التضيق الحاصل في العمود الفقري spinal stenosis يعتبر من اكثر الحالات الشائعة لآلام منطقة الفقرات القطنية في اسفل الظهر lumbar spine، لدى الاشخاص الأكبر سنا. وهذه الحالة عبارة عن تضيق في قناة العمود الفقري، يؤدي الى الضغط على الحبل الشوكي، وعلى جذور الاعصاب المتفرعة، او على الاثنين. ويمكن لهذا التأثير ان يمتد نحو الإليتين، الفخذين، وأسفل الرجلين كذلك، مسببا آلاماً اكثر، وتنميلا، او قرصا، وكذلك الى الضعف.
في الحالات الشديدة فانه قد يؤثر على عملية التحكم بالمثانة والأحشاء. وبمقدور اعراض التضيق في العمود الفقري ان تشل النشاطات العادية مثل المشي والوقوف. وعندما تضحى الاعراض مزمنة، فان بإمكانها ان تهيئ الحلبة لمشاكل صحية ترتبط بقلة النشاط، وهي امراض القلب والاوعية الدموية، السمنة، والكآبة.
سبب رئيسي
السبب الرئيسي للتضيق الحاصل في العمود الفقري، هو التغيرات الناجمة عن تقدم العمر التي حدثت في عظام العمود الفقري والانسجة الاخرى له. وتظهر هذه الحالة عادة بعد سن الخمسين، الا انها قد تظهر مبكرا لدى الاشخاص الذين تعرضوا الى أذيات في العمود الفقري او ولدوا بقناة متضيقة في العمود الفقري. وربما تبلغ نسبة الاشخاص المصابين بهذه الحالة 35 في المائة من جميع الذين يبحثون عن علاج لآلام اسفل الظهر. كما انها تعتبر الحالة الرئيسية للأذيات في العمود الفقري لدى الاشخاص الذين تزيد اعمارهم عن 65 سنة.
التوصية المعتادة لعلاج آلام أسفل الظهر، هي الاعتماد على منطلقات محافظة، بمحاولة استخدام خيارات اخرى غير الجراحة: وهي الادوية، العلاج الطبيعي، تغيير نمط الحياة، وربما الحصول على حقنة في العمود الفقري. وهذه الاستراتيجيات لا تؤدي مفعولها دوما لبعض الناس المعانين من اعراض التضيق في العمود الفقري، الأكبر سنا والذين لديهم مشاكل صحية اخرى تزيد من حدة مشاكل الظهر. وبالمقابل فإن 20 في المائة فقط من الحالات تتحسن مع اجراء العمليات الجراحية.
وحتى إذا فشلت المنطلقات المحافظة هذه، فان اطباء المستشفيات يترددون في التوصية بإجراء الجراحة، الا في حالات الآلام الشديدة او الإعاقة. ويعود هذا جزئيا الى ان الدراسات حول العلاج الجراحي محدودة وغير متوافقة. الا ان سلسلة من دراسات المراقبة التي انتهت حديثا، لمقارنة الطرق الجراحية مع الطرق غير الجراحية، ربما تساعد في تغيير تلك الصورة.
اعصاب العمود الفقري
غالبية حالات تضيق العمود الفقري تحدث بسبب تدهور حالة الأقراص بين الفقرات disks، الأربطة ligaments، او المفاصل بين الفقرات (المفاصل السُطيْحية) facet joints.
ويساهم تدهور الأقراص في التأثير على الاعصاب بعدة طرق. فقد يضعف غطاء العصب ويتهتك - وهنا يظهر ما يعرف بانزلاق القرص المتهتك، الذي يسمح للمحتويات الجيلاتينية في التمدد والدخول نحو قناة العمود الفقري، والضغط على الحبل الشوكي او الجذور العصبية. وفي بعض الاحيان يضغط القرص المتهتك على جذر عصب عرق النسا (العصب الوركي) الكبير، الذي ينحدر في باطن الرجل، مسببا الآلام فيه التي تنطلق نحو الإلية والفخذ، وأحيانا نحو الركبة والقدم.
