لم يكن الرسول يلبس (لباس خطباء اليوم)..ومنبره ثلاث درجات..على عصا ولم يمسك على المنبر بسيف
وقد أشير الى صلاة الجمعة في سورة الجمعة (يا أيها الذين
آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله) وسورة الجمعة من
السور المدنية وكانت الآية قد نزلت لان تجارة كانت قد قدمت من بلاد الشام
يرأسها دحية بن خليفة الكلبي أو غيره تحمل زيتا أو طعاما وكان رسول الله
يخطب يوم الجمعة فلما سمعوا بها جعلوا يتسللون ويقومون اليها خشية أن
يسبقوا اليها فتباع حتى بقيت منهم عصابة من اثني عشر رجلا وامرأة وكانوا
إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والمزامير والكبر والتصفيق فلما نظر رسول
الله الى المصلين وقد انفضوا من حوله عنفهم ووبخهم ونزل في حقهم مانزل في
الآية من ترك البيع حالة صلاة الجمعة الى قوله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا
انفضوا اليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله
خير الرازقين).
وكان رسول الله "إذا صعد على المنبر سلم فإذا جلس أذن
المؤذن وكان يخطب خطبتين ويجلس جلستين وكان يشير بإصبعه ويؤمن الناس وكان
يتوكأ على عصا يخطب عليها يوم الجمعة وكانت من شوحط وكان إذا خطب استقبله
الناس بوجوههم وأصغوا بأسماعهم ورمقوه بأبصارهم وكان يصلي الجمعة حتى تميل
الشمس وكان له برد يمني طوله ست اذرع في ثلاث اذرع وشبر وإزار من نسج عمان
طوله أربع اذرع وشبر في ذراعين وشبر فكان يلبسهما في الجمعة ويوم العيد ثم
يطويان.
خطبة الجمعة
دونت كتب السير والأخبار نص أول خطبة خطبها رسول الله بصلاة
الجمعة وهي خطبته التي خطبها في مسجد بني سالم يوم صلى أول صلاة جمعة وقد
راجعت نصها في الموارد المذكورة، فوجدت أنها مختلفة متباينة فهي طويلة في
مرجع وهي قصيرة في مرجع آخر ثم إن نصها يختلف أيضا روى الطبري الخطبة على
هذه الصورة:
((الحمد لله أحمده وأستدعينه وأستغفره واستهديه وأومن به
ولا أكفره وأعادي من يكفره وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان
محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل وقلة من
العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة وقرب من الأجل من
يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا وأوصيكم
بتقوى الله فان خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة وان
يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ولا افضل من ذلك نصيحة ولا
افضل من ذلك ذكرا وان تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق
على ما تبغون من أمر الآخرة ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر
والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره وذخرا فيما
بعد الموت حين يفتقر المرء الى ما قدم وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينها
أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد والذي صدق قوله وأنجز
وعده لا خلف لذلك فانه يقول عز وجل (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام
للعبيد) فاتقوا الله في عاجل أمركم واجله في السر والعلانية فان من يتق
الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما. وان
تقوى الله يوقي مقته ويوقي عقوبته ويوقي سخطه وان تقوى الله يبيض الوجوه
ويرضي الرب ويرفع الدرجة خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله قد علمكم الله
كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين فاحسنوا كما احسن
الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم
المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من يحيى عن بينة ولا قوة إلا بالله
فاكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم فانه من يصلح ما بينه وبين الله
يكفه الله ما بينه وبين الناس ذلك بان الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه
ويملك من الناس ولا يملكون منه الله اكبر ولا قوة إلا بالله العظيم)).
وذكر رواة آخرون أن أول خطبة خطبها في مسجد بني سالم كانت على هذا النحو:
((حمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها
الناس فقدموا لأنفسكم تعلموا الله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس له راع
ثم ليقولن له ربه، ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي
فبلغك؟ وآتيتك مالا وأفضلت عليك؟ فما قدمت لنفسك؟ فلينظرن يمينا وشمالا فلا
يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقي وجهه من
النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة فان بها تجزى الحسنة
عشرة أمثالها الى سبع مائة ضعف والسلام على رسول الله ورحمة الله
وبركاته)).
وذكر ابن قيم الجوزية أن رسول الله "لم يكن يلبس لباس
الخطباء اليوم لا طرحة ولا زيقا واسعا وكان منبره ثلاث درجات فإذا استوى
عليه واستقبل الناس اخذ المؤذن في الأذان فقط ولم يقل شيئا قبله ولا بعده
فإذا اخذ في الخطبة لم يرفع أحد صوته بشيء البتة لا مؤذن ولا غيره وكان إذا
قام يخطب اخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر كذا ذكره عنه أبو داود عن
ابن شهاب. وكان الخلفاء الثلاثة بعده يفعلون ذلك وكان أحيانا يتوكأ على قوس
ولم يحفظ عنه انه توكأ على سيف وكثير من الجهلة يظن انه كان يمسك السيف
على المنبر إشارة الى ان الدين إنما قام بالسيف وهذا جهل قبيح من وجهين:
أحدهما أن المفوض انه صلى الله عليه وسلم توكأ على العصا وعلى القوس الثاني
أن الدين إنما قام بالوحي واما السيف فلمحق أهل الضلال والشرك ومدينة
النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب فيها إنما فتحت بالقران ولم تفتح
بالسيف.
