الثورة الكاملة هى التى تتلاقى فيها إرادة الشعب مع الجيش لإحداث التغيير المنشود، وإذا ما حدث التغيير بناء على إرادة الجيش بمفرده فإن ذلك يعد انقلابا وليس ثورة، أما لو حدثت عن طريق الشعب فقط فإنها ثورة ناقصة تحدث الفوضى وتكون دموية غالبا، أما ما حدث فى مصر فقد أعطى نموذجا رائعا للثورة الناجحة التى تلاقت فيها إرادة الشعب مع الجيش وقد تميزت الثورة المصرية بأن اندلاع شرارتها الأولى قد كان بسبب تلاقى إرادة بعض الشباب النشط إلكترونيا لإحداث الثورة . إن المتابع للأحداث سوف يكتشف أن إرادة الشعب المصرى كانت أقوى من النظام البائد وأن الأسلوب الذى اتبعه الشباب أثناء الثورة بات موضوعا ثريا سوف تدرسه الجامعات العالمية لطلابها من المتخصصين فى ثورات الشعوب عبر السنوات القليلة القادمة ومعرفة أسبابها وكيفية حدوثها.
وأما عن نوعية الشباب الذى أحدث الشرارة الأولى للثورة فحدث ولا حرج عن ثقافتهم ووعيهم وهذا خلاف للقول بأن هذا الشباب كان من العاطلين عن العمل لأن شباب مصر لا ييأس ولا يستسلم للبطالة . لقد كانت شعاراتهم تمس شغاف القلوب ونغماتهم تطرب الضمائر، وكان النظام السابق يدير الأزمة بأسلوب المتخبط وعن طريق المرتزقة ولذلك عندما حاول أن يدفع ببعض المؤيدين لم نجد فى وجوههم أو تحركاتهم أو أسلوبهم أى دليل على الحب والانتماء، لأنهم جاءوا من أجل حفنة من الجنيهات وليس حبا فيمن جاءوا من أجله وقد زاد الطين بلة أن النظام البائد كان كعهده دائما يتعامل مع رغبات المتظاهرين بنوع من اللامبالاة وعدم الاكتراث وعندما حمى الوطيس قدم النظام تضحيات متلاحقة ولكنها لم تكن لترضى الشعب بأكمله الذى شعر أن هذا الأسلوب يعكس الاستهانة والاستخفاف بالشعب.
ومن أهم الدروس المستفادة من هذه الثورة: أن شعب مصر لديه من القدرة على التحمل والمثابرة والجلد ما يؤكد أن فى مصر خير أجناد الأرض وأن درجة الوعى وحساب التصرفات أرقى من كل وصف أما عن التضامن والإتحاد فالصورة التى رأيناها فى ميدان التحرير قطعت بأننا نسيج واحد وجسد واحد.
إن توقف حركة الحياة فى مصر لعدة أيام دفع هذا الشعب العظيم لاقتسام قطعة الخبز، وقد عانى الكثير من أصحاب المهن الحرة من توقف الحياة ومع ذلك كانت الرغبة فى الحرية والأمل فى التغيير أغلى من كل شىء.
إن مصر اليوم سوف تشهد فى السنوات القليلة القادمة نهضة حضارية سوف تعيد أمجاد مصر الخالدة بعيدا عن حقد الحاقدين وعبث العابثين).