ومع تقدم العمر، يتقلص حجم الأقراص، الامر الذي يقلل من مساحة الفراغات بين عظام المفاصل السطيحية. ويؤدي الضغط على هذه السطوح الى تغيرات عظمية ومنها ظهور نتوءات عظمية تزيد في ضيق الحيز الذي تمر فيه جذور الاعصاب لدى خروجها من العمود الفقري. ويقود تقلص حجم القرص ايضا الى احتمال انثناء الاربطة المسماة ligamentum flavum، نحو الداخل. وهذه الاربطة تغطي عادة الجانب الخلفي لقناة العمود الفقري. ويؤدي هذا الانثناء الى زيادة الانحشار في الحبل الشوكي وجذور الاعصاب.
المصدر الآخر لآلام أسفل الظهر، مرض الانزلاق الفقري spondylolisthesis الذي يشيع لدى النساء اكثر من الرجال. وفي هذا المرض فان الفقرة القطنية تنزلق الى الامام فوق الفقرة التي تحتها، الأمر الذي يؤدي الى خرق حالة اصطفاف فقرات العمود الفقري. اما الاسباب الاخرى للتضيق في العمود الفقري فتشمل حدوث الاورام، الأذيات الجسدية، العدوى نتيجة جراحة ظهر سابقة، ومرض باجيت Paget’s disease (وهو مرض مزمن في العظام).
تشخيص الحالة
يمكن للطبيب عادة تشخيص حالة التضيق في العمود الفقري استنادا الى الأعراض، والى تاريخ المريض الصحي، والفحص المباشر. اما دراسة صور الاشعة- في العادة بالمرنان المغناطيسي او التصوير المقطعي الطبقي- فقد يحتاجها الطبيب للتأكد من التشخيص او لتقييم الحالة قبل اجراء الجراحة.
ان اهم عرض لحالة التضيق في العمود الفقري هو العرج العصبي المنشأ neurogenic claudication، اذ تظهر الآلام في اسفل الظهر، والإلية، والرجل، وتزداد سوءا اثناء المشي او الوقوف لكنها تتحسن مع الجلوس، او مع التحدب او مع إمالة الجسم الى الامام.
والشخص المصاب بتضيق في العمود الفقري، لا يشعر بالارتياح عند المشي منتصب القامة، ويجد نفسه اكثر ارتياحا عند ركوبه الدراجة الهوائية او المشي، او اثناء اعتماده على عربة مثل عربات التسوق مثلا، او على أية أداة اخرى مساعدة- وهذه هي النشاطات التي تزيد مرونة اسفل الظهر وتقلل الضغط على الاعصاب في منطقة الفقرات القطنية من العمود الفقري. ويشعر المريض عادة بالأعراض في جانبي أسفل الجسم، رغم ان عرق النسا قد يؤثر على جانب واحد.
وسيقوم الطبيب في المستشفى بفحص الافعال الانعكاسية للمريض، ويقيم محدودية الحركة، ويجري اختبارات لاستبعاد وجود اسباب محتملة اخرى. وقد يطلب من المريض الوقوف وقدماه مصفوفتان الى بعضهما وعيناه مغلقتان للتعرف على مدى التوازن لديه، وهي وسيلة تسمى «مناورة رومبرغ» Romberg maneuver. وقد وجد باحثو هارفارد ان المرضى المصابين بتضيق العمود الفقري، لا يحافظون على توازنهم اثناء انتصابهم على القدمين، ولديهم انحناءة عريضة في قاماتهم.
العلاج
ان هدف العلاج يكمن في تخفيف الآلام وإزالة شعور عدم الراحة، وفي نفس الوقت تحسين حركية المصابين وضمان أدائهم لوظائفهم. وفي ما عدا الحالات الشديدة للأعراض، فان الطبيب سيحاول في العادة وضع استراتيجيات متعددة غير العملية الجراحية، قبل ان يقترح اجراءها.