وعادة توكؤ الخطيب على عصا او على قوس عادة عربية قديمة فقد
كان الخطيب في الجاهلية يأخذ المخصرة بيده وهي ما يتوكأ عليه كالعصا
ونحوه، فلا يخطبون الا بالمخاصر وكانوا يعتمدون على الأرض بالقسي ويشيرون
بالعصا والقنا ومنهم من كان يأخذ المخصرة في خطب السلم والقسي في الخطب عند
الخطوب والحروب.
وكان حكام العرب في الجاهلية يستعملون العصا عند جلوسهم
للحكم بين الناس وكانوا يجلسون على منبر او سرير وقد عرف ربيعة بن مخاشن او
ابوه مخاشن بذي الاعواد وذكر اهل الاخبار انهما انما عرفا بذلك لانهما اول
من جلسا على منبر في اثناء النظر في القضاء بين المتخاصمين.
وطالما قرأنا عبارة " وهو ممن قرعت له العصا " و " ان العصا
قرعت لذي الحلم " او " اول من قرعت له العصا عامر بن الظرب العدواني "
ووجدناها تلازم ذكر الحكام تلازما يدل على ان العادة العربية القديمة كانت
استعمال العصا او القوس لا السيف حين الخطبة او النظر في امر من امور الناس
وان الرسول ومن جاء بعده من الراشدين توكؤوا على العصي لا السيوف.
صلاة العيدين
وصلى رسول الله صلاة العيد يوم الفطر بالمصلى قبل الخطبة.
وصلى العيد يوم الأضحى، وامر بالأضحية. وكان يصلي العيدين قبل الخطبة بغير
اذان ولا اقامة، وكانت تحمل العنزة بين يديه وكانت العنزة للزبير بن
العوام، قدم بها من ارض الحبشة، فاخذها منه الرسول.
والمصلى على باب المدينة الشرقي، وكان اذ ذاك فضاء لم يكن
فيه بناء ولا حائط ، فكان الرسول يمشي اليه لصلاة العيدين فيه. ولم يصل
العيد بمسجده الا مرة واحدة: أصابهم مطر، فصلى بهم العيد في المسجد. " وكان
يلبس للخروج إليهما اجمل ثيابه، وكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، ومرة
كان يلبس بردين اخضرين ، ومرة بردا احمر مصمتا ". " وكان يأكل قبل خروجه
في عيد الفطر تمرات، ويأكلهن وترا. واما في عيد الاضحى، فكان لا يطعم حتى
يرجع من المصلى، فيأكل من اضحيته.
وكان يغتسل يوم العيد قبل خروجه، ثم يخرج ماشيا بعد ان يكون
قد لبس خير لبسه، وتجمل احسن هيئة، والعنزة تحمل بين يديه. فاذا وصل الى
المصلى، نصبت بين يديه ليصلي اليها، وكان يؤخر صلاة عيد الفطر، ويعجل
الأضحى.
وذكر الطبري انه في السنة الثانية من الهجرة " حملت العنزة
له، أي الرسول، الى المصلى، فصلى اليها، وكانت للزبير بن العوام – كان
النجاشي وهبها له – فكانت تحمل بين يديه في الأعياد وهي اليوم فيما بلغني
عند المؤذنين بالمدينة.
وقد ذكر الطبري: " أن صلاة العيد كانت في السنة الثانية من
الهجرة". وورد: " ان رسول الله اقام بالمدينة عشر سنين يضحي في كل عام. و"
ان نزول فرض رمضان، كان بعدما صرفت القبلة الى الكعبة بشهر.
وذكر " ان رسول الله قام قبل يوم الفطر بيومين خطيبا، فعلم
الناس زكاة الفطر، وخرج الى المصلى يوم الفطر، فصلى بالناس صلاة الفطر.
فتكون زكاة الفطر اذن قد فرضت مع هذه الصلاة.
وكان اذا اكمل الصلاة انصرف، فقام مقابل الناس، والناس جلوس
على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم وينهاهم، وان كان يريد ان يقطع بعثا
قطعه، او يامر بشيء امر به، ولم يكن هناك منبر يرقى عليه ولم يكن يخرج منبر
المدينة ، وانما كان يخطبهم قائما على الارض. وكان يحثهم في خبطته على
التصدق، فيقول: تصدقوا. فاكثر من يتصدق النساء بالقرط والخاتم والشيء.
وكان اذا ضحى اشترى كبشين سمينين اقرنين املحين، فاذا صلى
وخطب، اتي باحدهما، وهو قائم في مصلاه فذبحه بيده بالمدية، ثم يقول: اللهم
هذا عن امتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ. ثم يؤتى بالاخر،
فيذبحه هو عن نفسه بيده، ثم يقول: هذا عن محمد وال محمد، فيأكل هو واهله
منه ويطعم المساكين. وكان يذبح عند طرف الزقاق عند دار معاوية.