وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: إياكم والجلوس بالطرقات، قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال: فأما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه؟، قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. متفق عليه.
--------------------------------------------------------------------------------
حديث أبي هريرة أو حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- حديث فيه وصايا عظيمة وفيه دلالة أولا: أنه لا بأس من الجلوس في الطرقات بعد، وإن كان الأولى هو اجتنابه، ولذا قال: إياكم، وفي اللفظ الآخر عند مسلم: ما لكم ولمجالس الصعودات ما لكم هنا إياكم والطرقات، قالوا: ما لنا بد من مجالسنا، قال: فإن أبيتم إلا الجلوس، وفي لفظ: إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق، قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه وصايا عظيمة، في هذه الشريعة.
الإنسان يخرج من بيته، على قدميه أو على سيارة، يعلم أن عليه حقوقا وأن له حقوقا، وهذه كثير من الناس يغفل عنها، يظن الخروج من البيت مثل أي خروج، لا الإنسان، الإنسان مكلف ليس كالبهيمة، ولهذا ترى أن الإنسان إذا خرج، يخرج ذاكرا لله -عز وجل- الأذكار المشروعة، ثم بعد ذلك إن كان يريد أن يمشي فعليه حق السلام، إزالة الأذى وما أشبه ذلك.
وإن كان يريد الجلوس فعليه حقوق وله حقوق، عليه حقوق وإن لم يؤد هذه الحقوق فلا يجوز له الجلوس في المجالس، قالوا: ما لنا بد من مجالسنا في اللفظ الآخر: نذكر الله وهذا الحديث رواه مسلم من حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري وفيه حسن زيادة حسن الكلام، ورواه أبو داود أيضا من حديث أبي هريرة وفيه إرشاد الضال، يعني: زيادة إرشاد الضال، ورواه أيضا أبو داود من حديث عمر -رضي الله عنه-، وفيه إغاثة الملهوف وأن تهدوا الضال، في حديث أبي هريرة إرشاد السبيل والمعنى واحد إرشاد السبيل وفي حديث عمر تهدوا الضال، وقال: تغيثوا الملهوف، وجاء هذا المعنى أيضا من حديث شريح خويلد بن عمرو الخزاعي عند أحمد بإسناد ضعيف، ومنه قال: غضوض البصر، يعني فيه مبالغة، وهذه كلها حقوق تجب على من أراد الجلوس في الطريق.
والأخبار جاءت أخبار عدة فيها خصال أكثر من هذا لكن الشاهد أن هذه خصال يجب أن يعمل بها، فإن لم يعمل بها فلا يجوز له، ومن ذلك أنه إذا سار بسيارته فإن عليه حقوق وله حقوق، وأمر الطريق والجلوس فيه من الأخبار الشيء الكثير، وبسطه أهل العلم وبينوه، لكن إشارة إلى شيء ما اشتمل عليه هذا الخبر وهو قوله: إياكم، كأن فيه إشارة إلى أن الأولى هو عدم التعرض وعدم الجلوس، وذلك أنه قد لا يسلم من إتباع البصر، والنظر إلى المحرمات، وكذلك عدم القيام بالحقوق الواجبة عليه، لكن إذا كان أبى إلى المجلس، فالواجب عليه هذه الحقوق: غض البصر هذا أمر واجب؛ لأنهم يمروا يعني في الطريق والطريق له حقه لكنه في فناء ولم يراع ذلك، لكن عليه أن يعتني بهذا وهو غض البصر.
وكف الأذى هذا واجب على كل حال باللسان وبالقول، وفي حديث أبي ذر في الصحيحين، أنه أمره قال فإن لم يفعل قال: يكف أذاه فإنه عليه صدقة، أو فإن له به صدقة، هذا يبين أن كف الأذى نوع من الفعل، اختلف العلماء هل الترك فعل أو ليس بفعل، وظاهر النصوص والأدلة على أنه فعل، وهذا من حكمة هذه الشريعة ومن رحمتها أن جعلت نفس الكف يؤجر عليه، والأظهر والله أعلم أنه يكون فعلا إذا قصده العبد، ولهذا قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قال: فإن لم يفعل، قال: يعين ذا الحاجة الملهوف وقال فإن لم يصنع أو فإن لم يفعل قال: يكف عن الشر فإنه له به صدقة جعله صدقة، وهم سألوه أولا ماذا عليه؟ فدل على أن نفس الكف فعله قد ورد فيه بعض الأدلة من الكتاب والسنة يدل على هذا المعنى، لكن الشأن في كونه يكف أذاه، وأنه به صدقة، أو عليه صدقة بذلك، ورد السلام وهذا فيه التأييد لما تقدم معنا أن الجالس له الحق، وأن المار هو الذي يسلم، ولو مر جمع كثير على قليل فإن الحق للقليل ما داموا جالسين.
أما قوله: والقليل على الكثير، فإنه مخصوص بغير الجالس، فالجالس مثل ما تقدم المار على الجالس، أو الماشي على الجالس، والظاهر أنه يشمل ما إذا كانوا كثيرا على قليل، أو كبيرا على صغير، قوله: الكبير على الصغير يعني في غير الجالس، ولهذا جعله حقا عليه، حقا أن الحق الذي عليهم قال: هو رد السلام، دل على أنهم لا يلزمهم السلام وهذا واضح لأن الذي يجلس له مزيتان:
أولا: أنه جالس ولو أمر بمراعاة من يمر لشق عليه ذلك، والمار أمره متيسر +.
الأمر الثاني: أن المار مع الجالس بمثابة الداخل على الإنسان في مجلس، ومن دخل على قوم فإن السلام مشروع في حقه هو الذي يسلم لا يبدأ بالسلام من هو جالس يسلم من داخل، وهذا معروف في الأدلة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك سائر الخصال الأخرى التي وردت في الأخبار المتقدمة نعم.