وحتى ان ظهر ان الاعراض لا تتحسن كثيرا اثناء اتباع الوسائل المحافظة، فانها، أي الاعراض، لن تزداد سوءا كما يظهر، ولن يعاني المريض من اضرار متزايدة في الاعصاب. الا ان اعراض الاعاقة المزمنة قد تقود المريض الى خطر حدوث مشاكل صحية اخرى. وإن كان الألم والشعور بعدم الراحة يتداخلان مع النشاطات اليومية المعتادة ونوعية الحياة، فان المريض قد يفضل اجراء الجراحة مبكرا. واليك خيارات العلاج:
العلاج بالوسائل المحافظة
العلاج الطبيعي هو الاساس للعلاجات غير الجراحية. وهدفه تقوية عضلات البطن والظهر، الحفاظ على الحركة في العمود الفقري، وتحسين اللياقة البدنية عموما. ويوصى بالقيام بنشاطات رياضية عامة وكذلك برياضة الآيروبيك (ركوب الدراجات، على سبيل المثال). اما الكورسيه او المشدات على البطن، فانها قد تساعد على تخفيف الألم، الا انها قد تضعف عضلات وقفة الجسم او وضعه، ولذلك لا ينبغي ارتداء الكورسيه او المشدات لأكثر من بضع ساعات في اليوم.
وتشمل الادوية المخففة للالم على «أسيتامينوفين»، الأسبرين، والادوية الاخرى غير الاسترويدية المضادة للالتهابات، اضافة الى المسكنات الافيونية opiates. ولم تظهر اية دراسة دلائل على تفوق دواء على آخر، ولذلك فان الاختيار يتم وفقا لتقبل المرضى للأدوية ومدى خطورتها على صحتهم العامة.
اما الحقن بالاسترويدات القشرية corticosteroids في الفراغات المحيطة بجذور الاعصاب او في المفاصل السٌطَيْحية، فان بمقدورها تقليل الالتهابات وتخفيف الألم لبضعة اسابيع او شهور. كما يمكن حقن إبر التخدير.
وتوجد بعض الدلائل السريرية على ان عمليات تقويم العمود الفقري يدويا chiropractic manipulation تساعد في تخفيف الآلام، الا انها لم تكن اكثر فاعلية من وسائل العناية التقليدية غير الجراحية. وقد اظهرت الدراسات السريرية المراقبة، بان الوخز بالإبر يقلل بشكل متواصل من آلام اسفل الظهر، الا انه، ومرة اخرى، لا توجد ادلة موثوقة بانه افضل من العلاجات الاخرى.
الجراحة
الهدف من الجراحة هو تخفيف الضغط على الحبل الشوكي وجذور الاعصاب، واعادة وضعية الاصطفاف الى العمود الفقري. ويتم هذا بازالة الاجزاء العظمية او الميتة التي تسبب هذا الضغط او تخرق وضعية اصطفاف الفقرات.
وفي اكثر العمليات شيوعا المسماة بعملية ازالة الصفيحات من الفقرات laminectomy يقوم الجراح باحداث شق في الظهر ثم يزيل “صفيحة” (سقف) lamina واحدة او اكثر من الفقرات، بهدف خلق فراغات اكبر للاعصاب. وقد يتم ازالة اجزاء من المفاصل السطيحية المتزاوجة، اضافة الى أي نتوءات عظمية او اقراص متهتكة.
والاشخاص الذين لديهم حالتا التضيق في العمود الفقري والانزلاق الفقري قد يخضعون لجراحة الدمج الفقري spinal fusion، وهي عملية لربط الفقرات وتثبيت مواقعها بشكل دائم، غالبا بوضع الصفائح والبراغي.
وحتى عهد قريب، ظلت البيانات التي تقارن بين الجراحة وبين وسائل العناية غير الجراحية، محدودة. الا ان دراسة للحالات على مدى نحو سنتين، افادت ان عملية ازالة الصفيحات من الفقرات هي اكثر فاعلية من العلاجات غير الجراحية للاشخاص المعانين من آلام شديدة لحالات التضيق في العمود الفقري التي لا ترتبط بحالة الانزلاق الفقري.
