صار جزءاً من حياته ..
كيف عالج الإسلام مشكلة التسول .. و كيف وازن بين تشجيع الصدقة و الزكاة و بين ذم السؤال و التسول .
لا شك اننا جميعاً نرثي لحال الفقير المعدم الذي اضطرته الظروف إلى مد يده للناس يستجدي عواطفهم .. لكننا في نفس الوقت لا نعطي ذلك الكذاب الذي يمتهن التسول حرفة و هو ليس بحاجة بل لعله أغنى من الأشخاص الذين يشحذ منهم المال ..
سأدرج هنا قصصاً حقيقية مختصرة عن أساليب متطورة في التسول :
1 – يدخل رجل المسجد و ينتظر فراغ الإمام من صلاة الجمعة ليبدأ بالبكاء و العويل بصوت مرتفع يلهي المصلين عن صلاة السنة .. و ما أن يفرغ المصلون حتى يقول :
زوجتي في المشفى و قد احترقت بالنار .. يا جماعة .. يا أهل الخير .. الخ .
و يبكي حتى يكاد يغمى عليه ..
قام إمام المسجد إلى الرجل و قبل أن يعطيه أحد المال فسأله في أي مشفى وضعت زوجتك .. قال في مشفى : كذا ..
الإمام : طيب سأذهب برفقة مجموعة من كبار الرجال لزيارتها و سندفع لكم فاتورة المشفى .. يتبدل لون الرجل فيقفز من بين الجموع رجل آخر و يسحب من جيبه مالاً كثيرا و يعطيه للسائل و يقول خذ أعن زوجتك و اذهب فوراً إلى المشفى .. شو بدنا نحقق معك .. هذا أمر كرم و بخل ... الخ .
لكن إمام المسجد يصر على إيقاف الرجل .. و بالفعل فقد احتجز الرجلين في غرفته و اتصل برجال الأمن .. الذين تعرفوا على المتسول و صديقه الذي قام يمثل دور الكريم ..
الرجلان من رواد الحانات و هما يصرفان المال على صدور الراقصات . و ليس هناك زوجة محروقة و لا هم يحزنون .
قصة أخرى :
2 – يدخل رجل غريب الثياب إلى المسجد و يقف في الناس خطيباً بدون إذن أحد .. يقول إنه داعية من دولة تشاد و أنه يدعو إلى الله و يلقي على المصلين خطبة تدمي عيون الحاضرين بمن فيهم إمام المسجد ..
و حين ينتهي يقول .. هل لكم في زكاة عابر السبيل الذي قصدكم .. فيقوم الناس ليعطوه مما أثر فيهم من بلاغة خطبته ..
لكن إمام المسجد يمنعهم و يسأله عن جواز سفره .. الرجل يتهرب .. و بتفتيش الرجل وجدوا أنه سوري من البوكمال و هو يجول محافظات القطر بهذا الأسلوب السقيم .
3 – القصص كثيرة متنوعة و معظم الذين يطرقون الأبواب ليسوا محتاجين فما هو دورنا .
في الحقيقة فما دفع هؤلاء للنجاح بأساليبهم القذرة من خداع للناس هو حب الخير الكامن في صدور شعبنا .. و نقطة أخرى هو استسهال طريق الخير ..
نعم فالمتصدقون يجدون في هؤلاء طريقاً سهلاً لدفع صدقاتهم و زكواتهم على حساب المحتاج الحقيقي الذي لا يسأل الناس مالهم ..
أولئك الذين يجلسون في بيوتهم يمنعهم كبريائهم من السؤال ..
و هل هؤلاء موجودون ؟؟؟ هل يوجد عندنا جياع ..
من يسأل هذا السؤال يجهل حقيقة مجتمعنا .. نعم هناك جياع كثر في بلادنا لكنهم لا يخرجون إلى الشوارع .. ابحث عنهم و كلف نفسك عناء البحث عن الفقير الحقيقي ..
عن رجل يعيل صغاره من الفتات و لا يملك أن يشتري لهم خبزاً كل يوم ..
ابحث عن الأرامل و عن اليتامى و عن العجائز .. ابحث لتكسب ثواب الصدقة و ثواب البحث .
و إليك باقة من الأدلة حول موضوع التسول نبدؤها بكلام الله حول الفقير الحقيقي :
يقول الله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم :
لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ {273} البقرة .
آية استحقاقات الزكاة :
ِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {60} التوبة .
الفقراء : هم الذين لا يجدون قوت يومهم .
المساكين : أشخاص يعملون لكن دخلهم لا يكفيهم .العاملين عليها : هم جامعوا أموال الزكاة و قد انتهى دورهم في أيامنا هذه .
المؤلفة قلوبهم : هم غير المسلمين الذين تدفع لهم الزكاة لترغيبهم بالإسلام و قد انتهى دورهم في أيامنا هذه .
في الرقاب : إعتاق رقبة العبيد و الإماء و قد انتهى دورهم في أيامنا هذه .
الغارمين : الذين عليهم ديون .
في سبيل الله : تجهيز الجيوش .
ابن السبيل : زائر للمدينة فقد ماله .
و في الحض على العمل آيات كثيرات منها :
و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون .
أما الأحاديث الشريفة فلعلها كثيرة كثيرة سأذكر بعضاً منها :
يقول عليه الصلاة و السلام :
"" من سأل الناس أموالهم تكثرا ( لتكثير أمواله ) فإنما يسأل جمر جهنم، فليستقلّ منه أو ليستكثر " السيوطي .
"" لا يزال الرجل يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْم "" .
"" خير الصدقة ما أبقت غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول "" السيوطي .
"" لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف اللَّه بها وجهه خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه "" البخاري .و في الحض على العمل حديث شريف لطيف ..
حيث لقي سيدنا سعد بن معاذ رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان سيدنا سعد ذو يدين جافتين قاسيتين متشققتين من العمل فخجل أن يصافح رسول الله ..
فبادره رسول الله صلى الله عليه و سلم : مد يدك يا سعد .. فمد سيدنا سعد يده على استحياء ..
فسحبها رسول الله و قبلها بفمه الشريف و قال : يا سعد إن هذه اليد يحبها الله و رسوله .. إن هذه اليد لا تمسها النار يوم القيامة .
و في حديث آخر يقول عليه الصلاة و السلام :
من بات كالاً من عمل يده بات مغفوراً له ذنبه ..
و يقول الشاعر حينما سألته ابنته عن قساوة يديه ..
بنيتي ، لا تستنكري كد يدي *** ليس من كد لعز بذليل .
إنما الذلة ان يمشي الفتى *** ساحب الذيل إلى وجه البخيل .
الخلاصة :
حض الإسلام على العمل و شجع عليه كما نبذ التسول و استعطاف الناس ، بالمقابل شجع على الصدقة الزكاة لأصحابها الحقيقيين و ليس لمن يطرق الأبواب يقول عليه الصلاة و السلام :
"" ليس المسكين بالطواف ولا بالذي ترده التمرة ولا التمرتان ولا اللقمة ولا اللقمتان ولكن المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا ولا يفطن له فيتصدق عليه .. ""
__________________