وهذه الدراسة هي جزء من دراسة «اختبارات ابحاث نتائج حالات المصابين بامراض العمود الفقري» Spine Patients Outcomes Research Trial (SPORT)، وهي دراسة لمدة 5 اعوام مولتها مراكز الصحة الوطنية. وقد نشرت النتائج في عدد 21 فبراير 2008 من مجلة «نيو إنغلاند جورنال اوف ميديسن». وفي الدراسة خفت الآلام بشكل اكبر لدى المرضى الذين خضعوا لعملية جراحية، وتحسن أداؤهم لوظائفهم، وعبروا عن رضى اكبر بالنتائج. ومع ذلك فان هذه النتائج لا تزال بحاجة الى تدقيق اكثر.
وتفترض نتائج اخرى من دراسات SPORT ان الجراحة هي اكثر فاعلية على مدى سنتين لحالات التضيق في العمود الفقري المرتبطة بالانزلاق الفقري (مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» 31 مايو 2007). كما ذكرت ان الجراحة وكذلك العناية غير الجراحية هما فاعلان بنفس الدرجة لحالات عرق النسا او تهتك القرص (مجلة الجمعية الطبية الاميركية، 27/29 نوفمبر 2006). ومع ذلك فان تلك النتائج لم تكن حاسمة.
ولم تجد أي من الدراسات ان استخدام الوسائل المحافظة ارتبط مع زيادة في الآلام او انه ادى الى تدهور في الأداء الوظيفي للمصابين. وهذا قد يكون مطمئنا لاولئك المرضى الذين يتصورون ان وضعهم سيكون اسوأ إن لم يتوجهوا لاجراء الجراحة. وتفترض البيانات طويلة المدى من دراسات اخرى ان 60 الى 90 في المائة من المعانين من تضيق العمود الفقري، تتحسن احوالهم في العام الاول بعد اجراء الجراحة، الا ان الفوائد تضمحل مع الزمن. ويحتاج بين 10 و25 في المائة منهم الى جراحة اخرى.
تعرف على المشكلة ما الذي يعنيه كل ذلك لك ؟
ان التضيق في منطقة الفقرات القطنية في العمود الفقري يتحول الى اكثر الحالات شيوعا مع تقدم السكان في العمر. وتوجد دلائل اكثر على ان علاجه واجب. وهناك عدة قواعد يمكنها المساعدة في ذلك. فان حدث لديك ألم مفاجئ او شديد، او تنميل، او ضعف، فتوجه الى الطبيب فورا. وان امكنك التحكم بالأعراض بواسطة الوسائل المحافظة، وأداء اكثر وظائفك، فواظب على استعمالها.
اما إن لم تتحسن الاعراض وتصبح أسوأ، او تتداخل مع نوعية الحياة لديك فحاول ان تتناقش مع طبيبك حول خيارات الجراحة. وقد ظهرت اساليب جراحية أقل تدخلا، الا انها لم تختبر اثناء تجارب المراقبة. وان اضحت الجراحة محتملة، فحاول ان تجد طبيبا جراحا او جراح اعصاب لديه خبرة واسعة في مشاكل أسفل الظهر.
جراحة اسعافية عاجلة
إن حدث وشعرت بضعف في الرجلين، واختلال في وظائف الاحشاء او المثانة، او تنميل في منطقة الشرج والاعضاء التناسلية، فاطلب المساعدة الطبية فورا. فهذه الاعراض قد تكون ناجمة عن الضغط على المخروط النخاعي cauda equina، وهي الجذور العصبية عند نهاية الحبل الشوكي. وقد يقود الضغط هنا الى اضرار عصبية دائمة، ولذلك يتطلب تقييما طبيا سريعا وجراحة اسعافية مستعجلة.